| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

خدر خلات بحزاني
Khederas@hotmail.com

 

 

 

                                                                                      الخميس 15 / 8 / 2013

 

بائع طرشي بالمنطقة الخضراء..!

خدر خلات بحزاني

كانت جدتي تقول دائما «الغني ستفوح منه رائحة الغنى حتى لو بعد 40 عاما من الفقر، والفقير ستفوح منه رائحة الفقر بعد 40 سنة من الغنى». المسكينة جدتي لم تكن عالمة اجتماع ولا فيلسوفه، بل كانت ربة بيت وفلاحة عادية.

وبينما كنتُ أعبئ السلال بشتى أنواع الطرشي، و أمنّي النفس بربح وفير، بعد نصيحة احد الأصدقاء في أن اترك بيع الطرشي في الحارات الشعبية البائسة التي تعج بالفقراء وبمن يريد يشتري بالدفع الآجل (الديّن) الى حين قبض الراتب، ناهيك عن إنها مناطق غير آمنة وقد ينزل عزرائيل إليها في أية لحظة ليحصد أرواح العشرات بغمضة عين، وأتوجه لبعض المناطق والأحياء الراقية التي يقطنها الأغنياء ممن يشترون البضاعة بدون نقاش طويل ويدفعون الكثير.

قال صديقي إن المنطقة الخضراء هي أفضل مكان لبيع الطرشي، ويقطنها أفضل وأكرم الزبائن.

وتوجهتُ إلى هناك بسيارتي البيك آب موديل 1980، وبعد التفتيش والتدقيق في إحدى بواباتها، وبعد أن وهبتُ 4 كلغم طرشي مشكل، و 4 كلغم زيتون اخضر لبعض الضباط مجانا، تمكنتُ من دخول المنطقة الخضراء.. وحمدتُ الله على كل شيء، لأنني سأعوض الخسارة لاحقا..

توقفتُ قرب إحدى الشقق، و ناديت بأعلى صوتي الجهوري «طرشي.. طرشي» .. «طرشي حار طرشي حلو.. زيتون اخضر زيتون اسود.. فلفل حار فلفل بارد، ترعوزي.. خيار أصابع، يا بلااااش».. ولم اشعر وإلاّ شلال من المياه القذرة تسقط على راسي، فرفعت راسي، فرأيت امرأة أربعينية ووجها لا يظهر من الماكياج وتقول «أنعــ... أبوك لأبو الطرشي.. امشي من إهنا.. إنريد إنام».

نظرتُ إلى ساعتي اليدوية وكانت تشير إلى الحادية عشرة صباحا، وارتبكتُ، لأنني لا اعرف هل السيدة ام الماكياج نائمة نوم الصباح ام الظهر؟؟

المهم انتقلتُ لفرع آخر، وبدأتُ أصيح بنفس الطريقة، ثم توقفت قربي سيارة من موديل حديث جدا ـ أنا آسف لأنني لا اعرف الموديلات ولا أنواع السيارات ـ ثم رأيتُ الزجاج المظلل ينزل وظهر خلفه شخص منتفخ الوجه وتبدو عليه علامات النعمة، وقال «الفلفل الحار.. حار جدا..؟»

قلت له «أكيد أستاذ.. جرّب وشوف»..

قال «خليه في .....» ثم ضحك وقهقه وانطلقت سيارته..!!

وبينما أنا أصفن، وقفت بقربي سيارة نزل منها أربع رجال، كلهم يرتدون القاطات والأربطة والنظارات الشمسية البنية، وبدأوا يتذوقوا من كل الأنواع، وأكلوا تقريبا نصف كلغم، ثم اشترى كل منهم 2 كيلو غرام، وقالوا لأحد حماياتهم ادفع المبلغ للبائع. وانطلقت سيارتهم، وهنا استبشرت خيرا.. فاقترب مني عنصر الحماية وقال: هل لديك إجازة صحية؟ قلت له: لا.. قال: هل تريد ثمن ما اشتروه الأساتذة منك؟ قلت: طبعا..

قال اذهب واحضر لي إجازة صحية كي ادفع لك، أو أعطني من كل نوع واحد كلغم كي «أثوّل» الأمر..

الخلاصة، إن الرجل اخذ ما أراد، ولم اقبض أي شيء.

ثم رأيتُ رجلان أنيقان وبصحبتهما سيدتان جميلتان يقتربون مني.

قال الرجل الأول: لماذا الخيار اخضر؟؟ قلت له: إنها مشيئة الله سبحانه وتعالى.

سألني الثاني: لماذا هناك نوعان من الزيتون الأخضر والأسود، أليس من المعيب أن تبيع الزيتون الأسود بمنطقة خضراء؟؟

وقبل أن أجيبه، قالت إحدى السيدات: لماذا لديك فلفل حار وفلفل بارد.. هل تؤمن بالديمقراطية..؟

وعاجلتني الأخرى بسؤال: الترعوزي الذي تبيعه هل كان ينمو تحت ماء المطر أم بماء الآبار؟

وهنا جن جنوني وقلت لهم: للأسف انتهى وقت العمل.. أنا مضطر للمغادرة ولن أبيع أي شيء..

وهنا حاصرتني مفرزة مدججة بمختلف الأسلحة وصادروا كل الخيار والترعوزي، وقالوا إنها مسدسات كاتمة الصوت، وتم مصادرة الزيتون الأسود والأخضر بتهمة إنه يشبه «الصجم» الموجود في العبوات والأحزمة والناسفة، وتم تدمير سيارتي البيك آب، وادّعوا إنها كانت ملغمة وتم تفجيرها تحت السيطرة، ثم زجوني في سجن قذر وبدون تحقيق.. ولكنني تمكنت من الهروب في عملية «الهروب الكبير»..

والآن أنا أتاجر بالبنادق ومختلف أنواع العتاد، وأفكر في افتتاح ورشة لتلغيم السيارات، وأمارس مهنتي بدون أي إزعاج أو قلق من طرف ما، كما إنني نسيتُ جدتي وما قالته قبل أربعة عقود.

 

 

free web counter