| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

قرطبة عدنان الظاهر

 

 

 

                                                                                     السبت 28/7/ 2012



الانسان والطبيعة

قرطبة الظاهر 
 

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُبِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُيَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَاَ ووضَعَها لمِيزَانَ * أَلاَّتَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ﴾(الرحمن:5-8)

1. البيئة وانعكاساتها على سايكولوجية الانسان:

إنني وفي اوقات كثيرة أتساءل: ماذا لو لم يكن لكل هذا الظمأ والحرارة الشديدة وهذه الكوارث المناخية والبيئية مكان في العراق؟ هل يا ترى قد يتغير الوضع النفسي للانسان العراقي للشكل الافضل الامر الذي يجعله يتعامل مع البيئة الاجتماعية بطريقة ايجابية اكثر وينعكس هذا التصرف والسلوك الاجتماعي على الاقتصاد والسياسة وبناء المجمتع بشكل عام؟ قد يحتار البعض في هذا السؤال والبعض الاخر قد يجيبني بالنفي لان هناك ايضا فصل الشتاء والناس وطباعها لا تتغير إلى الافضل كي تحسن او حتى تشارك في تحسين الوضع العام في الدولة. وقد يكون هذا الموضوع للنخبة الاكاديمية اطروحة شيقة للبحث عن العلاقة ما بين الطبيعة والمناخ وتأثيراتها على سايكولوجية الانسان ووضعه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. وإن قارنا الحياة في اوروبا والبيئة الصحية وخضرة الطبيعة والمياه العذبة والطاقة المتوفرة بلا انقطاع مع الوضع المعاشي العام للمجتمع العراقي لاكتشفنا العديد من المفارقات. إنَّ البيئة الصحية تجعل الانسان يتفاعل معها بايجابية بل اكثر من ذلك انه يسعى للحفاظ عليها ويذهب إلى ابتكارات جديدة في العلوم والتكنولوجيا الحديثة. المجتمع الالماني مجتمع اجتهد على الاختراعات والوقت الثمين الذي يبذله الانسان في مناخ هادئ ومعتدل كي يكتشف المحركات والسيارات والفولاذ والام بي3 والطاقات البديلة والاجهزة الطبية الحديثة وتطوير ذكاء الحاسوب الالي وغيرها من الابتكارات. ومع كل اجتهاد ونجاح هناك اندفاعات اكثر إلى الافضل وإلى الاحسن من الامتيازات. ولكن مع ارتفاع درجات الحرارة فوق ال30 في اوروبا يعني ذلك للانسان الاوروبي انه يواجه تحديات جدية مع الطبيعة. من يريد ان يدرس سايكلولوجية المجتمع عليه اني يتوجه إلى القطاع الخاص في اوروبا او الافضل إلى الدوائر الحكومية: تصرفات الموظفين في الدوائر الحكومية في اوروبا تتغير مع تغير المناخ: في الشتاء تراهم يعاملونك ببرود لكن بهدوء وهم يركزون طاقاتهم الذهنية على عملهم المضني مع الاستمرار في شرب القهوة وتناول الحلويات والفواكه اثناء الدوام. وفي فصل الربيع ترى البهجة على وجوههم مع احمرار جلدتهم وهذا امر يدل على الاعتدال في التعامل مع المراجعين وينعكس ايضا على سايكولوجيتهم في اتخاذ القرار الاداري بحق معاملات المراجعين. اما في موسم الصيف فهناك مراحل: مرحلة بداية الموسم: الكل نشط، يحب العمل، يتجاوب مع البيئة العملية بحيوية تامة ومع الزملاء والمراجعين بايجابية ناهيك عن  التعاون والاخلاص للاخر في ترويج وتمشية الملفات الادارية وباقي  المعاملات. النشاط والحيوية تسود اروقة المؤسسة بسبب بدءِ موسم الصيف وبداية زراعة الاوراد في الحدائق العامة والبيوت ولا ننسى انه موسم البناء ونشاط عمال البناء في الترميم وصباغة اروقة وواجهات العمارات. السبب الاخر في النشاط هو لون السماء الزرقاء التي تبعث الامل والبهجة في نفوس الناس بعد الكثافة الثلجية الشتوية ورمادية الغيوم الداكنة وإفتقار الاشجار لاوراقها وبعد رحيل موسم الخريف البارد. المرحلة الثانية من موسم الصيف: مع ارتفاع درجات الحرارة والتي تصل إلى اكثر من 30 درجة مئوية أحياناً ترى تغيرات كثيرة في تصرّفات الناس وفي طرق وأساليب التعامل فيما بينهم: الكل منزعج من شدة الحرارة في المكاتب غير المكيفة الامر الذي يجعل الموظف ينفر في وجه المراجعين ويعاملهم بقساوة وحديّة كما ان المراجعين يتعاملون مع الموظفين بالمثل وتبدأ سلسلة الشكاوى ما بين الطرفين والتي تنتهي في نهاية المطاف باندلاع مشادات كلامية تنتهي بتدخل الحرس لفرض الهدوء. أو ان تتجول بسيارتك في المدينة وتراها مكتضة بالسواح والمتبضعين وانت تبحث عن مكان مناسب لتركن سيارتك فيه .. تجده فيسارع لأخذه غيرُك بكل وقاحة فلا تتماسك نفسك وتسارع لاشعال حرب كلامية التي لا تنتهي أحياناً إلا بتدخل القانون. وبما ان الاطباء ينصحون البشر بتناول على الاقل لترين ونصف من الماء يوميا فان الماء ليس الدواء الحقيقي للمتغيرات السايكولوجية في جسم الانسان عند ارتفاع درجات الحرارة. افضل مثال على تصرفات البشر أثناء التحولات المناخية بشكل حاد لاحظتها عند خروج الموظفين من دوائرهم وتوجههم إلى بيوتهم: الشوارع مكتظة بالسيارات وحركة السير بطيئة بسبب الازدحامات المرورية .. الكل منفعل من هذا الامر ومتذمر لان كل انسان يحاول الوصول إلى هدفه سواء كان السوق او البيت او اي مكان اخر باسرع وقت ممكن. احدى السيارات تتعطل عن السير عند اشتعال إشارة المرور الخضراء ( ترافيك لايت ) كي يبدأ بعد ذلك فصل من سمفونية متنوعة الاصوات والانغام من ابتكارات التكنولوجيا الحديثة لسيارات العالم المعروفة بال"هورن" او الصفارة. أما من ياخذ القطار بعد انتهاء الدوام فأنه يكون محظوظا بالاستماع ومشاهدة فصول كثيرة من انفعالات الناس على تأخَر القطار او الاكتظاظ البشري في القاطرات بسبب فقدان الصبر للبشر في الموسم الحار ناهيك عن وضع القاطرات العام فانها في الصيف اشد وساخة من الفصول الاخرى بسبب ازدياد عدد السائحين واللا مبالاة في الحفاظ على البيئة  تحت درجات مرتفعة. الانسان لا يستطيع التفكير ويتجنب كل الشدائد وحتى تعامله مع الناس كلما ارتفعت او قلت درجات الحرارة بشكل حاد ومفاجئ كما يحدث الان في اوروبا الامر الذي يؤدي إلى قلة الانتاج وقلة العمل وقلة الحركة. اما في فصل الخريف ترى الناس يميلون إلى الكآبة بسبب رحيل الصيف والسياحة والسواح والفراغ الذي يتركه وراءِهم الزائرون الاجانب وتساقط الاوراق من الاشجار بعد ان تتغير الوانها إلى الاصفر والبرتقالي . هذه الالوان الدافئة تنذر بحلول الشتاء القارص البرودة الذي لا ترغب النفسُ فيه. الكآبة وفقدان الحيوية والميل الدائم للنوم والشعور بالتعب والخمول مع تغيير عقارب الساعة بإضافة ساعة في موسم الشتاء هي من صفات هذا الموسم. إتخاذ القرارات يكون بشكل عفوي واحيانا بلا تركيز في محتوى الاوارق المقدمة إلى الموظفين كما ان القرارات تكون غير مدروسة في بعض الاحيان وغير صائبة الامر الذي يدفع الناس إلى تقديم شكوى قانونية.

إن كانت هذه المتغيرات المناخية تنعكس على تصرفات الناس في اوروبا فما بالك على المتغيرات المناخية القاسية في الشرق الاوسط وتحديدا في العراق؟ من يستطيع تحمل درجات حرارة تصل إلى 56 درجة مئوية مع انقطاع التيار الكهربائي الوطني وتقاعس واضح من طرف الدولة في توفير الماء والغذاء؟ من يستطيع وتحت هذه الحرارة الشديدة التفكير في حلول ناجعة للخروج من هذه الازمات المتراكمة على المجتمع والتي تنعكس بكل وضوح على تصرفات افراد المجتمع من الصغار والكبار والمسنين؟ كيف لنا ان نجد حلولا عميقة لتحسين البيئة المناخية في العراق كي تنسجم مع بناء الدولة وتعامل كل فرد بانسيابية وايجابية تامة مع الطبيعة؟ بلا شك ان البحث عن الحلول الحقيقية للتغلب على الازمات في العراق وخلال موسم الصيف أمرٌ مستعصٍ جدا. وأنا اعني هنا كل الازمات المناخية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فمن الاجدر ان تُنجز الحلول قبل موسم الصيف وتوضع الاساسات لهذه الحلول في اشهر الاجواء الباردة او الدافئة. ومن الاجدر ان تتكاتف الجهود كلها في تكوين خلايا لحل الازمات المستعصية في العراق من خلال خبراء محليين وعالميين على ان تتكون هذه الخلايا في فصل الخريف وتضاعف جهودها الانتاجية في المشاريع خلال موسم الشتاء والربيع بحيث يكون لديها وقتٌ كافٍ للاستراحة في موسم الصيف الساخن من اجل الاستئناف في الخريف والخ. كذلك أنْ تعمل هذه الخلايا مع الوزارات المعنية في توفير الخدمات الطارئة جدا مثل الطاقة والغذاء والمأوى. بناء مجمعات سكنية فوق الارض وتحت الارض قد تكون من الحلول الجدية لمواجهة المتغيرات المناخية القاسية. او التفكير الجاد في مواجهة التصحر والعواصف الترابية إما بتحويلها إلى مساحات للبناء والتعمير أوانشاء مجمعات خضراء إرتوائية كبيرة جدا تعمل على نظام الري الطبيعي من خلال زراعة النبات على عمق مترين واعتماد النبات على رطوبة الارض أو الاعتماد على الامرين. الامر الاخر هو بناء مدن حديثة جدا تحت الارض بطرق وانفاق وقطارات كما هو الحال في مدينة مونتريال الكندية من اجل اللجوء اليها عند حدوث الكوارث الطبيعية او الحروب او ارتفاع درجات الحرارة صيفا. وتكون هذه المدن الجديدة عبارة عن منتجعات في مواسم الصيف والشتاء. ايجاد الحلول الجيدة هو الطريق إلى التكيف مع الطبيعة وعلاج النفس في التعامل مع المتغيرات المناخية والبيئية. الانسان لا يستطيع قمع الطبيعة لانها دائما اقوى واكبر من الانسان لذا عليه التعامل والانسجام مع الطبيعة كي يبقى الميزان  ما بين التكوين والكون متناسقا ومتجانسا كما العقل والروح.

 

 

 








 

 

 

free web counter