| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

جواد وادي

Jawady49@hotmail.com

 

 

السبت 30 / 11 / 2013                                                                                

 

يقظة طهران

جواد وادي

لمرات عديدة قلناها ونظل نقولها لتكون منهاج عمل لكل السياسيين المتيقظين والذين ينتمون إلى أرض وشعب ما ويتفاخرون بارثهم، ويسعون لبناء مستقبل الأجيال، ويملكون نباهة السياسي وقراءة المتغيرات المحلية والدولية بعين الراصد الفطن، بأن السياسة ينبغي أن تقاس ببيض النمل. لخطورة المطبات التي تقود بعض الساسة الى التهور وعدم فهم ما يدور حولهم، ولا يذهبون في فهم الاوضاع أبعد من أرنبة أنوفهم وبالتالي تحصل الكوارث، كما حصل للعراق نتيجة التهور السياسي وقصر النظر وفهم المواجهات على طريقة المبارزة بالسيوف واظهار العضلات المفتولة، وبعد أن تنهكهم المواجهات الدامية يموعون كالسوائل ويذوبون في لجة المحو، والمصيبة أنهم لا يستفيدون من الدروس والعبر التي حدثت وتحدث قريبا أو بعيدا عنهم، ولا يأبهون بالنوازل التي أطاحت وتطيح بعروش كنستها رياح التغيير والفهم المغلوط لما يحدث قريبا أو بعيدا عنهم.

إن سكن هؤلاء المخبولين الطبيعي هو مارستانات المجانين، ولنا في التجربة العراقية المريرة والتي احرقت كل شئ وتجارب رعناء اخرى كتجربة القذافي والأسد وأحمدي نجاد وغيرهم، دليل غياب رجاحة العقل وفهم المنطق بشكل مغاير لما ينبغي أن يكون عليه من فطنة وحرص على مكتسبات شعوب وخيرات أمم وأمن ناس وربط راهن البلد بالتنمية وتطوير القدرات البشرية وحل المشاكل الداخلية ووضع اقتصاد البلاد على سكة آمنة للاستشراف على حياة أفضل وأن يعم الخير على الجميع، ولا نعرف لماذا هذه الغشاوة التي تحجب الحقيقة عن بصيرة هؤلاء الحكام وبالتالي يضيع كل شئ بسبب التهور والصبينة السياسية.

تنبه ساسة ايران الجدد لهذه الحقائق وفهموا اللعبة جيدا وعرفوا قدراتهم مقارنة بدول العالم المتقدم وغياب وجه المقارنة بين امكانيات بلدهم المتوجه نحو منزلق خطير لا تنفع معه ابدا البلطجة السياسية، وبين قدرة الدول الاوربية وامريكا الهائلة، وان اللعبة لا يمكن أن تدوم لان المغامرة السياسية لا تجلب الا الكوارث، سيما ان الحصار الذي اضر بالاقتصاد الايراني وسبب مشاكل داخلية كبيرة آخذ بالتعاظم إن لم يعودوا للحكمة المطلوبة وفهم ما يدور حولهم بعقلية الحريص عن استبعاد ايران عن المنزلقات الخطيرة.

فكم كان الفرق هائلا والهوة كبيرة بين احمدي نجاد وفريقه الذي كاد ان يدفع بايران الى حرب تدمر كل شئ، وبين الرئيس الجديد حسن روحاني وكابينته والقراءة الرصينة لفهم حجم المخاطر المحدقة ببلدهم وان لا خيار امامهم الا بالتقارب مع الغرب وفتح قنوات للحوار دون ان يخسروا كل شئ ويستعيدون ثقة العالم بهم.

ويقينا ان هناك دولا اقليمية أضرها كثيرا هذا التقارب وكانت تعمل في الخفاء لتأجيج الصراع بين الغرب وايران ودفع اسرائيل للقيام باعتداء عسكري وتعقيد الامور باتجاه قيام حرب اقليمية، لان أشد ما يغيض هذه الدول ان تزول الغيوم بين الغرب وايران وتعود طهران لحضيرة المجتمع الدولي، اعتقادا منها بأن بقاء ايران قوة اقليمية كبيرة وسعيها للتقارب مع دول لها مشتركات معها يقلق هذه الدول اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار الوضع الامني المتدهور في العراق وابقاء التدخل السافر لهذه الدول لاضعاف الوضع السياسي وتغذية الاحتراب الطائفي بين مكونات العراقيين مستغليين تفرغ ساسة العراق بكتلهم الحاكمة لنهب البلاد واهمال التنمية في العراق من حيث اعادة الاعمار او التنمية البشرية وهنا تكمن الطامة الكبرى حين يتحول ساسة العراق بكل مشاربهم الى اعداء لبلدهم وشعبهم بوعي منهم ام دونه لتكون الاجواء خالية لكل المخربين عراقيين كانوا ام اجانب لا هم لهم الا اشاعة الفوضى وبقاء العراق يتخبط في مشاكله وبمباركة ودعم الدول الاقليمية، ومن هنا يتبين ما لهذا التقارب الايراني الغربي من فوائد جمة كفيلة بان يعم الاستقرار في المنطقة وقد تدعوا ايران للكف عن التدخل الذي بات على المكشوف في الشان العراقي شان بقية الدول المتربصة بهذا البلد الجريح.

