| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كامل العضاض
kaladhadh@yahoo.com

 

 

 

                                                                                      الأحد 12/6/ 2011

 

ما هكذا يقوّم أداء الوزارات الخدمية، بعد إنقضاء مهلة المائة يوم، يا دولة رئيس الوزراء؟
 

د. كامل العضاض

تحت ضغط تظاهرات شباب شباط، وفي ضؤ التذمر الذي لم ينقطع يوما من قبل غالبية العراقيين، من غير المترفين بإمتيازات المحاصصة والمناصب التي هبطت عليهم لمجرد تمسكهم بمفاهيم ظلامية طائفية وعرقية وإنقسامية، او حتى لمجرد التظاهر بها وتوظيفها كوسيلة للتكسب والإرتزاق، اما المسؤولية الوطنية الواجبة عليهم، لتقديم خدمات حقيقية للناس بتجرد وجدية، فهذه لاتعنيهم، أو حتى هم لايملكون، في حقيقة الأمر، الكفاءة والمعرفة لمهامهم الهابطة عليهم بفضل الإحتلال، أطال الله أفضاله عليهم، وادامه من خلال تلاميذ مدرسته التي أساسها بريمر الحاكم الأمريكي بعيد الإحتلال الرزّاق لمجموعة من التائهين، ولكنه المدمّر لسواد الناس من أبناء الشعب العراقي الذي عانى الويلات خلال الثمان سنوات الماضية، من إرهاب وغياب شبه كامل للخدمات الأساسية من كهرباء وماء ومجاري، ناهيك عن الخدمات الصحية والتعليمية، والفساد الذي إستشرى بشكل غير مسبوق وتفوق على مستواه في أفسد دول العالم المتخلفة، بل وعانى من بيئة الحياة التي صارت جحيما، لأن العراق، وليس بغداد وحدها، صار مزبلة كبيرة، بل هي مزابل صارت مصدر فاعل لكل أنواع الأمراض، بل ومما يثير الدهشة والفجيعة في آن، أن تتحول هذه المزابل مطاعما للبائسين والفقراء العراقيين من الذين يسكنون في جحور أو كور من الطين والصفيح. ومما زيّد هذا البؤس هو ما جرى من تضيّق فرص الحرية والصحافة، فأُُخرست الأصوات الوطنية، وأُشتريت أقلام بعض الكتاب، من خلال مشروع تكريم المثقفين المبدعين! وهكذا بلغ السيل الزبى. وبفعل هبوب رياح التغيير التي عصفت وتعصف اليوم بأبرز خمسة مستبدين من الحكام الجاثمين لعقود على أنفاس شعوبهم، في كل من تونس ومصر، والآن في ليبيا واليمن وسورية، تصاعد الحراك الشعبي العراقي، يقوده مجموعة من شباب العراق المتنورين، ولكن بحساب وحذر، فلا أحد يريد إعادة الديكتاتورية، بل الحرص على ترسيخ النظام الديمقراطي الذي يقوم على الحرية والمسائلة، ومع ذلك فقد تم قمعهم، فإستشهد البعض منهم، وأُعتقل عدد من الصحفيين والإعلاميين، وتم الإعتداء العلني على بعضهم، حيث تم إستخدم بعض البلطجية لهذا الغرض، وهكذا على منوال ما فعل ويفعل الحكام الطغاة الذين لفظت ثورات شعوبهم بعضهم، والبقية ينتظرون، وهم مرتعشين. نقول، تحت هذه الضغط الشعبي المتصاعد منذ 25 شباط الماضي، وما تلاه ويليه في كل جمعة من جمعات الغضب الآتي، أمر دولة رئيس الوزراء وزراءه الخدميين بتقديم منجزاتهم بعد إنقضاء مهلة أمدها مائة اليوم، ليتسنى له تحديد الأكفاء والتخلّص او إستبدال غير الأكفاء منهم بغيرهم من أكفاء. ولكن ما هي المعايير العلمية التي إعتمدها دولة الرئيس، او التي صممها له مستشاروه؟ هنا لنا ملاحظات موضوعية، بُنيت على أساس ما شاهدناه من خلال القناة التلفزيونية العراقية، شبه الحكومية، قبل ثلاثة أيام، لجلسات مجلس الوزراء لمراجعة وتقوّيم أداء الوزراء المعنيين، وذلك بعد إنتهاء مهلة المائة يوم التي منحها دولة الرئيس لوزرائه، ولا ندري كيف حسبها، كمدة كافية ومجدية؟

الملاحظات:

1.       أولا، لابد من تبيان مبدأين من مبادئ الديمقراطية، كما تمارسها الدول المتقدمة التي أبدعتها منذ قرون، مثل المملكة المتحدة، (التي تضم إنكلترة واسكوتلنده وشمال أيرلندة ومقاطعة ويلز الشهيرة). المبدأ الأول، ويسمى بالمسؤولية التضامنية للحكومة الممثلة بمجلس الوزراء، المسمى بالكابينـت. بموجب هذا المبدأ، على رئيس الوزراء وحكومته، اي جميع وزراءه، الكفؤ منهم وغير الكفؤ، أن يقدم إستقالته الى الملكة، حال إثبات فشل رئيس الوزراء ومجلسه في تطبيق برنامجه الإنتخابية الذي أنتخب من أجله، وفقا للجدول الذي حددة للتنفيذ، و كذلك، إذا ما أثار وبرهن نائب أومجموعة من النواب في مجلس العموم بأن الحكومة أو رئيس الوزراء إتخذ قرارات مخالفة للدستور العرفي للبلاد، أو اضّر بالإقتصاد البريطاني أو بعض قطاعاته إضرارا كبيرا، دونما توفير وسائل فاعلة للمعالجة. كما يصح أن تستقيل الحكومة كلها بسبب إثبات تورط رئيس الوزراء في فضيحة مدوية، أخلاقية كانت أم سياسية. وهذا من غير حق البرلمان، وبالذات مجلس العموم، في التصويت على عدم الثقة في الحكومة في أي وقت، عندئذٍ عليها أن تستقيل وتُجرى إنتخابات عامة جديدة. أما المبدأ الثاني، فهو المسمى بالمسؤولية الوزارية، وهذه تعني بأن أي قرار أو أهمال قرار، اوسلوك مخالف للدستور، أو مخالف للأخلاق العامة، من قبل أي وزير، على الرغم من وجود ضوابط وتوجيهات صائبة له من قبل رئيس الوزراء، عندئذٍ على هذا الوزير أن يستقيل فورا ويتحمل المسؤولية. وهناك أمثلة عديدة جدا، وقد شهدنا بعضها عندما كنا طلابا يافعين في بريطانية، فعلى سبيل المثال، إستقال وزير الإتصالات والبريد من حكومة مكميلان لمجرد شكايات بعثها مواطنون في إحدى القرى النائية في اسكوتلندة بعدم وصول البريد لقريتهم، مما أثرّ عليهم في إدارة شؤون حياتهم. فقدم الوزير إعتذاره وتحمّله للمسؤولية، علنا، عبر التلفاز، لأنه لم يتابع توجيهات أصدرها لهذا الغرض، بل تركها لصلاحية أحد موظفيه الكبار. كما إستقال برفيومو، أحد وزراء حكومة هيث في الستينات، نظرا لحضوره حفلة داعرة أقامتها الداعرة المعروفة كريستين كيلر. كما أقيل وهرب أحد الوزراء المسمى ستون هاوس نظرا لثبات تعامله الفاسد في بعض القضايا المالية، وبمتابعة كاملة من رئيس الوزراء آنذاك السيد هارولد ولسن، زعيم حزب العمال، آنذاك. وهناك أمثلة أخرى، ناهيك عن إستقالة رئيس جمهورية الولايات المتحدة، نيكسن في منتصف السبعينات لأنه، وافق على دس مايكروفونات للتتجسس على منافسيه في الإنتخابات العامة حينذاك، وسميت الفضيحة، بفضيحة وتركيت التي فضحها الصحفي البريطاني المعروف وودورد. وهكذا، فمن حق الناس، في ظل نظام ديمقراطي حقيقي، مراقبة ومحاسبة وإثبات ذنوب ومخالفات وسلوكيات الحكومة أو وزرائها وإقالتهم. وسنلاحظ بأن المخادعة والتضليل والتسويف لا تنفع إلا في البلدان التي يتدنى الوعي لدى أغلبية شعوبها أوتعمّها الجهالة، او حينما تكون مقموعة سياسيا، او منقسمة قبليا وطائفيا وعرقيا، كما هي الحال في العراق اليوم، للأسف.

