| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

جواد وادي

Jawady49@hotmail.com

 

 

الثلاثاء 27/9/ 2011                                                                                

 

آخر هذيانات سعدي يوسف

جواد وادي *

يبدو أن الحملة الإيمانية التي ما فتئ الشاعر سعدي يوسف ينادي بها ويحمل أوزارها وكأني به قد نذر قلمه وكل ماضيه وحاضره لتطّييب خاطر المناوئين للإحتلال من بعثيين وحملة أقلام مرائية ليتسّيد الحالة ويجند نفسه مدافعا عن العراق المحتل لا من قبل جيوش الحلفاء بل حتى من أبنائه، وتحديدا من رفاق الأمس من مناضلين لا يختلف إثنان من العراقيين على وطنيتهم وحرصهم على وحدة العراق والحفاظ على استقلاله وكرامته. وبغض النظر عن الملاحظات، وهي ظاهرة صحية تلك التي رافقت بداية التغيير والمزالق التي وقعت فيها العديد من الكتل السياسية وما نتج عنها من ظهور نظام هجين حمل مسميات عدة منها حكومة مشاركة وحكومة وحدة وطنية ونظام وطني وغيرها من التوصيفات، وهو لا يعدو كونه نظام محاصصة وتكريس حضور للطائفة المقيتة وتغليب العشيرة والانتماء القومي الضيق والمناطقية بشرورها وذانيتها، مما أدى إلى تفكيك العملية السياسية العليلة أصلا وما رافقها من مثالب خطيرة توجت بتكريس الفساد وعمليات النهب وسرقة المال العام وغياب الخدمات الأساسية وسواها من الملفات الخطيرة. وهذا الأمر يتفق عليه الجميع حتى من أقطاب الحكم. ونريد من الشاعر سعدي يوسف أن يعلم، أننا غير راضين بالمطلق عما يحدث من تجاوزات وتسيب سياسي واقتصادي وخدمي خطير، ونأمل أن يتغير الوضع السياسي للأحسن بعد أن خبر العراقي الخطأ الفادح الذي وقع فيه باختياره لأناس لا يستحقون أبدا حكم العراق لأنهم وببساطة لا يحتكمون على أدنى معايير المصداقية لخدمة الناس وقيادة البلد لتحقيق ما راهن عليه العراقيون من تغيير جذري في حياتهم والاستشراف على واقع كله أمل وحياة كريمة، لكن دار لقمان ظلت على حالها، هذا أمر لا خلاف عليه يستدعي الوقوف بحزم ضد الناهبين للمال العام والوقوف بقوة وبطرق قانونية لإيقاف هذا التسيب المخيف.

أما القضية الكبرى التي عادت قميص عثمان من حيث تبنيها من أناس كانوا بالأمس القريب من المتزلفين لأمريكا ولا يترددون بالتقرب منها بكل الوسائل للحفاظ على السلطة لتبقى الشعارات الوطنية والقومية مجرد استهلاك لذر الرماد، من شأنه أن يجمّل تلك الوجوه الكالحة. واليوم وبعد سقوط الصنم تحول المنهزمون من قتلة وفاشست وعشاق للموت المجاني للأبرياء من العراقيين، إلى وطنيين وأعداء لقوى الاحتلال ووطنيين (للكشر)، تبنوا بمباركة الطارئين أيا كان وضعهم شعار المقاومة وطرد المحتل ومن جاء معهم من الساسة والمثقفين والمشردين والمهجرين ومن كان طريدة لصدام المقبور وأزلامه القتلة ومنحوهم المباركة لنحر العراقيين، ولعل الشعب العراقي كله ينبغي رميه خارج الحدود بنظرهم لأنه إما راض أو يغلف موقفه الصمت أو مغلوب على أمره أو منتفع أو خانع، بقبول الاحتلال، فهل يشرفني أنا العراقي ممن لا غبار عليه من حيث نقائه ووطنيته وصدق نواياه بعد عانيت من التهجير طيلة الثلاثة والنصف، أن أكون إلى جانب تلك العينات الكريهة، وسعدي يوسف يعرف قبل غيره، أنه بموقفه هذا إنما يعزف ذات النشيد الماسخ لقوى القتل من رواد المقابر الجماعية وظلاميي القاعدة المتخلفين؟

أي رابط أو وشيجة تدعو الشاعر سعدي يوسف أن ينسف تأريخه برمته منذ أن خبر الحياة السياسية بأبجدياتها الأولى وأنخرط في العمل السياسي منذ بداية الخمسينيات وهو يحتكم على إرث غني لم نكن نتوقع أن يغرقه بوحل الشعارات الرثة حين يشن هجمة شرسة وغير مسبوقة على أنبل وأشرف وأنقى فصيل سياسي في العراق.

إن الشاعر سعدي يوسف يعرف مثلما كل العراقيين، أن الحزب الشيوعي العراقي كان وما زال بيت كل الشرفاء والوطنيين الأحرار من العراقيين حتى وإن اختلفوا معه فكريا، لأنه ببساطة شديدة كان وما زال وسيبقى ملاذ المسحوقين والفقراء وكل الشرائح العراقية التي نالها الضيم طيلة عقود المحن العراقية وما تهاون هذا الحزب يوما ولا ساوم ولا توقف عن تقديم القرابين لا بنوايا مصلحية ضيقة، كما يصفها سعدي، بل بقوة تمسكه بالمبادئ الوطنية بشكيمة أذهلت الأصدقاء والأعداء على السواء، وما زال راسخا في الأرض العراقية وفي الوجدان الشعبي مهما بلغت الهزّات التي مرت وتمر عليه وعلى العراق، وإلا ما سبب بقائه بهذا الشموخ المذهل الذي لا يحتاج أبدا كلمات شكر أو ثناء لأنه وببساطة شديدة ينطلق من إيمان راسخ بالعمل النضالي الأصيل.

مهما بلغت بنا التقاطعات مع الحزب من حيث الأخطاء التي باتت سمة معتادة، لا يمكن أن نبخسه تأريخه وتضحياته والآف الضحايا الذين عمّدوا العمل السياسي في العراق بدمائهم الزكية وأسّسوا للقيم ألنبيلة.
تلك التضحيات التي مهدّت لخلاص العراق من حكم الطاغية. أما ما يحدث من مزالق في الوضع في العراق فليس للاحتلال شان فيه، وليكن في معلوم الشاعر سعدي يوسف أننا ما استسغنا يوما لا القوى الأجنبية ولا الساسة الجدد ولدينا كم هائل من الملاحظات عن أداء هذه النخب الغريبة.

إن وصول مخلوقات غريبة لا نعرف من أين أتت لتحتكر سلطة القرار وتستولي على كل شئ وتترك العراق للخراب اليقين ونهبا للفوضى التي ضربت بأطنابها كل مفاصل الحياة العراقية، بعد أن أستمالت هذه الكتل المحرومين والجهلة باسم الدين فوقع الفأس في الرأس، وكانت الكارثة.

كل هذا التراجع مهما كانت أسبابه لا ينبغي أن تدفع بالشاعر سعدي بأن يوصف الحزب الشيوعي ب (المستنقع) وكل من يدور في فلكه هم عملاء للاحتلال ويعرّج على فخري كريم الذي يصفه ب(القوميسار الثقافي للاحتلال) ليصل الى (الفاشوشيون) من أمثال المفكر منعم الأعسم والكاتب رضا الضاهر
كل هؤلاء وغيرهم في نظره السديد عملاء للاحتلال البغيض، وبالطبع هناك الآلاف من مبدعي العراق ومثقفيه يصنفون في ذات الخانة بنظره ونظر من على شاكلته.

حتى الشهيد هادي المهدي لم يسلم من حمم سعدي يوسف الحاقدة وحنقه غير المبرر، فبدلا من أن يلوذ بالصمت إكراما لغيابه وفقده، يصب جام غضبه عليه وهو في قبره، وكأني به يريد أن يصفي حسابات قديمة لا نعرف تفاصيلها مع الراحل ولا حتى أسبابها، حيث يوصمه بأنه ( ظل أمينا حد اللعنة إلى الأطروحة العار إياها) تلك الأطروحة التي يصفها(نحن- أعني العراقيين- في دولة ديمقراطية، بعد أن حررنا الاحتلال)

أي هذيانات لا نحسده عليها خيّمت بسطوتها على طريقة تفكير سعدي يوسف ليمضي بإساءاته لاسم يحظى باحترام كل العراقيين لمهنيته ونقائه وكفاءته العلمية ذلك هو رائد فهمي الذي يقول عنه ( النجم الصاعد في التراتبية القيادية لحزب لم يعد قائما)

يلتقي سعدي يوسف مع ذات التوجه الذي تبناه أعداء الحزب الذين ما فتئوا يعلنون وبحقد بأن الحزب الشيوعي خرج خالي الوفاض من الانتخابات الأخيرة وهذا الأمر يعني بالنسبة لهم بأن الحزب ما عاد يحتكم على القاعدة الجماهيرية وانه بحكم المنتهي، بل تصل لأسماعنا أحيانا كلمات تهكم عن هذا الأمر من أطراف يعدون من مكونات العملية السياسية دون أن يعوا أو يفهموا ما جرى خلال العقود الثلاثة الماضية من محاولات مسخ وتدمير للحزب دون أن يفلح الطغاة للوصول لأهدافهم، هذا أولا، وثانيا أن التحول المخيف الذي حصل للعراقيين في طريقة وعيهم وإنحياز الغالبية العظمى منهم للفكر الديني هروبا من ملاحقة الفاشست ليتحول هذا التوجه إلى حالة غريبة من التخريب الفكري والقيمي بكل سلبياتها، مما سبب إنحسارا كبيرا في الوضع السياسي برمته وتراجعا في طبيعة وعيهم، ورغم ذلك بقى الحزب راسخا في الأرض العراقية وها هو اليوم يمارس نشاطه الحزبي بكفاءة عالية وسيبقى قائما ومتجذرا في الأرض العراقية لأن وجوده من وجود الشعب العراقي الذي ما زال يكن للحزب الشيوعي كل محبة وتقدير برغم كل وسائل المحو البعثية الرثة.

لم تسلم حتى المظاهرات المطلبية الشعبية من نصال سعدي يوسف الحادة ليصفها ب(المظاهرات المضحكة التي ينظمها (التيار الديمقراطي) أمام سفارات عملاء الاحتلال).

ويستمر بإهانته لهذا التيار الذي أثبت كفاءته القيادية في تأطير وقيادة أفواج من العراقيين الرافضين للمهادنة والصمت إزاء ما يحدث في العراق ليقول عنها بأنها (تنظيمات ومنظمات موالية للاحتلال، أو تنظيمات أسسها المتروبول نفسه)

يا للهول يا شاعرنا، سعدي يوسف على هذه العبقرية السياسية التي هبطت عليك فجأة لتتزعم تيارا مناهضا لكل العراقيين فتصفهم جميعا بعملاء الاحتلال وكأن الوطنيين عندك هم أقطاب المقاومة البعثية الرثة والتي لم تنالها سمومك بخدوش حتى وان كانت بسيطة ومحتشمة.

يقول سعدي يوسف أن (عزيز سباهي دعا للامتناع عن اعتبار القتلى من المتعاونين مع الاحتلال، شهداء والحق أن أطروحة عزيز سباهي.... يواصل سعدي (يصح تطبيقها على كامل شياع)

آلمني للغاية هذا النهش البهيمي للحم الآدمي حتى للأموات، ضحايا الإرهاب الأعمى الذي ودون احترام لمن رحلوا، يمارسه سعدي يوسف لتصل الوقاحة بوصف الشهيد كامل شياع ب(الردئ) لأنه (ليس له كتاب) ويعني الشهيد كامل شياع و(لا تتجاوز مقالاته المنشورة خمس مقالات تافهة، متعاون مع حكومة الاحتلال)

نترك القارئ أن يكتشف بنفسه، أي درك من الانحدار الغريب وصل إليه سعدي يوسف مما سبب لي أنا شخصيا صدمة حقيقية لم أكن أتوقعها أبدا، رغم أننا جميعا عراقيين وغيرهم ما زلنا نعترف بمنجزه الشعري والإبداعي الكبير وكم اغترفنا من منهله هذا، لكن وللأسف أساء سعدي يوسف كثيرا لتأريخه كقامة شعرية لا نبخس حقها بهذا التطيّر الخطير.

فهذا الرجل الوديع الذي خلف رحيله ألما حتى مع المختلفين معه بعد أن عانى من الحرمان والملاحقات والتهجير القسري على أيدي أزلام النظام الفاشي، لا يمكن أن يناله تجريح بهذا القدر من السادية والحقد الدنيء وما عسانا نقول لسعدي هذا، فلعله وصل إلى مرحلة من الخرف ليصدر أحكاما لا تليق بأشد الناس وقاحة.

وهاكم آخر أحقاده وسمومه ليصف (الذاهبون الى المؤتمر التاسع (للحزب الشيوعي) لغرض واحد هو إنهاء الحزب الشيوعي، وطمس إسمه أقول لهم، أذهبوا الى مستنقعكم سعداء)

والله إني لا أرى غيرك من يعيش في المستنقع لضحالة ما تقول وما وصل اليه كلامك السمج أيها الشاعر سعدي يوسف.
 


* شاعر ومترجم وكاتب عراقي مقيم في المغرب




 

 

free web counter