| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

قاسم محمد علي

kasim-delovan@live.dk

 

 

 

                                                                                     الأثنين 14/2/ 2011

     

توريث الحكم في الإقليم!

قاسم محمد علي

تعتمد الأحزاب الرئيسية الحاكمة في الإقليم لحد الآن وبعد مرور عشرين عاماً على أنتهاء النضال الثوري المسلح والتحرر من سلطة النظام العراقي البائد، على الإنتماء الحزبي الوراثي وعلى التصويت الوراثي لصالحها (الإنتماء والتصويت الى نفس الحزب الذي كانت تنتمي اليه العائلة)، من خلال تغذية الحزب المستمرة لعقول الجماهير، وعن طريق تنظيماتها وقنواتها الإعلامية، بتراث الحزب الماضي وإحياء نضالات الماضي وأمجاد الماضي لقادة هذه الأحزاب وتخويف الشعب بالويلات والكوارث التي سوف تلحق به أذا ما مني الحزب بالهزيمة. هذا الأسلوب الشمولي التقليدي للتمسك بالجماهير وأبعادها عن فضاء الحرية والمطالبة بالممارسة الحقيقية للديمقراطية يثبت فشل وإفلاس هذه الأحزاب في قيادة المجتمع الكوردستاني في مرحلة النضال السياسي السلمي داخل المدينة والتعاطي مع متطلبات المرحلة وتوفير مستلزمات الحياة للشعب. إن القوى الرئيسية الحاكمة وقيادتها السياسية في الإقليم أخفقت أيضاً في تثبيت الحقوق القومية المشروعة للكورد في العراق الجديد خلال ثمان سنوات على سقوط النظام العراقي البائد، نتيجة إنشغال هذه القيادة بالإبقاء على مواقعها السيادية والرئاسية في الإقليم والعراق والسعي وراء مصالحها الشخصية والحزبية على حساب المصالح الوطنية والقومية العليا للإقليم وشعوبها، ومن أجل تقوية أحزابها ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والإستخباراتية بغية الإستمرار في أحتكار السلطة وتعبيد الطريق لتوريث الحكم لأبنائهم وذويهم.

قبل الدخول الى موضوع الحديث في هذا المقال أود الإشارة الى عاصفة التغيير والإنتفاضة الجماهيرية وثورة الشباب التي تعصف حالياً بمنطقة شرق الأوسط وتسقط الحكومات العربية الفاسدة والدكتاتورية الواحدة تلو الأخرى. هذه الأنظمة والأنظمة العربية اللآحقة التي سوف تصلها قريباً إنشاء الله عاصفة التغيير والإنتفاضة الجماهيرية وتسقط أنظمتها الپوليسية التي أنشأتها خلال عقود من الزمن أمام صرخات الجماهير، بحثاً عن الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية وأسترداد لكرامة الأنسان وضد تفشي الفساد داخل أجهزة الحزب والدولة وضد توريث الحكم. هذه الأنظمة حصلت في الأمس القريب على نسب عالية من اصوات الناخبين في الإنتخابات الرئاسية في بلدانها، حسب ما كانت تدعي تلك الأنظمة عند إعلانها لنتائج الإنتخابات. لقد حصل زين العابدين بن علي في تونس قبل سنة على نسبة 87% بينما حصل نظام حسني مبارك في مصر على نسبة 90% من أصوات الناخبيين في الإنتخابات الرئاسية قبل ثلاث سنوات. لكن الإنتفاضة الجماهيرية التي سرعان ما تحولت الى ثورة شعبية حقيقية في تونس ومصر وحشود الملايين من الشباب في الشوارع ويهتفون بحماس وبكل صلابة ضد الأنظمة الطاغية والفاسدة في بلدانهم للمطالبة بتغيير النظام وكل ما يتوقف عليه النظام من الدستور والمؤسسات، يدحض وبشكل جلي نتائج تلك الإنتخابات المزورة وصناديق الأقتراع الكاذبة والتي هي ظاهرة سياسية معمول يها في العالم العربي ومن ضمنها إقليم كوردستان، وبالتالي إعلان نتائج الإنتخابات في بلدان الشرق الأوسط وبنسب ال 80% وال 90% وال 99% ليست الصورة الحقيقية لنتائج الإنتخابات ولا تعبر إطلاقاً عن أرادة الجماهير وحكمها على تلك الأنظمة الفاسدة والطاغية، وإنما هي مجرد نتائج وهمية ومزورة تحدد نسبتها السلطات الحاكمة. إنتصار ثورة الشباب في مصر ضد الإستبداد والفساد ومن أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية وكرامة الإنسان سوف يضع نهاية لعهد الديكتاتورية، نهاية لعبادة القائد وتمجيد القائد، نهاية لمرحلة إحتكار السلطة وتوريث الحكم في العالم العربي ومن ضمنها إقليم كوردستان. أستطاعت الثورة وخلال أيام من أسقاط رأس النظام ومؤسساته. تلك الأنظمة قمعت شعوبها وخنقت صوت الحرية والديمقراطية في بلدانها ولعقود طويلة بذريعة القضية القومية المحورية وشبح الصراع العربي الأسرائيلي. إستخدام هذه الذريعة من أجل قتل الحرية والديمقراطية من قبل الأنظمة الفاسدة والحاكمة لم يعد مقبولاً بعد اليوم عند جيل الشباب في العالم العربي الذي يتطلع الى حياة حرة وكريمة والى وضع إقتصادي وإجتماعي أفضل. وبالتالي يتوجب علينا جميعاً بل أنه واجب وطني على عاتق كل مواطن كوردستاني أن يقف بعزيمة وثبات ضد المحاولات اليائسة للأحزاب الرئيسية الحاكمة التي تحاول وبشتى الوسائل نقل تلك العدوى الى إقليم كوردستان وبذرائع مختلفة وتحت مسميات مختلفة وتحاول تخويف الجماهير الكوردستانية وتأجيج مشاعر وعواطف الجماهير بعبارات المؤامرة على الإقليم وعلى مكتسبات الإقليم وزعزعة أمن الإقليم كلما تعالت أصوات الجماهير الكوردستانية وجيل الشباب للمطالبة بالتغيير والتحديث السياسي وإبعاد الحزب من التدخل في شؤون الإقليم ومؤسساته وإنهاء حالة أمتلاك هذه الأحزاب للمؤسسات العسكرية والإستخباراتية بالأضافة الى الوقف الفوري لتقسيم ثروات وخيرات الإقليم بين الحزبين الكورديين الرئيسيين، كذلك إنهاء واقع تحزب المجتمع الكوردستاني وقيادته من قبل الأحزاب الرئيسية الحاكمة، كل حزب في مناطق نفوذه.

