| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جمال الخرسان
gamalksn@hotmail.com

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

 

                                                                                 الأثنين 16/1/ 2012

     

حينما تكون كرة القدم اداة للنضال السياسي

جمال الخرسان

ليس خافيا على احد ان اقليم كاتلونيا يناضل منذ عشرات السنين للانفصال عن اسبانيا بعد تاريخ طويل من الممارسات الدكتاتورية من قبل الحكام الاسبان وخصوصا الدكتاتور فرانكو. الملفت في تاريخ النضال الكاتلوني مع اسبانيا ان ابرز وسائل وآليات ذلك النضال تتأتى من خلال كرة القدم، بحيث تحولت تلك اللعبة الى سلاح استراتيجي ناجح جدا في سبيل استعادة حقوق الكاتلونيين.

هذا الاسلوب الملفت والشيّق في النضال السياسي من خلال كرة القدم والذي اثبت نجاحه الى حد كبير يستحق الوقوف عنده والعودة من خلاله الى الوراء قليلا لمعرفة الاسباب التي جعلت من كرة القدم سلاحا سياسا ناجحا لم يفقدها المتعة ولم يقضِ على جماهيريتها التي تعود بالنتيجة على اسبانيا واقليم كاتلونيا بالمال الوفير!

ان نزعة الكاتلونيين الى الانفصال تعود اسبابها الى الاحتقان السياسي المتوارث بينهم وبين حكام العاصمة الاسبانية مدريد والذي يعود الى الثلاثينات من القرن الماضي حينما قام الجنرال فرانسيسكو فرانكو بانقلاب عسكري في 18/7/1936 ضد حكم الجبهة الشعبية التي تتكون من حكم الديمقراطيين والاشتراكيين، وقد قاومت الجمهورية الإسبانية الثانية هذا الانقلاب مما ادى الى نشوب الحرب الاهلية الاسبانية التي استمرت لثلاثة اعوام ( 1936- 1939) بلغ عدد قتلاها مئات الآلاف من البشر. لقد قام الجنرال الفاشي المذكور بممارسات بشعة ضد المناهضين له في اسبانيا وخصوصا في اقليم كاتلونيا. ولان الرجل يعرف تماما سلاح كرة القدم بالنسبة للكتلونيين الذين يجيدون استخدامه بشكل ملفت للنظر، فانه قرر ان يوجه ضربة قاسية لذلك السلاح، فأمر فرانكو باغتيال جوزيب سونول رئيس نادي برشلونه وابرز المدافعين عن حقوق منطقة كاتلونيا، كما أمر فرانكو بنفي معظم لاعبي الفريق الى فرنسا والمكسيك بالإضافة إلى قصف مقر النادي بالطائرات عام 1936.

تاريخ الاضطهاد الذي تعرضت له كاتلونيا طويل جدا فالدكتاتور لم يتهاون في قمع كل من تسوّل له نفسه الدفاع عن حقوق الكاتلونيين، ولهذا اعدم اشهر شعراء كاتالونيا "لوكا الفاريس" الذي كان معارضا لحكم فرانكو وسياسته، وهذا الاخير لا يتوانى عن صب جام غضبه بين حين وآخر على كاتلونيا لانها في قناعته ليست الا "مستوطنة للمجرمين والاشرار"!

مضافا الى جميع ما تقدم فان ما ربط كرة القدم بالسياسة في كاتلونيا هو قرار سياسي اخر من فرانكو حينما منع التحدث والتعامل باللغة الكاتلونية، الاستثناء الوحيد من تلك القاعدة مكان واحد هو ملعب المدينة الشهير "الكامب نو"، مما جعل الجماهير تذهب الى هناك بجموع غفيرة ليس فقط من اجل متابعة مباريات نادي برشلونه بل من اجل الحصول على فرصة الحديث باللغة الام حفاظا على ركن مهم من اركان الهوية، في الملعب الشهير كان الكتلونيون يثرثرون كثيرا فقط حبا في اللغة قبل الحسابات الاخرى.

لذلك وغيره يعد "برشلونه" النادي رمزا للهوية الكتالونية والكفاح المتواصل للاقليم من أجل الاعتراف باستقلاله ضد الحكومة المركزية التي يمثلها ريال مدريد النادي المفضل للملوك والمقرب منهم والذي يسمى عادة بـ"النادي الملكي" وكلما انتصر نادي برشلونه شعر الكتلانيون بزهو الانتصار السياسي وثأروا من الاسبان. ذلك التاريخ السياسي المؤلم جعل من اللقاءات الكروية بين عاصمة كاتلونيا ومدريد مناسبة لفتح ملفات الماضي البغيض وهذا ما يفسر تلك اللافتة الشهيرة التي تتوسط ملعب "الكامب نو" الذي يتسع لقرابة المـائة الف متفرج كلما استضاف فريقا من العاصمة الاسبانية كتب عليها بخط عريض" كاتلونيا ليست جزءا من اسبانيا".

ولا يخفي تلك النزعة حتى مساهمة الكتلان ضمن المنتخب الاسباني في احراز كاس العالم 2010 حينما فازوا في المباراة النهائية على هولندا بهدف انييستا الكتلوني . الاقليم الكاتلوني الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ عام 1978، لا يتردد برفض طلب الاتحاد الاسباني لكرة القدم بان يستضيف ملعب نادي برشلونه مباراة ودية للفريق الاسباني مع الفرق الاخرى، وذلك من اجل احتفاظ ملعب الكامب نو بقوة تأثيره السياسي في نفوس الكاتلونيين!

الملفت ان الساسة هناك ولكي يكونوا اكثر تأثيرا فإنهم يبدأون من كرة القدم، وهذا ما ينطبق على "خوان لابورتا" الذي ما ان انتهت دورته كرئيس لمجلس إدارة نادي برشلونه حتى اسس حزبا سياسيا جديداً "التضامن الكاتالوني من أجل الاستقلال" يهدف الى انفصال اقليم كاتلونيا. هكذا هم الكتلان يبحثون عن دولتهم من خلال تلك الساحرة المستديرة.

 

free web counter