إن استفاقة ايران جاءت في الوقت المناسب وأبعدت شبح الحرب المخيفة عن هذا البلد والسعي لرفع العقوبات المفروضة عليه والتي اضرت كثيرا بالتنمية وحياة المواطنين الذين هم الضحايا الحقيقيون للمغامرات السياسية.

كم كنا نتلظى الما ونحن نشاهد احمدي نجاد على الفضائيات وهو يعلن عن توصل ايران لتصنيع صواريخ واسلحة فتاكة وغيرها لضرب اسرائيل في العمق وازالة هذه الدولة اللقيطة كما كان يسميها، ولا يمكن أن يبلغ به الغباء السياسي درجة أن ينسى أو يتناسى ما لهذه التصريحات من ردود أفعال خطيرة على مواقف الدول الصديقة لاسرائيل والتي كانت تعتبر مثل هذه التهديدات حتى وان كانت من باب البلطجة السياسية الجوفاء والتي لا تعدوا كونها جعجعة بلا طحين كما كان يفعل طاغية العراق المجرم لياتي نجاد ويرتكب ذات الزلة، بأنها تهديد للسلم الدولي وأمن المنطقة وينبغي اتخاذ أقصى العقوبات لايقاف مثل هذا التهور السياسي الصبياني ليمنح الغرب الفرصة للانقضاض على بلده.

ماذا كانت النتيجة بحسابات الربح والخسارة، غير تقييد الاقتصاد الايراني بسلسلة من العقوبات القاتلة وابعاد ايران من لعب اي دور في السياسة الدولية ووضعها ضمن الدول الراعية للارهاب وتجميد كل ارصدتها في المصارف والبنوك الدولية وعادت بعد يقظتها الى نقطة البداية وكانك يا بو زيد ما غزيت، علما أن توجس العالم يبقى قائما من أن ايران تهدف لكسب الوقت وربح غير محسوب النتائج، ولا أظن أن السيد حسن روحاني وفريق عمله على هذا القدر من اللا ابالية وفقدان ثقة العالم بالموقف الايراني، حيث اذا ما صدقت توقعات المتربصين بايران وارتكبوا هذا الخطا القاتل سيكون الوضع من التعقيد بحيث لا يمكن لايران ثانية أن تنهض من هذه الكبوة وهذا ما لا نتمناه، حرصا على أمن منطقة الخليج وصولا الى التوازن الاقليمي والدولي المطلوب وحفاظا على مكتسبات الشعب الايراني الطيب.

إن يقظة طهران هذه من شأنها أن تعيد ترتيب أوراق السياسة الدولية وأن تساهم بظهور ملفات كانت غائبة أو مغيبة، سعيا لحدوث شرخ دائم في المنطقة وستظهر مواقف رافضة وغير معلنة الآن لهذا التقارب الذي هو لمصلحة الجميع اقليميا ودوليا ما عدا من يسعى لبقاء التوتر قائما لانه يعتاش على بقاء الفوضى وبقاء المنطقة على كف عفريت وتمور غلى فوهة بركان دائم الغضب.

ليس لنا الا ان نبارك مثل هذا التوجه وطوبى لساسة طهران الجدد لانهم عرفوا من اين تؤكل الكتف لان السياسة هي فن الممكن وكما اسلفنا فان السياسي الجهبذ والغيور على أمن واستقرار بلده والمنطقة هو من يزن خطواته بقدر بميزان بيض النمل.

ولنرفع ايادينا تعظيم سلام لكل من يتصف بهذه الاخلاق الوطنية والانسانية ويجنب بلده وجيرانه والعالم حروبا خرقاء وكوارث ستحرقه قبل غيره،

والعبرة لمن اتعظ


* شاعر ومترجم وكاتب عراقي مقيم في المغرب




 

 

free web counter