غالي العطواني
الخميس 24/1/ 2008
افكار فهرنهايتية
ما علاقة ابهام اعبوسي بفرض القانون؟
غالي العطواني
منذ نعومة اظافره وهو ميال للعمل مع (المعدان) الذين يشاطرونه السكن بقرية واحدة شغفه بصناعة (قيمر السدة) و(الروبة) و(الجبن) وحبه لاقتياد الجاموس وحلبها دفعه إلى الارتماء في أحضانهم فبات يلقب بـ(اعبوسي المعيدي)، فهو لم يشتكي من المرض قط ولم تمر به (الصخونة) لأنه كما يقال يرضع من ثدي (الهايشة).
بلغ الخامسة عشر من عمره وهو يقود حماره (الحيساوي) محملا بمنتجات الحليب في صفائح مشدودة الى طرفي الحمار الى القرى المجاورة فقد كان مندوب مبيعات (المعدان).
وكما هي الحال الان والكوليرا تحصد الأرواح، اشتاحت الملاريا العراق عام 1957 وبدورها قامت وزارة الصحة دائرة الصحة الريفية بحملة فحص للمصابين بالملاريا بواسطة وخز الابهام واخذ عينات من الدم ، أحدى الفرق كان نصيبها ان تكون في قرية اعبوسي ، ليصطف الناس في طابور أمام خيمة الفرقة الصحية، صاحبنا وصديقه شلتاغ من ضمن المصطفين في الطابور والمشكلة ان اعبوسي كان يرتعد خوفا من وخزة الإبرة بعد ان صار امام المختص بالوخز مد ابهامه مصفرا مرتعشا، (جكه) المضمد في ابهامه فراح صاحبنا في غيبوبة !!
بعد ان حار فيه صاحبه شلتاغ وجره خارج الصف غسل وجه بالماء واضعا (رأس بصل) على انفه ليعود الى وعيه بعد دقائق ليقول :(كفيلكم العباس ما اهيس اصبعي) .
توالت السنين وتزوج اعبوسي وضمن جلاس حفل العرس صديقه شلتاغ بعد ان سلمه (الهربة) سأله عن حال اصبعه فأجاب (وحك كتبه ورسله ما اهيس اصبعي)!!
تحسن حال وضع اعبوسي الاقتصادي مستبدلا حماره (الحيساوي) بـ (ماطور ابو الدوبة) (مراوس) دافعاً الفرق نقدا ... (عمت عيني ) انقلب الماطور ، والدوبة ، والحليب وكسرت ساقه نتيجة حادث مروري مؤسف اثر اصابته بعين حاسدة لم تصلي على النبي، وصل اليه شلتاغ مسرعا بعد ان تم نقله الى المستشفى مبادرا بوضع المقسوم تحت وسادته ليسأله عن حال اصبعه فأجاب : (الله المهلج المدرج لحد الان ما اهيس اصبعي)!!
كبر عيال أعبوسي وتقاعد عن العمل اجباريا ليفسح المجال للجيل الجديد لمزاولة عمل مندوب مبيعات بدل ابيه.
زاره شلتاغ مستفسرا عن سبب تقاعده الطارئ طارحا نفس السؤال القديم عليه فأجاب: (وهاي الشدة البيه لحد الان ما اهيس اصبعي )!!
احبتي الاكارم .. الى متى تأخذنا العزة بالإثم ومتى نتسامى؟ وهل من سبيل لنتحاور بقلوب بيضاء لا تشوبها شائبة ونتجاوز مزيفات التاريخ التي كتبت بأمزجة مريضة وننسى خلافاتنا المصطنعة التي لا أساس لها وتشبه الى حد بعيد (جكة) ابهام اعبوسي التي ما انفك عن زعمه عدم الإحساس بها.
27/11/2007