2.       ما المقصود بتقويم الأداء لوزير أو لوزارته؟ هناك معايير علمية لقياس الأداء يعرفها المختصون في العلوم القياسية، كالإكونومترك، إذ لابد من قياس الإنتاجية، إستنادا الى محددات معينة، مثل الزمن والموارد المالية المتاحه والكلفة، مقابل قيمة وكمية المنافع المتحققة. ومن هنا يتبين بأن مجرد تسطير لنشطات، وقسم منها ليس مستجدا بل ظل هامدا من سنوات سابقة، لا يمكن أن يسمى علميا مقياس للأداء أو تشخيصا للكفاءة. والحقيقة أن مهام الوزرات مختلفة، ومشاريعها متباينة، ولايمكن إخضاعها جميعا لقواعد مسطرة واحدة، فتقويم الأداء يختلف بإختلاف حجوم المشاريع وطبيعتها، ونوعية المستفيدين وحجم الإستثمارات، وما يسمى بفترة حضانتها لتصبح منتجة فعلا.

3.       وإذا ما اختيرت مدة مائة يوم لإختبار كفاءة الوزراء الخدميين، عندئذٍ لابد من إختيارمشاريع متشابهة ومتقاربة في الحجم، وتحديد المطلوب تحقيقه خلال هذه المدة. فإذا كان الفساد، كما أكد السيد رئيس الوزراء، هو علّة أساسية يجب القضاء عليها، فعليه أن يطلب من جميع وزرائه، وليس الخدميين فقط، تقديم إجراءآتهم ونتائج نشاطاتهم، ليس فقط لكشف مستوى وحجم الفساد في كل وزارة، إنما ايضا لتشخيص وتقديم إثباتات بالأسماء للذين ثبت تورّطهم بالفساد من الموظفين وتابعيهم، وحجوم المبالغ والأصول المسروقة، والإجراءآت المتخذة أو المقترحة ليس فقط لإستعادة الأموال، وإنما أيضا لمحاكمة الراشي والمرتشي، والتخلّص من المزورين والفاسدين واللصوص. وهنا يمكن مقارنة كفاءة إجراءآت كل وزير وكلفة إجراءآته وحجمها وزمنيتها، مع مقارنتها بمعلومات عامة أو تشخيصية لحالات معينة، قد تكون مرفوعة من قبل مواطنين أو الصحافة، او بعض الشركاء الهاربين، وغير ذلك. في هذا الحالة تصح المقارنة، لأنها لا تُجري إلا بين متشابهات، وليس بين متباينات. وهذ هو المدخل العلمي لقياس كفاءة الوزير وحسن إدارته، ناهيك عن وطنيته.

4.       ما شهدناه وسمعناه من جلسة دولة رئيس الوزراء مع وزرائه، للمحاسبة والتقويم، كان مثيرا حقا للرثاء، إذ تقدم كل وزير وسرد قائمة بأنشطة ومشاريع، بغض النظر عن مرجعيتها الزمنية، وبدون تقدير للتكاليف المتحملة، والإختناقات التي أزالها، والمنافع التي أصبحت متوفرة، بعد إنقضاء مدة المائة يوم الممنوحة له. أن ما سمعناه كان للأسف أقرب الى مجرد جعجعة بدون طحين منه الى قياس علمي للكفائة، إذ ان الهدف الأساسي هو تحسين الخدمات للناس المستهلكين والمحرومين حاليا من منافع هذه الوزارات. فلو سالنا سؤالا عاما، ماهو إنعكاس هذه النشاطات الإستثنائية على تحسين ظروف العيش أو الخدمات المقدمة للناس؟ وثمة سؤال آخر، كم كلفت هذه الجهود، وما حجم الكادر الذي تمت تعبئته لتحقيقها، وعدد ساعات العمل اليومي، بما فيها ساعات عمل الوزير، بإعتباره يضطلع بمهمات إستثنائية؟

5.       وأخيرا لابد من القول بأننا لا نريد التقليل من محاولات دولة الرئيس ووزرائه، مهما كانت دوافعها، إنما فقط للمساهمة في التوضيح بان المدخل الذي اعتمد هو مدخل شكلي وغير علمي وغير فعاّل، إذ لم تتحسن الخدمات، ولم نستطع تمييز الوزراء الأكفاء، من الذين بذلوا فعلا جهودا إستثنائية ومبدعة، وبالتالي فإن التمرين كله لا يُعد ذو جدوى، إلا اللهم، كعرض سياسي دعائي لإمتصاص النقمة الشعبية، ولكسب بعض الوقت.

 

12 حزيران-2011






 

free web counter

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس