| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كامل العضاض
kaladhadh@yahoo.com

 

 

 

الأربعاء 18/2/ 2009



هل ستشكل نتائج الإنتخابات المحلية في العراق،
تحوّل كبير أم إنعطافة مهمة جدا؟

د. كامل العضاض

1. قرأنا عددا كبيرا من المقالات التحليلية حول النتائج الأولية للإنتخابات المحلية التي جرت في 31-كانون ثاني-2009، في أربعة عشرة محافظة من محافظات العراق الثمانية عشر. و يكاد يجزم معظم تلك المقالات بأن ثمة تحوّل كبير قد حصل لدى الرأي العام العراقي حول الأحزاب الدينية التي حكمت العراق، خلال السنوات الخمس الماضية، تحت الإحتلال الأمريكي وحلفاءه. و من هذه المقالات ما غالى كثيرا بطبيعة وإتجاه هذا التحوّل، و منها القليل الذي نفى حصول أي تحوّل حقيقي، بل إعتبرها لعبة محسوبة؛ فالأحزاب الدينية المهيّمنة غيّرت جلدها الخارجي، ولبست لبوسا يتوافق مع المزاج العام الرافض لحصيلة سياسات و ممارسات وسلوكيات تلك الأحزاب، بإستثناء قائمة، "شهيد المحراب"، وهي واجهة المجلس الأعلى الإسلامي الذي لا يزال يتزعم كتلة الإئتلاف العراقي الموحد الأوسع نفوذا. فهذا المجلس، كما يبدو، لم يغيّر جلده ولم يلبس لبوسا تقيويا، بل ظل يلهج بالشعائر الحسينية، ويعبأ عزاءآت اللطم والنواح، و يتشبث بمشاريعه لتقسيم العراق في كانتونات طائفية، ولذلك، في رأي كتاب هذه المقالات، أضحى هذا المجلس، بعد إعلان النتائج الأولية لهذه الإنتخابات، هو الخاسر الأكبر، من بين بقية الأحزاب والكتل الدينية، بالمقارنة الى قائمة، " دولة القانون"، التي يقودها المالكي زعيم حزب الدعوة الإسلامية، مع ثبات نسبي لحصص بقية الكتل الدينية الشيعية، كالتيار الصدري والفضيلة، ومن الجانب السني، كالتوافق. وعليه، حسب هذا المنظور، فإن الأحزاب الدينية لا تزال مهيمنة.

2. ولكن أغلبية الكتاب، كما أشرنا، أشاروا الى إندحار الهيمنة الدينية، مسترشدين بقرائتهم لإحصاءات النتائج الأولية، حيث تبيّن أن الأحزاب الدينية الإسلامية، بما فيها حزب الدعوة الإسلامية الذي يقوده المالكي، و بشمول الأحزاب الدينية السنية الأخرى، كالتوافق، وأهل الحوار، بمجموعهم، لم يحققوا أكثر من 30% من مجموع المقاعد البالغة 434 مقعدا في الأربعة عشر محافظة التي جرت فيها الإنتخابات. فهل يعني هذا، حقا، بأن ال 70% الأخرى من المقاعد ذهبت الى القوى العلمانية الديمقراطية العديدة والتي بلغ عددها حوالي 141 كيان سياسي، بما فيهم كيانات فردية، وهي قليلة جدا، ككيان الحبوبي في كربلاء، أو مجموعات صغيرة غير منظمة على أساس حزبي؟ لا، لا يجوز قراءة هذه النتيجة بهذا التبسيط المضلل، إذ علينا تحليلها على وفق دلالتها عن المزاج العام، وليس بمعيار نهوض تيار سياسي علماني ديمقراطي يقدم بديلا فاعلا للأحزاب الدينية المهيمنة على البرلمان والحكومة. ونطرح في أدناه، بإيجاز كبير، قراءتنا.

