| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كامل العضاض
kaladhadh@yahoo.com

 

 

 

السبت 29/1/ 2011

 

لا للفساد لا للتزوير
هكذا رددت حناجر مئات الألوف من المصريين

د. كامل العضاض

نعم، فالدرس التونسي يتفاعل في ضمائر الآلاف من المستلبين المصريين. ولكن شروط الإنتفاضة المصرية هي في الواقع أكثر نضجا منها في تونس، ألا أن تحريكها اصعب لأسباب لا تقف عند السطوة البوليسية للنظام الفردي لحسني مبارك المهيمن منذ ما يزيد قليلا على الثلاثين عاما، إنما تتعداها لطبيعة الشعب المصري المسالم والذي لا ينساق لغضبه بسهولة، فهو يكظم غيضه لسنوات وسنوات، وله نظرة سيكلوجية للحكم، قد توصف بالإستتباع الطوعي لإية سلطة تأخذ بقياده، بغض النظر عن شرعيتها! ولكن بموجب ما يشبه قوانين الحياة للشعوب الاصيله والضاربة في التأريخ، هناك حدود للصبر. فقانون الطوارئ الناسف للحريات والديمقراطية في مصر لا يزال مسلطا منذ أكثر من ثلاثين عام، وكان الحزب الوطني الحاكم، ومنذ ثلاثين عام، دائما يتمشى بسهولة للفوز بأغلبية المقاعد البرلمانية. والفساد يضرب أطنابه في مصر على كل المستويات، بدءا من القمة نزولا الى القاعدة، فالصعيدي المسكين، كثيرا ما يفقد تحويشة عمره حينما يروم بناء غرفة أو غرفتين لعياله، بعد غربة عبودية لسنوات طويلة في بعض دول الخليج، من أجل أن يجمعها! أما التزوير، فحدث ولا حرج، فقد تجده في دوائر الطابو وفي الإنتخابات العامة والبلدية، وفي منح الإعانات وفي المدارس وفي الصحافة وفي المقاولات. كما أن حاكم مصر الفرعوني لا يزول إلا بموته الطبيعي أو بالقتل، كما حدث للسادات قبل ثلاثين عام. فحالة من الظلم والإستلاب كهذه، كانت ولا زالت جاثمة لقرون، بإستثناءات تأريخية، ومنها ما حصل في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، (1881)، ضد الخديوي إسماعيل والقوات البريطانية، تحت قيادة أحمد عرابي باشا، أو إبان الصعود الوطني أمام الإستعمار البريطاني قبل وبعيد الحرب العالمية الثانية، حيث كان هناك زعماء كبار، مثل سعد زغلول ومصطفى كامل وغيرهما.

ما يجري اليوم هو صيحة جماهيرية عالية في أرض الكنانة، بل هي صرخة بالأساس ضد الفقر والإنسحاق لأكثر من ثلث الشعب المصري الذي يقارب تعداده اليوم خمسة وسبعين مليون نسمة، فهي صرخة عاتية ضد هدر الكرامات ونهب الموارد، لاسيما من خلال هيمنة قلة من الطفيليين على موارد البلاد الإقتصادية، وهي صرخة جاءت لتعلن بأن للصبر حدود، وعلى مبارك أن يرحل، لا أن يبقى مدى الحياة و/ او ليورث عرشه لنجله جمال، بعد رحيله. وهذه الإنتفاضة الشارعية المصرية اليوم، وإن إستوحت التجربة التونسية التي لا تزال تغلي حتى هذه اللحظة، لكنها تملك قيادات بديلة جاهزة، واحزاب معارضة فاعلة، وإن كان ينقصها التنظيم الجماهيري الواسع. ولعل تخويف الغرب من إحتمال سيطرة الأخوان المسلمين، هو مبالغ به، فإنتفاضة الشارع المصري اليوم قد تجاوزتهم، وهم جاءوا الآن ليركبوا موجتها وليلتحقوا بها. ومن ضمن المنظمات المشاركة في الإنتفاضة منظمة كفاية، فهي تملك تعاطفا جماهيريا، ولكن ذلك لا يضمن لها هيمنة كبيرة، وحزب الغد لا يزال محدود التأثير. أما لجنة البرادعي للتغيير والديمقراطية، فهي واعدة ولكنها حديثة التكوين. أما الأحزاب التأريخية، كحزب الوفد وأحزاب منشقة عنه ستبقى أكثر تأثيرا على النخب المصرية. ولكن المحرك الأساسي للإنتفاضة هو الجماهير الطوعية، وليست الأحزاب والمنظمات.

والخوف كل الخوف هو أن تستطيع حكومة مبارك المتمرسة بالقمع ان تلتف على هذه الإنتفاضة بإجراءآت شكلية، على الرغم من الدعم الضمني وأحيانا الصريح لهذه الإنتفاضة من قبل دول الغرب الكبرى، كما جاء في تصريحات أوباما، رئيس الولايات المتحدة، يوم أمس، او في تصريحات الرئيس الألماني، مع تحفظ بريطاني. كما أن الخوف هو من إختراقها وتشويهها، من خلال إندساس مخربين ولصوص فيها، سواء كان ذلك بتوجية من سلطات مبارك، أو كان تلقائيا من قبل رعاع ومجرمين وجهلة. ومع هذا وعلى الرغم من كل ذلك، فإن هذه الأنتفاضة ستشكل هزّة عميقة لنظام مبارك الطغموي، وستحقق نتائجها بكسب المزيد من الحريات والمزيد من الديمقراطية وقليلا من العدل الإجتماعي لشعب مصر العريق. وربما سوف لا يُجدد هذه المرة لمبارك، وبالتأكيد سوف لن يتمكن من توريث حكمه لإبنة. هذا إن لم يهرول هاربا، فطائرته جاهزة، ولكن كل ذلك يعتمد على موقف الجيش والقوات المسلحة وهذه قوة ضاربة فعلا، ولكنها صامتة حتى الآن، فإذا ما خضعت لأوامر السلطان، فمعنى ذلك أن الجولة الأولى لثورة الديمقراطية سيكسبها مبارك، لكن الجولة الثانية، قادمة في الإنتخابات الرئاسية القريبة القادمة، وغدا لناظره قريب. وما على الحكام العرب إلا أن يصغوا ويشاهدوا محاكم التأريخ.

 

بيروت
28/1/2011
 




 

free web counter

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس