| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جمال الخرسان

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

 

                                                                                 السبت 14/1/ 2012

     

تونس «المحظوظة» بصحافة تتجاهلها

جمال الخرسان
gamalksn@hotmail.com

من سوء حظ التجربة التونسية أو ربما من حسن حظها أنها بقيت بعيدة عن أضواء الإعلام، رغم كونها حازت على قصب السبق فيما يتعلق بانطلاقة الربيع العربي! فالجميع يعلم أن عربة البوعزيزي دارت عجلاتها في سيدي بوزيد ومع دوران تلك العجلات اختل كثير من موازين القوى في الشرق الأوسط!

بخلاف الحال في تونس فهناك بلدان لكثرة ما ورد من مدنها وشوارعها وأسماء أحزابها وتجمعاتها أصبحنا نحفظ كل شيء فيها عن ظهر قلب، لا بل حتى مفردات لهجاتها الشعبية يتم تداولها بين العامة والخاصة! وذلك لأنها أشبعت مراجعة وتغطية في وسائل الإعلام، أما تونس فالوضع فيها مختلف كثيرا، الثورة التونسية حرمت من التغطية الإعلامية منذ أيامها الاولى إلا ما يجود به الفيسبوك واليوتيوب، وبعد السماح لوسائل الإعلام بتغطية الاحتجاجات بيوم واحد انتهى المطاف بزين العابدين بن علي إلى مدينة جدة، وفيما كان التونسيون وغيرهم على وشك استيعاب التحول الجديد الحاصل دخلت الثورة المصرية على الخط فسحبت إليها جميع وسائل الإعلام، وهكذا تفاعلت الثورات في بلدان أخرى حتى غابت تونس تماما عن المشهد الاعلامي!

قبل الثورة أيضا كانت تونس ولعقود طويلة بعيدة عن الاضواء بسبب القبضة الحديدية لمن يحكم فيها، هذا الاخير أكثر ما يزعجه مشاكسات السلطة الرابعة، لذلك فمن النادر جدا ان نسمع في نشرات الاخبار خبرا عما يدور في تونس لا تكاد تسمع عن تونس ما يسر عدوا ولا صديق!

بعد عشرة اشهر على سقوط بن علي عادت اصداء التجربة التونسية للظهور في وسائل الاعلام وذلك من خلال تنظيم انتخابات ( المجلس الوطني التأسيسي ). تلك التجربة هي الثانية من نوعها في تونس طيلة تاريخها الحديث، حيث تأسس المجلس الاول في آذار عام 1956 بعيد الاستقلال، وبعد اكثر من نصف قرن من الزمن اعيدت التجربة مرة اخرى من خلال انتخاب 217 نائبا بالاقتراع المباشر من قبل الشعب، وذلك من اجل كتابة دستور الدولة الجديد وتحديد هوية الجمهورية التونسية الجديدة، على امل ان تتلافى هذه التجربة ما ارتكب من خطايا سابقة! وها هي اليوم وبثقة عالية تطل برأسها الى وسائل الاعلام بعد مرور عام على هروب بن علي.

التجربة التونسية بدت حتى الان اكثر نضجا من التجارب العربية الاخرى التي شملها الربيع العربي، وبدت اكثر تماسكا واستقرارا من شقيقاتها الاخرى، ذلك الاستقرار هل يعود يا ترى الى الانسجام في النسيج الاجتماعي للشعب التونسي ؟ أم هل يعود ذلك لوجود احزاب مدنية عريقة واتحادات عمالية ناشطة جدا ؟ هل لانها من اقل البلدان العربية من حيث عدد البلدان المجاورة ؟ هل لان نسبة التعليم عالية هناك مما تسبب في تراجع ملفت للعرف القبلي والتطرف الديني ؟ وهذه بالمناسبة احدى محاسن الحبيب بورقيبه. هل لأن تونس ليس فيها تنوع طائفي وعرقي؟! فالتنوع اصبح وبالا وطامة كبرى في المنطقة العربية والشرق الاوسط عموما، رغم أن مبدأ التنوع العرقي الطائفي بحد ذاته يفترض ان يمثّل غنى ورصيد يضاف للبلد الذي يتوفر فيه.

هذه وغيرها ربما تجعل من التجربة التونسية مهيأة اكثر من البلدان العربية الاخرى التي شهدت تحولات سياسية مشابهة.. لذلك لابد من قراءة التجربة التونسية بهدوء فهي تجربة ملفتة للنظر حتى هذه اللحظة، ما لم يحدث تحوّل مفاجيء خصوصا مع صعود القوى الاسلامية التي تمثل تحدي جديد للتجربة التونسية الفتيّة التي لازالت في بداية الطريق.
 

free web counter