| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كامل العضاض
kaladhadh@yahoo.com

 

 

 

                                                                                      الجمعة 7/9/ 2012


 

دعوة للتبّصر بشأن الإتهامات الموّجهه للسيد محافظ البنك المركزي العراقي

د. كامل العضاض * 

تابعت، كما تابع زملائي في شبكة الإقتصاديين العراقيين المراسلات  والإتهامات المختلفة التي تدور حول مهنية وربما حصافة إدارة مؤسسة البنك المركزي العراقي، وهي فعلا مؤسسة غاية في الأهمية ولها دور جوهري في إدارة وتنمية الإقتصاد العراقي، فترشحت لدينا ملاحظات، نرغب في مشاركتكم بها؛

 أولا، حينما تُبدى آراءا تخص إداء مؤسسة عامة، ينبغي أن تُقام الحجة والبيّنات على كل إتهام بخطأ او تعثر أو فشل إداري ضمن معطيات الأداء الموضوعي على الأرض وما يخلفه من نتائج تضر بالمصلحة العامة، أو تمثل فسادا او جهلا أوخطلا في تنفيذ الواجبات الفنية التخصصية لهذه المؤسسة ودورها في تحقيق أهدافها المنصوص عليها في قانونها أو التي توجبها الطبيعة الفنية التخصصية لمهامها، وهي مهام معروفة لمثل هذه المؤسسات التي ينبغي ان تلعب دورا كليا فاعلا للحفاظ على إستقرار الأسعار وسعر الصرف الملائم  وتنظيم الخدمات المصرفية وإدارة العملة الأجنبية، وكذلك لعب دور مهم في توجيه الإئتمانات المصرفية لتمويل الإنتاج الوطني لزيادة التراكم الرأسمالي الوطني وربما للمساهمة الحثيثة غير المباشرة في تطوير القطاعات الإنتاجية المحلية غير النفطية، ولتطوير الصادرات غير النفطية، وليس الإقتصار على تمويل الإستيرادات فقط، وبما يديم الحالة الريعية للإقتصاد العراقي. فبغض النظر عن شخصية محافظ البنك المركزي، ينبغي تقديم البيّنات والمعلومات المثبتة عن نشاطات البنك في هذا الخصوص، لأن المصلحة العامة تقتضي ذلك وليس لأن أحدا ما   لديه موقف شخصي أو ظني حول قدرات ومؤهلات محافظ البنك المركزي،  فهذه أمور تتبين في ضؤ نتائج الأداء وسطوع الدليل على الفساد، مهما كان شكله أو درجته أو طبيعته، وبغض النظر عن عواطفنا وعلاقاتنا الشخصية بالسيد محافظ البنك المركزي، وحتى بغض النظرعن تأهيله العلمي وما معروف عنه عند البعض من دماثة الأخلاق وحضارية السلوك، فالقرارات الإدارية والفنية التخصصية التي يتخذها السيد المحافظ أو يكون في التحليل الأخير هو مسؤولا عنها بالأساس هي وحدها محور التقويم والإتهام إن وجد. ويجب أن تشكل هذه الإعتبارات دون غيرها الأساس الذي يجب الإستناد إليها عند تقويم أو توجيه إتهامات، سواء تلك التي تتعلق، في هذه الحالة، بالبنك المركزي او بغيره من مؤسسات الدولة

ثانيا، نود أن نشير بأننا لا يمكن أن نخوض في بعض ما يُطرح من إتهامات للبنك المركزي أو للسيد المحافظ ولبعض مستشاريه أو موظفيه، فمعظمها، كما تبدو، آراء وظنون، بل وتهم ترمى بدون أسانيد ملموسة، وليست حجج موثقة، فبعضها يعزي الأمر الى عدم تكريس السيد المحافظ وقته للعمل داخل البنك ،المركزي، بسبب سفره الدائم خارج العراق، إلى آخره. وقد تتهافت هذه الإتهامات وتصبح تصورات مخطؤة عند تحري الحقائق والتعرف على آليه ونسق أو أسلوب إتخاذ القرارات الذي يتبعه السيد المحافظ، ولكن ثمة إتهام يتردد من أكثر من مصدر وليس فقط حسبما يدعيه بعض المصرفيين في رسائلهم، وهو أن الجلسات الأسبوعية التي يعقدها البنك المركزي لبيع الدولار الأمريكي تصل الى ما بين خمسين الى مائتي مليون دولار في الجلسة الواحدة  اليومية خلال خمسة أيام من كل أسبوع، وطبعا ستصل هذه المبالغ الى عدة مليارات سنويا، وإن هناك مستفيدين لإغراض غير مشروعة وليس وفقا للاغراض الإقتصادية، أو وفقا للمعايير التي يجب أن يتبعها البنك لإدارة العملة الأجنبية والحفاظ على مستوى الإحتياطي منها، دعما  للإقتصاد العراقي. ولكن هذه حالة يمكن إثباتها أو دحضها، ربما بيسر من خلال التحقيق ودراسات الحالات على الواقع فى الجلسات المقامة أو بمراجعة السجلات والمعايير، ومقارنة النتائج، اي معرفة كميات وأقيام البضائع المستوردة مقابل الدولارات التي بيعت لهذا الغرض، كما يمكن تدقيق كافة أنواع المبيعات من الدولارات حسب الأغراض التي بيعت من أجلها، وربما التحقيق في هويات وطبيعة الجهات والشخوص التي بيعت لهم الدولارات. ولا يشكل مثل هذا التحقيق طعنا في نزاهة البنك أو السيد المحافظ، فمجلس النواب له هذا الحق في ذلك بإعتباره ممثل الشعب والمشرف مؤسسيا او قانونيا على البنك المركزي. وقد تأتي النتائج مفحمة لصالح البنك والمحافظ ولا يجب أن يستحي البنك من هذا النوع من المسائلة والشفافية

 ثالثا، لدينا رأي شخصي فيما يتعلق بإرتباط البنك المركزي في مجلس النواب. أعتقد أن هذا المجلس يضم، عادة، سياسيين اكثر منه متخصصين وخبراء نقديين، وهو ليس المصدر الملائم للبنك لتطوير وظائفه التنموية، فالمكان الملائم هو مجلس الوزراء، فمحافظ البنك المركزي في    في بريطانية ،(Bank of England)  ، على سبيل المثال، هو عضو في الكابينت، اي مجلس الوزراء البريطاني، مما يتيح له مشاركة المجلس، أي الحكومة، في تطوير وتنفيذ برامجه المالية والنقدية، كما يستطيع تنسيق سياساته وبرامجه الخاصة بالبنك المركزي مع السياسة العامة للحكومة، وليس بمعزل عنها. وبهذه الصيغة المنطقية يتحمل المسؤولية الوزارية عن الفشل والأخطاء أوإساءة الأداء في مؤسسته. ويضمن هذا الترتيب تحقق المسؤولية الوزارية والمسؤولية الجماعية للحكومة معا. اما الإرتباط بمجلس النواب فهو غير فعال من الناحية المهنية، وربما يكون للمجلس حق المصادقة على تعيين محافظ البنك في مجلس الوزراء نظرا لأهمية منصبه، فإستقلال البنك المركزي لا يعني التفرد، بل المشاركة الكاملة في رسم السياسة العامة للحكومة نظرا للترابط العضوي بين السياسات النقدية والمالية والإقتصادية للحكومة ككل، ولا يمكن أن يكون البنك المركزي جهازا مستقلا تماما عن الحكومة، ولكن حفاظا على المهنية لايجوز للحكومة أو مجلس الوزراء أن يتدخل في تفاصيل عمل البنك المركزي، بل تنسيقها بهدف تحقيق أهداف برامج الحكومة التي صادق عليها مجلس النواب.

رابعا، في نظام ديمقراطي مسؤول وليس فالتا، يحق لمن يشاء من المواطنيين والمختصين إبداء الأراء والملاحظات، مهما كانت قيمتها، حول أداء البنك المركزي أو غيره من مؤسسات الدولة، وهذا حق دستوري، بشرط أن لا يقوم على الأقوال المرجفة والإعتدائية بدون وجه حق، عند ئذ ستعتبر قذفا وتطاول غير مشروع يُحاسب عليه القانون. فكيف الحال، ونحن إزاء محافظ له من التأهيل وعلو الأخلاق والوطنية والإستعداد الكامل لسماع الرأي الآخر، ما يدعو الى إحترام مثل هذه الكفاءآت، شرط عدم سقوطها في هاوية الغرور، ذلك لإن أي فرد فيها هو ليس قالبا فريدا من الناس المختصين، أنهم جميعا أبناء العراق الذي إستثمر في تأهيلهم الكثير. كما تقتضي الأخلاقية المهنية أن نسمع الرأي الفني المعارض أو المثار حول أي موضوع يتعلق ببعض السياسات التي يعلنها أو يتبناها البنك المركزي، طالما هي مهنية وعلمية. على سبيل المثال، انا أحد الناس المعنيين في حقل الإقتصاد، كنت ولا أزال ضد تعديل سعر صرف الدينار العراقي. إن الحديث في هذا الموضوع يطول، ولكن، بإختصار نقول ان من مصلحة الدول النامية، وخصوصا النفطية الريعية منها، الحفاظ على سعر صرف منخفض لعملتها، تحاشيا للسقوط في ما يسمى "بالمرض الهولندي"، اي الذي يسببه إرتفاع سعر صرف العملة المحلية، وبما يجعل الصادرات غير النفطية الناشئة مرتفعة السعر لإغراض التصدير، مما قد يؤدي الى تعثر نموها. ومن هنا لم نكن مؤيدين لحذف الأصفار من الدينار العراقي، ذلك لأنه بالتحليل الأخير سيرفع سعر صرفه في السوق. اعتقد ان مناقشات من هذا النوع يسمعها المختصون في البنك المركزي و يتأنون في دراسة مضامينها.

و لابد من التأكيد ختاما بأن النقاش الموضوعي والعلمي هو ظاهرة صحية ومطلوبة، ولكن القذف والسباب هو تخلف وجهل. فانا شخصيا تربطني علاقة صداقة شخصية بالدكتور سنان منذ أكثر من ثلاثين عاما، واحترم رصانته وعلميته وحسن اخلاقه، لكن هذا الأمر لا يمنعني من مناقشة سياسة البنك التي قد أعارض بعضها أحيانا. و لابد من الناحية الموضوعية أن يبين المرء الذي يناقش سياسات البنك الجوانب الإيجابية والنجاحات التي يحققها البنك على أرض الواقع. فالإستقرار النسبي، خلال السنوات ما بعد الإحتلال، في الأسعار وسعر الصرف، مع بعض الإستثناءات، وفي تصاعد الإحتياطيات في العملة الأجنبية وتقنين طلبات الجكومة لمزيد من إستخدام العملة الأجنبية و/او زيادة عرض النقود المحلية لتنفيذ سياساتها الريعية الضارة، هذه كلها تسجل لصالح سياسات البنك المركزي تحت إدارة الدكتور الشبيبي.

 

4/9/2012

 

- عضو اللجنة العليا للتيار الديمقراطي في العراق
* الكاتب، إقتصادي متخرج في جامعة ويلز في بريطانية، وله دراسات وبحوث إقتصادية قياسية عديدة، وعمل لسنوات
 بصفته مستشارا إقليميا في الأمم المتحدة في الحسابات القومية والإحصاءآت الإقتصادية.
 

 

free web counter

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس