| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كامل العضاض
kaladhadh@yahoo.com

 

 

 

السبت 18/9/ 2010

 

من المعيب أن يتحدث جلال الطالباني، كناطق
رسمي لحزب أو كتله أثنية، بدلا عن صفته كرئيس
لجمهورية العراق!

د. كامل العضاض

ضمن برنامج، " من سيحكم العراق"، الذي تعده قناة العربية في حلقات، تحدث في حلقة مساء هذا اليوم، المصادف السبت،18 أيلول، السيد جلال الطالباني، رئيس جمهورية العراق، وأجاب على الأسئلة التي وجهتها له ببراعة وكفاءة الآنسة سهير القيسي، وهي وجه إعلامي صاعد وجميل. ولعل أهم ما أثارته هذه المقابلة فينا هو الشعور بالخيبة الكبيرة التي تمخضت عن الإستماع لإقوال وإجابات هذا الرجل الذي كانت قد سبقته سمعة بالدهاء والوطنية، بل وبالدعوة الى الإشتراكية والديمقراطية، بعيدا عن الفكر القوموي او العنصري الضيق. ويبدو أن شعارات الناس وتقاويهم لا تضاهي أفعالهم وبلاويهم، وخصوصا عندما يصل أحدهم الى مناصب لم يكن يحلم بها، أو حين يتصدر لإدارة شؤون وطن عريق وليس لشؤون شريحة أثنية محددة، تشكل أقلية سكانية فيه، أقلية ينتمي إليها السيد الطالباني، في هذه الحالة، عرقيا، وهي الشريحة الكردية التي يفترض بها أن تكون عراقية أولا وكردية ثانيا. كما ينبغي أن يكون الطالباني بصفته رئيسا للعراق كله، بجميع شرائحة، عراقيا أولا وأخيرا، اما صفته العرقية فهي له خارج منصبه الوطني الأعم.

ولسنا في معرض التعليق على كل أقوال السيد الطالباني، ولكن من حقنا، كمواطنين عراقيين أن نتساءل ونناقش كل ما يقوله المسؤولون ويهّم مستقبل وطننا، كعراقيين أولا، قبلما ننتمي الى أية أثنية، كبيرة كانت أم صغيرة، وعليه سنختار فقط ما يستدعي التعليق والنقاش. حينما سألته الآنسة سهير لماذا برأيه تعطل تشكيل الحكومة العراقية لأكثر من ستة أشهر الآن، اجاب مفندا بأن المدة هي ليست ستة أشهر، إذ يجب أن تحسب منذ صدور قرار المصادقة على النتائج، أي هي ثلاثة أشهر فقط، وكأن التعطيل لمدة ثلاثة أشهر لا يعني شيئا! ثُم يبرر التعطيل بالقول أن التحالف المسمى بالتحالف الشيعي لم يتفق على ترشيح شخص محدد لمنصب رئيس الوزراء. وطبعا السيد طالباني هو مؤهل بالقانون، وخريج كلية الحقوق وزعيم حزب سياسي وعضو بالأممية الإشتراكية وداعية ديمقراطي للتعايش والسلام، أو هكذا هو واتباعه يرسمون صورته السياسية، مع هذا فهو لا يناقش المعنى القانوني للأكثرية النيابية المخوّلة بموجب الدستور أن تُكلف، قبل غيرها بتشكيل الحكومة؟ كما لا يلقي ضوءا على معنى الكتلة النيابية الأكبر في البرلمان، هل هي الكتلة التي تتشكل بعد الإنتخابات أم قبلها؟ وامامنا أمثلة عديدة ومعاصرة لأحزاب فازت بفارق قليل أو بتقارب شديد مع أحزاب أخرى، فكُلف زعمائها بتشكيل الحكومة، كما حدث في الإنتخابات البريطانية والأسترالية الأخيرة.

حينما سؤل عن إصرار الكرد على تولي منصب رئيس الجمهورية، أجاب بأن ذلك لتحقيق المساواة ولعدم تهميش الكرد، كقومية رئيسة في البلاد. أما كونه قد شغل هذا المنصب للست سنوات تقريبا الماضية، وأنه من المنطقي أن يكون مفتوحا الآن لأي عراقي مؤهل، بغض النظر عن قوميته او أثنيته، فلم يخطر بباله. علما بأنه يقر بأن الدستور لم يحدد المنصب لجهة أو أثنية أو طائفة أو مكوّن محدد من الشعب العراقي، ولكنه أفتى، ولكن بأي مسوغ قانوني هو يفتي، بأن نظام المحاصصة، وإن لم يتلفظه بهذه الكلمة الوصفية، هو نظام مؤقت، وسوف يتغير في الإنتخابات القادمة، أي بعدما يكمل هو دورتين في إشغال هذا المنصب. ولعل جوهر هذا التلاعب السياسي الكيفي بالدستور، هو أن السياسيين من أمثال الطالباني يستخفون بقدرة الناس على الفهم، ويعتقدون بأن أغراضهم خافية عليهم أو يمكن مواراتها بالكلمات الفضفاضة.

وعندما سؤل عن شروط الكرد للمشاركة في تشكيل الحكومة، فهنا نجد الطامة الكبرى! كان عليه، كرئيس جمهورية العراق، أن يقول أن هذا الأمر يخص كتلة التحالف الكردية، وهو وإن كان زعيم أحد أطرافها، ولكنه كرئيس جمهورية يقف بمسافات واحدة من كل القوى والكتل السياسية المتصارعة، وأنه يفضّل أن يُوجّه السؤال الى المسؤول عن هذه الكتلة وليس له، وأن يُستفسر من ذلك المسؤول مباشرة عن أسباب تقديم الكتلة الكردية لمطالبها هذه. لكنه لم يفعل، فأجاب كسياسي فئوي وليس كرئيس للعراق ككل. فهو أولا، بدأ تبريره بالقول إنها ليست شروط بل رؤية!! رؤية لمستقبل العراق أم لمستقبل دولة كردستان؟ ثم قال هي رؤية قابلة للنقاش! ولما سؤل هل المادة 140 من الدستور،مثلا، قابلة للنقاش، أجاب قاطعا، كلا فهذا سيعني الطعن بالدستور، وكأن الدستور هو الآن محل التقديس والتأليه لدى كل الأطراف اللاعبة بحظ الشعب العراقي اليوم. أو ليس الدستور الذي صوّت له، حسبما قال الطالباني إثناعشر مليون ونصف مليون إنسان عراقي، لم يمرر بسبب الخلافات حول نصوص مهمة منه، وبسب الغموض الذي إعترى عددا مهما من بنوده، وبسبب إنتهاء السقف الزمني لبعض مواده لاحقا، كما هي الحال بالمادة 140 ذاتها، إلا على أساس أن يعدل بعد ستة أشهر من الإنتخابات الماضية التي أجريت في نهاية عام 2005؟ فالدستور هو الآخر ليس مقدسا، وبسبب ثغراته الخطيرة وما تضمنته بعض مواده من ألغام كان يجب أن يُعدّل، ويجب أن يُعدّل في البرلمان الحالي الغائب، ويعاد إستفتاء الشعب العراقي بمواده المُعدّلة. ولكن الطالباني الحقوقي يعتبر الدستور مقدس وغير قابل للمساس به بما يتعلق بالمادة 140 اساسا، أما غيرها فالمسألة فيها نظر، أي بعد المضي بالمحاصصة وبتقاسم المناصب، رغما على الدستور، أما تعديل الدستور، فنعم، ولكن بعد تحقيق الأغراض!؟

وماذا عن هذه الرؤية؟ كما سألته الآنسة سهير، هل هي شروط متسقة مع الدستور؟ إذ كيف تشترط جهة سياسية لها عدد الأقلية في البرلمان بانها تريد حق الفيتو على المناصب السيادية، بل ولها أيضا حق الفيتو على إستمرار الحكومة المشكلة، بمفهوم حكومة وحدة أو الشراكة وطنية، أي أن الحكومة يجب أن تستقيل إذا خرجت كتلة الأكراد من الحكومة!! وهنا يجيب السيد الطالباني، بأن هذا الأمر يعود للإتفاق بين الكتل! وهل الكتل تتفق على برامج للتنفيذ أم على ضمان الحصول على القوة المعطلة للحكومة، حيثما وحينما لا يناسب القادة الكرد المؤتلفين معها ذلك، أي أن هؤلاء يريدون التحكم بالحكومة وربما الدولة، ليشتركوا بالحكومة؟ أين نجد مثالا لهذه الحالة في دول العالم؟ اقلية سياسية وعرقية، لا تشكل أكثر من 15% من مجموع السكان تريد الإستحواذ على الحكومة وقراراتها السياسية بإسم الفدرالية، مع الإحتفاظ بإستقلال إقليمها المتفدرل بصورة مطلقة، حيث تمنع حتى مرور الجيش العراقي الإتحادي في أراضيها، وتصف نفسها في حالة نزاع لأراضي ومدن محاددة لها أو أبعد، وكأنها دولة أجنبية! طيب إذا كان إقليم كردستان دولة مستقلة، فلماذا تُخصص نسبة 17% من ميزانية الدولة للإقليم؟ والأراضي المتنازع عليها، بموجب المفهوم الكردي، هي أراض قابلة تماما للحسم القانوني الدولي والتأريخي والآركيلوجي، فيما إذا أصبح الإقليم دولة مستقلة. فلماذا تثار كل هذه الأزمات والصراعات الآن؟ إنها تثار الآن لأنه الوقت الأنسب للقادة الكرد، فالحكومة المركزية ضعيفة ومفككة، بل ويعمل الكرد على إدامة ضعفها، فيعارضون تسليح الجيش الإتحادي، وينتهزون الفرص لمخالفة الدستور بالإتفاق مع شركات أجنبية لإستغلال موارد النفط والغاز، وبشروط إستغلالية جائرة، وفقا لنظام المشاركات سئ الصيت، ويهرّبون مشتقات النفط الى إيران، وينافقون الأتراك بإتفاقيات تجارية ضخمة، ويسكتون عن قصف الإيرانيين والأتراك لشمال العراق برمته، ويطالبون الحكومة الإتحادية بالحماية على شرط ان لا تمر القوات العراقية الفدرالية بأراضي الإقليم إلا بموافقة سلطة الإقليم!!

أية فذلكات ومخاتلات هذه؟ إذا كان القادة الكرد صادقين مع أنفسهم، لماذا لا يعلنوا عن عزمهم الحقيقي على الإنفصال، بدلا من المساهمة اليومية في تعويق إستقرار العراق ووحدته الوطنية الحقيقية، فالأخوة العربية الكردية لها شواهد ثابتة عبر قرون من العيش المشترك، ولكن مصالح القادة الكرد لا تتماهى مع الإرادة الصامتة لأغلبية أهلنا وأشقائنا الكرد الطيبين في شمال الوطن العراقي.

كلمة أخيرة نقولها للرئيس الطالباني، كنا نتطلع إليه كحكيم وقائد سياسي محنك، ينظر للأفق الأبعد، وخصوصا بما يخص قومه الكرد قبل كل شئ، فهل تقع مصالحهم بدولة مستقلة؟ تأملوا هذا السؤال، فإن كان الجواب بنعم، فعلى بركة ألله. لقد تعب الشعب العراقي بغالبيته من الموت والدمار، وآن له أن يبحث عن خلاصه من كل ما هو زائف وناهب وقاتل يتحكّم به اليوم.
 

أيلول، 2010


 

free web counter

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس