| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

أ.د. قيس مغشغش السعـدي
drabsha@yahoo.com

 

 

 

                                                                                    الخميس 15/3/ 2012

 

الصابئون في المناهج الدراسية العراقية

أ . د. قيس مغشغش السعدي *

لا جدال في أن الصابئة المندائيين هم من أبناء بلاد ما بين النهرين الأصليين. عرفوا في العراق ، ويعرف العراق بهم يوم تذكر منابع أديان الشرق. ولا جدال في أنهم غرس التوحيد الأول بما تشهد به ديانتهم الموثقة في كتبهم القديمة ولغتهم الرافدينية، سليلة السومرية والأكدية والآرامية. وهذا تميز للعراق يضاف لكل تميزاته الأخرى المعروفة. ويوم يدفع بعض المستشرقين، تجنيا، بأن أصلهم غربي من فلسطين فانما لتغليب فكرة أن الديانة اليهودية قبلهم، لقبول إن اليهودية هي صاحبة التوحيد الأول. ومحاججتنا في ذلك قائمة ومنتصرة بالأدلة والشواهد.

ولا جدال بأن القرآن الكريم، وهو الكتاب الثابت أصلا وزمانا ومكانا، قد أشار لهم ضمن الأديان الموحدة بما لا يقبل التأويل (1). وبغياب وإنزواء الصابئين عن بيئة المفسرين في أقصى الجنوب العراقي، ذهب المفسرون فيهم مذاهب شتى، فكان بعضهم منصفا وتجنى الآخر جهلا. وظل النص القرآني موجودا يملي الذكر والتعليم وصولا إلى التعليم النظامي في المدارس الرسمية. وحين ترد الآيات التي تشير إلى " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى من آمن بالله واليوم والآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" يتطلب الشرح والتعليم التعرض لمن ورد ذكرهم في هذه الآيات. فإن كان الأمر واضحا بشأن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى، فإن من غابت بصيرته يلجأ إلى تفسير "الصابئين" على أنهم عبدة الكواكب والنجوم! وظل الصابئون يدفعون ذلك دفعا. ولم ينفع استشهادهم برأس كتبهم الدينية كتابهم المقدس" الكنزا ربا" الكنز العظيم" وما يرد فيه من نصوص التوحيد الخالص:
" بسم الحي العظيم... مسبح ربي بقلب نقي.. الأزلي القديم.. العظيم السامي.. الذي لا يرى ولا يُحد.. لا شريك له في سلطانه، ولا صاحب له في ملكوته.. رب الأكوان جميعا وخالق كل شيئ.. "
" هو الملك منذ الأزل، ثابت عرشه، عظيم ملكوته، لا أب له ولا ولد، ولا يشاركه ملكه أحد... "
أيها المؤمنون:" حين تقومون وحين تقعدون، حين تذهبون وحين تؤوبون، تأكلون أو تشربون، أو في مضاجعكم، أو وأنتم تعملون، اذكروا الله وسبحوه كثيرا"
" إعملوا بمشيئة ربكم، ولا تعملوا بمشيئة الشيطان"
" لا تسبحوا للكواكب والأبراج ولا تسبحوا للشمس والقمر، فإنه هو، الله، الذي وهبهما النور".
نقول لم ينفع ذلك وظلت، بكل أسف، الكتب المدرسية التي تدرس الدين تشير لهم بأنهم " عبدة الكواكب والنجوم!"

كان هذا يحز في نفوس الصابئة المندائيين. ورغم مساعيهم في تصحيح وتصويب ذلك، لكن الأمر بقي على حاله. ويوم كان لوفد المجلس الروحاني للصابئة المندائيين أول لقاء لهم مع رئيس النظام السابق صدام حسين في حزيران عام 1994 عرضوا الأمر عليه بعدّه رأس الدولة وحاكمها، فكان الأمر بتصويب ذلك من خلال وزارة الأوقاف ووزارة التربية.

وكلفتُ من قبل المجلس الروحاني بالمتابعة، وقدمنا تعريفا جديدا موجزا هو " الصابئون: أصحاب ديانة قديمة موحدة، يعيش أغلبهم في العراق، ويتبعون تعاليم آخر أنبيائهم يحيى بن زكريا(ع). وظلت المداولات طويلة وكثيرة مع وزارة الأوقاف. وأخيرا أبلغنا بقرار الوزارة بالتصويب. وحين وصل التعريف إلى وزارة التربية لتقوم باعتماده في كتب المناهج الدراسية حيثما يرد ذكر الصابئين، عرفنا بأن التعريف قد قطع جانب منه وأصبح" الصابئون: أصحاب ديانة قديمة موحدة، يعيش أغلبهم في العراق" علما بأن الحق أن النبي يحيى بن زكريا هو آخر نبي ومعلم ومحيي لديانتهم، وقد أردنا بذكره تعريف النشئ بأن لكل ديانة نبي، ونبي الصابئة المندائيين هو يحيى بن زكريا، بعد آدم وشيت وسام (عليهم السلام).

واضطررتُ بعدها لمغادرة العراق، وظل أمر تعميم تصحيح التعريف وما ذكر عن الصابئة المندائيين مرهونا بعمل وزارة التربية ومتابعة المجلس الروحاني الأعلى للصابئة المندائيين. وظلت المماطلة في طباعة المناهج.

واليوم، وبعد كل التغيير الذي حصل، وبعد 16 عاما، عرفنا أن بعضا من المناهج الدراسية ومنها منهج درس الدين للصف الثاني متوسط قد تغير التعريف فيه وأصبح كما أقرته وزارة التربية آنذاك، إلا أن مناهج أخرى كما في كتاب التربية الدينية للصف الخامس الإعدادي مازال بحسب التعريف القديم غير الصحيح.

إن الأمانة الدينية والعلمية والأخلاقية تقتضي بأن تلتفت وزارة التربية اليوم إلى هذا الخطأ تأسيسا على المعرفة المتاحة والحقة بشأن ديانة الصابئة المندائيين لتتخذ القرار الصحيح بتعميم التصويب في جميع المناهج الدراسية التي تتناول ذكر الصابئة المندائيين. فإن من المؤلم وغير الصحيح، بل والمثير للضدية والتكفير، أن يتعلم الأبناء من الكتب الدراسية المنهجية أن الصابئة المندائيين هم عبدة نجوم وكواكب! بل إن من الخطأ المتقاطع أن يقرأ الطالب ويتعلم في كتاب منهجي أن" الصابئون أصحاب ديانة قديمة موحدة يعيش أغلبهم في العراق، ثم يقرأ في كتاب آخر أنهم عبدة كواكب ونجوم!" والحق أن على وزارة التربية ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية ووزارة حقوق الإنسان أن يمدوا يد العون للمكونات الدينية المعروفة في العراق لأن تضع كتب مساعدة عنهم، وأن يعملوا على طبع آلاف النسخ منها لكي توزع مجانا أيضا، فتكون معرّفة بالأديان الأخرى من أجل أن يقف أبناء الشعب العراقي ويتربى على معلومات صحيحة وأمينة عن هذه الأديان بحسب ما ورد في تعاليمها وتأريخها. وأن تتضمن الكتب تعريفا بوجود هذه المكونات كونها من السكان الأصليين لبلاد ما بين النهرين، وبتأريخها ولغتها ومشاركة أبنائها للشعب العراقي في الوطن والوجود عامة. هكذا ينشأ النشئ وهو على معرفة صحيحة ليتربى على التعايش السلمي المبني على إحترام الأديان وأتباعها طالما أنها جميعا تؤمن بالله إلاها واحدا وتؤمن باليوم الآخر وتسعى إلى العمل الصالح، فيحق قول الله سبحانه فيهم أنهم " لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".

(1)
لمزيد القراءة حول هذا الموضوع يرجى الرجوع إلى دراستنا في الإنترنيت والمنشورة في صفحة كتابات أيضا " الصابئون في القرآن: قراءة موضوعية"


* أمين الرابطة المندائية لعموم ألمانيا
عضو مكتب سكرتارية إتحاد الجمعيات المندائية في المهجر
سفير السلام العالمي


 

 

 

free web counter

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس