| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأثنين 18/6/ 2012

 

قصة قصيرة

متاهة

جيكور 

رَبّتَ على كتفي باطراف أصابعه المضمومة بعد أن سارع خطاه ليصل إليّ ، إلتفت اليه ، إعتذر وجهه.. آسف ظننتك هو !!
لا بأس عليك.. قلت له كي أخفف وطأة خجله كوني لست الشخص الذي قصده..
لاحقته عيناي وهو يتوارى ، كان يلتفت إليّ ، يرى بعض وجهي، أرى بعض وجهه من خلال الشقوق والفتحات التي تحدثها حركة السائرين..
المكان مزدحم، الاكتاف تتصادم ، كلمات إعتذار ، نظرات غضب ، الحر شديد ، الناس تسير في أتجاهين متعاكسين يقاطعها خروج البعض من المحلات والدكاكين ، ثم ما يفتأ المسير يعود الى رتابته الاولى..

الرصيف لا يسع كل العابرين ، ولكي اتفادى تصادم الاكتاف، كلمات الاعتذار ونظرات الغضب ، كنت أنزل برجلي اليسرى عن الرصيف ، هو أيضاً ينزل رجله اليسرى في ذات اللحظة رغم أن ما يفصل بيننا عشرات الآمتار ومئات الاجساد المتحركة بسرعات وأتجهات مختلفة..
خففت الخطى كي اصل اليه ، أردت أن أسأله هذه المرة ، كان يبتعد بذات المسافة التي اسرع فيها وكأن خيطاً من الوهم بيننا يتحكم بالحفاظ على تلك المسافة ..
أعرفه ، لابد أني رأيته من قبل !! يا إلهي يشبه من هذا الرجل ؟؟ لم تكن اللحظة السريعة والالتفاتة الخاطفة كافية كي أرى ملامحه جيداً واتعرف عليه..

دلفت شارعاً فرعياً صغيراً لأتخلص من هذه الوساوس التي تراودني وتعكر صفو يومي عندما لا تسعفني ذاكرتي بتذكر اسم ٍ ما ، أو شيء أحاول استحضاره ولا يحضر.. حاولت أن اشغل نفسي بأشياءٍ لم اكن قد أعددت لها في برنامج جولتي هذه ، الشارع الصغير يعجُّ بالعابرين والمتسوقين والباعة والمتسولين ، كرنفال غير متجانس من الحاجياتِ والسلع ، توقفت عند مصلح ساعات إفترش الارض ووضع عدته وساعاته القديمة فوق صندوق خشبي صغير، عدسة مكبرة التصقت على عينه بلا أطراف ولا ذراع ، يسندها بتقليص وجنتيه ومحاجر عينيه ، ناولته ساعتي التي راحت تقدم وتؤخر في الأيام الأخيرة ، ما جعلني اسأل المارة عن الوقت، قال لي احدهم ها أنت لديك ساعة وتسأل عن الوقت ههههه ؟؟!! من يومها توقفت عن السؤال..
وقبل أن تلامس يده الساعة رفع وجهه إليّ ، سحبت يدي وهرعت أشق صفوف الناس بسرعة ، مخلفاً ورائي همهمات وشتائم من تدافعت معهم، إلتفت اليه أثناء عَدوي، كان ينظر إليّ والعدسة ما زالت ملتصقة على عينه ويضحك ، كنت اسمع قهقهاته من بعيد !! هو ذاته ، الرجل الذي هربت منه قبل قليل!! نفس الملامح لكن هذا أكبر ويرتدي ملابساً غير تلك التي كان الأخر يرتديها..

يخلق من الشبه أربعين ، هكذا حدثت نفسي لأتخلص من هذا الكابوس الغريب ، قبل لحظات كنتُ استمتع بهذه الجولة التي أعشقها من ساحة الميدان الى الباب الشرقي مروراً بشارع المتنبي وشارع النهر والمقاهي التي احبها، أو تلك الحانات التي تجرني عبارتها المغرية على واجهاتها الزجاجية المظللة (بيرة مثلجة) في هذا الصيف القائض، فلا أشعر ألا ونفحة النسمات الباردة تلامس وجهي عند ولوجي أبوابها الانيقة.

زجاجة بيرة (فريدة) من فضلك ، قلت للنادل وهو يفتح صفحة جديدة في دفتر صغير يسجل فيه طلبات الزبائن..
عاد نادل اخر يحمل ما طلبت، وضع الزجاجة على الطاولة (صحة) يا أستاذ رمقني بنظرة غريبة ، إنه هو!!!!
دفعت الطاولة بقوة وهربت الى الشارع ، أركض وأتدافع مع السائرين ، سقط بعضهم على الارض، شتموا ، توعدوا ، حاول بعضهم اللحاق بي لكن دون جدوى كنت أسرع من الجميع، توقفت بعيداً عن الزحام ، أتنفس بصعوبة ، شعرت بالدوار ، انه هو ذات الرجل الذي صادفني أول مرة، الساعاتي ، النادل ، من يشبه يا ترى؟؟ لم تعد اكذوبة تشابه الاربعين تقنعني إنها خرافة ككل الخرافات التي حولنا . من يشبه هذا الشخص الذي رأيته ثلاث مراتٍ؟؟!!

سأعود الى البيت يكفي ما حدث لي ..آه نسيت محفظة نقودي على الطاولة في الحانة فيها كل أوراقي جواز سفري الاجنبي ، هممت العودة الى الحانة ، استوقفني شرطي بدين الى درجة أن كرشه لامس بطني وهو يسألني عن هويتي، أمسك ذراعي بقوة ، حاولت أن أفلت منه ، إرتعبت لانه يشبه الساعاتي والشخص الاول والنادل ، يا إلهي انه يشبهني تماماً ، !! لكنه بدين يعادل حجمي مرتين أو ربما ثلاث مرات.. كلهم يشبهوني ، المارة ، الباعة ، المتسولون، الشرطي ، الساعاتي ، النادل .. كأني انظر الى وجهي في مرآة متشظية..

يبدو أنه مغترب ، هو عراقي ، جواز سفره اجنبي ، من أتى بك الى هنا في هذا الحر يا حظي؟؟ إطلبوا له الاسعاف، ضحك أخر هههههههه ومن اين تأتي الاسعاف؟؟ وهذه الحواجز الكونكريته والسيطرات والزحام؟؟
إذن ننتظره حتى يفيق من الاغماء، ضربة شمس ، (ماعت روحه) * المسكين يبدو انه ترك هذا الجحيم منذ زمن طويل؟؟
فتحت عيني بصعوبة وعناء تمتمت : نسيت اوراقي في الحانة.. اية حانة؟؟ هههههههههههه يبدو أنه يحلم في الماضي
ما الذي جاء بك الى هنا ؟؟
الوطن..
تناهت الى مسمعي ..
ضحكات ساخرة..
ههههه وطن.



*
ماعت روحه : باللهجة العامية العراقية وتعني اغمى عليه





 


 

free web counter