| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جيكور

 

 

 

الأربعاء 23/11/ 2011

 

 قصة قصيرة

الحقيبة

جيكور

لا أعرف كيف تشبثت بزجاجة ضوء الحافلة الجانبي بيدي اليمنى ، ودسست اصابع يدي اليسرى في الشق الذي يفصل دفتي الباب، اما قدمي اليمنى فقد وضعتها على الحافة الصغيرة للباب واليسرى اطلقتها للهواء وكأني السندباد التصق على لوح خشبي في لجج بحر هائج.

حتى لو سقطت وداست الحافلة على رجلي ، بطني، او رأسي سأصعد هذه المرة وليكن ما يكون قلتها في داخلي بأصرار كبير وتحدٍ وكأنها الحافلة الاخيرة في هذا العالم !!.

المرآب الكبير ، ساحة واسعة جرداء ، بقع زيت هنا وهناك، دكاكين صغيرة في صف طويل، باعة ومتسولون ومعاقون ، اطفال ونساء وشيوخ، الاوساخ وبقايا الطعام تنتشر في كل مكان، أكياس النايلون والورق تكدست في زوايا الجدران العالية والمتصدعة، كتب على تلك الجدران في اكثر من مكان بخط ركيك ( البول للحمير ) شاهدت الجنود يبولون هناك ويضحكون.

بعد غد العيد الكبير، الزحام شديد في هذا المكان وكأن الجبهات فرغت من رجالها ، الحافلات تدخل بسرعة ، تدور وتدور في ساحة المرآب ، مخلفة وراءها هالات كبيرة من الدخان والتراب، المسافرون اغلبهم من الجنود، يركضون خلفها حتى يهدهم التعب ، تتوالى الشتائم والسباب على السائقين ، امرأة تسقط على الارض ، تبكي ، رجل كبير يشعل سيكارة ، ينث دخانها في الهواء ، ثم يهز يده متعجباً ومتألما لما يحدث في هذا الزمان الاغبر كما قال .

لن أترك مكاني هذه المرة لآي كان ، حتى لو كان أبي !! ستنتهي إجازتي القصيرة في هذا المكان اللعين ، ركبت هذه الليلة ثلاث حافلات ، كل مرة اتبرع بمقعدي الذي احصل علية بشق الانفس وبعد تدافع وتلاحم وسباب وشتم ، للاخرين، مرة لإمرأة وإبنتها ، والثانية لرجل مسن وزوجته ، والاخيرة لعسكري مثلي اخبرني انه هنا منذ يومين ولنحول جسمه لا يستطع التدافع مع الاخرين ، وانه صاحب عائلة تنتظر قدومه ، لا اعرف لماذا انتابني شعور بأنه إستغفلني ، لم يكلف نفسه حتى بالنظر الي عندما غادرت الحافلة المكان!!.

دس حقيبته من الشباك ورماها على المقعد الذي بجنابي ، صاح بصوت عال ٍ: احجز هذا المكان لي (يا ابا خليل) * مرؤتك انا هنا من ليلة الامس ، اشرت اليه بالموافقة ، وصل إليّ بعدما تسبب لي بشجارٍ مع كثيرين،.

شكراً لك لن انسى هذا الجميل ، قالها وقد سحب نفساً عميقاً وألقى بجسده على المقعد وكأنه لم يجلس على مقعد من سنين ، اللعنة على هذا الزحام ، في الداخل والخارج كأنه يوم الحشر، تأتي السيارات والباصات تبتلع المسافرين ثم تعود الجموع تتزايد وكأن شيئاً لم يكن ، تصور حتى سيارا ت البضائع امتلآت الى اخرها..
المهم ، الحمدلله اننا في الحافلة وستسير بنا الى اهلنا باذن الله.

صعد رجل ضرير تقوده طفلة صغيرة هنأنا بمناسبة العيد ودعا لنا الوصول بالسلامة ، جمع الركاب له قطعاً نقدية، مددت يدي الى جيبي تحسست نموذج الاجازة وهويتي العسكرية والتسعة دنانير المتبقية من الراتب ، اعطيت السائل ربع دينار ، مد صاحبي الذي بجانبي يده الى جيوبه ، شعر بالحرج وأعتذر بشدة لانه لا يملك سوى اجرة الحافلة..

كم يوم مدة أجازتك ؟؟؟
سبعة أيام..
وأنت ؟؟؟
تلكأ في الاجابة ثم قال: أربعة أيام ، أيام العيد فقط ، المهم ان نصل بالسلامة قالها بحسرة كبيرة ، تصور هذا سادس عيد لم أحضر فيه مع اهلي وعائلتي !! لابد ان اكون معهم هذه المرة.

سارت الحافلة (الريم) ** من ساحة سعد بأتجاه مدينة بغداد ، بدا الارتياح على وجوه المسافرين ، انطلقت ضحكات من هنا وهناك ، قام مساعد السائق بجمع الاجرة ، تحسست نموذج الاجازة وهويتي والستة دنانير الا ربع المتبقية للمرة الخامسة في عشر دقائق ، نسمات عذبة تنساب من الشبابيك النصف مفتوحة ، الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ، السماء صافية ، نجوم تتراقص فوق الحافلة يتوسطها هلال فضي ، كل شيء يوحي بالكسينة والهدوء ، حتى صوت المحرك ضاع وما عدنا نسمع شيئاً سوى هفهفة النسائم البليلة التي راحت تبرد كلما اوغلنا في الظلام وابتعدنا عن الاضواء والبيوت والمدينة.

هل تظن انهم الان نائمون ؟؟؟ سألني وهو ينظر الى البعيد..
من هم ؟؟؟
الانضباط في سيطرة القادسية..
لا اعلم، لكن الامر سيّان ، فنحن في اجازة اصولية وأوراقنا في جيوبنا..

سألته: ألست في أجازة اصولية ؟؟
تردد، ثم قال : بلى ولكن انت تعرف هؤلاء في سيطرة التفتيش هذه .. يبحثون عن أي شيء من شأنه تعكير صفو فرحتك بالاجازة ، يهينون الناس بسبب وبدونه ، لا أعرف لأي نوع من البشر ينتمون ؟؟ كأنهم من كوكب اخر، لا أظنهم ينتمون الى اي مكان من هذا الوطن . في المرة السابقة شتموا الركاب جميعاً وضربوا السائق تصور!!

بدأت الحافلة تخفف من سرعتها ، فتح السائق الاضواء الداخلية ، صاح بصوت مسموع : أخوان سنصل بعد لحظات الى سيطرة التفتيش ، جهزوا أوراقكم وحقائبكم كي نجتازها بسلام ونواصل السير.

همهمات ، أصوات خافتة وأخرى مسموعة ، أدعية وأيات قرانية ، وكأن الحافلة تقف على حافة جبل آيل الى الانهيار.

بدت علامات الارتباك والخوف على الرجل الذي يجلس بجانبي ، أخرج علبة سكائر ، مزق قطعةً منها ، طلب مني قلم ، وراح يكتب بسرعة وبيد ترتجف شيئاً على هذه القصاصة ، دسها في يدي ،
هذا عنواني ، ارجوك ان توصل هذه الحقيبة الى أهلي..
أية حقيبة ؟؟ سألته متعجباً ،
أشار الى حقيبة سوداء فوق رأسه في المكان المخصص للحقائب ، وبينما هممت ان أسأله عنها صعد عسكري الانضباط ، نظر الى الركاب دون ان ينبس بكلمة ، سار من اول الحافلة الى نهايتها وهو ينظر الى الوجوه ويتفرس بها وكأنه يبحث عن شخص معين.

إنزلوا جميعاً وإتركوا الحقائب والاغراض في الحافلة ، قالها بلهجة صارمة وجافة ، ثم أردف : أياكم ان تنسوا بيرياتكم *** والا سيكون عيداً اسوداً عليكم وعلى أهلكم..

وقفنا في صف طويل ، صاحبي يقف خلفي ، نظر الانضباط اليّ والى صورتي ونموذج الاجازة ، أعادها اليّ واشار لي بالصعود ، كنت اسمع وجيب قلبي رغم ان كل اوراقي قانونية ، ولكن بأي قانون يحكم هؤلاء الاوباش؟؟
نظرت الى صاحبي من زجاج النافذة ، كان يتحدث معهم بلهجة المتوسل ، لم اسمع ما قاله ، دفعه احدهم مع أثنين اخرين الى زاوية صغيرة قرب غرفة الحرس.

سارت الحافلة وعيناي ما زالتا تتابعانه بحزن واشفاق ، أشار اليّ برفع يده وخفضها ، عرفت انه يوصيني بالحقيبة..
الحقيبة ؟؟؟!!!!!! لماذا اكد لي عليها ؟؟ وما الذي في داخلها ؟؟ لماذا كان خائف ومرتبك الى هذه الدرجة ؟؟ حتى لو كان هارب لا يمكن ان يرتعب بهذا الشكل!!

مددت يدي الى جيبي ، تحسست قصاصة الورق بحذر وكأني امدها في جحر عقرب ، لامستها بسبباتي والوسطى، سحبتها ببطء ، كان خطه مرتبكا الى درجة ان ما كتبه بالكاد يفهم : الثورة داخل .. قطاع سبعة وأربعين .. رقم الدار لم استطع تمييزه جيداً كأنه احد عشرة او واحد وعشرين ، كريم جياد او كريم جواد ، لا يهم اذا وصلت ينتهي الامر فالناس يعرفون بعضهم هناك ، الامر ليس عسيراً.

لكن ما الذي في داخل الحقيبة ؟؟ أنزلتها ووضعتها الى جانبي ، مددت يدي اليها، وسرعان ما جذبتها ، كيف يمكنك ان تفتح حقيبة لا تخصك ؟؟ هل هذه هي الامانة ؟؟ ان تفتش وتبحث في خصوصيات الاخرين ؟؟ ربما تحتوي على اشياءٍ تخص زوجته ، رسائل غزل أو حُب ، ربما ملابس.......!!

لكن ما دفعني الى معرفة ما في داخلها هو خوفي من سيطرة تفتيش الكوت ، ربما يكون في داخلها اشياءاً ممنوعة؟؟؟
لانه كان خائفاً ودفع الحقيبة الى مسافة بعيدة عنه قبل ان ننزل في نقطة التفتيش ، ربما تحتوي على قنابل يدوية او منشورات مناوئة للحكومة ، أرعبتني هذه الفكرة ، أعدت الحقيبة الى مكانها بسرعة وكأني أرمي فتيل قنبلة ستنفجر في حضني.

قبل شهور أنزلوا عسكري ثم اشبعوه ضرباً وركلا وقادوه الى مكان مجهول لانهم وجدوا في حقيبته بضعة رصاصات لبندقية خفيفة،
ماذا لو كان في هذه الحقيبة ما يؤدي الى الاعدام او السجن ؟؟ افكار غريبة ومرعبة بدأت تنتابني ، اليس من حقي ان اخاف وأنا اعيش في جمهورية الرعب؟؟

ماذا سأقول لعسكري التفتيش في النقطة القادمة اذا سألني عنها؟؟؟
شخص لا اعرفه ولا يعرفني ترك معي هذه المصيبة ، اكيد سأتنكر لمعرفتها ، وانا صادق في ذلك لانها لا تعود لي ولا اعرف ما في داخلها..

جبنت يا علي من أول اختبار ؟؟؟ هل نسيت انه أعطاك امانة ؟؟ هل نسيت نظراته الحزينة من خلف زجاج النافذة وقلبه يتحرق الى رؤية اولاده في العيد ؟؟ ثم ما ادراك ان ما في داخلها ممنوع ومخيف ؟؟ فهي خفيفة لا توحي بوجود شيء مريب ، خفت من اول أمتحان وأنت الذي تتبجح أمام من تثق بهم بأن الامور يجب ان تتغير ، وان هذا الحال لابد ان يزول؟؟
تفوووو على الجُبن الذي في داخلك.

توقفت الحافلة في نقطة تفتيش الكوت التي لا تقل لعنة عن سابقتها ، عسكري الانضباط يتثاءب ، سأل السائق ان كانت سيطرة القادسية قد فتشت الركاب والحافلة ، أجاب السائق بالايجاب.

سارت الحافلة من جديد، سحبت نفساً عميقا ً، تحسست أوراقي والدنانير الستة الا ربع المتبقية ، بعد ان دفعت الاجرة والربع دينار للسائل الضرير.
ها أنت تخلصت من نقطة التفتيش التي ارعبتك قبل ان تصل اليها ، وتنصلت وتنكرت للامانة التي أوكلها اليك ذاك المسكين الذي يقبع الان خلف جدران من الذل والمهانة..

هل ستترك الحقيبة في مكانها ام تحملها كرجل وليكن ما يكون ؟؟ ليس هناك اختبار اخر يا عنتر زمانك ، سوى ايصالها الى اصحابها ، ليس هناك ما يقلقك أيها البطل المتشدق بالكلمات الثورية التافهة ، لا تخف يا دونكيشوت ، فسيفك خشبي ، استله واركض به نحو طواحين الهواء..

أمي أول من يستقبلني ، اخواتي ، وربما احد اخواني لو صادفت اجازة أحدهم مع اجازتي .. تمّر شهور طويلة دون ان نلتقي..

الحمّام.. آه من الحمّام أود لو القي بنفسي على أرضيته الخشنة وأترك الماء الساخن يندلق على كل خلية في جسدي دون أن يتوقف كي أزيل غبار الجبهات اللعينة.

اشعر الان وبعد هذا الحّمام المنعش كأني طائر يود ان يحلق نحو البعيد ، ثيابي النظيفة والمعطرة تحتفظ امي بها في خانتها الخاصة في دولاب ثيابها فتكتسب مسكاً وعطراً لا تضاهيه عطور الدنيا كلها..

قبلّتُ يدها واوصيتها ان توقظني الساعة الخامسة عصراً كي أوصل الحقيبة الى اصحابها ، لم تسألني عنها لكنها شعرت بالحزن لان صاحبها ليس حاضراً في العيد مع اهله وكيف أن امه تترقب وتهرع لكل طرقة باب كما تفعل هي..

استلقيت على ارضية الغرفة المنعشة بلا فراش كعادتي وتلفعت بعباءة امي التي أسميها (المُخدر) لا يمكن لشيء ان يجعلني اغفو كالطفل مثل تلك العباءة!!
قرع شديد على الباب ، رجال غرباء يتسلقون الجدران ، يقفزون على السطح ومنه ينزلون الى داخل البيت ، اقتلعوا الباب الرئيسي قبل ان تفتحه امي ، دفعوها فسقطت على الارض ركضت نحو النذل الذي دفعها ، امسكوني والقوني على الارض ، داسوا باقدامهم على صدري ، امي تصرخ وتتوسل ، قال كبيرهم هل هذه الحقيبة لك؟؟؟؟
لالالالا.. نعم.. لالا.. ليست لي .. كيف جاءت هنا أذاً ؟؟!

اتركوه ودعوه يفتح الحقيبة،
فتحتها بيد ترتعش ، يا إلهي ماهذا ؟؟؟!!!، قنابل يدوية ، رزمة اوراق كتب عليها يسقط ال..... يعيش ال.... الموت ل....

نظر كبيرهم اليّ بفرحة وتكشيرة جعلت كل اعضاء جسدي ترتعش ، ها ما رأيك ايها البطل الكبير؟؟؟ قالها وقد رأيت ملك الموت يقف وراءه ويكشر لي هو الاخر..

حملوني من يديّ ورجليّ وألقوا بي في صندوق سيارة ، سارت الى مكان مجهول ، في الحقيقة هذه الاماكن ليست مجهولة بل يعرفها الجميع ، فهي البوابات التي تؤدي الى الجحيم..

علقوني من قدمي ، وضعوا تحت رأسي سطلا مليئا بأسيد التيزاب ، كان الحبل يتدلى وينزل رويداً رويداً وهم ينظرون اليّ ويضحكون ، قال احدهم اذا لم تعترف فسيغطس رأسك في هذا السطل وتكرع منه الى ان ترتوي..
لامس شعري طرف السطل ، صرخت بأعلى صوتي : الحقيبة لكريم .. اوقفوا نزول الحبل ، انت تكذب ، اعترف لمن هذه الحقيبة.

انها لآمي ، امي صاحبة الحقيبة ، ضحكوا مرة اخرى ، صرخت امي .. امي .. امي..
يد مضمخة بالمسك لامست وجهي ، وصوت دافيء لا يشبهه صوت (اسم الله يمة) مسحت العرق المتصبب على وجهي ، ناولتني طاسة ماء بارد ، ماذا كنت تحلم يا وليدي ؟؟؟ قم إنها الساعة الخامسة عصراً ، عليك ان توصل الامانة لاهلها..

توقف سائق سيارة الاجرة ، هذا قطاع سبعة وأربعين ، اعطيته الاجرة وشكرته. تحسست أوراقي ، تصريح الاجازة ، هويتي العسكرية والخمسة دنانير إلا ربع المتبقية ، تراقصت زجاجة العرق التي سأشتريها في خيالي ، كيلو من الرارنج الذي اعشقه مع العرق ، علبة سكائر (سومر) لم يبق إلا القليل !! قلت لنفسي لحظات وأنتهي من هذه المهمة ..

أطفال يملأون الشارع ، يلعبون ، يتقافزون ، نساء وعجائز يجلسن على عتبات البيوت ، شباب يتحلقون في نهاية كل زقاق ، أخرجت الورقة من جيبي وسألت احدهم : هل تعرف بيت كريم جواد ، رد علي تقصد كريم جياد.. نعم هو ما أعني..
سار معي الى تقاطع الزقاق ثم أشار الى دار قديمة بابها قهوائي اللون ، شكرته ومضيت..
إمراة عجوز تجلس على عتبة الباب ، عرفت إنها إمهُ ، يشبهها تماماً ، خفتُ ان افزعها ، ففي هذه الايام اللعينة من الحرب تتخوف الامهات ويهلع الاباء من قدوم أي صديق او زميل لابنهم ، لذلك بادرتها قائلا : انا صديق كريم ، أجرينا قرعة ، لكن الحظ لم يحالفه بالنزول ، سيأتي بعد اسبوع او اثنين على الاكثر، قبلتني وكأني ابنها كريم ، أزاحت ستارة متهرئة خلف الباب ونادت على من في البيت ، صديق كريم جاء..

سلمت الحقيبة لزوجته ، طفلتان جميلتان تقفان الى جانبها ، يتشابهان الى درجة العجب ، انهما توأمين ، قالت زوجته بعد ان رأت علامات التعجب على وجهي ، وهذا أحمد الصغير عمره تسعة اشهر ، تصور انه لا يعرف أباه حينما يأتي..

فتحت الحقيبة، فستان أحمر والثاني وردي مع ورقة صغيرة : الى حبيباتي دجلة وياسمين ، لا تتخاصما يا بابا على أختيار الفستان ، كلاهما جميل عليكما.
قاط أزرق لآحمد الصغير، قارورة عطر مع ورقة : أم احمد الحبيبة لا تقلقي سأعود بعد أيام ، انه مجرد نزول بدون تصريح ، عقوبتها اسبوع لا اكثر ، كل عام وانتم بخير.. قبلي يد امي.

امتدت يدي الى الاربعة دنانير التي في جيبي ، هذه الدنانير بعثها ايضاً مع الحقيبة.
وصلت لأخر الشارع ، نشوة تعتريني ، نسماتٌ خريفية باردة انعشت وجهي ، ياااااااه وأخيراً انتهت هذه المهمة الثقيلة.
تحسست جيوبي ، إذن التصريح ، هويتي العسكرية والثلاثة أرباع الدينار المتبقية ، تبسمت وضحكت ، زجاجة العرق والرارنج وعلبة السومر مازالت تتراقص في خيالي ..



* ابو خليل : لقب أطلق على العسكري ابام الحرب.
** البيرية : قبعة او طاقية يضعها العسكري على راسه
*** الريم : نوع من الباصات او الحافلات

















 

free web counter