| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

د. قيس مغشغش السعـدي
drabsha@yahoo.com

 

 

 

 

الخميس 19/3/ 2009

 

في ضوء أعمال مؤتمر منظمة السلام العالمي ببرلين

آفاق السلام في القرن الحادي والعشرين

د. قيس مغشغش السعـدي *
drabsha@yahoo.com

أناس من مختلف البلدان والأديان واللغات والثقافات اجتمعوا في برلين على مدى يومي السبت والأحد 14-15 آذار ليحتفوا بالسلام، وليتعاهدوا على السلام، وليعملوا على إشاعة السلام، وليغنوا للسلام. عقد اللقاء تحت مظلة منظمة السلام العالمي التي يبلغ عدد فروعها 191 فرعا تتوزع على جميع بلدان العالم تقريبا، وكان تحت شعار " آفاق السلام في القرن الحادي والعشرين".

كان السلام وراء هذا التجمع الذي توحد في معنى الكلمة على إختلاف نطقها بلغات الشعوب التي حضرت، وأجمع الجميع على محبتها والسعي لتحقيقها، فهي حاجة البشر جميعا وقد صارت هدفهم جميعا. ولأن الله هو السلام، ولأن الحي هو السلام، ولأن الخالق هو السلام، ولأننا نحن البشر بعض خلقه، وأرقى خلقه، فعلينا ، وإقتداء بكماله، أن نسعى للسلام. وإذا كانت الحرب يحفزها الشر والسوء في نفوس البعض، فإن السلام حافزه الخير لدى الجميع. وإذا كان سلاح الحرب أداة القتل، فإن سلاح السلام أداة الحياة والحرية. وإن سخر الشر التكنولوجيا أداة لخدمة الحرب، فإن أداة السلام هي الروح التي لا تفنى لأنها تكنولوجيا الله وقبسه وإرادته ونفحة الحياة التي وهبها حبا وسعادة ومسرة، والتي تعجز كل تكنولوجيات الإنسان أن تأتي بمثلها.

ومن قيمة السلام أنك تجده على لسان الجميع تحية وترحابا، صلاة وتسبيحا، شعارا وشعرا، مقالة وكتابا، قصة وأغنية، رياضة ومهرجانا. فمن يتغنى بالشر؟ ومن يجعل الحرب والشر تحيته؟ ومن يصلي للشر ويركع له؟ ومن يتباهى به شعرا ويغنيه لحنا؟ ومع ذلك فالشر ينزع للتسلط ويسعى في التحكم ويعمل على الإستحواذ وإمتلاك آلة الحرب ليهدد السلام. ورغم قلة الساعين للحرب مقابل الحريصين والساعين للسلام نجد أن العالم غير مستقر وغير آمن، فدوي أصوات القنابل يسمع ويرى دمارها في مناطق عديدة من العالم، وطبول التهديد والوعيد تخيف كل البشر وترعب الإنسانية. وقد تجبر الشر في العالم وصار متهيئا ومتحفزا ومتوجها بعد أن امتلك آله الحرب والقتل التي ينبذها الآمنون والساعون للسلام، هؤلاء الذين لا يريدون قمعه بنفس آلة الساعين للحرب، وعليهم إذن أن يحصّنوا آلاتهم السلمية ويطورها ويتحصنون بها. أن يديموا سقي غرس السلام في النفوس، أن يقووا ويصلـِّبوا عوده، أن يتسلكوا به سلوكا فعليا. فليس من السلام أن تقول لمقابلك " السلام عليك " ثم تردفه قتيلا،. وإن على من يردد في آخر صلاته " السلام عليكم ورحمة الله" تطبيق ما صلى به. ومن يردد ويقول: " وعلى الأرض المسرة" فأن المسرة إنما بالسلام لا بالحرب. عليهم أن يـُرضعوا الأبناء السلام مع حليب الأمهات ويقدموه مع حنان الآباء وأن يربوا النشئ عليه كيلا يقول لهما " أف " عندما يبلغن الكِبر. أن يكون السلام سائدا في ثقافة الأسرة كركن ركين فيها وكتعبير عن المحبة والقبول والعيش المشترك، وما الأسرة إلا كيان المجتمع. أن تلتزم المدرسة بأن يكون السلام ضمن منهجها في كل مواد الدراسة، فلا خير في أدب لا يحض على السلام ولا خير في علم لا يخدم السلام، ذلك أن السلام هو الله وهو مبدأ كل الأديان والشرائع والقوانين. أن يشيع السلام في مبدأ قبوله من الآخر وقبوله للآخر، فلا الوطن ولا الجنس ولا اللغة ولا الدين يفرق بين خلق الله أينما كان في معنى السلام وقبول السلام والعيش بسلام.