1. بغض النظر عن غياب معلومات مفصلة، ليس فقط عن النسب أو عدد المقاعد التي حازها كل كيان دخل معترك الإنتخابات، إنما أيضا، عن هوية و طبيعة و توجّهات الأشخاص الذين سيشغلون هذه المقاعد من الذين ترشحوا، بإعتبارهم قد طرحوا أنفسهم، كوطنيين او ديمقراطيين أو إصلاحيين، ولكن ليس كممثلين لإحزاب دينية، سنية كانت أو شيعية. نقول بغض النظر عن هذه المعلومات الأساسية المطلوبة من أجل إجراء تقويم تحليلي صائب وعقلاني، فإن النتيجة الأساسية لتوزيع الأصوات تقول لنا بأن الرأي العام سئم بالفعل من الكتل الإسلاموية وحصيلة إدائها المزري. ولكن الرأي العام آزار المالكي على الرغم من إنتمائه وحزبه الى الأحزاب الدينية، لسببين؛ الأول إنجازاته وصدقية توجهاته، ولتحقيقه أمنا نسبيا معقولا، آخذين بالإعتبار تعقد الظروف وجسامة التحديات، وحبكات أصحاب الأجندات المتنفذين بالمال والمليشيات والدعم الأجنبي. والثاني، لعدم وجود بديل حقيقي منظم، ومستند الى قواعد جماهيرية واسعة و مترسخة، وله قيادة كارزمية وتأريخ معروف بالوطنية والنزاهة.هذان هما السببان الأساسيان لذهاب ما يقرب من 15% من مجموع أصوات الناخبين في جميع المحافظات المقترعة للمالكي نفسه وليس لحزبة، مع الإقرار بوجود نسب، ربما صغيرة، صوتت لحزبة، وأخرى مماثلة لمذهبه.

2. و ماذا عن بقية نسب توزيع الأصوات؟ فالإحصاءآت المتوفرة لدينا من المفوضية المشرفة على الإنتخابات هي، بتلخيص شديد، كالآتي:
- المالكي حصل على 15% من مجموع المقاعد، بما يعني أعلى نسبة من الأصوات أيضا؛

- المجلس الأعلى حصل على 6% فقط من مجموع المقاعد؛
- التيار الصدري، بغض النظر عن الواجهة الإسمية لقائمته، حصل فقط على 5% من مجموع المقاعد؛
- الجعفري، تحت لافتة الإصلاح، حصل على 3% من مجموع الأصوات؛
- أياد علاوي حصل بقائمته العلمانية على 3% فقط من مجموع الأصوات؛
- أما بقية الكيانات، وهي بالعشرات، فإن الفائزين فيها تراوحت نسب المقاعد التي حصلوا عليها ما بين، 2 بالألف الى مجرد 1 أو 2 بالمائة في أعلى الحالات. وهذا يعني بأن أكثر من 65% من الأصوات التي لم تذهب للقوائم الإسلامية، مضافا إليها علاوي، قد توزعت على أكثر من 140 كيان، موزعةًُ نسب ضئيلة، وربما غير مؤثرة، من المقاعد، مما سيفقد القيمة السياسية الفاعلة لأصوات الأغلبية الساحقة التي رفضت التصويت لإحزاب السلطة الدينية، نظرا لتشتتها، بما يعني، بالضرورة ضياعها، مقابل تحقق نسبة صلبة وغير مشتتة للمالكي، مثلا، فهذه لابد وأن تكون فاعلة سياسيا.

وماذا يدّل هذا التوزيع الملتوي، أي غير المنتظم حول أية قيمة وسطية، بالمفهوم الإحصائي، ايضا؟ هذا ما سنحاول توضيحه في أدناه.
أولا؛ ليس هناك تيار ديمقراطي منظم، ليشكل، حاليا، بديلا حقيقيا للقوى الإسلامية المهيمنة الآن، وإن كانت هذه القوى قد أعيد ترتيبها لصالح حزب الدعوة الذي يقوده المالكي. ونعتبر حزب الدعوة، هنا، حزبا دينيا، وذلك على الرغم من طروحات وشعارات وإنجازات المالكي نفسه، فالرجل ليس بديلا عن حزبه، وهو لا يمثل نفسه، وإن حزبة لم يتخل عن دعوته لإقامة دولة إسلامية. كما أن بعض الأصوات التي حصل عليها قد تكون حتى نكاية بالمجلس الأعلى والصدريين، وليس بسبب برنامجه الإصلاحي أوبسبب المذهب الذي يمثله.

ثانيا؛ لكي نجزم بأن هناك تحوّل علماني لبرالي أو ديمقراطي، عموما، في العراق، ينبغي أن نلاحظ أن تشتت الأصوات، وضئآلة عدد المقاعد، (حتى ولو كان هذا الأمرهو لمجرد إنتخابات محلية، وليس لإنتخابات لمجلس وطني، ولكنة مؤشر مهم جدا قد يساعد في إسقاط التوقعات عن طبيعة توزيع القوى السياسية في إنتخابات المجلس النيابي الوطني القادمة في نهاية هذا العام)، فهذا التشتت، في رأينا، هو مصدر قوة القوى الإسلامية والطائفية والمحاصصية، على رغم كل إدعاءآتها بخلاف ذلك. وهذا يعني، بأنه حتى ولو لم يحصل الإسلاميون والطائفيون على نسبة مهمة من الأصوات، ولكنها ستبقى نسبة كبيرة إذا ما قورنت بضئآلة وتشتت أصوات القوى التي تطرح نفسها، كقوى ديقراطية علمانية. إذ إن تشتتها، من جهة، يجعل فعاليتها ضائعة، ويشلّ قدرتها على تنسيق وتوحيد قوتها ، من جهة أخرى. كما إن غياب الرؤية والإستراتيجية والبرامج، الى جانب إفتقاد الإثرة، وإفتقاد القابلية على التنسيق والتحالف والتعاون، كل هذه العوامل تجعل القول بوجود تيار ديمقراطي بديل للقوى المذهبية والعرقية المسيطرة حاليا على الساحة السياسية في العراق، قولا مغاليا.

نخلص من كل هذا الى إن نتائج الإنتخابات قد أفصحت بالفعل عن مزاج الرأي العام العراقي، فالأحزاب الدينية الطائفية فشلت، مستثنين منها المالكي، لشخصه ولشجاعته، ولكن هذا لا يعني أن هناك بديل ديمقراطي علماني جاهز لإحتضان هذا المزاج الجماهيري العارم. فالعوامل الذاتية السلبية، الى جانب العوامل الموضوعية والمالية والتنظيمية الضعيفة، ستبُقي هذا التيار، إن وُجد لدى غالبية العراقيين، ضعيفا ومشتتا.

وتأسيسا على ذلك، نرى بأن هنا يكمن درسٌ عظيمٌ لكل الداعين لعراق ديمقراطي علماني وموّحد، يحترم الأديان ويجلّها ولا يتدخل فيها، و يقوم على العلم والإعمار والعدل الإجتماعي، ويشاد على أساس الدولة والمجتمع المدنيين.والدرس هنا، هو أن توحدوا، ليس كحزب واحد، بل، كجبهة تيار وطني ديمقراطني متنوع، كتنوع العراق.
ولعل التفسير الأرجح لما تقدم من تحليل، هو إن نتائج الإنتخابات المحلية في العراق اليوم، تمثل، بالفعل، إنعطافة مهمة جدا، ولكنها لا تشكل بعد، في ظل غياب البديل الديمقراطي المنظم أو الموّحد، تحوّلا كبيرا، إلا في حالة واحدة، وهي حينما يتم إستيعاب مضامين الدرس، وغدا لناظره قريب.
 


شباط-2009





 


 

free web counter

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس