| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

قرطبة عدنان الظاهر

 

 

 

 

الثلاثاء 22/5/ 2007

 

كتابات أخرى للكاتبة على موقع الناس

 

وصية حمورابي ..حكمة ام لعنة بابلية؟
(2)


قرطبة عدنان الظاهر

الجزء الثاني: النظام السياسي والاداري لدولة بابل(1792ـ 1750 ق.م)
بعد ان تمكن الملك حمورابي من بسط نفوذه وسلطته على المدن الشمالية والجنوبية مثل الوركاء وايسين ولارسا (البطحاء) والتي كانت كلها تحت حكم الملك العظيم ريم سن تكونت حقبة حكم جديدة في بابل الكبرى. إذ كانت كل ارض خصبة و محررة هي ارض الملك حمورابي وكانت من ضمن غنائم الحرب التابعة للبلاط البابلي. ما ان استولى حمورابي على اراض ٍ شاسعة منها صالح للزراعة مثل تلك التي في الجزء الجنوبي من بلاد ما بين النهرين حتى باشر بمرحلة البناء والتعمير. فقد خطط لتعميرالاراضي الزراعية ووضع قوانين جديدة للري وضوابط لملكية الاراضي وانشاء الترع والسدود لتكوين منظومة لري المساحات الشاسعة.
كان حمورابي يواجه مشاكل الكثرة السكانية في المناطق الخصبة حيث الزراعة المكثفة وكان يحرص على ان لا تقطع الامدادات الغذائية عن شعبه. فقام بتحويل الاراضي غير الصالحة للزراعة إلى اراض ٍ زراعية مشمولة بمنظومة الري والسدود لاشباع حاجات شعبه من منتوجات ومحاصيل زراعية. بهذا اعد الملك حمورابي نظام حكم شمولي و مركزي جديد. تتركز المركزية في ملكية الاراضي الجديدة والتصرف بها (المركزية الاقتصادية) وإصدار القوانين وسنها على كل ارجاء دولة بابل الكبرى (المركزية السياسية).
يتصف النظام السياسي المركزي في دولة بابل بحكم الفرد الواحد وهو ملك الدولة البابلية حمورابي. إذ هو القائد الاعلى للقوات المسلحة والقاضي الاعلى في الدولة اي السلطة العليا ولا سلطان عليه. بهذا وضع الملك حمورابي نفسه فوق الالهة لكنه لم يعد نفسه إلها او ربا والدليل على ذلك انه يرتدي عمامة مستديرة على رأسه وليس العمامة المخروطية الحلزونية التي تدل على الألوهية مثل تلك التي يرتديها الاله شمش على سبيل المثال.

كانت سيادة الدولة البابلية تشمل المعابد أيضاً. فكل كهنة المعابد يعدون موظفين حكوميين موالين للملك والمعابد مؤسسات حكومية. كان هذا النوع من العلمانية نتاج حرب ٍ بين القصر الملكي والمعبد حول السيادة في الالفية الثالثة قبل الميلاد. فانتصار الملك على الكاهن الاعظم يعد نقلة نوعية في سياسة فصل الدين عن الدولة. هذه العلمانية استمرت في بلاد الرافدين حتى بعد وفاة الملك حمورابي واستلام ابنائه مقاليد الحكم ودامت لفترة طويلة.
أما النظام الاداري المركزي في دولة بابل فإنه يتضمن المؤسسات التالية:

السلطة القضائية والسلطة التشريعية
لم يكن الملك حمورابي الحاكم المطلق الوحيد لدولة بابل حسبُ ، بل أُعتُبرِت شخصيته القانونية مصدراً لتشريع القوانين وسنها. فهو السلطة التشريعية والقضائية العليا في آن واحد. بجانب سلطته المطلقة كان هناك ايضا مجلس للقضاة المحليين. فلكل مدينة قاضيها يدير شؤون السكان المحليين ويحرص على ضبط القوانين والاوامر التي يتلقاها من البلاط البابلي. لكن بعض هؤلاء القضاة لم يحض باحترام المواطنين بسبب تلاعبه باصدار احكام غير عادلة او اخذ الرشاوى. لذا كان اكثرية البابليين يلتجئون إلى حمورابي نفسه ويعتبرونه هو الاب والقاضي العادل من بين كل القضاة. كان الملك في اكثر الاحيان يقرر في كل الامور التي تخص بلاطه بالدرجة الاولى ، اما الامور الادارية الاخرى فيحولها إلى القضاة المحليين. تعتبر كل الاختصاصات القضائية في بابل شأناً دولياً ولها مرسومها الخاص. بجانب السلطة القضائية هناك مجلس استشاري للشيوخ. كان الملك حمورابي يعتمد على مشورات الاكبر منه سنا والأكثر خبرة في الامور العسكرية والاستخباراتية والزراعية والمالية والتجارية والمعمارية. كان هؤلاء الشيوخ يتمتعون بمعرفة جيوسياسية ومحلية عالية ويمدون الملك احيانا حتى بالمشورات القانونية. بيد ان مكانتهم في الدولة البابلية بدات في التلاشي لتحل محلها كوادر الموظفين الحكوميين ونفوذ الملك المطلقة.

السلطة التنفيذية
كان الملك حمورابي يملك اعدادا كبيرة جدا من حراس الدولة او الشرطة المحليين وقوات الامن والاستخبارات. السبب في ذلك هو خوف حمورابي من حقد جيرانه شرقا وغربا واطماعهم في غزو الدولة البابلية. لذا كان الملك مجبرا في دعم قوات لحفظ الامن والسلام والدفاع عن دولته الكبيرة. كان الدفاع الملكي يتضمن مراتب من ضباط كبار وجنود صغار. وكان قلب جهازه العسكري يتضمن وحدات خاصة تسمى بحرس البلاط الملكي. هذه الوحدات مدربة تدريباً خاصاً ومجهزة بمعدات حربية تابعة لها فقط لا يملكها الجنود العاديون. ويتمتع الحرس الخاص باراض تمنح له كمخصصات ورواتب عالية مقابل ولائه الكامل والاعمى للملك. فالحرس الملكي ملزم بالخدمة العسكرية مدى الحياة اما المواطنون العاديون فكل الرجال منهم ملزمون ايضا بالخدمة العسكرية ولكنْ في حالة الحرب فقط ومن كل طبقات المجتمع ما عدا الفلاحين. كان الفلاحون يتمتعون بحصانة خاصة وبالاخص إذا كانوا يعملون في اراضٍ تابعة للبلاط الملكي. فالملك كان حريصاً على ان لا تقطع المحاصيل والمنتوجات الزراعية والصناعية منه. كان يؤجر جيوشا من الدويلات الصديقة لشن حملاته على اعدائه في حالة عوزه لجنود اضافيين. و كان يدرك حمورابي جيدا بان الفقر والجوع والعوز قد يسببون انقلابا شعبيا او ضعفا لدولته. لذا كان يحرص على ان يكون شعبه مرفها وشبعانَ.
كانت ادوات القتال عديدة، منها الرماح والاقواس والسهام. أُضيفت في الالفية الثانية قبل الميلاد لهذه الادوات العربات التي تجرّها الخيول ، وأُضيفت الفروسية ُ في الالفية الاولى . مكّنَ هذا التطور في المهارات العسكرية جيوش حمورابي من احراز انتصارات ساحقة على اعدائهم. إضافة إلى ذلك تم التدريب على تطويق المدن وهذا يعد بذاته تقدما كبيرا في النظام العسكري.

الملك والالهة
مع ان الملك حمورابي يعتبر موهوبا من قبل الالهة لكنه لم يعد نفسه إلها بشريا على الارض. فقد ذكرت في مقدمة هذا الجزء بانه لم يرتدِ قط عمامة مخروطية حلزونية مثل تلك التي اعتاد الالهة على ارتدائها والتي تعتبر رمزا للالوهية. كانت المعابد تابعة للدولة وتعتبر مؤسسات حكومية تحت اشراف الملك. إذ كان حمورابي يحرص على تقديم القرابين وتنظيف المعابد وترميمها وصيانتها . اعتبر الملك حمورابي نفسه الملك الشرعي للدولة وشرعية سلطته موهوبة له من قبل الاله شمش، إله العدالة والقانون : "...عندما نظر شمش، سيد الارض والسماء، ملك الالهة كلها بمحياه اللامع وببهجة إليّ، أنا حمورابي، اميره المحبب، أهدى لي هذه الارض وسلمني مقاليد الحكم ومملكة دائمة واوصاني بشعب سيبار وبابل بان يعيشوا آمنين مسالمين. وقد امرني ببناء جدار لسيبار وتعليتها وان اكتب على جدار المدينة:" إن شاء الاله شمش فسوف لن يكون لحمورابي اي عدو"..." . بجانب الاله شمش هناك ايضا الالهة أنو وانليل ومردوخ اله المدينة بابل.


كلية العلوم السياسية
المانيا

المصادر:
1. Michael Jursa: Die Babylonier, Geschichte, Gesellschaft, Kultur, München 2004
2. Klengel, Horst: König Hammurapi und der Alltag Babylons, Berlin 1991

¤ الحلقة الأولى