الإنتماء الحزبي الوراثي والتصويت الوراثي لصالح الأحزاب الرئيسية الحاكمة في الإقليم لا يدوم سنين طويلة، وهذا ما أكدته الجماهير الكوردستانية الواعية أيضاً خلال الإنتخابات الپرلمانية الأخيرة في إقليم كوردستان في 25 تموز عام 2009، لأسباب عدة، من ناحية أن الجماهير الكوردستانية أكثر وعياً من أي وقت مضى وبدأت تبحث عن الحرية والديمقراطية الحقيقية والعدالة الإجتماعية ولن تقبل بعد اليوم بالفساد بجميع أشكاله المالي والسياسي والإداري، ولن تقبل بوجود الإمتيازات الحزبية المفرطة على حساب حقوق الجماهير الواسعة ، ومن ناحية أخرى أن إحتياجات المواطن ومن ضمنها إحتياجات جيل الشباب والطلبة تتغير مع تغير الزمان والمكان، ولم يعد كافياً تذكير الشباب وعامة الشعب اليوم وفي هذه المرحلة بتراث الماضي للحزب وإحياء نضالات الماضي للحزب، وأنما ينتظر جيل الشباب من الدولة ومن مسؤولي الدولة القيام بمهامها وبواجباتها ومسؤولياتها وتقديم الخدمات له وتوفير فرص العمل ومستلزمات الحياة له، يريد مواكبة العصر والإستفادة من خدمات الأنترنيت والإتصالات التكنولوجية الحديثة للبحث عن المعلومات ولمعرفة أوضاع العالم، يطالب الدولة بضمان مستقبله وصيانة كرامته، يريد التعبير عن رأيه بحرية ومن دون ملاحقة الأجهزة الأمنية له، يريد إشراكه في صنع القرار السياسي من خلال مؤسسات الدولة الديمقراطية، يطالب الدولة ومسؤوليها وقادة الأحزاب الإستماع الى مطاليبة وتوفير الحياة الكريمة له وإحترام إرادته.

