| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جمال الخرسان
gamalksn@hotmail.com

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

 

                                                                                 الأربعاء 25/1/ 2012

     

عثمانية اردوغان صفوية سليماني وقومجية جمال عبد الناصر!

جمال الخرسان

استمرارا للدور المثير للجدل لجمال عبد الناصر في الملف العراقي ارسل الاخير وفدا رفيع المستوى الى نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي ورجل الدولة الاكثر حنكة يطلب منه التخلي عن حلف بغداد والالتحاق بركب الداعمين للدور المصري في قيادة العرب، ووفقا لما نقل حنا بطاطو فإن اجابة نوري السعيد تلخصت فيما يلي:
( ان العراق حريص على استقلاله غير انه في حاجة الى صداقة تركيا خوفا على الموصل ونفطها، وعلى صداقة ايران كذلك اتقاءا لمطامعها في بعض المناطق على الحدود بين البلدين ). اجابة نوري السعيد للوفد المصري كانت تختصر تاريخا من الصراع الثماني الصفوي على العراق، وتعكس استراتيجية الباشا لتخفيف وطئة تلك التجاذبات القلقة التي تربك المشهد العراقي بشكل او بآخر، عقلانية نوري السعيد هندست حلف بغداد ودوره الاستراتيجي للحفاظ على مصالح العراق والمنطقة، كانت رؤية نوري السعيد السياسية تستشرف بوضوح مواقف على شاكلة ما جاء على لسان سليماني من وقوع العراق ولبنان تحت التاثير الايراني وكذلك ما جاء على لسان كبير العثمانيين الجدد رجب طيب اردوغان الاخيرة حول العراق والتي قال فيها امام البرلمان التركي: إن تركيا لن تقف مكتوفة الايدي لو تعرّض سنة العراق للتهميش!

كان المعسكر الغربي بعيد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة يبحث عن جبهة في الشرق الاوسط تضم اضافة للبلدان العربية ايران وتركيا وباكستان، وبعد محاولات كثيرة نجحت بريطانيا وبتشجيع امريكي من تشكيل حلف بغداد الذي لم يلد الا بجهود استثنائية قام بها نوري السعيد، حيث انه كان عرّاب ذلك الاتفاق. الحلف تشكّل على اساس الاتفاق العراقي التركي الاستراتيجي المعلن رسميا من بغداد في يوم 24 شباط عام 1955 لانه كان بمثابة النواة الحقيقية واللبنة الاولى لحلف بغداد الذي انضمّت اليه بعد ذلك رسميا كل من بريطانيا، ايران، باكستان واراد ان ينضم له آخرون.

اهمية الحلف تكمن ليس في وقوفه ضد او مع معسكر بعينه بل تكمن اهميته في تشكيل تحالف دولي يربط مفصليا العلاقات الدولية بين منطقة الشرق الاوسط وما حولها من جهة وبين الغرب من جهة اخرى بعيدا عن معادلة الصراع العربي الاسرائيلي التي طغت على معظم التكتلات في تلك الفترة.

البعض كان يعتقد بأن الحلف لم يكن بين اطراف متساوية التأثير بحكم اختلاف حجم المشاركين فيه، وهذه النظرة مبدئيا قد تكون منطقية لكنها تسري على جميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بين الكبار والصغار وخصوصا في الفترة الحالية لان الفترة السابقة باعتبارها تمثل صراعا بين قطبين ربما توفر شيئا من اللعب على تناقضات الكبار، اما اليوم وفي عالم القطب الواحد فليس ذلك في الامكان.

ان كل مناسبة يكشف فيها الاتراك و الايرانيون عن تدخلاتهم العبثية في العراق تتكشف للكثيرين عمق الرؤية السياسية التي اراد الباشا رسمها لمستقبل العراق وعلاقاته مع جيرانه الكبار، كان "الباشا" يرى في حلف بغداد محاولة لترويض النمور المفترسة التي تكشر عن انيابها كلما نظرت الى العراق، ترويض يتأتّى من خلال تبادل للمصالح وتقريب وجهات النظر والعمل كفريق واحد يرعاه كبار هذا العالم لضبط ايقاع العمل وحفظ الادوار، لكن رؤية عقلانية من هذا النوع لايستسيغها كثيرا جمال عبد الناصر، لقد طالما عارض عبد الناصر تحركات العراق السياسية واراده دائما رهنا لوجهات نظره .. ان عبد الناصر كان خصما لنوري السعيد في حلف بغداد منذ الارهاصات الاولى لتشكيل الحلف وقاد حراكا سياسيا بالتنسيق مع السعودية لاتخاذ موقف من العراق، الملفت ان عبد الناصر ذاته اصبح ايضا بعد ذلك خصما لخصوم نوري السعيد وأولهم عبد الكريم قاسم الذي قرر الانسحاب من الحلف في 24/3/1959.

انسحب العراق من حلف بغداد بقرار من عبد الكريم قاسم .. فلا رضي عنّا القوميون وكبيرهم عبد الناصر، ولا استطعنا ارساء سياسة ناضجة تتعاطى بحكمة مع المطامع التركية الايرانية في العراق! حتى انتهى بنا المطاف الى ما نحن عليه الان، فرقاء يستنكر كل منهم تدخلا من هذا الطرف ويدعو في ذات الوقت الى تدخل الطرف الاخر!
 

free web counter