| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جمال الخرسان
gamalksn@hotmail.com

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

 

                                                                                 الأحد 26/2/ 2012

     

انطباعات عن "كوابيس هلسنكي"

جمال الخرسان

عن دار المدى للطباعة والنشر صدرت مؤخرا رواية للكاتب يوسف ابو الفوز تحت عنوان " كوابيس هلسنكي"، الرواية ولدت اساسا بعد ان تلقى الكاتب رسالة تهديد من بعض الجماعات الاسلامية المتطرفة على خلفية بعض كتاباته النقدية لتلك الجماعات، فجاء الرد على ذلك التهديد من خلال تلك الرواية، وبناء على قناعة ابو الفوز فإن التهديد الذي وصله ليس حدثا شخصيا بل ماهو الا نموذج لما يتعرض له العديد من المثقفين والعاملين في مجال الاعلام.

ان موضوع الرواية موضوع حيوي ومعاصر، ومثار جدل في وسائل الاعلام، فموضوع الرواية الاساسي هو صرخة وتحذير مرتفع جدا من موجات التطرف بشكل عام وخصوصا التطرف الذي تقف وراءه حركات الاسلام السياسي التي تنظر للاسلام بنظرة لا تعرف الا القصاص وليس فيها ادنى مساحة للرحمة .. ويمكن إيجاز الهدف من العمل بما جاء في الرواية على لسان احد ابطالها: "بهذه الرواية لو انجزتها كما اريد، أحاول إيصال رسالة تحذير من هذه الجماعات المتأسلمة، بكل اشكالها وانواعها". الى جنب هذا التحذير فإن الكاتب يصرّ على التفريق بين الدين الاسلامي بقراءاته المعتدلة والتي لها مريدون ودعاة كثر، وبين المتطرفين الاسلاميين الذين امتهنوا المتاجرة بالدين، وهذا ما يميّز الرواية عن موجة الاسلامفوبيا وحملة التشويه المفرطة التي تمارسها بعض وسائل الاعلام في الغرب. ان "كوابيس هلسنكي " من شاكلة تلك الاعمال الروائية التي تؤسس نوعا من المعرفة القادرة على صناعة الفعل الاجتماعي والثقافي..في اطار اثارات وتساؤلات الكاتب حول موضوع الرواية الاساسي، وفي ضمنه كذلك جملة من الموضوعات الثانوية التي تتطرق لها الرواية.

اسلوب الرواية جاء هذه المرة مختلفا عن تجربة الكاتب السابقة في رواية " تحت سماء القطب" ففي كوابيس هلسنكي اعتمد الكاتب اسلوب المشاهد السينمائية، لوحات قصيرة ومشاهد مترابطة تختلف فيها مستويات الاثارة هبوطا وارتفاعا بناءا على ما تتطلبه اجواء المشهد.

يحاول الكاتب استشراف المشاهد الدموية التي تحدث في هلسنكي، بشاعة المشهد وقسوته من خلال تناثر الجثث فيه وطغيان مشهد الدم ما هو الا مثال كما يحصل في هلسنكي يمكن ان يحصل في العديد من المدن الاوروبية الاخرى، والذي يتوقع الكاتب ان تقوم به بعض الخلايا النائمة المنحازة بشكل او بآخر لفكر القاعدة المتطرف، والتي تهدد السلم العالمي وتهدد علاقة الشرق بالغرب كما تقوم بتشويه متعمد للدين الاسلامي وإظهاره على انه دين لقص الرقاب فحسب!

الملفت ان الاستشراف الذي أتى على لسان بطل الرواية تأتّى من خلال حالة من الاضطراب النفسي التي تحصل عند شخصية البطل لتتحول شيئا فشيئا الى قوة خارقة تجعل من البطل قادر التحكم بها وتوجيهها بهدف متابعة افعال الكثير من الاشرار من خلال ما يشاهده من منامات هادفة يتحكم البطل فيها بشكل خارق. وكما تضمنت الرواية ادانة وتحذير من الاسلام السياسي وتياراته المتطرفة كذلك فإن الرواية أدانت وحذرت من صعود اليمين المتطرف في الغرب، كذلك حذرت مما تسببه السياسات الاقتصادية التي تخلق فجوة بين طبقات المجتمع، حيث ان العنف لم يكن وليدا للدوافع الدينية فقط بل هناك عوامل اخرى تقف وراء ارتفاع وتيرة العنف والاحتقان، وان الموضوعية توجب التركيز ايضا على تلك العوامل كما يحصل مع حجم التغطية الاعلامية لجرائم الاسلام السياسي! وفي هذا الاطار ينظر الكاتب لموجات الاحتجاجات التي ظهرت في بعض البلدان الاوروبية كفرنسا مثلا. وكما هي عادة الكاتب والروائي يوسف ابو الفوز فقد تركت معظم الاحداث بنهايات مفتوحة، بهدف فسح المجال امام المتلقي كي يساهم هو الآخر في تنضيج الاثارات والتساؤلات التي القى الكاتب عليها الضوء. الرواية عمل وجهد متميز لموضوع حيوي له علاقة مباشرة بالسلم الاهلي والتعايش السلمي بين المجتمعات، ولا يعاب عليها سوى بعض المبالغات التي وردت فيها والتي جعل منها الكاتب سلما للخروج ببعض النتائج كما هو الحال مثلا مع الموقف من الاصنام حيث جاء على لسان احد ابطال الرواية " ظلت الاصنام طويلا محرمة في الدين الاسلامي باعتبارها رمزا للكفر والظلال وطبعا من الكفر الشديد محاكاة الرب في الخلق وهكذا وصلت الينا مئات التماثيل مقطوعة الرأس". رغم ان العديد من التماثيل والمنحوتات تركت سليمة فلم يقطع رأس ابي الهول ولا اسد بابل ولا ملكة الحضر ولاغيرها من التماثيل.


عن صحيفة العالم البغدادية عدد الاحد 26 شباط 2012
 

free web counter