| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. خليل الجنابي

 

 

 

 

الأربعاء 5/ 9 / 2007

 

 


لعبة الكراسي !!

د. خليل الجنابي

منذ كنا صغاراَ كنا نعشق ( لعبة الكراسي) , فكانت بالنسبة لنا رياضة وتسلية , وكان كل منا ينافس الآخر للفوز بالكرسي ليجلس عليه قبل صاحبه ... وفي كل دورة
من اللعبة يخرج احدنا , وهكذا تتابعاَ حتى يبقى إثنان يتنافسان على كرسي واحد , نعم كرسي خشبي واحد !! ... وترى الذين خرجوا قبل ذلك سعوا جاهدين وبذلوا مابوسعهم من الحركة السريعة والتدافع , مما ادى في كثير من الأحيان الى سقوط البعض على الأرض واصابتهم برضوض وكدمات في اماكن مختلفة من اجسامهم , واتذكر مرات عديدة سقوط احدنا مغشياَ عليه , وآخر شقت شفته , والثالث كسرت اسنانه الأمامية .. والحَكم في هذه المباريات هو معلم الرياضة الذي كان بدوره يُعلم التلاميذ اُصول اللعبة !! .
ان الفوز النهائي لأحدنا على الكرسي الأخير يجعله يتباهى بين اقرانه ويجعله حديث الأسبوع , الى ان يأتي متسابق آخر في الأسبوع التالي ليطيح به ... وبروح رياضية يتنحى الأول عن كرسيه الذي مهما طال الزمن يأتيه آخر اكثر منه حنكة ومقدرة على المراوغة والسرعة والقفز !! , هذا بالنسبة للصغار !! , فكانت سلسة وسهلة الى حد ما .. يأتي الفائز ويذهب دون عَناء , ولكن المصيبة والطامة الكبرى في ( لعبة الكراسي عند الكبار !! ) ,انها مصيبة بحق وحقيق ...
فحين يظفر احدهم بالكرسي واينما كان موقعه ,في الدائرة , في المؤسسة الحكومية , في المدرسة أو الكلية , في الوزارة أو على رأس السلطة , يعمل جاهداً وما بوسعه على الأحتفاظ به اكثر فترة ممكنة , ويورثه بعد عُمر طويل لأبنائه وأخوته واحفاده واقاربه , ومن اجل هذا دأب على تثبيت اواصر اقدامه واضعاً فيه مسامير ذو ( التسع إنجات ) في كل زاوية من زواياه علّها تحميه من السقوط والأنهيار !! . انها هالة كبرى لايراها غيره تحيط ( بالكرسي الخشبي ! ) , ويراها الفائز به اغلى من التاج المرصع ( بالياقوت والزمرد !! ) , يضعه فوق رأ سه حتى في منامه !! , وينظر الى نفسه في مرايا عاكسة , والى صورته التي ازدادت لمعاناً , ويراقب ويتحسس حواليه علّه يجد من ينظر اليه بحسد من قريب او بعيد , ليقطف رأ سه ويدحرجه مع الآخرين الذين سبقوه !! .
ان ( لعبة الكرا سي ) عند الكبار خطيرة جداً !! , وخطورتها ليست على القائمين بها فحسب ,بل تتعداهم الى الرعية المغلوبة من ابناء شعبهم والشعوب الأخرى . فمن اجل هذا الكرسي قُتل الملايين وشرد ملايين اًخرى , وإمتلأت الأنهار والوديان والسهول والجبال بالدماء الزكية والدموع , وتعرى الملايين من البشر , وجاع وشرد الأطفال والنساء والشيوخ , وثكلت الأمهات بفلذات اكبادهن , وأكلت وأعاقت الحروب الآخرين , وجردتهم حتى من ( ورقة التوت ) , حفاة عراة , ومسلوبي الأرادة !! . ان التأريخ القريب والبعيد يخبرنا عن نماذج تهالكت على ( الكراسي الخشبيه!! ) , وشربت من الدماء حتى الثمالة بغية الأحتفاظ بها أبد الآبدين !! , لكن رياح التغيير كانت اقوى منهم , فتهاووا الى اسفل السالفين . فمتى يعي ساستنا الكرام ( لعبة الكراسي ) , ومتى ينتهي معها شد الحبال والأعصاب والتلاعب بمقدرات الناس !؟ .
ان الشعب العراقي بعربه واكراده وتركمانه واقلياته القومية الأخرى , وبكل اديانه ومذاهبه من مسلمين ومسيحيين وصابئه ويزيديين وغيرهم , هم وراء مجيئكم الى هذه الكراسي الخشبية , التي ما ان قفزتم عليها حتى رحتم تستغلونها ابشع استغلال , والشعب المغلوب على امره ُيذبح ويُقتل على الهوية , ويُهَجر ابناؤه في طول البلاد وعرضها وكذلك خارج الحدود , ولا احد يسلم على عرضه وماله وبيته , وانتم تتخاصمون على مرآى ومسمع من العالم ومن قوات الأحتلال !! .
لقد آن الأوان لأن يعي الجميع بأن الوطن في أشد حالات الخطر , وإن بقيت الحالة على ما هي عليه الآن من الإحتراب والتنافس على ( الحصص التموينية ) , حصص التقسيم الطائفي المقيته سوف لن يسلم العراق من ما هو مُبيّت ومُخطط له , وإن ضاع الوطن لا سامح الله , ضعنا جميعاً في الفيافي والصحارى , وسنجلب الخزي والعار لأنفسنا لأننا لم نحسن التصرف , وسقطنا تحت وطأة المنافع الذاتية الخاصة , وتنابزنا ولكن ( بالسلاح ) , وقتل أحدنا الآخر , وسالت الدماء البريئة , وخضبت أرض الرافدين الطاهرة التي عاش على جنباتها منذ مئات السنين من كافة الأجناس والملل , والتأريخ سوف لن يرحمنا جميعاً , لأننا تخاصمنا على ( الكراسي الخشبية !)