إن الجزء الأكبر من جيل الشباب في الإقليم نشأ وترعرع في ظل سلطة الحزبين الكورديين الرئيسيين، وفتح أعينه ولا يرى سوى تفشي الفساد المالي والسياسي والإداري داخل مؤسسات الحزب والدولة وبالتالي فقدان العدالة الإجتماعية وثراء قيادات ومسؤولي هذه الأحزاب على حساب حقوق المواطنين وحقوق عوائل الشهداء والمؤنفلين، بالإضافة الى إهمال وتقصير الأحزاب الرئيسية الحاكمة في تقديم الخدمات الأساسية والضرورية للمواطنين، وأصبح توفير الماء والكهرباء من واجبات المواطنين أنفسهم بينما تقتصر على الدولة توفيرها فقط لقادة هذه الأحزاب ولعوائل وذوي المسؤولين الحزبيين. هذا الجيل فتح أعينه ويرى نفس الأشخاص ونفس الوجوه في المواقع القيادية داخل تلك الأحزاب، ونفس الأشخاص في المواقع المسؤولية والوزارية، وبالتالي أصيب هذا الجيل بالإحباط وفقدان الثقة بالمستقبل، بالإضافة الى فقدانه الثقة بهذه الأحزاب وبحكوماتها ومسؤوليها ومؤسساتها. لو أستمر الوضع السياسي والإقتصادي والإجتماعي المزري، سوف تؤدي بالضرورة الى تفجر الأوضاع السياسية في الإقليم، وبالتالي تكون تداعياته خطيرة على المستقبل السياسي للإقليم. لذلك يتوجب على الأحزاب الرئيسية الحاكمة في الإقليم إعادة حساباتها والشروع الفوري بالتحديث السياسي والأيمان الفعلي والعملي بمبدأ التداول السلمي للسلطة وفق الإستحقاق الإنتخابي النزيه والشفاف بدلاً من التشبث بالسلطة وإحتكارها، وأن تؤمن وتعمل وفق ثقافة الصراع السياسي الفكري السلمي والشفاف على أساس المعايير الوطنية والقومية، من خلال تقديم أفضل الخدمات للمواطنين وتوفير فرص العمل لهم وتحسين أوضاعهم المعيشية، بالإضافة الى تفعيل الدور السياسي لمؤسسات الدولة وترسيخ أسس الديمقراطية الحقيقية في الإقليم من أجل خدمة الجماهير وليس في سبيل حماية وخدمة الأحزاب الرئيسية الحاكمة والمسؤولين، والعمل الجاد والحثيث على تحقيق العدالة الإجتماعية، كذلك تحتم المسؤولية الوطنية والقومية العليا على هذه الأحزاب حل مؤسساتها الأمنية والعسكرية وتحويل تلك المؤسسات حقاً وفعلاً وعملاً الى ملاك الإقليم لحماية الشعب وتوفير الأمن لهم وحماية المصالح العليا للإقليم وأن لا تبقى أداة بيد الأحزاب لقمع الجماهير ولحماية المصالح الحزبية الضيقة ومنع تحزب هذه الأجهزة، بالإضافة الى العمل على تشكيل لجنة دستورية لإعادة النظر في مسودة دستور الإقليم من أجل إعادة صياغته بشكل أن يكون دستوراً حضارياً وديمقراطياً وأن يكون نظام الحكم فيه پرلماني وليس رئاسي وأن يكون حقاً موضع فخر وإعتزاز لدى كل مواطن كوردستاني ومن ثم عرضه للإستفتاء الشعبي. على القيادة السياسية الكوردستانية وأحزابها الحاكمة أخذ الدروس والعير من الثورة الجماهيرية في مصر وتونس وأن تستوعب بأن الشعب هو مصدر السلطات وأن جيل الشباب تحول الى محرك الثورات ومصدرها في منطقة الشرق الأوسط وأن التغيير قادم الى تلك المنطقة، وأن ما جرى في تونس ومصر سوف يؤثر على الوضع السياسي في العالم العربي برمته، وبالتالي يتوجب على القيادة السياسية الكوردستانية وأحزابها الحاكمة أن تدرك بأن مطالب الشباب في تلك البلدان التي فجرت الثورة هي نفس معاناة الجماهير الكوردستانية وشبابها التي تطالب أيضاً بحرية الرأي والعدالة الإجتماعية والقضاء على مصادر الفساد داخل مؤسسات الدولة والحزب وبالتداول السلمي للسلطة وليس إحتكارها وضد توريث الحكم، مع الفارق بطبيعة الحال بين هذه الدول وإقليم كوردستان الذي يعتبر جزءاً من الدولة العراقية وليس دولة بحد ذاته. لكن هذا لا يمنع أبداً جيل الشباب الواعي في الإقليم أن يثور على الواقع السياسي المتأزم وضد الفساد وإحتكار السلطة الذي دام أكثر من عشرين عاماً وهي فترة زمنية طويلة، إذا لم يبدأ عاجلاً خارطة الطريق للإصلاح السياسي الحقيقي في الإقليم. لا تستطيع أية سلطة أو نظام حكم دكتاتوري وپوليسي في العالم الوقوف أمام بركان الغضب وسخط الجماهير عندما تتفجر.

 

دانيمارك\كوبنهاكن، السبت 22 كانون الثاني 2011


 

free web counter