| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

جواد وادي

Jawady49@hotmail.com

 

 

الخميس 2/9/ 2010

 

صيحة في واد

جواد وادي *

مسكين هذا العراق، بأهله ومسئوليه وكتّابه وفاعليه، رجالا ونساء وأطفالا، أصحاء ومعوقين، بمدنييه وعسكرييه، برؤسائه ومرؤوسيه، بأرضه ومائه ونخيله وسمائه المتربة دائما، بأمواله المنهوبة وانعدام ذمة أصحاب القرار فيه، بأمراضه وتخلفه وفقره وعوزه، بايشع حالات الفاقة والحرمان، بتفككه وانحداره إلى أسفل سافلين، بمستقبله الذي لا بريق أمل فيه والمرهون بشفط دهونه حتى بات أعجف من بعران إثيوبيا، بنضوبه من عناصر الحياة التي لعلها تكون أكثر انتعاشا في البحر الميت من العيش فيه، كل شئ بات فيه طافيا على السطح وممكن التحقق بيسر من الثراء وسحق آدمية ساكنيه، بمبدعيه ومفكريه الأكثر إيلاما وإحساسا بالخيبة.

لا دولة ولا سلطة ولا شعب ولا قيم ولا حضارة ولا عيش كريم ولا قانون ولا سياسة تبشر بخير حتى وان كان باهتا.
لا فن ولا ثقافة ولا عطاء ولا نتاج إنساني .....ولا...ولا.... تتعدد اللاءات وتنتفي شروط العيش حتى اقترب الوطن بقاطنيه بشرا ونباتا وماء وضرعا من الموت السريري بانتظار إطلاقة الرحمة لنرتاح من الهم اليومي ونفقد الأمل تماما، بان لنا وطنا كان اسمه العراق.

الكل يتحمل هذه النهاية الفاجعة ولا نعفي أحدا من الحساب حين كنا ممتلئين أملا بان الوطن سينهض من ركام غبار النسيان والموت والبطش والإهمال والحروب الرعناء ويضع قدمه على العتبات الأولى للبناء، وكنا نتشوق في أن نرى وطنا جديدا منعما وزاهرا بشعب ينفض عنه قهر الكوارث ليطل على الحياة من جديد كبقية أمم الأرض وسخرنا نحن الذين لا نملك غير أقلامنا وبعض ما ترسب في ذاكرتنا عن وطن مفجوع ونحن في غربتنا التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود وما زالت، كرسنا إمكاناتنا البسيطة في الإسهام بإعادة البناء وسط ما تجندت له قوى الظلام في إفشال التجربة الجديدة وسطّرنا بأوجاعنا وآهاتنا ما جادت به أقلامنا من كتابات كنا نأمل لان تسد بعضا من شقوق الوطن الهائلة وتمنع الريح الصفراء من النفاذ وإفساد الهواء الذي بدا العراقيون يستنشقونه حتى وان كان بدرجة دنيا من النقاء.

تقاطر المبعدون على الوطن أفواجا لإعادة اللحمة وتجديد صلة الرحم مع الأهل والأحبة وهم مستبشرون بان يوم الخلاص قد هل عليهم وغابت الظلمة الحالكة وكنا نحن نترقب عودتهم لنقل مشاهداتهم وارتساماتهم فكانت الطامة والإحباط العظيم حين اختلطت المشاعر بالصور القادمة من وطن خرج من لهيب الحروب ليمكث في جحيم الموت اليومي ناقلين لنا حالات عن الوطن جعلتنا نتراجع عن التفاؤل المفرط وتراجعت أفراحنا وانحسرت ومع ذلك استمرت الأقلام وفية لانتمائها لتلك الأرض المنكوبة مراهنين على أن الوضع الجديد بساسته وديمقراطيته وفسحة الحرية التي عادت سمة التعبير لناسه وإعلامه الجديد وصحفه التي فاقت المئات وانتعاش عيش أهله ونقص عديد القوات الأجنبية وامتلاك القرار السياسي من قبل أبناء البلد ومباركة الحراك السياسي صوب تنقية الأجواء وتحقيق الأهداف المبتغاة.

ألا أن الصدمة أن كل هذه الآمال باتت مجرد فقاعات سرعان ما انفجرت معلنة عن خوائها وفضح المستور وتبين للقاصي والداني أن كل شئ كان مجرد اللعب في الوقت الضائع وليغسل العراقيون أياديهم حد المرفقين وان لا يراهنوا على أي شئ ولينتظروا المصير المجهول قدرهم اللعين وكأني بهم مثلما المحكوم بالإعدام الذي ينتظر التنفيذ ولا خلاص له من حبل المشنقة.

ما الذي جعلنا نسحب البساط من تحت أرجلنا وبأنفسنا ونصل ثانية إلى مرحلة النحيب والتوجع إذن؟
إنهم هم معارضو الأمس الذين كنا نترقب أنشطتهم ونسمع أخبارهم ونتابع ملتقياتهم نستبشر بتصريحاتهم الرنانة بالوصول إلى مرحلة ما قبل الانقضاض على الحكم الفاشي وزوال نظام البعث الصدامي المتآكل.
وما أن وقع التغيير كنا نرقص جميعا فرحا على أنغام الانتصار المبين وكم أشفى غليلنا ذلك الرجل الطيب الذي كان يجلد صورة الطاغية بخفه المترب وهو يصرخ بحرقة وكنا معا نحن المكتوون بنار الديكتاتورية نهلل ونصرخ ابتهاجا بلحظة الزوال المباركة حتى انتعشت قرائحنا فكتبنا قصائد مطولة تخلد ذلك اليوم الأغر.
لكن رياحا هوجاء ولعينة جرت بما لا تشتهيه سفننا التي نخرها أخوة الأمس المظلومين كحالاتنا بل وأكثر من حين برزت قوى تحولت بقدرة خالقها من الحملان الوديعة والمتجني عليها والتي تدعي أنها ذاقت مرارات التشرد إلى عقبان جارحة ومصاصي دماء حقيقيين لا مثيل لهم حين انتزعت تلك المخلوقات أردية الوداعة وكشرت عن أنيابها وراحت تنهش لحوم العراقيين العجفاء أصلا والخارجة للتو من مسالخ البعث الشرسة.

