| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

جيكور

 

 

الثلاثاء 10/1/ 2012

 

قصة قصيرة

إسماعيل - وجدارية القائد

جيكور

(جاءت امك يا إسماعيل..) هذه الجملة هي كلمه السر ، بل كلمة السحر الوحيدة ، التي تنجي أي مسكين يمسك به إسماعيل بقبضته الفولاذية عندما يغضب ، يطبق على رقبة من يلّح ويكثر المزاح معه ، وعندما يسمع هذه الجملة يلتفت يمينا وشمالا باحثا عن امه، فترتخي يداه وأعصابه، ويفرج عن ضحيته.

أخر من أمسكتهم تلك القبضة كان حامد قريب ابو سامي الخباز الذي قدم من قريةٍ نائية ، وقف مع مجموعة من شباب الحي واسماعيل بينهم ، أغاضوه بطريقة خبيثة يعرفونها ، مثلما يعرفوا لحظة الانطلاق والهرب المصحوب بالضحك الهستيري عندما يغضبوه ،

حامد المسكين كاد يهلك عندما خانته قدماه بإلحاق الاخرين ، فوقع بين يدي اسماعيل ، تجمع اكثر من رجلٍ محاولين إنقاذه ، فلم يفلحوا، كلما رفعوه ، رفع حامدا معه ، وان انزلوه انزله ، صرخوا جميعا : ( جاءت امك يا اسماعيل ، جاءت امك) عندها افلت بأعجوبه ، ومن حينها تعلم درسا لن يسناه طيلة عمره. وهذا جزاء من يعبث ويتجاوز حدوده مع (اسماعيل المخبل) كما كانوا يدعونه.

لا يمر على هذا الحي او الاحياء القريبة عرسا أو عزاءا أو أي مناسبة ، حزينـة كانت أم سعيدة ، الا و إسماعيل حاضراً فيها ، بدشداشتهِ المقلمة ونعله الكبير الذي سمّاهٌ البعض (مشحوف اسماعيل) لأن قدماه مثل قدمي كائن خرافي ، ينقل الصحون ويحمل أكياس السكر والطحين الثقيلة ، يشرب القهوة مع كل داخل جديد ، لا يرّد أي سيكارة تمنح له مهما كان نوعها ، ، محبوبا عند الجميع ، يتبارك به النساء والرجال..

تلاحقه امه دائما وتبعد المازحين الثقال عنه ، خوفا عليه وعليهم ، تردد دائما : يا اولادي هذا اخوكم درويش لا تغيضوه ولا تأذوه لانه والله يشور بكم * ، يحب امه حبا لا يصدق، ينام في حضنها رغم تجاوزه الثلاثين ، قال طبيب من الحي إن إسماعيل توقف عقله عن النمو عندما كان في السادسة من عمره ، لكن جسده ظل يكبر ويكبر الى ان اصبح عملاقا .

يحب كل الصغار ويعرف اسمائهم ، يجلس ساعات طويلة يتابع العابهم (الدعبل، الجعاب، طمه الخريزه) دعوه مرارا للعب معهم ، لكن كفيه وأصابعه الكبيرة لا تسمح له بهذا النوع من الالعاب . كانوا يحبونه ، ولم يحاول احد إيذائه أو الاساءة اليه.

لديه حساسية من رجال الامن ومن سياراتهم وأشكالهم ، يعرفهم رغم التخفي الساذج بملابسهم وحركاتهم الغبية، يبغضهم ويبتعد عنهم مهما توددوا اليه . وهم لا يعرفون سبب هذا الكره من هذا المجنون كما قالوا.

لاحظ الناس في الاونة الاخيرة حركات مريبة من هؤلاء ، سيارات واشخاص ووجوه غريبة، وجوه صفراء ، وعيون تفتش بحقد عن اي شيء، في الليل تلتمع تلك العيون مثل عيون الذئاب في كل الجهات التي تحيط بجدارية القائــــد ، زاد سعارهم عندما لطخت تلك الجدارية بالطين مرة، وبالزفت ، واخر مرة بالبراز ، توعدوا اقتراب اي كان من هذا المكان في الليل او في النهار، غاب رجال كثيرون من الحي دون ان يعرف احدا شيء عنهم.

ذات مرة بينما كان اسماعيل عائدا من احدى الاعراس في الحي المجاور، منتشيا، جذلا ، بعد وجبة عشاء دسمة ، وجيوب أمتلاءت بالسكائر والكبريت وبعض القطع النقدية، يغني بصوت عالٍ، اقترب من الجدارية الكبيرة ، وقف تحتها ، نظر الى السيكار الغليض الذي في فم صاحبها ، لم يستطع تمييز ملامحها لسواد تلك الليلة الخريفية الغائمة ، جلس تحتها واشعل سيكارة ، نفث الدخان بلذه وعاد ينظر الى الصورة ، شعر بحاجة شديدة للتبول، وضع سيكارته على حافة حجارتها ، ووقف خلفها يقضي تلك الحاجة.
اضواء صغيرة بدأت تقترب من المكان ، تكاثرت في كل الاتجاهات، سمع دبيب اقدام سريعة، هجمت عليه اذرع وأيدي امسكت به ،

قف يا كلب .. صاح الضابط باسماعيل ,امسكنا بك اخيرا ، صفعه ثلاث مرات على وجهه ، لم يتوقع الرجال ان هناك من يجرأ على مواجهتهم في زمن الرعب والخوف ، لذا تركوا الضابط يركله ويصفعه لوحده، و بحركة غير متوقعة وفي سرعة البرق اطبق أسماعيل بقبضته المعروفة على عنقه ، نام فوقه على الارض , هجم كل الرجال عليه ضربوه بأيديهم، بأرجلهم، وبأخمص بنادقهم لكن دون جدوى، فلا احدا منهم يعرف كلمة السر التي تفك تلك الاذرع الفولاذية، رفس الضابط رفسات سريعة قبل ان يلفظ انفاسه الاخيرة، اطلق احدهم النار على راس أسماعيل ، سقط مضرجا بدمائه ويداه مازالتا تلتفان حول العنق المهشم.

في اليوم التالي وقف رجل يرتدي بدلة زيتونية اللون قرب جثة اسماعيل العملاقة، قرأ ورقة طويلة تتضمن قرارا بابقاء هذه الجثة مسجاة على الارض ويمنع دفنها ، كما سيقتل كل من يقترب منها ، ليكون هذا الخائن عبرة لمن يعتبر.

حلقت كل عصافير الحي وأطياره ناثرة ورودا وأغصان ريحان فوق جثة اسماعيل ودشداشته المقلمة ، بجيوبها الممتلئة سكائرا عفرت بدماءه.
 


*
يشور:
كلمة تقال بحق الذين يعتقد ان لديهم كرامات عند الله، فيصاب بالاذى من يحاول الاساءة لهم.







 

free web counter