| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

قاسم محمد علي

kasim-delovan@live.dk

 

 

 

                                                                                     الخميس 28/4/ 2011

     

الحوار والخيار السياسي السلمي وليس التعامل الأمني والپوليسي

قاسم محمد علي  

قامت الأجهزة الأمنية في الإقليم وبأمرة الأحزاب الرئيسية الحاكمة صاحبة تلك الأجهزة بإستخدام القوة لتفريق المتظاهرين في مدينة السليمانية وبعض المدن الأخرى والإعتداء عليهم وإعتقال عدد من الصحفيين ومنع الجماهير الغاضبة من التظاهر السلمي بذريعة تنفيذ قانون منع التظاهر بدون ترخيص. وبالتالي عاد الى الواجهة مرةً أخرى هذا القانون المشكوك في أمره والذي رفضه عدد كبير من الجماهير الكوردستانية في حينها في بداية هذا العام وعمت المظاهرات الجماهيرية عدد من المدن الكوردستانية إحتجاجاً على القانون. إن إصدار قانون تنظيم التظاهرات بترخيص في ظل الواقع السياسي الحزبي القائم وفي ظل تبعية مؤسسات الإقليم وتبعية الأجهزة الأمنية والعسكرية للأحزاب الرئيسية الحاكمة، إنما هو في الواقع مصادرة لحرية التعبير، هو خنق للصوت الحر ومحاولة القضاء عليه بغية الإستمرار في سياسة التضليل والتستر على ظاهرة الفساد المالي والسياسي والإداري الذي رسخته هذه القوى خلال عشرين عاماً، هو في الحقيقة إستغلال للقيم الديمقراطية من قبل الأحزاب الرئيسية الحاكمة، لكبت حرية الرأي، وبإسم الديمقراطية.

قانون تنظيم التظاهرات وبترخيص، قبل تطبيقه يلزم الأحزاب الرئيسية الحاكمة تأسيس جيش وطني وتأسيس الأجهزة الأمنية والإستخباراتية على أساس وطني وذات إنتماء وطني لتكون موضع ثقة الجماهير، ومنع تحزب هذه الأجهزة وتسيسها وتكريس الوطنية والإنتماء الوطني في عقلية ونفسية منتسبي تلك الأجهزة من أجل الولاء للأرض والشعب والدولة كي لا يتحولوا الى طرف في النزاعات الداخلية، لو وقعت لاسامح الله، أو الى أداة بيد الأحزاب الحاكمة لقمع الجماهير والتظاهرات الجماهيرية السلمية، ويجب أن تكون تابعة الى حكومة الإقليم لحماية المصالح العليا للإقليم بالإضافة الى توفير الأمن والإستقرار للمواطنيين. متى ما بقيت الأجهزة العسكرية والأمنية والإستخباراتية عندنا في الإقليم تابعة للأحزاب الرئيسية الحاكمة لحمايتها ولحماية مؤسساتها، تزداد مساحة عدم ثقة الجماهير بتلك الأجهزة وأحزابها ويبقى هذا القانون ذريعة بيد القوى الحاكمة للتشبث بالسلطة والتستر على تفشي ظاهرة الفساد وصرف تلك الأجهزة عن مهامها الوطنية المقدسة وتحويلها الى أداة لقمع الجماهير المطالبة بالتغيير الجذري في شكل إدارة الحكم. ترى الى متى تستطع هذه الأحزاب الصمود أمام غضب وسخط الجماهير لولا إمتلاكها للأجهزة الأمنية والعسكرية والإستخباراتية؟

هذا القانون مستورد من الدول الديمقراطية والمتمدنة التي تمتلك ومنذ مئات السنين أرقى دساتير العالم تقدماً وتحضراً، مستورد من الدول التي تحكمها سيادة القانون عملاً وفعلاً وتعلوا سلطة القانون فوق الجميع، مستورد من الدول التي تتخذ القرارات من قبل مؤسساتها بعيداً عن سلطة الأشخاص والحكم الفردي، مستورد من الدول التي تعمل السلطات الثلاث، السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحيادية وإستقلالية تامة بعيداً عن التدخل الحزبي، هذا القانون مستورد من الدول التي لاتوجد فيها مساحة للإمتيازات الحزبية، تحترم كرامة الإنسان وتصون حقوق وحريات الشعب وتلتزم بمباديْ حقوق الإنسان وتحترم حرية الرأي والرأي الأخر وحرية الصحافة، مستورد من الدول التي ينعم المواطن بثروات وخيرات بلده بغض النظر عن إتجاهه وإنتمائه السياسي، مستورد من الدول التي تكون فيها المؤسسات الأمنية والعسكرية تابعة للدولة وولاؤها للدولة وحدها ومهماتها وطنية وتعمل في منتهى المهنية والحرفية في خدمة المواطنين ولتوفير الأمن والإستقرار لهم، نعم في هذه الدول تنظم المظاهرات بقانون وبترخيص مسبق من قبل الشرطة وبحماية الشرطة والأجهزة الأمنية للمتظاهرين.
وبالتالي من غير المعقول تطبيق هذا القانون في إقليم كوردستان الذي تحكمه فعلياً قادة الأحزاب الرئيسية الحاكمة وتصدر القوانين على هوى ومزاج القادة السياسيين والمسؤولين وأصحاب القرار التابعة للأحزاب الرئيسية الحاكمة، في الإقليم الذي تعمل السلطات الثلاث بإمرة السيد رئيس الإقليم وقادة الأحزاب الحاكمة خدمةً للمصالح الشخصية والحزبية، في الإقليم الذي يسير في طريق ترسيخ الحكم الفردي، في الإقليم الذي يسجن فيه المواطن من دون أمر قضائي بل بأوامر حزبية، في الإقليم الذي ينعم المسؤولون بالإمتيازات الحزبية الهائلة والمفرطة على حساب حقوق المواطنين المحرومين من ثروات وخيرات بلدهم ويعانون النقص حتى في المستلزمات الأساسية للحياة وإنعدام الخدمات وتفشي البطالة، في الإقليم الذي يهين كرامة المواطن ويخالف مباديْ حقوق الأنسان وتتعامل فيه السلطة والقوى الرئيسية الحاكمة مع الرأي الأخر والمغاير لعقليتها بإعتباره جريمة وخروج عن القانون وتهديداً لوجودها، في الإقليم الذي تحكمه لحد الآن عقلية الجبل الحزبية، في الإقليم الذي تنتمي فيه المؤسسات الأمنية والعسكرية للأحزاب الرئيسية الحاكمة وولاؤها لقادة ومسؤولي هذه الأحزاب ومهماتها تقتصر في حماية السلطة الحاكمة بالإضافة الى إستخدام هذه الأجهزة في تخويف وترعيب الجماهير من أجل الإبقاء والإستمرارعلى الهيمنة الحزبية.

المفارقة الغريبة عندما نتحدث عن الشكل الديمقراطي والحضاري لإدارة الحكم وإتخاذ القرارات من قبل مؤسسات الدولة بعيداً عن الحكم الفردي وبعيداً عن تدخل الحزب في شؤون الدولة ومؤسساتها وتبعية الأجهزة الأمنية والعسكرية للدولة وعدم تدخلها في الأمور السياسية أو عدم إستخدام هذه الأجهزة أداة لحل الخلافات الحزبية، فسرعان ما نسمع تبريرات الأحزاب الحاكمة وجماهيرها بأن تجربتنا جديدة في الإقليم ومخلفات الإقتتال الداخلي تتغلب لحد الآن على مجمل الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية والإقتصادية، لكن في المقابل تحاول القوى الحاكمة تطبيق هذا القانون الحضاري والمتمدن لتنظيم التظاهرات في الإقليم الذي لايوجد أصلاً مساحة للثقة بين الأجهزة الأمنية والعسكرية وبين المواطنين نتيجة تبعية تلك الأجهزة للأحزاب الرئيسية الحاكمة. إذن الفارقة تكمن في تناقض هذه الأحزاب في تعاطيها مع القيم الديمقراطية وتكتسب منها كل ما ينسجم مع مصالحها ولحماية أجهزتها ومؤسساتها وتضرب عرض الحائط كل الممارسات الديمقراطية التي تهدد تركيبتها الحزبية العشائرية وسلطتها الفردية وعرشها الدكتاتوري.

إن الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة وعلى سبيل المثال في كل من اليمن وسوريا والتي تلفظ أنفاسها الأخيرة أمام الإنتفاضات الجماهيرية من أجل التغيير والحرية والعدالة الإجتماعية وإسترداد لكرامة الإنسان، هذه الأنظمة تمتلك أبشع الأجهزة العسكرية والأمنية القمعية والتي أنشأتها خلال عقود من الزمن، لكن الأمور لم تصل عندهم لحد الآن الى حد منع التظاهر رغم دموية تلك الأنظمة وعدم إحترامها لأبسط الحقوق البشرية والقيم الإنسانية ورغم وقوع مئات الضحايا من المتظاهرين العزل على أيدي جلاوزة تلك الأنظمة وأجهزتها الأمنية القمعية والپوليسية (وبالأخص في سوريا التي فرضت قانون الطواريْ في البلد لأكثر من أربعة عقود والذي بموجبه يمنع كل أشكال التظاهر وحرية الرأي وحرية الصحافة)، بينما عندنا في الإقليم تحاول الأحزاب الرئيسية الحاكمة صاحبة الأجهزة الأمنية والعسكرية والإستخباراتية وبشتى الوسائل منع التظاهر السلمي الذي يعتبر الشكل الحضاري والمدني الأمثل للإحتجاج الجماهيري السلمي والتعبير عن رأيها. إن دل هذا على شيْ إنما يدل على إن النظام السياسي الحزبي القائم عندنا في الإقليم ليس أقل شراسة من تلك الأنظمة، وهذا ما لمسناه أيضاً خلال الإقتتال الداخلي بين هذين الحزبين في منتصف تسعينيات القرن الماضي، حيث خرقوا كل الأعراف والقوانين الدولية لحماية المدنيين والأسرى عندما أقدموا حتى على قتل الأسرى للطرف الآخر وشردوا مئات العوائل للطرف الآخر في مناطق نفوذهم. إن الأحزاب الرئيسية الحاكمة في الإقليم على إستعداد وبدون تردد أن تستنجد بالعدو الخارجي عندما تشعر بالتهديد أو بالخطر على كيانها الحزبي، وإن هذه التجربة ليست بجديدة عليهم.

بدلاً من التعامل الأمني لمنع التظاهرات وقمع المتظاهرين والإعتداء عليهم وإعتقال عدد منهم، كان يتوجب على الأحزاب الرئيسية الحاكمة وقيادتها السياسية وحكومتها الحزبية وضع خارطة الطريق للتغيير والتحديث السياسي الحقيقي في الإقليم من خلال الإستجابة لمطالب الجماهير الشرعية والقيام بإصلاحات ملموسة في شكل النظام السياسي الحزبي القائم وإتخاذ خطوات عملية في طريق محاربة الفساد في شكله السياسي والإداري والمالي وتحقيق العدالة الإجتماعية ومنع تدخل يد الحزب في داخل مؤسسات الدولة وتفكيك الإمتلاك الحزبي للأجهزة الأمنية والعسكرية والإستخباراتية والحفاظ على إستقلالية القضاء وتفعيل الدور الرقابي والتشريعي للپرلمان، لأن الحلول السياسية السلمية الحقيقية هي أكثر إدامة وصلابة وقوة وترسيخ للإستقرار السياسي من الحلول الپوليسية القمعية. العقل والحكمة هي التي تسود في حل الأزمة وليس الخيار الأمني العسكري. هذا وننبه القوى الرئيسية الحاكمة للمرة الثالثة والرابعة بأنه ليس بمقدور أية سلطة أو نظام حكم دكتاتوري وپوليسي في العالم الوقوف أمام بركان الغضب وسخط الجماهير عندما يتفجر.

وفي الختام نطالب ونحث القوى الرئيسية الحاكمة في الإقليم الإحتكام للعقل والحوار وإختيار الحل السياسي السلمي للتعامل مع الأزمات والتظاهرات بدلاً من إختيار الحلول الأمنية الپوليسية، لأن هناك دائماً وأبداً طريقاً للإصلاح والتحديث السياسي إذا كانت هناك رغبة وإرادة سياسية حقيقية للتغيير والتحول الديمقراطي عند هذه القوى، من أجل المصلحة الوطنية والقومية العليا.

 

دانيمارك\كوبنهاكن، الخميس 28 نيسان 2011


 

free web counter