| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

د. جبار يـاسر الحيدر
j_alhaider@yahoo.ca

 

 

الخميس 4/11/ 2010

 

أحداث واقعية لها دلالات !!؟
حصلت في 14 نيسان 1966 يوم مصرع المقبورعبد السلام عارف

د. جبار ياسر الحيدر

الحادثة الاولى
من نضالات المرأة العراقية وتضحياتها
في اوائل نيسان 1966 وفي مساء ذلك اليوم اخبرني سكرتير عيادتي في مدينة العمارة / شارع بغداد بان هنالك في غرفة الانتظارامرأة في مقتبل العمر اسمها "سميرة " بنت المصور مزعل .. قال السيد مزعل الذي يعرفه كل اهالي العمارة ولديها محل للتصوير في شارع بغداد ايضا ... قلت له لا اعرفهم كوني حديث العمل في المدينة .. ما بها ؟ قال انها منهكة وفي وضع صحي سيئ .. من معها ؟ قال معها بعض افراد عائلتها وصديقنا فلان، قلت ادخلوها للفحص .. وبعد السلام والتحية بدأت بفحصها وكانت متعبة وعليها علامات الشحوب والاعياء الشديد ولكنها وبمكابرة تحاول اخفاء آلامها وبمعنويات عالية ... اتضح انها تعاني ومنذ مدة طويلة من آلام قرحة الاثني عشر ومنذ يومين وهي تعاني من تقيؤ دموي .. فاتصلت بالاسعاف لنقلها الى المستشفى الجمهوري ، وقد اتصلت بالطبيب المقيم في المستشفى وطلبت منه ادخالها وتحضير الدم الملائم والمباشرة بالعلاج الفوري .

اغلقت عيادتي مبكرا وتبعتها للمستشفى ووجدت كل شئ على ما يرام وتركتها بعد الاطمئنان عليها .. وعند زيارتي للمرضى في صباح اليوم التالي وجدتها محاطة برجال الامن مقيدة بقيود حديدية مربوطة بسلاسل الى سريرها والدم لازال معلقا الى جانب السرير، ففوجئت واذهلت وقلت ماذا يجري !؟ قالوا لي دكتورهذه شيوعية خطرة وكانت تحت المراقبة وهي ليست مريضة ولكنها متمارضة .. فحاولت ان اتملك اعصابي وقلت لهم بهدوء يجب ان تفكوا قيودها وتبتعدون منها لانني اريد ان افحصها للتأكد من حالتها العامة بعد العلاج ، فرفضوا فتح قيودها ولكنهم ابتعدوا قليلا .. وبعد ان تأكدت انها في تحسن ... ترجتني بان لا اصطدم بهؤلاء الاوباش .. تركتها بعد ان اعطيت التعليمات الاخرى الى الطبيب المقيم وذهبت مسرعا الى رئيس الصحة الدكتور محمد علي حسين ومعاونه الدكتوراديب توفيق الفكيكي وقلت لهما عما جرى وهو لا يجوز علميا وانسانيا .. فقالا لي دكتور اهدأ نحن نعلم بالذي جرى وليس باليد حيلة ! وقد طلبك مدير امن العمارة في دائرته ويجب ان تذهب اليه الان .. تركت المستشفى وذهبت الى اخي العزيز جاسب زامل أبو سعد وذهبنا سوية الى مديرية أمن العمارة لانه صديق مدير الامن آنذاك (1) سيد عامر من اهالي القرنة .. فاستقبلنا في دائرته وفاجئني بسؤاله .. دكتور هاي شمسوي انت !؟ تره احنه نعرفك ونعرف ماضييك ونعرف عائلتك ولو مو لخاطر ابو سعد جان ذبيناك جوه ؟ قلت لماذا؟ قال انت تعرف ان سميرة مزعل اعادت تنظيم الشيوعيين في العمارة ونحن بصدد مراقبتها ومطاردتها لاعتقالها وقد تصنعت المرض وتعاونت انت معها وادخلتها المستشفى لتخليصها من الاعتقال !! فضحكت وقلت له انها مريضة وقد فقدت نصف دمها من قرحة الاثني عشر النازفة خلال 24 ساعة الماضية ولولا معالجتها الفورية واعطائها الدم لفارقت الحياة خلال ساعات وهذا من واجبي الانساني وانا لا اعرفها ابدا وانا حديث العمل في المدينة ..وعلى كل هي الان في قبضتكم والشئ الوحيد الذي اريده منك ان تفك قيودها الحديدية من السرير لتكمل العلاج وبعد شفائها انتم احرار معها وبامكانها ان تدافع عن نفسها فاجابني بانه سيفتح قيودها ولكنه سيضع عيادتي تحت المراقبة من الان فصاعدا لانه حسب ادعائه يعرف جيدا من هم المراجعين للعيادة ومن هو الذي يرسلهم ؟ فقلت له انا موافق على شرط ان تفكوا قيود المريضة وهي تحت العلاج ، وعندها ادركت بانني ساكون بين فكي المطرقة والسندان وعلي ان اكون حذرا ورجعت الى المستشفى فوجدت رجال الامن قد فكوا قيود سميرة مزعل ولكنها تحت حراستهم وبعد ايام قلائل قد قاربت للشفاء ... فوجئ الجميع بعد ظهر يوم 14/4/1966 بمصرع الرئيس العراقي (2) عبد السلام عارف في حادثة سقوط طائرته في منطقة النشوة / القرنة / البصرة وما ان سمعت سميرة هذا الخبر وبفرح هستيري خرجت الى الشرفة المطلة على باحة المستشفى تزغرد وتهلهل وتصيح بصوت عالي .. جلاب النشوة تعشت بيه اسمع ياكريم ... صعد لحم ونزل فحم !!؟ واذا بمفرزة من الشرطة ورجال الامن قد وصلوا الى المستشفى وقيدوها واخذوها الى المعتقل بدون استئذان الاطباء او ادارة المستشفى .. وانقطعت اخبارها عني الى حين سفري خارج العراق للدراسة والاختصاص وحتى هذا الحين !!!؟
أما انا والى حين مغادرتي العمارة وسفري خارج العراق كنت اشعر بانني تحت المراقبة والمضايقة والاستفزاز المستمر وكذلك عيادتي من قبل احد رجال الامن بدوامه المنتظم يجلس على كرسي ( ياخذه من العيادة ) قبالة العيادة يبدأ دوامه وينتهي مع دوام العيادة .. وكنت انصح اخي العزيز المضمد في العيادة شاكرغليم جاري ابو محمود بأن لا يبخل على المسكين حارس الامن بالشاي والماء البارد !!؟؟

(1)
سيد عامر مدير امن العمارة
سمعت فيما بعد وحينما كنت في المملكة المتحدة في بداية السبعينات قد القي القبض عليه ضمن الخلايا الماسونية وبتهمة التجسس لاسرائيل واودع في السجن المؤبد واطلق سراحه بعد سنوات
(2) عن مصرع الرئيس المقبورعبد السلام عارف تقول ابنته وفاء عبد السلام عارف (ويكيبيديا) ان والدها قتل بحادث طائرة مدبر، وان جهات محلية واقليمية ودولية تقف وراء ما أسمته عملية الاغتيال

الحادثة الثانية
بعد ايام زارني احد الاصدقاء من البصرة فاخبرته بما جرى لبنت العمارة المناضلة البطلة سميرة مزعل فتألم جدا .. واخبرني بقصة اخرى كان قد عايشها في البصرة يوم مصرع المقبور عبد السلام عارف ... هنالك احد المعلمين القدامى من اهل التنومة وهو من عائلة تحتل موقعا اجتماعيا مرموقا ومعروفة في مواقفها الوطنية التقدمية .. كان رجلا مثقفا مرحا ومحبوبا من قبل معارفه واصدقائه ... ولكن حظه العاثر جعله ضمن قائمة جاهزة لدى رجال الامن لاعتقالهم في الازمات والمناسبات الوطنية منذ ايام العهد الملكي وحتى ذلك الحين هو والمجموعة معه روادا للمعتقلات ... علم ان عبد السلام عارف سيزور البصرة قريبا في جولته لمناطق ومدن الجنوب وآخرها للبصرة وسيقام له احتفال واستقبال جماهيري في منطقة التنومة .. ولكن هذا المسكين كان يخشى اعتقاله كالعادة بهذه المناسبة .. فذهب هو واحد معارفه المتنفذين الى مدير شرطة التنومة وقال له سيدي آني ابتليت على عمري لان كل ما تصير مناسبة او ازمة تقومون بحملة اعتقالات انا من ضمنها .. فجئتك لتنصحني كيف اخلص من هاي الورطة وآني ما عندي شئ وغير مرتبط باي تنظيم ممنوع ؟ فقال له مدير الشرطة .. اذا تريد نصيحتي فالرئيس عبد السلام عارف سوف يزور البصرة بعد جولته في العمارة ومناطق الاهوار وتجري الاستعدادات لاستقباله جماهيريا في التنومة وحتى تزيل هذي الصبغة عنك وتخلص اجلب لك خروف وانحره تحت اقدام الرئيس حتى رجال الامن يكفون عن مضايقتك واعتقالك .. فقال له اذا القضية تفض بخروف فانا سوف اجلب بعير .. وفعلا في اليوم الثاني بدأت الاستعدادات لتهيئة مكان الاحتفال الترحيبي بالرئيس وجاء صاحبنا بيده حبل يجر به فلو بعير وربطه على جذع نخلة امام مرأى جميع الناس ومعظمهم علموا ان فلان سينحر البعير تحت اقدام الرئيس .. واذا بخبر الفاجعة المفاجئ !! بمصرع الرئيس بينما كان الجميع بالانتظار فاصابهم الذهول من هول المصيبة وانطلقت مختلف المشاعر بين حزين ومبتهج .. ولكن صاحبنا لم يخف ابتهاجه بهذا الموضوع فذهب الى البعير ومن حوله جمهرة من الناس وانشد قصيدته الطويلة وهو يناجي البعير وكان آخر بيت فيها  :

يا بعير .. يا بعير .. راحلك فدوة المشير !!!؟

واكمل صديقي القصة حيث قال من يومها انقطعت اخبار صاحبنا المعلم ولا نعرف عنه شئ !!؟



تورونتو / كندا
25/10/2010


 

free web counter