| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كامل العضاض
kaladhadh@yahoo.com

 

 

 

                                                                   الجمعة  9 / 5 / 2014


 

صائب خليل ونظريات الإقتصاد، ومنها فائض القيمة

د. كامل كاظم العضاض * 

مقدمة :
أنا أعرف الزميل والصديق صائب خليل منذ بضعة سنوات، ولكني لم ألتق به شخصيا، وربما هاتفته مرة عندما كنت في زيارة سريعة الى هولندة. أنا أعرفه ككاتب متميز في الشأن العراقي، وخصوصا من خلال موقعه الخاص، حيث يرفدنا بمقالات وتقارير متنوعة وبارعة، وخصوصا منها ما يخص المشاكل السياسية في العراق. إطلعت اليوم على مقال نشره في موقع صحيفة الأخبار الإلكترونية الغراء بتأريخ 2 ايار، 2014، وجلب إنتباهي بأنه هذه المرة يكتب عن النظرية الإقتصادية، وينقد ساخرا مفهوم الناتج المحلي الإجمالي، وربما الدخل القومي، ويعترف بإن فضوله هو الذي دفعه مؤخرا أن يقرا في حقل علم الإقتصاد، وإنه خلص من قرائته لموضوعين محددين، الأول هو ما سمّاه بالناتج الإجمالي القومي، والذي رمز له بالحروف اللاتينية، GDP، ولكن الرمز الأخير يشير الى الناتج المحلي الإجمالي وليس القومي، والفرق بينهما كبير. والثاني يتعلق بما يثسمى بمنحنيات بريتو، وسمّاها "بكفاءة بريتو". إلا أنه تطرق الى مفهوم فائض القيمة لدى المفكر الإقتصادي المبدع كارل ماركس، وشرحها، كما فهمها بصياغتها العامة وليست التفصيلية، واشاد بها، بإعتبارها كشف حقيقي وأخلاقي، لحقيقة الإستغلال في النظام الرأسمالي لجهود الطبقة العاملة المنتجة الحقيقة للسلع الإقتصادية. وهنا محاولة للمساهمة في توضيح منظور النظرية الإقتصادية في المجالات الثلاثة التي طرقها الزميل الأستاذ صائب، ولكن حسب ترتيب مناسب من قبلنا، فالأخ صائب تحرك في موضوعاته حسب إنسيابيته الكتابية، وهذا شأنه الخطابي.

أولا، بشأن مفهوم الناتج المحلي الإجمالي الذي تناوله الأخ صائب، وسمّاه خطاءا بالناتج القومي الإجمالي، والذي يعني عنده الدخل القومي، لاحظنا لديه خلطا كبيرا ما بين إسلوب تقدير الناتج المحلي الإجمالي، كمنهج للقياس الكمي لكمية وقيمة البضائع والخدمات المنتجة، خلال مدة محددة من النشاط الإقتصادي من قبل الوحدات المنتجة في المجتمع، وبين مؤشرات الرفاهية. والأخ صائب يتحدث عن قياس الرفاه الإجتماعي ومقدار التمتع بالحياة. إن قياس الرفاه له مؤشرات مختلفة عن مؤشرات قياس الإنتاج أو القيمة المضافة المتحققة في إقتصاد معين من قبل المنتجين فيه. صحيح أن هناك علاقة إرتباط إيجابية بين زيادة الناتج المحلي الإجمالي وزيادة الإرتفاع في مستوى الحياة، لكن الناتج المحلي الإجمالي لا يدرس قياس مقدار التمتع بإستهلاك السلع، إنما هو معني بقياس إنتاجها، كميا وقيميا فقط. أما كيف تتوزع السلع المنتجة، بل ومقدار ما تحققه من إشباع مفترض للحاجات؟ فتدخل فيه نظرية التوزيع وإعادة التوزيع، وهناك مدارس متعددة في هذا المضمار، ولعل في مقدمتها نظرية الإقتصادي الفيلسوف كارل ماركس والتي تركت بصماتها الحادة على مذاهب ونظريات التوزيع وإعادة التوزيع للقيم المضافة المتحققة في المجتمع. أما مسألة نوعية الحياة، فقياسها يدخل ضمن مؤشرات لقياس مقدار الرفاهية المتحققة فعلا من عملية توزيع وإعادة توزيع القيم المضافة والتي يمثل الناتج المحلي الإجمالي مجموع قيمها. فعدم نظافة الشوارع، مثلا، توّلد إحساسات بالضيق أو عدم الراحة بدرجات مختلفة لدى السكان، وهذه حالات يمكن قياسها بدراسة راحة ورضى الناس، أو/و قياس مقدار تأثيرها على إنتاجيتهم ومقدار مساهمتهم في الإنتاج وفي إغناء الحياة. هناك طرائق قياسية لمؤشرات الرفاهية، أما الناتج المحلي الإجمالي فهو يقيس فقط مقدار البضائع والخدمات المنتجة في إقتصاد معين، خلال مدة زمنية محددة، كان تكون فصلية أو سنوية. وفي هذه الحال، حالما تُنظّف الشوارع، أو تعبّد، فإن الإنفاق المترتب عليها يدخل اساسا في حسابات الناتج المحلي الإجمالي، ولكن ليس مقدار شعور الناس بالراحة والسعادة، لتنظيف أو تعبيد الشوارع، فتلك مقاييس تتكفل بها مؤشرات قياس الرفاهية في المجتمع. أعتقد الآن يبدو التوضيح والتفريق بالمفاهيم هنا واضحا.

