| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جمال الخرسان
gamalksn@hotmail.com

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

 

                                                                الأربعاء 15/5/ 2013

     

عبث الشركات في المناطق الاثارية

جمال الخرسان  

بعد تاريخ من الحرمان والماساة الطويلة تندّر الزمان اخيرا بلحظة كرم حاتمية ليهب سكان الاهوار مجمعا سكنيا يضم ثلاثة آلاف وحدة سكنية في ضواحي "ناحية الخير" التي تبعد قرابة الخمسين كم جنوب غرب مركز محافظة ميسان، الاموال خصصت لذلك المشروع من ميزانية انعاش الاهوار في اطار ما يسمى "مشروع الإسكان الريفي" الذي يهدف لبناء قرابة الخمسة الاف وحدة سكنية والواقع تحت اشراف وزارة الدولة لشؤون الاهوار، رئاسة الوزراء ووزارة الإعمار والإسكان.

تل الدوار في ميسان الذي عبثت شركة طلعت حسام الدين به

وبعد سنوات من الانتظار والاحلام الوردية انتهى المطاف بذلك المشروع الى مجرد هياكل من الاسمنت تركت في العراء برفقة مجموعة من العمال السريلانكيين، الذين وجدوا مصيرهم مجهولا ايضا كما هو حال المشروع، فقرروا الانتحار بشكل جماعي لولا تدخل سكان المنطقة ودخول الحكومة المحلية على الخط، حيث تم ايصالهم الى السفارة السريلانكية في بغداد.

منذ العام 2008 والتصريحات التي تتعلق بالمشروع تتوالى تباعا بأن وزارة الدولة لشؤون الاهوار قد اتفقت مع شركات اجنبية من اجل تنفيذ المشروع، مرة بشروا بشركة سويسرية، ومرة قالوا: تمت احالة المشروع الى شركة المانية، ثم اعلن بأن شركة كورية تقوم بتنفيذ المشروع، ولكن وبعد ان انجلت الغبرة تبيّن ان الشركة المنفذة هي "شركة طلعت حسام الدين" التي لم تعمل سابقا في تلك المناطق بل وتثار أساسا حولها الكثير من الشبهات.

ولأن الجهات المحلية وفقا لما تدّعي لا تستطيع محاسبة الشركة المنفذة باعتبار ان التعاقد كان مع الحكومة المركزية، من هنا فان الموضوع برمته على الارجح اوكل الى ذمة التاريخ. فالجهات المعنية بالمشروع اكتفت بسحب تنفيذ المشروع من شركة طلعت حسام الدين التي اختفت اصلا من تلك المنطقة وبشكل مفاجيء، مع تشكيل لجنة لجرد موجودات الشركة وتثبيت نسبة انجاز المشروع!

المأساة لم تقف عند هذا الحد، بل اضافة الى ذلك فإن الشركة المنفذة قامت بتخريب "تل الدوار" الاثري الذي يعود للحقبة السومرية والقريب من مقر الشركة، باستخدام الحفارات الهيدروليكية من اجل الحصول على التراب المستخرج لاستخدامه في العمل، وهذا بحد ذاته سبب منطقي لمحاسبة الشركة على ذلك العبث المتعمد في منطقة آثارية، هذا فضلا عن كلام يثار من قبل السكان القريبين من مقر تلك الشركة والتل الاثري اكدوا لي شخصيا بأن الشركة قامت بسرقة بعض اللقى الاثارية، حيث وضعت في صناديق خشبية ونقلت لمكان مجهول. لقد شاهدت المنطقة وقد تحولت الى بركة من المياه. فالشركة كانت تعبث بكل شيء وبلا مبالاة مفرطة دون حسيب او رقيب.

المؤسف ان معظم المواقع الاثارية لاتزال عرضة للعبث، فالجهات المحلية والمركزية المختصة بالاثار تشكو في مناسبات كثيرة من قلة الكوادر الامنية التي تتكفل بحراسة تلك الاماكن، وكذلك قلة الامكانيات والاليات اللازمة لتلك الاغراض بل ان بعض المواقع الاثارية تتعرض للتخريب حتى من قبل المواشي والدواب، هذا ناهيك عن تعرض بعضها الى تجاوز من قبل القوات العسكرية وشركات الطرق والجسور.

بهذه الفوضى غير الخلاقة تكون قد انتهت لعبة الاعمار هناك، جعجعة الوزارات لم تسفر عن شيء لسكان الاهوار، ومضافا لمخلفات العمل غير المكتمل فقد تعرّض تراث تلك المنطقة ايضا الى التخريب والضياع. كل ذلك عدا ما كانت تقوم به الشركات الهندسية في زمن النظام السابق من عبث بتلك المناطق حينما كانت تشق الطرق العسكرية هناك وتنشيء بعض السدود. وخصوصا بالنسبة لإشان "الهفة" جنوب ناحية السلام فهو مدينة عباسية تعرّضت للعبث حينما احتاج الجهد الهندسي لمزيد من التراب.
 

free web counter