| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

قاسم محمد علي

kasim-delovan@live.dk

 

 

 

                                                                                     الخميس 23/2/ 2012

     

الإصلاح والتغيير السياسي أم عسكرة المدن الكوردستانية

قاسم محمد علي    

من الحق الطبيعي للجماهير تنظيم التظاهرات السلمية للتعبير عن سخطها وغضبها وعدم رضاها عن الإداء السياسي للقوى الحاكمة دون التعرض للضرب والإهانة والإعتقال. أي خرق من جانب السلطة الحاكمة لهذا المفهوم يعتبر تجاوز على مباديْ حقوق الإنسان وحرية الرأي والقيم الديمقراطية. من جانب آخر يعتبر تنظيم التظاهرات السلمية الشكل الحضاري الأمثل للإحتجاج والتعبير عن الغضب وسخط الجماهير ضد الأحزاب الرئيسية الحاكمة.

في 17 شباط، الذكرى السنوية الأولى لإندلاع الإنتفاضة الجماهيرية التي شهدتها عدد من المدن الكوردستانية ضد تحزب المجتمع الكوردستاني وإحتكار السلطة، ومن أجل العدالة الإجتماعية والمساواة والمطالبة بالتغيير والتحديث السياسي وإبعاد الحزب من التدخل في شؤون الإقليم ومؤسساته وإنهاء حالة إمتلاك الأحزاب الرئيسية الحاكمة للمؤسسات العسكرية والإستخباراتية بالإضافة الى المطالبة بالقضاء على مصادر الفساد داخل مؤسسات الدولة والحزب، في هذه المناسبة قامت الأحزاب الرئيسية الحاكمة بنشر قواتها الأمنية والعسكرية في المدن الكوردستانية تحسباً لإندلاع التظاهرات مجدداً هناك. هذه الأعمال العسكرية تذكرنا بالأساليب الأمنية والعسكرية للأنظمة الدكتاتورية والإستبدادية التي تؤمن وتسلك الخيار العسكري لقمع الجماهير وترهيب الجماهير وفرض هيمنتها وسيطرتها عليها. نشر القوات الأمنية والعسكرية الحزبية في المدن الكوردستانية اليوم للتصدي لإندلاع التظاهرات عند وقوعها يذكرنا بالأساليب الأمنية والعسكرية القمعية لحزب البعث آبان الحكم البائد في العراق ونشر قواته في المدن الكوردستانية لمنع إحياء الإحتفالات والمناسبات القومية، ولزرع الخوف والرعب في نفوس الشعوب الكوردستانية.

عسكرة المدن الكوردستانية تولد بحد ذاتها حالة الخوف والرعب في نفوس المواطنين وتخلق حالة الإضطراب والإرباك الإجتماعي والتوتر السياسي في المدينة وتؤثر على الإستقرار السياسي فيها بالإضافة الى إنها تؤكد عدم إيمان الأحزاب الرئيسية الحاكمة نفسها بتحسن الواقع السياسي في الإقليم وتخوفها من إندلاع التظاهرات مجدداً، لأنها تدرك جيداً بأن مقومات إندلاع التظاهرات موجودة اليوم أيضاً لأنها غير قادرة أصلاً على إزالة تلك المقومات ولا تمتلك الإرادة السياسية للأصلاح والتغيير السياسي من أجل كسب رضا وثقة الجماهير. عسكرة المدن الكوردستانية تبين أيضاً عدم ثقة الأحزاب الرئيسية الحاكمة بالجماهير وفي المقابل فقدان ثقة الجماهير بهذه الأحزاب وقياداتها السياسية.

تتعامل الأنظمة الإستبدادية والشمولية مع الأزمات والإضطرابات دائماً بالعقلية الپوليسية وبالأساليب الپوليسية وتلجأ الى الخيار العسكري والپوليسي لقمع الجماهير وكبت حرياتها، لكن مالاتستوعبها عقلية تلك الأنظمة هي ليس بمقدور أية سلطة أو نظام حكم دكتاتوري وپوليسي في العالم الوقوف أمام بركان الغضب وسخط الجماهير عندما يتفجر ، والربيع العربي وسقوط الأنظمة العربية الديكتاتورية في تونس ومصر وليبيا واليمن (وسوريا التي تلفظ أنفاسها الأخيرة أمام الإنتفاضات الجماهيرية) خير دليل على ذلك، ولم تتمكن هذه الأنظمة التي كانت تمتلك أبشع الأجهزة العسكرية والأمنية والتي أنشأتها خلال عقود من الزمن من الصمود أمام عزيمة الجماهير والشباب التواقة للحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية ولصيانة كرامة الإنسان.

بدلاً من التعامل الأمني ونشر القوات العسكرية الحزبية داخل المدن الكوردستانية لمنع إندلاع التظاهرات والإعتداء على الطلبة والإعلاميين وإعتقال عدد منهم، كان يتوجب على الأحزاب الرئيسية الحاكمة في الإقليم وقيادتها السياسية وحكومتها الحزبية الإستجابة لمطالب الجماهير الشرعية ووضع خارطة الطريق للتغيير والتحديث السياسي الحقيقي والقيام بإصلاحات ملموسة في شكل النظام السياسي الحزبي القائم وإتخاذ خطوات عملية في طريق محاربة الفساد في شكله السياسي والإداري والمالي داخل مؤسسات الدولة والحزب وتحقيق العدالة الإجتماعية ومنع تدخل يد الحزب في عمل مؤسسات الدولة وتفكيك الإمتلاك الحزبي للأجهزة الأمنية والعسكرية والإستخباراتية ، لأن الحلول السياسية السلمية الحقيقية هي أكثر إدامة وصلابة وقوة وترسيخ للإستقرار السياسي من الحلول الپوليسية القمعية. العقل والحكمة هي التي تسود في حل الأزمة وليس الخيار الأمني والعسكري.

وفي الختام نطالب ونحث القوى الرئيسية الحاكمة في الإقليم الإحتكام للعقل والحوار وإختيار الحل السلمي والإصلاح السياسي للتعامل مع الأزمات والتظاهرات بدلاً من إختيار الحلول الأمنية الپوليسية، لأن هناك دائماً وأبداً طريقاً للإصلاح والتحديث السياسي إذا كانت هناك رغبة وإرادة سياسية حقيقية للتغيير والتحول الديمقراطي عند هذه القوى، من أجل المصلحة الوطنية والقومية العليا.

 

دانيمارك\كوبنهاكن، الخميس 23 شباط 2012


 

free web counter