ثانيا، إقتحم الأخ صائب نموذج وليفريدو بريتو، وتصوره نموذجا لتوزيع السلع المنتجة، بينما دُرس هذا الأمر، بدايةَ، عبر ما يسمى بصندوق إجويرث بهذا الخصوص، والأخير إستند الى منحنيات التفاضل التي جاء بها بريتو، في كتابه الشهير (Manual of Political Economy- 1906) (1)  وجرى هنا خلط مرة ثانية، فمنحنيات التفاضل التي أتى بها بريتو تمثل تنظيرا تجريديا وليس كميا أو إحصائيا، لسلوك المستهلك وكيف ينبغي، من الناحية التجريدية المبسطة جدا للواقع، ينفق دخله المحدود بين سلعتين أو مجموعتين من السلع، معروضتين في السوق، وبوجود أسعار تنافسية لكل سلعة، فإبتدع منحنى هندسي يتحدب صوب الزاوية القائمة بين محورين متعامدين، الأول، أي العمودي، فيمثل السلعة A، والمحور الإفقي في القاعدة ويمثل السلعة B، وإن نقاط اللاتفاضل أي عدم تفضيل كمية أو أية خلطة من السلعتين؛ (تتضمن مزيدا من هذه أو قليلا من تلك أو بالعكس أو بالتساوي)، فإنها تقع عند نقطة تماس هذا المنحنى بالخط المستقيم المائل والمنحدر من قمة المحور العمودي بإتجاه المحور الأفقي، وهذا الخط المستقيم يمثل السقف الأعلى للإنفاق المخصص للشراء. وهذا في الواقع هو نموذج رياضي يقوم على حساب التغيرات الكمية الجزئية للسلع الممثلة على المحورين. بإستخدام معادلة تفاضل بسيطة يمكن حساب مايسمى بالتفضيل لدى المستهلك أو المشتري، وبهذا يمكن الحصول على تساوي المنفعة أو اللافرق أو التفضيل أو التساوي المنفعي لدى المستهلك المشتري. ومرة أخرى نقول، هذه ليست نظرية للتوزيع، أنما هي لقياس تفاعل ميزانية المستهلك الراغب في الشراء مع سعر السلعة مع كميات السلعة او السلعتين اللتين سيشتريهما، بما يناسب درجة تفضيله ويتفق مع حجم ميزانيته المخصصة لهذا الغرض. توضح هذه النظرية الجزئية، (الميكروية)، سلوك المستهلك إزاء مجموعات السلع المعروضة في السوق وأزاء ميزانيته التي خصصها لهذا الغرض، وفي ضؤ سعر السوق لهذه السلع المعروضة. هذا تنظير على المستوى الجزئي الميكروي، أما إذا وظفناه لإغراض البحوث الكلية لقياس منحنيات التفاضل على مستوى السكان أو شرائح أو فئات من السكان، فلابد من توظيف أدوات القياس الإحصائي الكمي؛ وبالمناسبة أعد هذا الكاتب إطرحة الدكتوراه في جامعة ويلز في بريطانية لقياس منحنيات التفاضل للشرائح الإجتماعية في المجتمع العراقي، من أجل توظيفها لتخطيط الإستهلاك مقابل الإستثمار، وذلك للوصول الى حالة التوازن بين العرض والطلب، وبما يسهل عملية التخطيط، أي توزيع العوائد النفطية، بشكل متوازن ما بين الإستثمار والإستهلاك، بحيث يصبح من الممكن تعظيم الإستثمار دونما تعويق للإستهلاك. (2)

وبهذا نرى أن التنظير هو ليس تحايل أو محاولة لسرقة العامل أو المستهلك، بل هو هنا لتسهيل القياس الكمي، ومن ثم يأتي من يعنيه الأمر لوضع معاييره الخاصة بنوع نظام التوزيع الذي يدعو له. ومن هنا نأتي الى مساهمة الفيلسوف كارل ماركس التي يرى فيها السيد صائب كل الحقيقة الإقتصادية؛ إنها نظرية للتوزيع، وليست للإنتاج، فالإنتاج تحكمه نظريات تتعلق بالطرائق الفنية التي توظف فيها عوامل الإنتاج، بغض النظر عن كيفية تصنيفها، من أجل إستدناء الكلف وزيادة القيمة المضافة، ولكن مساهمة ماركس الفذة هي في كيفية توزيع القيم المضافة المتحققة في العملية الإنتاجية هذه.

ثالثا، نتناول الآن، بقدر من الإيجاز، مناقشة ما عرضه الأخ صائب من توصيف وخلاصات عن نظرية فائض القيمة لكارل ماركس، ليخلص الى أنها تمثل الحقيقة الواضحة في الإقتصاد الحقيقي، بينما يخادع إقتصاديو الراسمالية بنظريات لا تمثل سوى أحابيل وربما مخاتلات! كما حاول أن يدعم فهمه ببعض الأمثلة. إبتداءا أنا لا أغمط حق الأخ صائب في إعجابه بنظرية ماركس عن فائض القيمة، فهي عندي أيضا مساهة لامعة جرت في القرن الناسع عشر، والراسمالية المستَغلِة كانت في أوج عنفوانها، فجاءت صرخة كارل ماركس مدوية أمام الإستغلال الشنيع للعمال، كما في بريطانة آنذاك. من الناحية الأخلاقية، كان صوت ماركس صوتا شجاعا ونبيلا ونصيرا لجموع العمال المستباحين. نعم، اخلاقيا، ترتفع هامة كارل ماركس على كل الهامات الإقتصادية في زمانه. نعم، هو بيّن، حتى رياضيا، إن فائضا كبيرا من القيمة المضافة يسرق من قبل أرباب العمل الرأسماليين. نعم، كان ذاك كشف علمي يتطابق وواقع حال القرن التاسع عشر في بريطانية وأوربا. كما إن الأساس النظري للصراع عبر التأريخ قد دُرس بإستفاضة وعناية من قبل كارل ماركس وجزئيا من قبل رفيقه فردريك أنجلز. ومساهمات ماركس الفكرية لا تضعه فقط، كإقتصادي، وإنما كمفكر وباحث إجتماعي وفيلسوف في مجال الجدلية. إن مساهمات ماركس العلمية متفوقة وباهرة ولا تقف عند فائض القيمة فقط، بل لعله عندي من أعظم المفكرين في التأريخ الإجتماعي والمجتمعي، أكثر منه مجرد منظّر للقيمة الفائضة. إن بصمات الفكر الماركسي ستبقى راسخة في تخوم المعرفة البشرية. ولكن، ولكن، يجب أن لا يتحول هذا التقويم الى إيديولوجية أو عبادة، ففي ذلك مقتل للتطور على صعيد المعرفة والحياة. كانت أدوات ماركس التحليلية في القرن التاسع عشر في أوربا مناسبة وجريئة وصارخة، ولكننا الآن في القرن الواحد والعشرين، فلابد أن تتحدث أدواتنا التحليلية في ضؤ المستجدات الهائلة التي طرأت على الرأسمالية ذاتها، ناهيك عن العالم الذي لم يكن قد دخل طور الرأسمالية بعد. لقد إحتدمت شعوب عديدة، متطورة ونامية، في صراعات إجتماعية خارج حلبة الصراع الطبقي المادي، فلدينا صراعات دينية ومذهبية وأثنوية أو عرقوية لا تمت بالصلة للصراع على فائض القيمة، بل حول دوافع حقيقية أو موظفة للتمايز والترجيح على حساب بعضها البعض. كما أن ضراوة بعض هذه الصراعات قد تتفوق او فاقت بعض إحتدامات الصراع الطبقي في الدول الراسمالية. هنا ينبغي تطوير أدواتنا للتحليل الإجتماعي وتوسيعها وعدم قصرها على الصراع على تقاسم القيمة المضافة من خلال العملية الإنتاجية. ولنتسائل بعد ذاك، هل نحن بحاجة الى راسماليين، أو في الأقل الى مدراء إنتاج ناجحين لإدارة المصانع؟ لننظر الى الصين الشيوعية اليوم، من كان يصدق إنها إختطت طريقا تنمويا يوظف القطاع الخاص بنسبة عظيمة. كيف أدخلت معيار الضرائب ونظام فعال لإعادة توزيع الدخول. كيف تقارن هذا الأمر مع الطرح الإيديولوجي بأنه لابد من إقامة ديكتاتورية الطبقة العاملة، وتمليكها الإقتصاد برمته. لنتمهل، ولننظر مآل الإتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية، ماذا حصل؟ أين ذهبت مقولة ديكتاتورية الطبقة العاملة، ماذا حصل لروسيا الرأسمالية اليوم، والشيوعية بالأمس. الخطأ لا يكمن في الفكر الماركسي، فماركس قدم مساهمة لامعة، في الكشف عن الإستغلال الذي تعرضت له الطبقة العاملة قبل ما يزيد على القرن ونصف القرن، ولا تزال تتعرض له، بدرجة أقل فداحة، الأن. ثمة تغيرات جوهرية قد طرأت في نظم إعادة التوزيع للدخول، وعلينا أن نكشف فيما إذا كانت كافية، أو حتى كفؤة أو مناسبة، لتعويض العمال عن جهود عملهم. (3)، ثم، ألم يتغير أسلوب عمل الشركات الرأسمالية؟ الم يدخل العملية الإنتاجية فئات غير عاملة يدويا؟ هل بقيت هناك علاقة رأسية بين صاحب العمل الرأسمالي والعمال وبقية فئات العاملين من المهندسين والمدراء والمخططين والمصممين، وغيرهم الكثير؟ يمكن القول بخلاصة، بدلا عن التصدي لطروحات كارل ماركس المدوية في القرن التاسع عشر، آن لنا أن نجدد مقولاتنا العتيقة، ولنسخر عقولنا الإقتصادية لتطوير أدواتنا التحليلة، لتشخيص الإستغلال وحدته، ليس فقط بالمصنع، انما في الريف والمزرعة والمدرسة والدائرة وحتى في البيت؛ الإستغلال بشكلة الأعم، ثم الإستغلال بشكله الخاص، الوظيفي والمهني والطبقي والإجتماعي أو المجتمعي. لابد هنا من إستلهام الفكر الماركس لنستدل به على طرائق لتطوير أدواتنا التحليلية، ليس فقط لإلغاء الإستغلال في المعامل، إنما أيضا في جميع مجالات الإنتاج والعمل والخدمة، والحقوق وتكافؤ الفرص، وصولا الى مجتمع تسوده العدالة الإجتماعية، وهنا نحن بحاجة الى تنظير رفيع حول كيفية تحقيق نظم لإعادة التوزيع المنصف، أي الذي يحافظ على كفاءة الأداء والرغبة في العمل، ويجتث الإتكالية والكسل والتسكع، ويعطي لكل ذي حق حقه، فالمبدع لا يتساوى مع غير المبدع، كما لا يتساوى الذين يعلمون والذين لايعلمون! وكل ذلك، لإن ظروف التغيرات الزمانية والمكانية، وإختلاف تداعيات العوامل التأريخية والإجتماعية والمعرفية وصلتها بالثقافة والوعي، كلها تستدعي بالفعل عدم الركون الى مسلمات حصيفة إبتدعت قبل قرن ونصف القرن، بل المطلوب هو الإنهماك على منهجياتها وأدواتها التأريخية التحليلية، لنكون قادرين على الخروج بتشخيصات علمية، للخلاص من الإستغلال والتخلف والتبعية؛ وهذه الأخيرة لم تكن مشكلة ماركس، كما لم يكن الصراع الديني والعرقي محل إعتبار مهم لدية، بل جل تحليله إنصب على على تحليل الصراع، كما تُنشئه أنماط الإنتاج المختلفة والتي تولد تناقضات في المصالح بشأن تقاسم القيم المضافة لذلك الإنتاج.(4)

بقيت نقطة، لم أرد الإسهاب فيها، وهي تتعلق بالمثال الذي أورده السيد صائب، بإستخدام مصطلحي القيمة الإستعمالية والقيمة التبادلية، للتدليل على أن صائد الغزال قد يستغرق سبع ساعات او أكثر ليصطاد غزالة، بينما صائد السمك، قد يصيد سمكة كل ساعة، فهل يتساوى سعر السمكة مع سعر الغزالة؟ الجواب طبعا لا يتساوى، ليس فقط بسبب الزمن المستخدم للصيد في الحالتين، إنما هناك نقطتان؛ الأولى، تتعلق بمفهوم الندرة النسبية، ولو كان السمك نادرا كالغزال، ربما قاربه بالسعر, ثم أن ما يسمى بقيمة إستعمالية، إنما هي تكمن في قابلية السلعة لإشباع حاجة، فإن لم تشبعها، فليس لها قيمة إستعمالية، وكل سلعة قابلة لإشباع حاجة، هي قابلة للتداول، أو البيع والشراء. وهنا تكون لقوة العمل قيمة شرائية بحد ذاتها، أما السلعة المنتجة من قبلها، فلها قيمة إستعمال لإنها تسد طلبا وتشبع حاجة. والنقطة الجوهرية هنا هي، هل أن سعر شراء قوة العمل منصفا ومتناسبا مع القوة الإستعمالية للسلع التي ينتجها. فهنا تكمن قضية الإستغلال من عدمه، مما يتطلب تشخيصا علميا، ومن ثم وضع نظم وسياسات لمنع الإستغلال، من دون أن تحبط صاحب رأس المال ولا تغمط حق العاملين غير اليدويين، ممن لايشاركون بصنع السلعة مباشرة، بل من خلال تصميم وتنظيم إنتاجها. كما لابد من مراعاة ضرورة تحقيق تراكم رأسمالي وإعادة الإنتاج، مما يتطلب حُزم من سياسات إعادة التوزيع الضرائبية وغير الضرائبية. وتكمن النقطة الثانية في إختلاف فن أو تقنية الإنتاج، فالتقنية العالية والمتطورة تحقق إنتاجا أعلى، وبدونها وبنفس العمال لا يمكن تحقيق نفس المستوى من الإنتاج.

نلاحظ أخيرا، أن علم الإقتصاد بمختلف مدارسه التبريرية والمعارضة الثورية وغير الثورية، تشكل ضروب من المعرفة الفكرية التي يجب أن ننهل منها ونتعرف على أدواتها التحليلية، ولنوظفها من أجل المُثل الإنسانية، مهما إختلفنا في مداخلها. هناك شيء مهم من المعرفة التي يجب أن يحيط بها المرء حتى لو كان معاديا للرأسمالية. وختاما نقول إن الراسمالية أنتجت إنماطا راقية من التنظيم التقني لزيادة الإنتاج، وهذه يتوجب دراستها، ولكنها فشلت في تقديم نماذج أفضل في مجال توزيع الإنتاج أو الدخل، علما بأن معظم الدول الرأسمالية تطبق وتدير أنظمة ضرائب متطورة لهذا الغرض، ولكنها غير كافية لإلغاء التمايز الطبقي الكبير بين السكان، ولعل بعضها كان انجح في مضمار تقليص الفجوة بين الفقراء والأغنياء الى حدما، كما في الدول الإسكندنافية. أكتفي بهذا القدر، وأرجو أن تتاح لي فرصة لتناول الفكر الماركسي ومقدار معاصرته للزمن الحاضر، وخصوصا في بلداننا العربية، وفي العراق على وجه الخصوص.
 

6 مايس ، 2014

بعض المصادر:

1.Vilfredo Pareto, "Manual of Political Economy", 1906, (French ed. 1909).
2. Kamil K. Al-adhadh, "Demand Analysis and Implications for Planning in Iraq", PhD Thesis, submitted to the University of Wales, UK. 1977.
3. Joan Robinson, "An Essay on Marxian Economics", MacMillan, London, 1960.
4. Karl Marx, "Theories of Surplus Value"; A draft Manuscript written by Karl Marx between January 1862 and July 1863.


 

* مستشار اقليمي سابق في الأمم المتحدة

- عضو اللجنة العليا للتيار الديمقراطي في العراق
* الكاتب، إقتصادي متخرج في جامعة ويلز في بريطانية، وله دراسات وبحوث إقتصادية قياسية عديدة، وعمل لسنوات
 بصفته مستشارا إقليميا في الأمم المتحدة في الحسابات القومية والإحصاءآت الإقتصادية.
 

 

 

free web counter

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس