| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

جواد وادي

Jawady49@hotmail.com

 

 

الثلاثاء 1/11/ 2011                                                                                

 

أين هي هيبة الدولة إذن؟!

جواد وادي *

يعتبر الوضع في العراق في غاية التعقيد ويوما بعد آخر تتضح خطورة هذا الوضع المتشابك وتتسع  الهوة التي باتت مؤشرا للتفكك والوهن لتعدد مصادر القرار وتعاظم ملفات الفساد وانهيار خطط الاعمار الموجودة فقط على الورق وفوق مكاتب المسؤولين واذرع النهب للمال العام تطول وتزداد وتتشعب دون أن نتلمس أية إجراءات تحد من هذه الظواهر بحضور قوي للسلطة من خلال ردع التسيب والضرب بيد من حديد على الفاسدين والعابثين بأمن البلد واستقراره وعليه فلا غرابة أن نعيش حالة من الهشاشة الأمنية وطغيان الفوضى وتعرض المواطن العراقي مدنيا كان أم عسكريا لرحمة كواتم الصوت التي باتت تعبث بأرواح الناس ولا من إجراءات تحد على أقل تقدير من هذا العبث المخيف، فالملفات كلها إن كانت ملفات فساد أو إرهاب أو تزوير أو تخريب إن وجدت لها الحواضن والمباركين والداعمين والمنفذين ولا من عقاب وسط إنعدام القيم والأخلاق والمواطنة والاعتراف بوجود بلد أسمه العراق والكل يعمل لمصالحه ومنافعه ودوافعه المريضة ولا من سياط تلهب جلود المخربين الافعوانية.

الدولة التي تريد أن تفرض حضورها القوي وسلطتها بقوة القانون، ينبغي أن توزع اهتمامها على الملفات الأكثر خطورة وأن تفرض سلطتها على كل مفاصل الحياة، لا بعيون المراقب الكيدي قصد تكميم الأفواه وخنق الحريات كما كان يفعل النظام البعثي المنهار ومن ثم بعض الشطط الذي يصدر بين الحين والآخر من الدولة الحديثة، ولكن وضع الملفات الأمنية ووحدة البلد وتطبيق القوانين حسبما نص عليها الدستور والضرب على كل من تسول له نفسه قوة حسبما تحركه أجندات ودوافع وأوهام عفى عليها الزمن ومحاولة استعادة العرش الضائع وتعريض البلد لخطر حقيقي يفتح الأبواب على المجهول، مثل هكذا بشر منذورين للخراب والعداء للوطن ومنغلقين على أفكارهم الشوفينية وأمنياتهم المريضة ينبغي أن يجدوا سياط الوطن تلفح جلودهم وتنخر عقولهم البهيمية أصلا.

ما قام به مجلس محافظة صلاح الدين يعتبر سابقة خطيرة وتحدي كبير لا للحكومة العراقية وحدها، بل لكل من تعرض للظلم البعثي وهمجية القمع الصدامي من الشعب العراقي حتى من البعثيين الذين ذاقوا الأمرين من قسوة الحكم المنهار.

نعيد ونكرر ثانية وثالثة وللمرة الألف أن البعثيين مخلوقات غريبة ولا يمكن الوثوق بها أبدا، تربوا وكبروا وتلقنوا في مؤسسة قمعية تعيش وتتنفس وتشعر بديمومة حياتها من خلال القتل والنحر والإقصاء وانهار الدم وإن خرجوا من هذه الطقوس يموتون في الحين والتو.

وليس غريبا عليهم أن يعرضوا أنفسهم للتهلكة لمجرد أن يستمروا بلذة القتل والسطوة البهيمية على البشر، وها هم يخرجون من جلودهم مرة ثانية بعد أن داهنوا السلطة الجديدة ودخلوا الحياة الجديدة واستلموا مواقع قرار لم يكونوا يحلمون بها بعد أن نفذوا من الإفلات من القصاص وبعد أن تمكنوا من تنظيم أنفسهم استعدوا للهجوم على الوضع الجديد الذي صاروا هم جزء منه ولكن بخديعة المرائي والمنافق والمتآمر بقصدية إعادة العرش المنهار وسلطة القمع الفاشي وليعلم كل من يدير ظهره لما حدث أن هؤلاء يبقون مصدر خطر حقيقي وسوف لن تغسل أدرانهم ودواخلهم المريضة كل مياه العالم العلوي والسفلي، فلا تسلموا ذقونكم على طبق من لازورد أيها العراقيون وإلا سيقع الفأس في الرأس وعلى حين غرة إن لم تعالجوا هذا الخلل الخطير وتوقفوا هذه الأفعال الصبيانية إن أردتم بناء دولة عصرية تخرج من شرك الطائفية والمحاصصة الى الانتماء للوطن ولا لسواه وعجلوا بانجاز الملفات التي تشكل أهم المعوقات للخروج من عنق المشاكل، منها التصدي لملفات الفساد والحفاظ على المال العام والعمل بقوة من أجل إعادة البناء لبلد خربته المغامرات والخطوب وتنهشه أيادي الفساد القذرة. والاعتماد كليا على الشعب المظلوم والجائع وإلا فان ماكنة المحو يقينا ستزحف بقيادة المظلومين لكنس كل الأوساخ لأن الناس قد ملت وفاض بها الكيل ولم يبق إلا البعثيون ليعيدوا الكرة ويبدأ مسلسل الموت من جديد.

إن الخطر يتربص بالعراق وعلى يد مواطنيه إن هم اعترفوا بهذا الانتماء ولا مناص الا بتصفية النفوس من أدران المصالح الشخصية والمنافع الضيقة لأنها لا تدوم وينبغي ان يبقى الوطن العراقي هو الخيمة التي يفكر بها الجميع إن هم أرادوا ان يخرجوا من هذه المحنة لان عجلة القتل والإقصاء وتغييب الآخر لا طائل من ورائها ولن تجني إلا الخراب والتراجع المستمر في كل مفاصل الحياة ويبقى المواطن هو المتضرر والوطن حبيس أنانية أبنائه.

ماذا جنى البعثيون طيلة العقود الأربعة غير الدمار وتخريب كل ما هو جميل في العراق وها هم لم يرتدعوا ولن يرتدعوا أبدا إن لم يتخلوا عن أجنداتهم المريضة والخاسئة ويلتفتوا لبناء العراق بعقلية التائب والطالب للصفح من الأخطاء القاتلة التي ارتكبوها وبدم بارد، لكنني لا أرى ثمة أمل لإعادتهم إلى جادة الصواب وتبقى محنة العراق من وجودهم وأفعالهم المريضة.


* شاعر ومترجم وكاتب عراقي مقيم في المغرب




 

 

free web counter