| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

د. قيس مغشغش السعـدي
drabsha@yahoo.com

 

 

 

 

 

السبت 24/11/ 2007



الترسيم الكاردينالي رسالة الفاتيكان
للتعايش السلمي في العراق

د. قيس مغشغش السعدي

أبناء شعب واحد وإن اختلفت الديانات طالما أن الإيمان بالله واحد، والانتماء في الوطن واحد. وقدر فخر العراق بحضاراته فبناتها نسل موصول مازال حاضرا في آثاره التي تخلد آلاف السنين الخوالي ، وفي إنسانه الذي ما زال يحفظ عهد الوجود المؤسس الأول، وفي لغته التي ما زالت مفرداتها سومرية وأكدية وآرامية في لسان عامة شعبه تواصلا ساميـّا مع العربية.
وعلى قدر الصبر على دهور القهر والظلام ، فإن التطرف والتعصب الذي أشيع في العراق والذي يراد به مسخ الهوية وقلع الجذور ما زال يواجه عمقا منيعا في الانتماء والإصرار في التصدي رغم كل التحديات والإباحات وكبر حجم التضحيات.
كنيسة العراق قائمة منذ انتشار الديانة المسيحية في العراق بأواسط القرن الأول للميلاد. فقد بشر بها في العراق والجزيرة العربية (مار ماري) تلميذ (مار توما ) أحد رسل المسيح الإثني عشر والذي أسس مقره الكنسي فيما بعد في المدائن ( سلوقية وطيسفون). وما لبث كرسي المدائن أن أصبح ( بطريقيا ) يشرف على الكراسي الدينية الأخرى ، وسميت كنيسة العراق - في القرن الثالث الميلادي بإسم - كنيسة المشرق تميزا لها عن الكنائس الأخرى آنذاك ككنيسة القدس وكنيسة الإسكندرية وكنيسة إنطاكية وكنيسة روما والقسطنطينية. ولم يغير الإنتماء الديني عرق أبناء شعبه من ذوي أصل الوجود، فظلوا عراقيين مثلما ظل المندائيون عراقيين وظل الأزيديون عراقيين ومن عاش من الكرد والتركمان والشبك عراقيين أيضا. وقد حفظت الخلافة الإسلامية في أوج عظمتها هذا الوجود وهذا التنوع ، بل وحافظت عليه.
وعلى كل البطش والتقتيل الذي أحله هولاكو في العراق وبغداد حصرا، لم يسع إلى التهجير الديني والعرقي والطائفي. وكان ما أصاب العراقيين واحد، ولذلك كان نضال العراقيين واحد في الصبر على النائبات وتجاوز المحن وتحدي الدخيل من أجل أن يبقى العراق مثال التنوع والتعايش الذي ورثه، ذلك أن الأساس والوجود قيـّم وقديم. إلا ّاليوم في الهجمة الأشد والأشرس التي صار فيها القتل على الهوية بعد تغييب هوية العراق، والدين للتعصب والفتك بالآخر وتهجيره سعيا في الإستغلال، والإرهاب طمعا في إمتلاك العراق على كل الخير الذي فيه والذي يكفي الجميع وزيادة، والتجهيل الذي يرى في الكثرة غلبة وليس رعاية تحتضن جميع الأبناء من الذين يتفاخر العراق بأنهم إمتداد شعوب بناة حضاراته. كلدان بابل في المشرق وآشوريو نينوى ومندائيو أور وأزيديو شيخان وسنجار... ليسوا أقليات أو جاليات، بل بناة وسمات العراق ومورثي إرثه حتى تكامل مع الحضارة الإسلامية التي أسسها العراقيون في بغداد الدنيا. كيف إذن نتباهى بحضارة سومر وبابل وآشور دون أن نتباهى بمن بقي من بناتها حافظين النسغ الصاعد. أيكفي أن نحترم الحجر دون أن نحافظ على البشر؟ وهل ننتظر من يقدر في شعبنا وأمتنا أبناءنا لكي ينبهنا الى تقديرهم فنقدرهم؟ وليت هذا التقدير يستمر!
ها هي إذن رسالة الفاتيكان بمرجعيتها وحبريتها تعلن وتؤكد أن الوجود المؤسس لأبناء العراق القدماء يستحق كرسيا كارديناليا على مستوى العالم المسيحي، فيُرسم أحد أبناء العراق من الذين نازعت جذوره العراقية كل عوامل التعرية والإقتلاع ولم تنزع.. ترسيم إستحقاق للوجود وترسيم كفاءة رجل عرفناه محبا لوطنه وحريصا على الإنتماء حد التضحية بالنفس على تراب العراق. ترسيما يبلغ رسالة الفاتيكان المباشرة الى العراق أن التعايش السلمي بين جميع أبنائه هو الهدف الذي يجب أن يضعه الجميع نصب عينيه دون غلبة أو تجاوز أو هضم حقوق. فهل بعد هذا يتحرك الدستور العراقي نحو إقرار الحقوق؟ وهل يناقش البرلمانيون سبل تفعيل الفقرات والمواد بما يجعل التنفيذ ميسورا ومكفولا؟ وهل تفرد جلسات لمناقشة خطة حريصة لكيفية الحفاظ على مكونات الشعب العراقي غير المسلمة؟ وهل من تفكير في مآل من توزعوا في بلدان المهجر والنزوح؟ وهل من بعض تخصيص مالي يسهم في دعم جهودهم لتدوين وتوثيق إرثهم الخاص وتاريخ وجودهم في وطنهم العراق؟ الأمل في أن لا ينتهي الحدث عند حد الإحتفال بل يكون مبشرا بالآمال في عراق التعايش السلمي.

وبقدر مشاركة المندائيين إخوانهم المسيحيين في جذر العراق المشترك فإنهم يشاركونهم فرحتهم ويباركون لغبطة الكاردينال مار عمانوئيل الثالث دلي هذا الترسيم وهذا الإستحقاق ويدعون الحي العزيز أن يمن عليه بالصحة والعمر المديد ليكون في كرسيه الكاردينالي راعيا وخادما للعراق والعراقيين جميعا وغير منقطع عن خدمة العائلة البشرية في تحقيق السلام والأمان وسعادة الإنسان.
 


 

Counters