| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جمال الخرسان
gamalksn@hotmail.com

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

 

                                                                                 الأثنين 23/7/ 2012

     

العلويون .. هواجس في قلب العاصفة

جمال الخرسان

حيثما يكثر الحديث عن الازمة السورية وارتداداتها السياسية في المحيط الاقليمي والدولي، يكثر الحديث بموازاة ذلك عن "العلويين" في سوريا والطائفة العلوية بشكل عام. بل حرصت بعض وسائل الاعلام على وضع الطائفة العلوية في موقف لاتحسد عليه، وتصوير الازمة السورية على انها ازمة طائفة قبل ان تكون ازمة دكتاتور. تلك المعطيات وضعت ابناء تلك الطائفة في موقف المتردد والمتوجس من التفاعل مما يحصل في سوريا بغظ النظر عن توصيفه بالثورة المسلحة او الحرب الاهلية. وكما يحاول الاكراد استثمار الازمة السورية والعراقية لتشكيل دولتهم المنشودة فإن العلويين ولو بدافع اقل يمنّون انفسهم بدولة تحفظ لهم كيانهم القلق وسط زخم سني كبير.

وما يشجع على ذلك هو انتشار العلويين في مساحات جغرافية متقاربة من بعضها، حيث يكثر تواجد العلويين في المناطق الساحلية المطلة على البحر الابيض المتوسط، هذه المناطق تشكل حاليا اشبه باقليم علوي متصل اساسا بلواء الاسكندرون. الخارطة الجغرافية للعلويين تشكل زاوية قائمة بين سوريا وتركيا ابتداءا من شمال لبنان "عكار" صعودا باتجاه شمال غرب سوريا، ثم ينحرف الاقليم يسار في جنوب شرق تركيا. ويتوزع على الجانبين قرابة الثلاثة ملايين نسمة، يسكن قرابة الثلثين منهم في الجانب السوري. وبمناسبة الحديث عن العلويين والاتراك لابدّ من التفريق بين علويي سوريا (وهم طائفة شيعية، تسمى النصيرية احيانا، تتفق مع معظم ما يذهب اليه الشيعة حول الائمة والعقيدة مع الاختلاف في بعض التفاصيل) وبين "علويي الاناضول" وهم جماعة مختلف حولها هل هي دين مختلف عن الاسلام؟ ام طريقة صوفية شيعية ام شيء آخر، انهم طرق وجماعات تختلف كل واحدة عن الاخرى لكنها تتفق مع حول اهمية اهل البيت ومحورية الامام علي في طقوسهم الدينية لدرجة المغالاة احيانا. كما ان المعروف ايضا انه في تركيا تطلق كلمة "علوي" على جميع الطوائف المسلمة غير السنية، وهؤلاء تقدر اعدادهم بحوالي عشرين مليون نسمة، من هنا عادة ما يحصل تشويش وعدم وضوح في التعاطي مع كلمة علوي خصوصا حينما يتعلق الامر بتركيا، المهم إن الامتداد الطبيعي لعلويي سوريا هي منطق لواء الاسكندرون، وليست مناطق علويي الاناضول او ما يسمون باصحاب القبعات الحمر.

لقد عانى العلويون من الاضطهاد في فترات زمنية مختلفة، وحاولت بعض دويلات المماليك ابادتهم او اجبارهم جميعا على اعتناق المذهب السني في تلك الاثناء، كما ان العثمانيين ومنذ ان سيطروا على بلاد الشام عام 1516 قتلوا الالاف منهم، لكن خبرة العلويين بالتعامل مع الظروف القاسية، وطبيعة البيئة الجغرافية التي تمركزوا فيها ساعدتهم على المناورة، والتعايش مع اقسى الظروف. تنفس العلوين الصعداء بعد الانتداب الفرنسي وحينما قسمت سوريا الى دويلات في العام 1920 كانت لهم دولة خاصة بهم الى جنب خمس دويلات اخرى هي (دولة دمشق، دولة حلب، دولة لبنان الكبير، دولة جبل الدروز، دولة لواء الاسكندرون المستقل). لكن التطورات السياسية التي حصلت في سوريا بعد ذلك اضافة الى قرارات "معاهدة لوزان الثانية" التي وقّعت في الرابع عشر من تموز 1923، جعلت من الفرنسيين والاتراك يعيدون النظر في حساباتهم مرة اخرى، فاعيد توحيد سوريا، مع استثناء لبنان، ثم تلى ذلك منح لواء الاسكندرون وهو الامتداد الطبيعي للدولة العلوية.. الى تركيا بالاتفاق مع فرنسا في الاعوام 1937- 1938. هكذا توزعت مناطق العلويين الحيوية والتجارية بين تركيا وسوريا الحديثة ودفن حلم الدولة العلوية. وفي خضم التطورات الاخيرة في سوريا، فان قلق الطائفة العلوية على مصيرها خوفا من الانتقام وتحميلها خطايا الاسد، يعيدها مرة اخرى لهاجس اقامة الدولة العلوية. رغم ان تلك الدولة تواجه بفيتو تركي صارم نظرا لما تمثله من تهديد للدولة التركية، وهذا بالطبع ما لم تفرض القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس على الاتراك معطيات اخرى وتغيّر اصول اللعبة، كما حصل في النصف الاول للقرن العشرين بين الفرنسيين والاتراك.
 

free web counter