| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. قيس مغشغش السعـدي
drabsha@yahoo.com

 

 

 

الجمعة 18/7/ 2008

 

" الكرصة: كنشي وزهلي"
يوم اللقاء والنقاء لدى المندائيين

د. قيس مغشغش السعدي
drabsha@yahoo.com

مصطلح "الكرصة" في اللغة العامية العراقية معروف بمعنى التجمع والتحدد بمكان أو بموضع أو بحال ملتم على بعضه. وقد عرف هذا المصطلح عند المندائيين كما عرفوهم به جيرانهم في يوم معين من السنة صار رمزا ضمن أحد أعيادهم ذلك هو العيد الكبير، عيد رأس السنة " دِهبا ربا". والكلمة ترد في اللغة العربية بالمعنى ذاته أيضا.
أما التسمية الدينية واللغوية لدى المندائيين فهي يوم " كنشي وزهلي". وهذا اليوم هو آخر يوم من أيام السنة المندائية الذي يتواصل تجمعا وإعتكافا مع اليوم الأول من أيام السنة الجديدة. وقد غدا معروفا لدى المندائيين كما عند المطلعين من غيرهم أن المندائيين يتجمعون ويعتكفون في منازلهم لمدة ست وثلاثين ساعة تبدأ مع غروب شمس اليوم الأخير من السنة وحتى شروق شمس صباح اليوم الثاني من السنة الجديدة في إحياء دائم ، بحسب ما يرد في عقيدتهم، من أن الذات العليا " مانا ربا كبيرا" قد إنبثقت وتجلت من نفسها في هذا اليوم . وإكبارا وإكراما لهذا الخلق العظيم فإن على جميع الملائكة النورانية أن تغادر هذا العالم الأرضي لتذهب ساعية الى للمثول أمامه وتقديم الشكر له والصلاة بإسمه والتسبيح في حضرته. تستغرق هذا الرحلة إثنتي عشرة ساعة عروجا فيصلون مع شروق اليوم الأول للسنة الجديدة، يمكثون مسبحين خاشعين طيلة نهار اليوم في إثنتي عشرة ساعة ، ثم يعودون الى أماكنهم في الإثنتي عشرة ساعة الثالثة. ولأن العالم سيبقى دون ملائكته النورانيين ،فإن على الجميع أن يتحرز خلال هذه الساعات خشية من كائنات الشر أن تصيبهم بالسوء. كما أنهم يقضونها مسبحين متضرعين أن يكون العام الجديد عام خير وبقاء وأمان.
وبالعود الى تسمية الـ" كنشي وزهلي" فإنه من المفيد معرفة أن كلمة " كنشي" مستخدمة في جميع لغات العائلة السامية تقريبا. وهي تبنى على الفعل " كنش" بمعنى يجمع ، يلم، والكلمة بذلك تعني الإجتماع. وهي في العبرية " كنس" ومنها كلمة " كنيست" التي تعني مجلس أو مجمع، والكنيست الإسرائيلي تسمية معروفة للبرلمان الإسرائيلي. وكلمة " كنيسة " معروفة بمعنى مكان عبادة المسيحيين في اللغة العربية، وهي مبنية على الفعل نفسه في قصد التجمع والمجمع وبذلك فإن معناها يتطابق مع معنى كلمة " جامع" في اللغة العربية التي أعتمدت تسمية لمكان العبادة من قبل المسلمين، علما بأن كلمة " كنس" ترد في اللغة العربية أيضا بمعنى الدخول في المستتر، كما أن من معاني الكلمة كسح القمام عن وجه الأرض. والكلمة في السريانية ترد على "كنستو أو كنشتو" ، كما أنها في اللغة القبطية " أككليسيا" ، وهي في اليونانية ترد بلفظ " إكليسيا". وفي المندائية فإن الفعل " كنش" يرد بمعنى يجتمع أيضا، وبذلك تكون كلمة " كنشي" بمعنى الإجتماع، ويمكن منها إشتقاق كلمة " كنشتا " بمعنى جمعية فـ " كنشتا إد مندايا " تعني الجمعية المندائية. ومنها يمكن إشتقاق كلمة " مكنش" بمعنى مجمع.. وهكذا.
أما كلمة " زهلي" ، فهي تتأسس على الفعل " زهل" في اللغة المندائية الذي يرد بمعنى : ينظف ، يطهر. وعلى هذا فمعنى الكلمة هو النظافة والتطهير. ويرد في اللغة العربية الفعل " زهل" ليشير الى إملساس الشيء وبياضه، والزهلول" الأملس من كل شيء. وفي العامية العراقية تستخدم الكلمة بمعنى اللمعان، فيقال عن الشيء الذي يبرق: أنه إمزهلل. وفي جميع هذه المعاني فإن النقاء هو أساس للكلمة. وعلى هذا فإن مصطلح " كنشي وزهلي " هي تسمية معان مطلوبة في مثل هذه الأيام المباركة فهي للقاء والنقاء وهو يوم يحرص فيه المندائيون على التجمع لقاء ونقاء حمدا وتسبيحا للخالق شكرا وعرفانا.
لقد كان هذا اليوم وعيده يمارس بطقوسه الجميلة من قبل المندائيين والى وقت قريب في العراق ويتذكره جميع من سكن المندائيون بينهم، حيث تظهر علاماته في عودة المسافرين الى أهاليهم وذويهم، وتبدأ مراسيمه في الصباح الباكر بنحر الذبائح وتهيئة جميع مستلزمات الطعام والشراب من رزق الله الحلال، وقبل غروب الشمس ترى جميع المندائيين يأمون النهر في مناطقهم بلباسهم الأبيض لـ " يطمشوا" يرتمسوا بالماء ، يغطسون تحته ثلاث مرات وهم يدعون الحي العظيم أن يبارك لهم ويغفر خطاياهم بقوة حياة الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي ويبقى هو الحي الأزلي.

يعتكفون بعدها بأمان في بيوتهم ليلتهم واليوم الأول من السنة المندائية الجديدة ، ثم يخرجون يعايدون بعضهم بعضا في اليوم الثاني من السنة الجديدة.
واليوم، وحيث يصادف " كنشي وزهلي" في يوم السبت 19/7 وبدء السنة الجدية في يوم الأحد 20/7، فبقية باقية من المندائيين في الوطن العراق، لنا أمل بأنها تحصل على أمانها فتمارس طقوسها وتحيي عيدها وتدشن سنتها خيرا وأمانا، ولنا دعاء للحي الأزلي أن يتمكن من نزح منهم الى بلدان النزوح في سوريا والأردن أن يحيوا ذلك أيضا ولو من دون الفرات! أما من صار في بلدان المهجر، فله الله في أن لا فرات، وله أن ماء الله حي في كل مكان، ومع ذلك فهم يصارعون جاهدين في المحافظة على طقس يمتد آلاف السنين لهم فيه رمز أصالة وممارسة عبادة. لكن السنة المندائية ستبدا عليهم في أستراليا وملائكة النور لما تعود بعد في العراق ولا حيث يتواجدون في أوربا، كما أن من في أمريكا سيتأخر عنهم في عيدهم. ويبقى العراق أساس التوقيت والزمن.

ومع ذلك، فكل عام وأنتم بألف خير أيها المندائيون، يا أصالة طهر الماء، وأول من وحد وعبد الحي في السماء، فوالله إنكم أحياء ما أبقى الحي الماء حيا.





 

free web counter