| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كامل العضاض
kaladhadh@yahoo.com

 

 

 

                                                                                      الأربعاء 15/6/ 2011

 

بعض الملاحظات السريعة
حول جلسة مجلس الوزراء لتقويم أداء الوزرات العراقية
في مساء 13/6/2011

د. كامل العضاض

على مدى أربع ساعات ونصف جلسنا منصتين ومشدودين لقناة العراقية التلفزيونية نتابع مداولات وطروحات الوزراء، بإدرة دولة رئيس الوزراء، وخلصنا بعد إنتهاء الجلسة، بعدد من الملاحظات التي نبديها هنا بإختصار، وإستكمالا لما كتبنا حول الموضوع في 12/6/2011؛

1.   لاشك أن المداولات التي دارت في الجلسة كانت لا تخلو من فائدة كبيرة، حيث إستمع المواطن العراقي، لأول مرة، مباشرة عبر التلفاز، الى تقارير الوزراء المتحدثين في الإجتماع، وربما تعرّف على كيفية إدارة بعض الوزارات لوظائفها. ولكن الندوة لابد أن تكون قد أثارت لدى المشاهد العراقي بعض الأسئلة، ومنها أين هي المنافع التي تحققت لنا خلال مهلة المائة يوم؟ ثم، هل الجلسة كانت من أجل الإستماع الى تقارير موجزة عن سير العمل الجاري، أم لإختبار كفاءة الوزير، في ضوء إجراءاته المتخذه لتلبية مطالب الناس وحاجاتهم العاجلة والتي تظاهر الشعب لعدة أشهر من أجلها؟

2.   كان قد أعلن دولة رئيس الوزراء بأنه أمهل الوزرات، وبالذات الخدمية منها، مدة مائة يوم  للإستجابة الى مطالب الناس وحاجاتهم، وليتبين له ، بعد إنتهاء تلك المهلة، مقدار كفاءة الوزير ومستوى أداء وزارته.  وأنه قد يقيل الوزراء غير الأكفاء. ولكن السرد الوصفي لسير العمل الذي تقدم به الوزراء بخصوص نشاطات ومشاريع وزاراتهم التي تحدثوا عنها، من خلال تقارير سير عمل موجزة وبراقة ومعدّة لهم من قبل موظفيهم في الوزارة، لا علاقة لها بقياس أداء الوزير ووزارته خلال مهلة المائة يوم؛ وذلك، وعلى الرغم من ان بعض الوزراء إستشهد ببعض الأرقام وادرج مشاريع، تحت التنفيذ أو مقترحة، فإن العرض، حتى لو كان حسنا، من قبل بعض الوزراء، وبالذات منهم وزير حقوق الإنسان ووزير التجارة، لإنهما بيّنا الفعاليات المنجزة التي لها علاقة مباشرة بحاجات الناس الملّحة، حيث بيّن وزير حقوق الإنسان نشاطات وزراته لمراقبة السجون والمقابر الجماعية وما أصاب ذوي الضحايا من أضرار، وما خلف بعض المغدورين  وراءه، في حقبة نظام صدام الطاغية، من ايتام وأرامل بدون معين لهم في الحياة.  ولأن وزير التجارة تحدث عن البطاقة التموينية والمخازن والسايلوات، ومعوّقات التوزيع والتجهيز، ومع ذلك فإن العرض لا يتيح تقويم الأداء موضوعيا. أما بقية الوزراء وخصوصا وزيران منهم، لوزارتيهما علاقة مباشرة بالخدمات السيئة المقدمة للشعب، فقد قدمت تقاريرا سردية لوظائف وزاراتهم ومشاريعها، تحت التنفيذ أو مقترحة بشكل يرفع الملامة عنهم. ولكن السؤال يبقى، ما علاقة ذلك بقياس كفاءة الأداء الذي يجب أن يقوم على قياسات ومؤشرات علمية تتعلق بالإنتاجية والموارد البشرية والمادية التي وظّفت لتحقيق تلك الفعاليات، جزئيا أو كليا أحيانا ؟ ما علاقة ذلك بكفاءة الوزير، حينما لا يقيّس  أو يقوّم عملة بمعايير الكلفة والزمن والعائد؟ صحيح أن دولة الرئيس كان يعلق بإقتضاب، كما علّق بعض الوزراء حول حالات وإختناقات كانت موجودة، ولكن، لم تكن ردود الوزراء المعنيين معبّرة عن إجراءاتهم، بدراية، خلال مهلة المائة يوم، لإزالة تلك المعوقات أو لمعالجة  الحالات السلبية العاجلة التي يعاني منها المواطنون حاليا.

3.   والسؤال يبقى، ما علاقة الجلسة بقياس كفاءة أداء الوزير؟ هل الوزير حضر  لقراءة تقارير سير عمل وزارته الجاري، كما أعدت له من قبل مستشاريه وموظفية أو مدراء أقسام وزارته؟ أم جاء لبيان إجراءاته ووسائله ومقترحاته التي إعتمدها خلال مهلة المائة يوم بموجب مؤشرات قياسية موضوعية، في ضوء، ليس فقط مقدار التكاليف والزمن المستغرق لكل فعالية، وإنما المنافع التي تحققت فعلا للناس خلال المهلة المعطاة؟ ثم ان المفروض في مجلس الوزراء أنه كان يناقش في جلساته، ومنذ ست سنوات، الوزارات، حسب تقارير سير الأعمال التي يتقدم بها الوزراء عن وزاراتهم، وذلك بغض النظر عن تبدّل بعض الوزراء في الوزارة الثانية التي شكلها السيد المالكي. فلماذا إذن بقيت بعض الخدمات والمشاريع ناقصة وغير منجزة طوال هذه المدة؟ فماذا كان يفعل مجلس الوزراء خلال هذه السنوات الماضية، تحت رئاسة السيد المالكي؟ فالمفروض ان القضية تتعلق بالجهود الإستثنائية التي بذلها الوزراء خلال المهلة التي أعطاها لهم السيد رئيس الوزراء، وليس لإستعراض أعمال ومشاريع، بعضها ظل هامدا منذ سنوات سابقة. وفي هذه الحالة كيف سيتسنى لدولة رئيس الوزراء تمييز الأكفأ بينهم؟ فحسب الردود التي قدمها الوزراء، بدون معايير علمية للمساءلة عن الكلفة والزمن والمنافع المتحققة للناس، سيبدو جميعهم أكفاء وقائمين بواجباتهم على أحسن وجه. فالكلام العام لا يفصح عن تشخيص العلل العاجلة الآن. وعلى ذلك يبدو بأن جل المواضيع، تقريبا، تتعلق بنشاطات جارية ومشاريع قائمة أو منوي إقامتها، وهي مواضيع، المفروض فيها أنها كانت تناقش وتعرض في جلسات مجلس الوزراء خلال السنوات الماضية، فلماذا يستمع لها دولة رئيس الوزراء وكأنه غير مسبوق بها، لأنه يفُترض بأنها كانت قد نوقشت في كل جلسة من جلسات المجلس الإعتيادية، حيث على كل وزير ان يقدم فيها تقريرا عن سير العمل في وزارته، والمعوّقات التي صادفته، ومقترحاته لإزالة تلك المعوقات، ثم تتخذ بشأنها القرارات المناسبة. فما الجديد بالأمر؟ إلا اللهم أن مجلس الوزراء كان غير مهتم بمتابعة ومراقبة سير العمل في الوزارات المختلفة بهذه الصورة التفصيلية خلال السنوات الماضية!

4.   يبدو أن الهدف من هذه الجلسات العلنية المتلفزة كان للإيحاء  الى الناس المشاهدين بأن ثمة متابعات ودراسات ونشاطات عديدة كان يضطلع بها دولة رئيس الوزراء، ووزراءه وان حكومته تسهر على مصالح الناس وتعمل على ترقية البلاد والعباد. وعلى ذلك، فإن الإستنتاج المنطقي يبدو وكأن إلإعلان العلني، ولإول مرة، في ضوء تظاهرات الناس والشباب العاطلين، عن تلك الجلسات، كان مصمم  من أجل إقامة علاقات عامة وللترويج، لإمتصاص نقمة الناس. وسيبقى سؤال مهم، لماذا إذن عانى ويعاني المواطنون، منذ تشكيل هذه الحكومة، والحكومتين اللتين سبقتاها، خلال الثمان سنوات المنصرمة، من قحط الخدمات وتدني هيكل الإقتصاد وإزدياد نسبة الفقر وإرتفاع البطالة الى نسب تقترب من مستوى الكارثية، في دولة لها موارد هائلة ؟ فمعروف للمراقبين بأنها، على أية حال، كانت موارد مهدورة،  في نسبة كبيرة منها، حتى وفقا لدولة رئيس الوزراء وبعض المسؤولين، بسبب الفساد والإرهاب وكذلك بالنظر الى حجم إمتيازات المسؤولين وتكاليف حماياتهم ورواتبهم الضخمة بالمقارنة حتى مع دول غنية وكبرى كالولايات المتحدة، ناهيك عن عدم كفاءة بعض الوزراء، وعدم القدرة على تشخيص كفاءتهم ومساءلتهم، أو حتى إقالتهم، بسبب نظام المحاصصات والتوافقات حول النفوذ والمصالح!

5.   ملاحظات إستكمالية:

أ‌-      إستمعنا مساء اليوم، 14 حزيران، الى مداولات مفتوحة ومتلفزة أيضا، لجلسة ثانية لمجلس الوزراء، لمدة أكثر من ثلاث ساعات، وكان قد فاتنا قسم من بدايتها. المتحدثون الذين أستمعنا إليهم، هم، قائد عمليات بغداد حول جهود فرقته لمكافحة الإرهاب والإنجازات المتحققة في مجال كشف الإرهابيين ، سواء ممن يستخدمون السيارات المفخخة، أو تفجير القنابل الملغومة والمبرمجة، أو كواتم الصوت المستخدمة في الإغتيالات الجارية. كما تحدث وزير الدولة لشؤون مجلس النواب، ووزير الدولة لشؤون الأهوار. والحق يقال ان العروض كانت تنويرية، وإن كانت متفائلة، او متباهية قليلا. ويحق القول، أيضا، بأن المعلومات كانت غنية، وإن لم تكن تقويمية ولا تعكس الكفاءة في إنجاز ذلك الجزء من الفعاليات، خلال مهلة المائة يوم المعطاة، والتي أشار إليها المتحدثون بشكل إجمالي وطفيف بدون بيان كيف إستفاد الشعب منها. نعم، ان هذه الجلسات تساهم في تحقيق الشفافية والوعي، ولكنها لا تتعلق مفصلا بتحقيق مطالب الشعب خلال المائة يوم، مما يؤكد أنها كانت عروضا إعلامية، رغم فائدتها، ورغم عدم توفرها على منهج علمي لتقويم أداء الوزراء خلال المهلة المعطاة، إنما هي قدمت كعروض عامة لمجمل النشاطات والمهام الجارية والمتراكمة المناطة بالوزارات والتي يفترض أنها نوقشت في إجتماعات مجلس الوزراء خلال السنوات الماضية.

ب‌-       بيد ان دولة رئيس الوزراء أعلن بأن مكتبه ومستشاروه سيقومون بتقويم النتائج بعدما تردهم المعلومات المفصّلة من الوزارات. وليس بإمكاننا الآن التكهن بمنهجية التقويم التي سيعتمدها المكتب، إلا اننا أشرنا الى المعايير الرياضية والقواعد المطلوبة ولكن بدون تفصيل لعدم مناسبة ذلك لطبيعة المقال.

وتأسيسا على كل ما تقدم، نتوصل الى الخلاصة الآتية، بان الجلسات الماضية المفتوحة لم تكن، حقيقةً، من أجل التقويم ولتشخيص المشاكل، إنما هي كانت إستعراضية وإعلامية تهدف الى إمتصاص النقمة الشعبية. علما بأن شفافية على هذا المستوى مرحب بها تماما، ويا حبذا الإستمرار بها كسياق عمل دائم، مستبعدا منها المعلومات الأمنية والسياسية الحساسة  التي قد تؤثر على أمن البلاد.

ويلاحظ، عموما، بأن الحكومة لا تعمل، فعلا، على وفق إستراتيجية عليا، مترجمة الى خطط للتنفيذ، سنويا، او لمدى متوسط، كخمس سنوات، او بعيدة المدى تنسجم مع الغايات العليا لإعادة بناء العراق للعقد أو العقدين القادمين، على الرغم من أن وزارة التخطيط تعدّها، ولكن بتبني المشاريع المقترحة من قبل الوزارات والهيئات المختلفة، ولكن بدون إخضاعها لتعديلات يفرضها إتساق الخطط الإقتصادية بموجب معايير كفاءة وأولويات التنفيذ. وحتى لو توفرت تصورات عامة فإن هناك حاجة الى ترجمتها الى خطط سنوية أو برامج مشاريع، تناط بكل وزراة قطاعية. وبالنظر لوجود محدّدات للموارد المالية و/ أو تزاحم أو تشابك بين أعمال الوزارات، كجهات تنفيذية، فليس هناك مجلس إعمار أو تنمية اعلى، مشكّل من ممثلي الوزارات المعنية بالتنفيذ ومن خبراء كبار ومشهود لهم بالخبرة والكفاءة والإستقلالية. ان التنفيذ الكفوء لبرامج الحكومة يجب ان يقوم على أولويات حسب مسار زمني محدد. وللإقتصاد الأولوية الأولى، ذلك لإن النهوض الإقتصادي سيتبعه، بالتأكيد، نهوض إجتماعي لا طائفي، وإرتقاء سياسي وحتى أخلاقي. نرجو أن تهتم الحكومة بتبني منهج بنّاء على هذا المنوال ليكتب لها النجاح. ألم يلاحظ المراقبون كيف أن حزب التنمية والعدالة التركي قد نهض نهوضا لافتا بالإقتصاد التركي، دون ان تعيقه آيدولوجيته الدينية الإسلامية، ولم يصّر على كبح الحريات الشخصية، او مظاهر وسلوكيات الناس، وترك الدعوة الى الحجاب، وهو خفيف أصلا، مثلا، محصورة في أضيق الحدود. والملاهي ومراكز الترفيه كلها لم تمّس، ماعدا توجيهات عامة لجعلها لا تؤذي النظام العام والقانون الحامي لكل الحريات أو تتعارض مع الذوق والعرف والأخلاق العامة. ولهذا أستحق الحزب وقائده السيد أوردغان الفوز بولاية ثالثة لحكم تركيا الشاسعة.

 

14 حزيران-2011






 

free web counter

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس