| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

جواد وادي

Jawady49@hotmail.com

 

 

الثلاثاء 16/4/ 2013                                                                                

 

رفقا بأصابعكم أيها العراقيون

جواد وادي

تجري الأمور في العراق على عكس التيار المراد له في البناء والتغيير، وتبتعد أكثر وأكثر يوما إثر آخر عن المسار الذي ينبغي أن تسير عليه، وهذا التراجع الذي وصل حدودا غير معقولة وغير قابلة للتصديق، له أسبابه وليست له مبررات.
فمن أسبابه الرئيسية، غياب المعايير الموضوعية لوضع الانسان المناسب في المكان الذي يتطلب وجود من يتلاءم مع موهبة قيادته وطريقة تسييره، وهنا ليس بالأمر الهين اختيار المناسب إن لم يكن الاختيار خاضعا لشروط غاية في الصرامة والموضوعية والكفاءة العالية وفي شتى مجالات الحياة الوظيفية بمراتبها المختلفة من أعلى هرم في السلطة لأدنى مسؤولية. وبعد التغيير الذي تجاوز العشر سنوات كفيل بأن يمنح السياسي الذي أنيطت به سلطة القرار لثقل المهمة، الفسحة الكافية لاختيار الأنسب لتسير الأمور حسبما يخطط لها لتحقق انجازات لا نقول باهرة بل في حدها الأدنى في الادارة والتسيير.

فهل لمسنا نحن العراقيين الخارجين من محارق المخبولين ممن قادوا البلد إلى المهالك والحروب والمزالق القاتلة، وبعد سقوط الصنم أن الوضع في العراق يتقدم بالاتجاه الصحيح؟
الجواب يعرفه حتى الطفل الرضيع، فما الذي حصل؟
السبب واضح ولا يحتاج لأدنى جهد لفهمه، إنه شرور الطائفية المقيتة التي أسس لها سيء الذكر برايمر، ليمسك بتلابيبها من جاء من بعده من عراقيين اسما، وطائفيين فعلا وعملا وسلوكا وتكريسا، ليفتحوا الأبواب على مصاريعا قصدا، مع سبق الاصرار، لبث الفوضى وليتسنى لهم اللعب كيفما يريدون في الساحة السياسية المفتوحة على كل الاحتمالات السيئة والمهلكة، وتحت مسميات لم تكن سوى ذر الرماد في العيون، فانقادت لهم جموع الأبرياء بعفوية ودون وعي، بوصلتهم كانت عواطفهم الدينية وهلعهم القادم، بعد أن اجتهد السياسيون لبثه في نفوسهم من أن طوفان المحو الطائفي آت اليهم، إن هم لم يكونوا طيّعين ومنصتين جيدين طبعا للأكاذيب والزيف وبث روح الفرقة والنفخ في الاحتقان الطائفي. وبعيدا عن الاسترسال أكثر في هذا الملف الذي يحتاج إلى دراسات معمقة وشاملة، نختصر بعض الحالات التي وقفت عليها بنفسي خلال زيارتي الأخيرة للعراق صيف 2012، كنت كثير التحرك في أحياء بغداد وشوارعها وتقصدت أن أسمع من أكبر عدد ممكن من الناس للقيام بما يشبه الدراسة الميدانية عن سبب اختيار الناس للمسؤولين الذين لم يفعلوا شيئا لهم، ولم ينجزوا ما وعدو به، ولم يتحرك ملف الخدمات قيد شعرة. فلا كهرباء التي منحتني الفرصة لمعرفة مصطلحات لم اكن أعرفها وأنا هنا في المغرب لأكثر من 35 عاما ما عرفت يوما أن التيار الكهربائي قد إنقطع حتى لساعة واحدة، مع الفارق الهائل بين موارد هذا البلد وثروات العراق الهائلة، مثل الساحبة والمولدة والعاكسة والوطنية، تتناوب في العمل المتهالك للانتقال من حالة ضوئية لأخرى، ناهيكم عن ملفات البطالة الخطير، والسكن الأخطر، والبنى التحتية المخربة، والشوارع التلفانة، والمياه الملوثة، والتعليم الكارثي ببناياته وملحقاته الأساسية المنعدمة، ووضع المرأة المزري، وتفشي الأمية، وانتشار الأمراض الخطيرة، والنقل الطرقي المتخلف، وقبل هذا وذاك الوضع الأمني الهش جدا جدا جدا...

يتسيد كل هذه المطبات انتشار الفساد ونهب المال العام حتى من أعلى الهرم، والرشوة والمحسوبية وتوزيع المناصب لذوي الدم الواحد، من عائلة وعشيرة وطائفة وهلم مصائبا...
وغيرها من مواجع لصيقة بحياة العراقي ولا فكاك منها.

كانت فرصة لطرد الفضول الذي كان يسبب لي أرقا حقيقيا عن سبب اختيار الناس لمن لا يستحق أصواتها؟
ما قابلت شخصا، ولا سمعت حديثا، ولا فاتحني بهمومه سائق تاكسي، ولا اشتركت مع أصدقاء في فهم هذه الظاهرة الخرافية في تكريس واستمرار هذا التخلف، طبعا المعيار عندي الفارق الشاسع بين الحياة في المغرب (وليس بلد أوروبي) والعراق، مع الفارق المهول في موارد البلدين.
قلت، ما قابلت أحدا من كل الشرائح والأطياف والمراتب والفئات والأعمار والأجناس... و...و...
إلا ووضع اصبعه بين نواجذه، وأطبق عليه بقوة، حتى يكاد أن يقطعه ندما على ما فعل، وما ارتكب من حماقة، وفعل قاتل، بمنح صوته لهؤلاء، والتفاخر باللون البنفسجي وقتها، ساعيا لبتر هذا العضو العزيز، خصوصا هو الأيمن لوظائفه العديدة، حسرة وجلدا حقيقيا للذات التي لم تكن تميز بين الصالح والطالح حينها.

بعد كل هذا التراجع في الآمال التي عقدها الناخب على من وهبه صوته ببلاش، ولا تقولوا من هم؟ الأنقياء معروفون، والقائمة لا تحتاج الى بوصلة للوصول لها، واختيار مرشحيها بكفاءات عراقية، ومواهب قيادة، ونقاء ضمير، ووطنية حقيقية، بعيدا عن الطائفية بمزالقها وانحرافاتها، وانغلاقها، وتخلفها، لنفتح صفحة مواطنة بعيدة عن الانتماءات الضيقة.

فهل فعلا انتبه المواطن لزلته، ليتراجع فعلا عن قراره، ويمنح صوته لمن يستحق، وإلا فأنني حزين للغاية أن يصل بتر الأصابع مديات لا تحمد عقباها بتكرار ذات الخطيئة والزلة وتكريس الخيبات.

دعونا ننتظر وإن غدا لناظره قريب



* شاعر ومترجم وكاتب عراقي مقيم في المغرب




 

 

free web counter