أحزاب كان العراقيون يراهنون عليها لتكون سببا للخلاص من الجور والظلم وما ان امتلكت سلطة القرار حتى راحت تتكالب وبوحشية فاقت كل تصور في الاستحواذ على كل ما يقع تحت سطوتها وعند قدرتها وقرب نفوذها الذي تحول إلى ساحة صراع حقيقي فيما بينها وكأتها تتسابق مع الريح للسطو على ما يمكن نهبه من كعكة الوطن المنخور لكيلا يصل إليها رفاق الأمس وإخوة النضال وحاملي راية الخلاص الذي بات في المشمش.

يستكثر المراءون والمتملقون ودعاة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة وكل من يدور في فلكهم بعد ان لاحظنا مؤخرا انحياز العديد ممن كان بالأمس يرفع شعار دولة القانون وتحقيق الحريات العامة ومنح الفرص بشكل متكافئ لمن يستحقها كل هؤلاء باتوا يستكثرون علينا من رفع شعار لا لدولة إسلامية خصوصا في عراق متعدد الطوائف والملل والأديان ولا لسطوة الدين على مفاصل الحياة وتشعباتها على أن يساهموا في بناء الدولة بقيم إنسانية بعيدة عن اللطم وشق الجيوب لأجساد لا تختزن غير الجوع والفاقة وأخيرا وقع الجميع في المحظور وبات الأخوة في الدين والوطن في تناحر وصل حد النحر وسفك الدماء وكل يدعي انه صاحب الحق في حكم الوطن الذي لم يعد بمواصفات الدولة العصرية. فلماذا كل هذا التناحر والعراقيون ما زالوا يذوقون المرارات ولا سبيل من الخلاص على يد من انتخبهم وراهن على تغيير أحوالهم المزرية وانعدام كل وسائل العيش التي يحلم بها المسحوقون حيث تزداد معاناتهم يوما بعد آخر ويدب الخراب والموت والقتل اليومي دون أن يحرك من وضعوا ثقتهم فيه ما ينم عن الوفاء لما قدمه هؤلاء المنكوبون، وعوضا عن ذلك استشرى الفساد والنهب وسرقة اموال الشعب المغلوب بشكل فظ وعلى عينك يا تاجر.

كان من واجب المثقف العراقي الذي سحقته ماكنة القمع البعثي أن يكرس قلمه وفكره لدعم التجربة الجديدة فساهم الجميع بواجبهم وهم لا يملكون من أمرهم غير أدواتهم البسيطة الأمر الذي قدم العديد منهم حياتهم مشاريع ذبح إرهابي وذهب ضحية فوضى القتل اليومي المئات من خيرة مفكري العراق ورموزه الكبار من مبدعين وكتاب وصحفيين وإعلاميين وحتى الرياضيين منهم ناهيكم عن عامة الناس من الأبرياء وكان ينبغي على الساسة الجدد أن يكونوا أوفياء لهذا الدم الطاهر المراق يوميا لانتشال العباد البلاد من كوارث باتت طقوسا يومية. فماذا كان رد السياسيين بأحزابهم وكتلهم ومنتسبيهم ومن يلحس في طبق المحاصصة وشرورها؟

الجميع أداروا ظهورهم للمشهد المأساوي وكأن ما يقع ليس على مقربة منهم ولا يعنيهم بشئ، ولم ينفكوا عن الدفاع عن مصالحهم وبطريقة تنم على الاستخفاف بالضحايا وبات همهم الأساس الكرسي والإمساك بالسلطة والدفاع عن مكتسباتهم وتوزيع الامتيازات على المقربين منهم ومن يدفع بهم إلى خراب العراق.

وصلنا نحن المحاصرون والمهمشون مرحلة اليأس وأخذ الحماس الذي كان كالمرجل ليبرد وهيجه بسبب الإخفاقات المخيبة للآمال وانسداد كل طرق التخاطب وكأننا نصرخ ونستعطف بأصواتنا التي بحت في واد لا حدود لأبعاده المترامية وفشلت كل المحاولات التي كنا نامل لان تعيد السياسيين إلى جادة الصواب وتنقذ ما تبقى من العراق بعد ان بلغ الإحباط حدوده القصوى وبات الاحتقان الشعبي سمة الشارع العراقي واستمر تردي الأوضاع ليزيد الطين بلة واخذ الفساد يستشري بمديات لا يمكن تصورها وبمباركة السياسيين الجدد وفسدت كل الآمال التي راهن الناس عليها بالتغيير والخروج من النفق المظلم.

وهنا أضم صوتي لمن سبقني من الكتاب الأحرار بان المد بات مخيفا والغليان بلغ ذروته ولا تستهينوا بالناس المسحوقة يوم الانفجار العظيم يوم لا ينفع كرسي ولا سلطة ولا أجهزة امن ولا مصفقون بالباطل ولا كتل ولا أحزاب لان الجميع سيكون في صف البركان الذي ستكون فورته لا حدود لها ولا من يعيقها.

فهل من رادع عن الغي؟؟؟

 


* شاعر ومترجم وكاتب عراقي مقيم في المغرب




 

 

free web counter