| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

جواد وادي

Jawady49@hotmail.com

 

 

السبت 25/2/ 2012                                                                                

 

الديموكتاتورية العراقية

جواد وادي *

بشرى لنا بسياسيينا الأشاوس وطوبى من كل العراقيين بهذه الشريحة المغرقة في الإبداع المذهل والابتكارات العجيبة، شرا وتحايلا وفسادا وكذبا وضحكا على الذقون وطمسا للحقائق واللعب على الحبلين والقول يتفوق على الفعل، إن وجد ولكن بشروره وبلاويه، حتى أنهم فاقوا بكثير بهلوانيي السيرك العالمي من روس، وإيطاليين وصينيين.

فاقوا قدرة الآدمي في تصور وفهم ما يدور حتى باتت السخرية حالة ملازمة لتهكم ما يجري، لا بعفوية وصدق اللحظة كما يفعل عارضو السيرك المحترفون، بل بتخطيط صارم بوضع أجندات وبرامج وخطط وتسخير خبرات مساعدة للتحضير لما تؤول إليه الخطط مستقبلا بحذاقة العارف والمتربص لإقتناص اللحظة بخبرة فائقة لمنفعة الذات المريضة.

دعونا من الوطن فهو بقعة أرض كونية لا تبقي ولا تذر وناسه قد خبروا المحن وتعودوا على الفواجع وفقدوا الإحساس بطلب الرحمة والحياة الكريمة.
المهم هو الهدف الذي رسموا له ووضعوا خططه والذي بات وجودا كيانيا لهم تيمنا بالمبدأ الهاملتي أن أكون أو لا أكون، مع ظني بأنهم يجهلون مَن هاملت هذا؟؟!! وهذا في تصوري لا يخلوا من ابداع قد يفوق ابداع شكسبير ذاته في تفصيل الأشياء على مقاساتهم.
تلك هي بعض تفاصيل من ابتلى بهم المشهد السياسي في العراق المنكوب.

حين زال الطاغوت وانفرجت الغمة التي مكثت لعقود اربع، جاثمة على صدور العراقيين بنحس ما بعده نحس، استبشر المنكوبون بالحروب والإبادة وكم الأفواه، مراهنين على القادم من الأيام. التأم جيشا معارضة صدام داخلا وخارجا وهم السواد الأعظم وحضن بعضهم بعضا، يوحدهم فرحة خلاصهم من العهد الصدامي، لكننا لم نكن نعلم أبدا أن وراء الأكمة ما وراءها وأن الحملان بالأمس تعود إلى ضباع ونمور مفترسة، ما أن تتمكن تنقضّ على الفريسة والهدف هو خلق الفوضى وعودة الصنم لمكانه، مرتدين أقنعة لم نكن نتوقع مدى خبثها، فاختبئوا بلباس الدين والوطنية والمناطقية المحرومة والسعي لبناء الوطن الجريح، لكن كل هذا كان من أجل ذر الرماد في العيون ليمارسوا في الخفاء أفعال أخرى هي لصيقة بساديتهم ومدى إجرامهم الذي فطموا عليه ولا من سبيل للتخلص من ربقته، لأنه تحول إلى حالة مرضية لا فكاك منها.
هنا تتعد المشارب حتى ضاع العراقي في تلاطم أمواجها ووقع في حيص بيص، من يا ترى الصادق ومن المرائي؟!

ورغم أن العراقيين المساكين ذهبوا بعيدا في تفاؤلهم بإمكانية الخروج من المحن طيلة عقود النكبات، إلا أنهم اكتشفوا أنهم في واد والسياسيين في واد آخر، فأختلط الحابل بالنابل وضاع الخيط والعصفور.

مرت هذه الحالات بملفات معروضة للعلن، قد تكون أحيانا بعيدة التصديق، لسبب بسيط لا يختلف عليه اثنان، ذلك أن وزيرا كان بالأمس معارضا ومقموعا من صدام باتت تدار حوله الشكوك ليكتشف الناس أنه لص كبير، يليه وزير آخر... وزيران... ثلاثة... عشرة.

موظفون سامون وآخرون صغار كلهم فاسدون، ملفات كانت هي الأولى في برنامج إعادة البناء ظلت تراوح مكانها إذ كانت وسيلة للترزق ونهب المال العام وظلت دار لقمان على حالها.
الانتكاسة الأعظم والأشد هولا أن يتحول رعاة البلد وحماته هم القتلة والمجرمون وأن العراقيين مستهدفون من سياسييهم بمراكز عليا في الدولة.

