| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جمال الخرسان

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

 

                                                                                 الثلاثاء 10/1/ 2012

     

دكتاتورية " التوافق "!!

جمال الخرسان
gamalksn@hotmail.com

طيلة السنوات الماضية والعملية السياسية في العراق تعاني ازمة تلو الاخرى، ومن يتحمل مسؤولية تلك الازمات قبل الجميع هي القوى السياسية العراقية مجتمعة، فهذه الاخيرة اختارت للعراق نظاما ديمقراطيا عقيما غير منتج للديمقراطية رغم اشتماله على الجوانب الايجابية المهمة جدا.

هوس الساسة العراقيين بمبدأ "التوافق" ظنا منهم بانه طوق النجاة من الازمات المتراكمة وضعهم في نهاية المطاف بزاوية لا يحسدون عليها! التوافق انتج داء "المحاصصة"، فلكي يقبل الجميع بأيّ صفقة لابد ان يحصل الجميع على حصتهم من الكعكة، مشت الامور على هذا المنوال حتى وصلت الى ما نحن عليه، سلة من الازمات المتراكمة ليس لها حل.

التوافق قيل انه اجماع القوى السياسية على جميع القرارات المهمة، وهذا ما غيّب دور المعارضة في مجمل المشهد السياسي العراقي، اجماع يرث اجماع حتى ذابت مفاهيم الاغبية والاقلية واصبح بعضهم علنا يتحدث اليوم عن استحالة وجود اغلبية سياسية في العراق ولذلك لابد من تكريس الاجماع، مما يعني بالضرورة تحوّل المكونات السياسية اقلية كانت ام اغلبية تحولها جميعا الى اكثرية! اول ضحايا ذلك المبدأ هو "منصب رئيس الوزراء" اذ تحوّل هذا المنصب الى مجرد مقعد وزاري في مجلس الوزراء لا يستطيع كل من يتبوأه اتخاذ ايّ قرار الا باجماع زعماء الكتل السياسية، وهنا نكون امام اشكالية اخرى اكثر اهمية مما سبق وهي غياب الفصل المفترض بين السلطات كما يتطلبه النظام الديمقراطي. ولهذا فإن جزءا من مهام السلطة التنفيذية مرتبط بموافقات زعماء الكتل السياسية وقياداتها، بمعنى ان النظام السياسي الذي يدار به العراق حاليا يلزم رئيس الوزراء عدم اتخاذ اي قرار الا بضوء اخضر من الكتل السياسية المنظوية تحت قبة البرلمان! لذلك فإن منصب رئيس الوزراء اصبح منصبا ثانويا يغيّب الاستحقاق الانتخابي بسبب التوافق، بل ويعطل ربما حتى دور البرلمان حينما يختزل هذا الاخير فقط في اجتماعات رؤساء الكتل الذين عادة ما يعطون الضوء الاخضر لمعظم التصويتات على القوانين المقترحة، والاستثناء الوحيد من قاعدة " التوافق " هو بعض القرارات المتعلقة بالشأن الامني التي اتخذت من قبل نوري المالكي في مناسبات مختلفة كما هو الحال مع ما حصل عام 2008 وكذلك ما يحصل حاليا.

انطلاقا من ذلك فمن الصعب جدا تصديق صيحات وشكاوى خصوم المالكي التي تفيد بأن الاخير متفرّد جدا في اتخاذ القرار، ويمارس الدكتاتورية بحق الاخرين! وذلك لان الامور تدار بـ"التوافق" وهو احد المسببات الرئيسية لهذا الانسداد السياسي. نعم للمالكي اخطاء ليست قليلة لكن ليس من بينها الانفراد بالقرار فهذه قصة مثيرة للاشفاق.
يتحدث البعض عن نزعات المالكي الانفرادية فيما يتعلق باتخاذ القرارات، وهذه النزعات لا ينفرد بها المالكي فقط فكلهم اصحاب نزعات انفرادية والموضوعية تتطلب توزيع النقد لهم جميعا كما هو الحال مع الديمقراطية التوافقية. كل هؤلاء ديكتاتوريات صغيرة فلماذا يستهدف المالكي فقط، فهو مثلهم من حقه ان يدافع عن صلاحيات منصبه الضائعة هدرا على سبيل التوافق .. هذه من التحديات التي يفترض ان يتكفل بها المؤتمر الوطني المقبل ان كان فعلا بمستوى الطموح.

خصوم المالكي لا يريدون له ان يتصرف كرئيس للوزراء فهذا يستفزهم في معظم الاحيان! وفي ذات السياق ايضا وبحجة غياب الاغلبية السياسية في العراق وان الاغلبية الحالية هي اغلبية طائفية او عرقية لذلك يذهب البعض لضرورة الالتزام بالديمقراطية التوافقية، خوفا من غطرسة الاكثرية! وهذه الفكرة ان صحت فهي تعني بالضرورة تحوّل الاقلية العرقية او الطائفية الى اكثرية متغطرسة تتحكم بشؤون الاغلبية! بمعنى تمدد الاقلية وتضخمها للتصرف لصالح طائفتها وعرقها بدرجة اكبر من حجمها، وهنا مرة اخرى نعود للدوران في دائرة مفرغة بسبب الديمقراطية التوافقية.
 

free web counter