كان هذا هو الروح الذي يرف في قاعة وأجواء لقاء المجتمعين على محبة السلام والساعين لإشاعة السلام في مؤتمر برلين. ولم يكتفوا بأن يكون ذلك بينهم كبعض من كل الذين يحتفون بالسلام في بلدان العالم، بل سعوا لأن يضعوا مسعاهم في الحث على السلام أمام أنظار الجميع وأن يشارك معهم الجميع فيكون في ذلك ترجمة الشعارات الى سلوك يتسلكون به. لذا فقد عمد المجتمعون الى أن يختموا لقاءهم بتظاهرة سلامية يشتركون فيها جميعا ويشاركون الآخرين في طريقهم وخلال مسيرتهم. إنطلقت مسيرتهم من أمام جامعة " هومبولت " في برلين يسيرون خلف لافتة واحدة تحمل شعار السلام ، ويحملون لوحاتهم التي تحض على السلام. وكان لسانهم موحدا في الهتاف " Peace، شُلام ، سلام عليكم ". ساروا وسط إحتفاء الألمان الذين يقدرون الحاجة للسلام بمقدار ما عانوا من الحروب، وتوقفت مسيرتهم أمام بوابة برلين، ليبدأ هنالك الفصل الأخير من برنامج مؤتمرهم للسلام. أمام جمع كبير إحتشد إحتفاء بالساعين للسلام، تقدم ممثلون عن مختلف الأديان والمذاهب ومسؤولي منظمات السلام من الذين حضروا هذا المهرجان بتحية الحاضرين مُبرزين أن الجميع يسمعُ نداء الله في نفسه، وعلى لسانه أن يعلن ويعلي صوت الله في الدعوة للسلام والحض على السلام والتسلك بالسلام. فكان الألماني المسلم، والمسيحي الكاثوليكي والبروتستانتي، وكان اليهودي، والهندوسي، والبوذي، والمندائي.

وكنت بينهم من العراق صوت شريعة السلام وصوت أبناء السلام وصوت أديان السلام وصوت الحاجة للسلام. تقدمت وقدمت، وأنا الصابئي المندائي، مثالا على قِدم الديانات وقلة عدد أتباعها وتوزعهم اليوم في بلدان عديدة، ومع ذلك فقدر حاجتنا للسلام يعلو صوتنا مناداة به ومناشدة للجميع على أن يسهم في إشاعته ومساعدة الجميع على أن يحيا به. بَسملتُ بمختلف اللغات عربية، مندائية، إنكليزية، ألمانية.. وناشدت الجميع بأن تكون هنالك عين للسلام من قبل الجميع على العراق، قلب يخفق للسلام في العراق، لسان ينطق بالسلام للعراق، وصلاة من قبل كل الأديان للسلام في العراق. فهو الوطن الذي ضم أقدم البشر، وبنى أرقى الحضارات، وعلم الحرف والآلة، وحوى أول الشرائع والأديان، وقدم السلام كلمة ومعنى. هذا العراق اليوم بحاجة لأن يقف الجميع معه، يترجمون صدق مناشداتهم بالحرص على السلام فيه. فصفق الجميع للعراق وللسلام في العراق.

كما دعوت على مدار اللقاء لأن يكون هنالك مؤتمر عالمي للسلام في العراق تشارك فيه كل الأديان وكل الأجناس وكل اللغات ليدرك العراقيون بأن البشر من كل أنحاء العالم معهم ومع توحدهم ومع حريتهم ومع بناء السلام بيتا ومدرسة وقرية ومدينة ووطنا. يصلي الجميع فيه صلاة السلام، ويغني الجميع فيه أغنية السلام ويزرع الجميع فيه نخلة السلام ويسقونها جميعا بماء الحياة والحرية. ونأمل، نحن سفراء السلام من العراقيين المقيمين في بلدان عديدة من العالم، أن نسمع موافقة القائمين على أمر العراق بقبولهم نداءنا هذا لنسعى من جانبنا على تعبئة الجميع وجلب الجميع من أجل الإحتفاء بالسلام على أرض السلام العراق وفي دار السلام بغداد.
 


*
أمين الرابطة المندائية في ألمانيا
سفير السلام لمنظمة السلام العالمية



 


 

free web counter