من يصدق أن نائبا لرئيس جمهورية العراق الجديد هو مجرد قائد لمجموعة إرهابية قامت بقتل وخطف وتفجيرات واستهداف بنى تحتية وتصفيات عقول وفجّرت أجسادا بريئة؟ من يصدق؟ من؟ من؟...

ومن يصدق أن الوزراء لصوص ومنتسبي الكتل الذين يشكلون المشهد السياسي ومن أنتخبهم العراقيون لإخراجهم من الأزمة يتحولون إلى لصوص وحرامية وفاسدين؟ من يصدق؟ من؟ من؟...
كل هذا الخراب الجديد بفرسانه مر بمراحل شرّع لها عرّابو السياسة الجدد.

فسنوا الدستور ونظموا الانتخابات وأكثروا من اللقاءات السياسية والتي كنا نظن أنها من أجل إنقاذ العراقيين وإعادة بناء الوطن. لكنها كانت صفقات بينهم لاقتسام الغنيمة ومن ثم يتحول الهم الخبيث للوصول إلى الكراسي مادة للخراب والتناحر وتصفية الحسابات.

هل ما نقول مبالغة أم ضربا من الخيال أم هو واقع الحال؟ من يصدق بما يجري؟ من؟ من؟
كيف يتحول الحامي والمنتخب والحارس على سيادة بلد وقد أقسم اليمين على ذلك، إلى مجرم وقاتل وإرهابي ولص وفاسد وعديم ذمة وضمير وخائن للوطن وعدو للناس الذين غامروا بحياتهم لينتخبوه؟ من يصدق هذا؟ من؟ من؟

إننا مقبلون على تفتيت بلد وخراب حقيقي وقتال سيكون وقوده الأبرياء، أما اللصوص والقتلة فقد استعدوا جيدا جدا للهروب بجلودهم وليحترق البلد أرضا وحرثا وشعبا وليذهب الكل للجحيم.

أليست هذه ستكون المحصلة لاحتراب سياسي صبياني لا يبقي ولا يذر؟ ماذا يقول العراقيون وهم يعيشون حالة من الذهول والصمت وكأني بهم قريبا يتوجهون إلى المقصلة بأرجلهم وبمحض إرادتهم إن لم يسارعوا بالتحرك في تهشيم جدار الخوف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان وتغرق السفينة بمن فيها.

نحن لا ندعو إلى القيام بعصيان مسلح وخلق فوضى كما يفكر القتلة، بل بالأسلحة السلمية وما أكثرها لتصحيح المسار وكفاهم صمتا لما يجري وكأن الأمر لا يعنيهم، سيما أن منظمات المجتمع المدني والتيارات الديمقراطية لها من الأهلية للقيام بمهمة الخروج من عنق الزجاجة .

كنا نحن المنفيون مناهضو النظام البائد مستهدفون من النظام الصدامي وكان هذا النظام القمعي قد اشترى ذمم وضمائر وأقلام العرب وكانت مهمتنا رغم استحالتها إفهام الناس الذين جمّل صدام وأزلامه صورهم وكأنهم مناضلون ينبغي الوقوف إلى جانبهم لتغطية ما يجري في البلد من جرائم إبادة مرعبة فكانت مهمتنا إماطة اللثام عن أكاذيب النظام رغم وجود الأقلام المندوفة بالخسة لخدمة ومباركة نظام أرعن فأفلحنا في تغيير بعض وجهات النظر رغم صعوبة المهمة. وحين سقط النظام الفاشي أنتظر الناس وبحذر ما ستؤول إليه الأحداث القادمة، ألا أنهم انبروا بانتقادنا من البديل الذي جاء بعد سقوط الصنم فهو بنظرهم بات الأسوأ، فواخجلاه. لم أجد من توصيف لهؤلاء الساسة غير أنهم ما هم بديموقراطيين وما بديكتاتوريين، لكنهم هجين بين هذا وذاك ولا يليق بهم سوى تسميتهم بالديموكتاتوريين.

هل من المعقول أن يتحول ضحايا النظام بالأمس كما يدعون إلى قتلة ومجرمين وفاسدين وأصحاب سوابق؟ من يصدق هذا العبث؟ من؟ من؟........
 


* شاعر ومترجم وكاتب عراقي مقيم في المغرب




 

 

free web counter