| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كامل العضاض
kaladhadh@yahoo.com

 

 

 

السبت 6/12/ 2008

 

هواجس من غمار الحياة

د. كامل العضاض

صبيّة حلوةُ وصغيرة و نقية، كنقاء فجر يتسلل في يوم ربيعي من خيوط الظلام المسدول على صفحات بحر ساكن وشاسع؛ حيث العتمة تتبدد في الثبج البعيد والضياء يشّع بأنواره الزاحفة، وكأنها تعلن للكائنات النائمة بأن يوما جديدا قد وُلد، وإن أوان اليقظة قد حلّ، وعلى النائمين النهوض الآن لسبر غمار الحياة من جديد، كما في كل يوم جديد. تنهض هذه الصبيّة من فراشها لتوقظ أباها المتعب والغارق في سباته ولتقول؛ "بابا، إنهض، فقد وعدت أن تأخذني الى كورنيش البحر الممتد لأرى الشروق وبروز قرص الشمس من وراء البحر المترامي، وكانه يخرج من أعماقه، هكذا قلت لي، ولهذا أريد أن أرى هذا المشهد الرائع". فأجابها بصوت خفيض؛ " صدقت يا ابنتي، إنه مشهد رائع فعلا، ولكن من أين لي الطاقة للنهوض في هذا الوقت المبكر!. "إن الوعد دين، كما كنت تقول لي دائما"، ردت الطفلة الذكية. "صدقت، مرة أخرى، ولا فرار من أن أفي بوعدي الآن"، أجاب متكاسلا، ولكنه سرعان ما حزم أمره ونهض مسرعا، قبلما يفوت وقت الشروق، وتناول من يد زوجته كوبا دافئا من الحليب، ورشف جرعتين، بعد ان أغتسل وغيّر ملابسه، وأسرع راكضا بصحبة إبنته صوب السيارة الجاثمة امام بنايتهم السكنية.
وحالما بلغا شارع كورنيش البحر الساحر الطويل، ترجلا وبدءا يرمقان البحر والخيوط الحمراء الذهبية تعلو صفحاته رويدا رويدا، وتبعها صعود القرص القرمزي وهو يطلع ببطء أخّاذ من أعماق البحر الساكن و الشاسع. وبينما كانت الطفلة مبهورة بالمنظر الخلاّب، كان الأب يتأمل في حكمة الكون ومراميه البعيدة. وسأل نفسه، بتمتمات، لم تعرها إبنته إنتباها، "كيف يتسنى لهذا الجمال المطلق البزوغ، كل يوم، دون إنقطاع، لينير الحياة لكائنات تأكل بعضها بوحشية و قبح؟"، "لماذا لا يجد هذا الجمال نظيره بين الكائنات، البشرية منها على وجه الخصوص؟". وفي هذه اللحظة التأملية، فاجأته الصبية الذكية؛ "لماذا يا بابا لا تكون الحياة كلها بهذا الجمال؟". وهنا تيقن الأب إن إبنته أدركت الحكمة، في هذا العمر اليافع، دون تعليم وكدّ؛
فقال لنفسه، " إنه يؤت الحكمة من يشاء!".

 

free web counter

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس