| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كامل العضاض
kaladhadh@yahoo.com

 

 

 

الأحد 13/6/ 2010

 

ضياء السورملي والدعوة لحق كردستان بالإستقلال
نموذج لأسوء ما قرأت من النقد الكردي العنصري

د. كامل العضاض

قرأت منذ سويعات على صفحة صحيفة الأخبار الإلكترونية الغراء مقالا لشخص بأسم ضياء السورملي، وهو قد يكون واحد ممن يعدون أنفسهم من المثقفين والكتاّب، وربما المفكرين، مقالا يهزم الأهداف التي كُتب من أجلها، لأنه كُتب بنفس عنصري متوتر، يكاد يصرخ بالكراهية. هذا المقال أُعد على أساس أنه نقد معزز بالحجج والبراهين لرد ما جاء في مقال الأستاذ إبراهيم الزبيدي، وهو أعلامي سابق معروف وكاتب ومثقف له مساهمات في دعم الثقافة العراقية، بعنوان، " دعوة لإستقلال كردستان" المنشور في صحيفة إيلاف الغراء بتأريخ 7/06/2010. ونحن لا نعرفه شخصيا، ولكن، كما يقال، سنرى بأن "الحق بيّن والباطل بيّن". يدعو مقال الأستاذ الزبيدي، بغض النظر عن التفاصيل، الى إستقلال كردستان بالنظر لخصوصية غالبية سكانه في شمال العراق، وبسبب الماضي المؤلم لطبيعة العلاقة المتوترة دوما بين قادة الكرد من بعض زعماء العشائر الكردية المتنفذين والمتحصنين في مناطق وعرة، مع معظم، إن لم نقل جميع الحكومات المركزية العراقية، منذ إنشاء الدولة العراقية، حتى لو كان من يشكلها أكراد، مثل مختار بابان. وحصيلة العلاقة الكردية بالحكومة المركزية كانت، بصورة شبه دائمة، تتسم بالتمرد والعنف، ومقاومة المركز.

نحن لا نستهدف في هذا التعليق مناقشة القضية الكردية وأسبابها وشرعيتها، ومن وراء تأجيجها أو إضرامها بين وقت لآخر. ولا نستهدف تقديم بحث للكشف عما إذا كانت كردستان، قبل تاسيس الكيان العراقي الحديث بعيد الحرب العالمية الأولى، دولة مستقلة، وإن العراق الجديد كان قد غزاها، مثلا، وضمّها عنوة لدولته، لدوافع من التوسع العنصري، فالحقائق التأريخية معروفة وموثقة، إعتبارا من العهد العثماني، بل وقبله العصر الإسلامي، وخصوصا العباسي المتأخر، الى إتفاقية سان ريمو في عام 1919، الى المضابط التي رُفعت لإختيار فيصل الأول ملكا على العراق، بما فيها مضابط الغالبية من زعماء العشائر الكردية، (ما عدا الحفيد والبرزانيين)، المؤيدة لتنصيب فيصل ملكا على العراق. نقول بغض نظر عن كل هذه الحقائق التأريخية التي لا نهدف الى بحثها، ولا حتى الإشارة فيها الى مراجع كردية أكاديمية رصينة و معروفة و أخرى رسمية موثقة، بحثت مفصلا في القضية الكردية، لا، هذا ليس هدفنا في هذا المقال القصير، بل أكثر من ذلك، سوف لا نلقي بالا لإنشائيات هذا الكويتب الذي سيضّر بمصالح نفس الكرد الذين يفاخر بهم بغلو عرقي ونرجسي، وبسطور من الكراهية الصفراء التي كتبها بحروف عربية يكرهها ويريد إستبدالها بالحروف اللاتينية، وهي لغة القرآن واللغة الدولية الخامسة في العالم، فليفعل ما يرغب بلغته الأم، على شرط أن يوحّد لهجاتها وانواعها بنظام لغوي وفوناتك متجانس، لتصبح لغة قومية في الأقل! لم لا، فليس هذا هو الموضوع، إنما الموضوع، أن من أهم مكونات نشؤ الأمم والأوطان، أن تكون هناك روابط روحية وأخلاقية، وثقافية ودينية، اي أن تسود رغبة للعيش المشترك، أي رغبة في الإخاء الإنساني قبل العرقي، وخصوصا إذا كانت هناك مشتركات بموارد وبيئة جغرافية وطوبوغرافية وتكامل إقتصادي طبيعي، ناهيك عن التأريخ المشترك، والدين، وغير ذلك، ,وهناك أمثلة لاتحصى لدول قامت على أساس هذه المشتركات وليس على أساس أثني أو لغوي فقط، كما هي حال سويسرا النموذجية. أما إذا كانت هذه الرغبة مفقودة لدى أغلبية الكرد، فالإكراه لايجوز، ليس فقط في الدين، بل ولا يجوز في العيش المشترك. ومن هنا تتضح دعوة الأستاذ الزبيدي، الى فراق سلمي متحضر بين العراقيين العرب والكرد، بل وهو يدعو الى أن يصان إنفصال العراق الى دولتين بعلاقة حسن جوار وتعاون إقتصادي وتجاري وثقافي وحتى أمني. هل في هذا الطرح ما يسيء للكرد أم أنه يناصر حقهم بتقرير المصير؟ ونحن كتبنا منذ سنوات، وخصوصا بعيد سقوط نظام صدام الى حق الكرد بالإستقلال، وأخيرا دعونا إليه حتى ولو من جانب واحد، بالنظر للأدوار الإبتزازية، و والترويج لثقافة الكراهية والإستعلاء والغرور وإملاء الشروط، وذلك على الرغم من أن كيان الدولة العراقية كله لايزال في مهب الريح، والشعب العراقي في جميع قسمه العربي يعاني من الإرهاب والدمار والتفجيرات والفاقة والحرمان، بينما تنعم كردستان بالأمن النسبي والإستقرار النسبي. ومع ذلك يطالب الكرد، على الرغم من أن قادتهم هم من يمسكون بزمام أهم المناصب القيادية في الحكومة والرئاسة والبرلمان العراقي، فضلا عن إستقلالهم شبه الكامل بإقليم كردستان، يطالبون بتوسيع حدود دولتهم، يطالبون بنسبة ثابتة تعادل 17% من جميع موارد ميزانية الدولة، على أن تدفع لهم عدا ونقدا وبالعملة الصعبة، دون أن يقدموا ميزانية لإقليمهم، وبدون تقديم مناهج لمشاريعهم للإنفاق عليها من موارد الحكومة الإتحادية، بل ويذهبون لعقد إتفاقيات لإستخراج النفط بعقود مشاركات، وهي عقود تسلم النفط، عمليا، لشركات أجنبية، بدون أي تنسيق مع الحكومة الإتحادية، وبما يضر ضررا بالغا بحقوق الشعب العراقي ككل بإعتباره المالك الحقيقي لكل الثروات الطبيعية وفي مقدمتها النفط والغاز، والشعب الكردي سيتضرر أيضا بإعتباره جزء من الشعب العراقي، وفقا للدستور الإتحادي، كما أقره الشعب العراقي بضمنهم الكرد. أليس من الحصافة أن يحرص الكرد على إستقرار العراق، وتثبيت مؤسساته الدستورية، وإنجاح العملية السياسية الديمقراطية، أولا، ثم التقدم بطلب لفك الإتحاد ولإستقلال كردستان، بطرق ديمقراطية سلمية حضارية، بدلا من إعتماد سياسات إزدواجية، للتخفي بالإتحاد وممارسة الإبتزاز وإطلاق ثقافة العنصرية والإستهانه بالشعب العربي العراقي، والإغترار بحالة إستقرارهم النسبي في الإقليم بعد مذابح وإقتتالات دامت سنوات بين الحزبين الكرديين المتناحرين، ولحينما جمعتهما المصالح مرة أخرى؟

ولو عدنا الى طبيعة ومضامين مقال هذا الكاتب الكردي، لوجدنا العجب العجاب من الإستنباطات الشتاّمة والمتشفية والساخرة والمتباهية والمغرورة، وذلك بعد أن يضع لها المقدمات من عبارات ينقلها من نصوص مقال الأستاذ الزبيدي، ومن ثم يستنتج منها ما يشاء من السباب والتحدي والإزدراء بالعرب وعقولهم وبدواتهم وتخلفهم وعنصريتهم، الى آخره من القرف المشين، والذي لايليق بأشقائنا الكرد الذين نعرف عنهم الطيبة والكرم والشجاعة وحسن الخلق، وهذه ليست تعبيرات شخصية، بل هي مالوفة لدى الغالبية العظمى من أبناء العراق بكل مكوناتهم الأثية والدينية. ولنعطي مثلا على أسلوب الإستخفاف والتحدي، بدلا عن المناقشة الهادئة والموضوعية، وهو حينما عرض نصا إنتقاه من مقال السيد الزبيدي يتعلق بقول الأخير أن العلاقات السرية بين الكرد وإسرائيل، مع ما للأخيرة من أهداف إستيطانية وتوسعية وعنصرية، أصبحت الان مكشوفة ومصدر حرج للعراق كدولة، ومصدر تعارض مع الدستور الإتحادي الذي يحصر السياسات الخارجية بيد الحكومة الإتحادية، فهذا الكويتب يسخر متباهيا بهذه العلاقة، ففي رأيه أن حكومة إقليم كردستان والأكراد يفهمون مصالحهم، فإسرائيل، حسب قوله، دولة نووية ومتقدمة وتملك التقنيات والوسائل المتحضرة، فلم لا تقيم كردستان علاقات قوية معها؟ ولكن العرب المتخلفين الذين يريدون رمي إسرائيل بالبحر يقيمون علاقات سرية وعلنية معها، ويوحي بأن الكرد يفخرون بعلاقتهم مع إسرائيل، إذ من الغباء أن لانقيم علاقات معهم، وهم لم يرمونا بالغازات السامة ولا الكيمياوي، الى آخر ما هناك، من المزايدات الكلامية. أعتقد إن مقال هذا الرجل محتشد بعدد كبير مماثل من هذه المزايدات والمهاترات الكلامية، واشعر بالقرف لإستعراضها هنا، بل أكتفي بإعطاء هذا المثل عن موضوعته عن العلاقة بإسرائيل، من أجل أن أصل الى مجموعة من قواعد النقاش العقلي والموضوعي التي يجب أن تتأطر ليس فقط بالأمانة، إنما بكل الإعتبارات الأخلاقية الأدبية والكلامية، فالرد على مقال مشحون بالكراهية العنصرية لايقابل بكراهية مماثلة، وأنما بالحرص على العلاقة الإنسانية وعلاقة العيش المشترك مع الأخوة الكرد، وحرصا على هذه العلاقة دعنا ندرج للإختصار بدون الغوص في مزيد من عرض تفاصيل السباب المزوق بالكلمات المهذورة، بعض النقاط الهادية لصاحب هذا المقال:
1. ان من أهم قواعد الرد العقلي، هو تجنب المزايدة الكلامية، والتركيز على إعطاء دليل معاكس لما أورده النص المقابل، إذ ليس من الحجة بشئ أن تعمم سياسات حكومات عراقية سابقة ظالمة بحق الكرد على كل العرب العراقيين، بل وحتى على العرب في كل مكان، فمعلوم أن العراقيين من غير الكرد عانوا كما عانى الكرد من قمع وعنف الأنظمة الحكومية السابقة، كنظام المستبد صدام حسين. و من المعلوم، أيضا، أن عراقيين عرب دافعوا بل وقاتلوا وإستشهدوا الى جانب الكرد ضد الطاغية السابق، فضلا عن أن المقابر الجماعية إحتشدت بجثث العرب العراقيين أكثر من جثث الكرد قبل سقوط النظام السابق.

2. ان المعارضة العراقية السابقة لنظام صدام، على رغم عدم تماسكها وتبعية بعض قادتها وغموض برامجها، ولكنها أجمعت على خيار الفدرالية مع الأشقاء الكرد، فهل هذا يجعل العرب العراقيين شوفينين وعنصريين؟

3. ثم ان حق تقرير المصير هو حق إنساني ولا يتفضل به أحد على الكرد، وإذا إختار الكرد البقاء كجزء من العراق، فلماذا الإزدواجية؟ أي أن يقول القادة الكرد بأنهم جزء من العراق ولكنهم يتصرفون كدولة مستقلة. فعلى الرغم من حصولهم على حصص سيادية في إدارة الحكومة المركزية، ويستأثرون بحصة من موارد الدولة لا تتناسب مع حجمهم السكاني، ولكنهم، حسب طروحات هذا الرجل، يجيزون لأنفسهم إقامة علاقات خارجية مع دول أجنبية، بما يناقض بنود الدستور بشان صلاحيات الحكومة الإتحادية؟ بل هم يدعون الأمريكان الى إقامة قواعد أمريكية دائمة في كردستان، فيتشبثون بالوجود الأمريكي الداعم لخططهم الإنفصالية! فأين هو الموقف الوطني العراقي لقادة الكرد اليوم؟

4. حينما يناقش أي عراقي عربي، وليس فقط السيد الزبيدي، سياسات حكومة إقليم كردستان أو التصريحات النفعية والإبتزازية لمسؤولين أكراد، تأتي الردود الكردية من كتّاب من نوع هذا الكاتب بإتهام ليس الشخص المناقش وحده، بل كل العراقيين العرب، بل والعرب كلهم، بالعنصرية والفاشية وتحميلهم بكل جرائم صدام بحقهم، كما يدعون،. فهل في هذا الأسلوب موضوعية؟ بل وهل هو أسلوب أخلاقي أو متحضر؟ أن الفكر النازي والفاشي هو الذي دأب على تصنيف الشعوب الى منحطة وراقية، فجعل العنصر الألماني ذي الأصول الآرية أرفع البشر، ولعل صاحبنا قد تأثر بهذه المقولة التي لا يوجد لها دليل، لا مادي تأريخي و لا بيالوجي، حيث قيل أن الكرد من أصل آري!؟ وفي هذه الحالة نجد أن صاحبنا الذي تطفح سطوره بإتهام العراقيين العرب بل والعرب عموما بالتخلف والدونية، يبدو وكأنه ينحو هذا النحو الألماني في تصنيف العرب؟

وأخيرا نقول أن هذا الموضوع، موضوع مستقبل علاقة الكرد بالعراق الوطني، تستحق بحوثا مستفيضة بدون تشنج وإرهاصات عنصرية، و لا بد من معالجتها بالدراسة العلمية الهادئة، وبما يضمن مصالح وحقوق الإنسان العراقي، سواء كان عربيا، كرديا أو غير ذلك.
 

 

حزيران 2010


 

free web counter

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس