| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

جواد وادي

Jawady49@hotmail.com

 

 

الأحد 13/1/ 2013                                                                                

 

الربيع العربي
فعل خيّر أريد به باطل

جواد وادي

كلنا يعرف مصدر قولة الإمام العادل علي بن أبي طالب الشهيرة (كلام حق يراد به باطل) منتقدا فيها موقف الخوارج بشعارهم المعروف (لا حكم إلا لله)، ليدفعنا هذا التوصيف الحكيم على الحراك العربي الذي أشعل لهيب المعركة ضد الاستبداد على امتداد جغرافية العالم العربي من أقصاه الى أقصاه، ليشحن الفعل النضالي المرتبك ويطيح بالأنظمة المتسلطة والتي عاثت فسادا وقتلا وتصفيات وخرابا متواصلا، دون فكاك من ربقة الظلم الذي كم راهن العقلانيون من العرب على أن ينتبه الحكام القتلة لأنفسهم ويصححون المسار وصبر الضحايا طويلا، ولكن لا حياة لمن تنادي، وكأني بهم يستمدون طغيانهم اعتمادا على ما يفتي عليهم فقهاؤهم ممن كانوا يزينون لهم سلطتهم المؤسسة على دماء (المارقين) من الضحايا كما أقنعوهم وبأن سلطتهم مستمدة من وصية الإله (واطيعوا ‎أولي الأمر منكم) وحاشى لله لهذا الفهم الخاطئ للآية الكريمة بإنزال العقاب بالأبرياء.

وجاء التغيير على غير ما كان مرجوا منه، لإزاحة الأصنام وإراحة الناس من شرورهم، فامتدت يد التغيير المبارك لسدنةٍ سكنوا عروشهم لعقود من السنين، يتصرفون بسفه ما بعده سفه، وكأنهم ورثة الله على الأرض، ولا يحق لكائن من كان الاعتراض عليهم والتعبير بأي شكل من التذمر وعدم الرضى، وظل الناس مسلوبي الإرادة ومغلوبين على أمرهم.

كان لهذا الربيع ضحاياه وقرابينه الذين قادوا حركة التغيير غير آبهين بماكنة البطش المخيفة والتي طالت الناس دون تمييز حتى اقتحمت المنازل وهدمت البيوت على ساكنيها، ولسنا هنا بصدد الفظائع التي ارتكبها الطغاة وأزلامهم لأنها باتت معروفة للجميع، ويوما بعد آخر أخذ الزحف الشعبي يطال الرؤوس العفنة والإطاحة بها، فأستبشر الناس المقهورين وحتى الداعمين لهم من غير العرب، بأن فجر الانعتاق قد لاح وبدأت بشائر الخلاص من القيود الظالمة تلوح تحت ضربات الأحرار، غير الهيّابين لآلة القمع الوحشية، وسقط الآلاف في هذا الحراك المقدس، أملا بأن البوصلة قد تم تصحيح اتجاهها، وبأننا مقبلون على عصر الحرية وبناء أسس العدالة الاجتماعية، وسنكون بمصاف الدول المتقدمة والتي سبقتنا بعقود من السنين، حين تخلصت من سطوة الكنسية ووضعت الأسس الحقيقية لبناء مجتمعات ديمقراطية تنعم بالحرية والرخاء الاجتماعي وتكون العين الراصدة لأي انحراف أو تلاعب بمقدرات الناس من خلال بناء دول الحق والقانون، وأصبح الجميع متساوون كأسنان المشط (ومفيش حد أحسن من حد)، ووضع القطار في مساره الصحيح.

لم يكن الأوربيون حينذاك ليختلفوا عن العرب إن لم يكونوا على قدر من التخلف الفكري والثقافي قد يفوق عالمنا العربي، لكنهم وبخطوات متسارعة وخلال حقب التغيير والبناء، وصلوا الي ما هم عليه الآن من تحقيق الأهداف النبيلة، وكلنا يعرف ويحترم هذه الشعوب المتمدنة وطريقة عيشها وتعاملها مع القوانين المرعية.
ترى هل حقق الربيع العربي أهدافه بعد أنهار الدم والقرابين التي نحرت على مذبح الحرية؟

الغريب في الأمر حين نقارن ما حدث في أوروبا وفي عالمنا العربي، أن الأولى تخلصت من ربقة السلطة الدينية وقيودها، وهي الشرط الأساسي لبناء مجتمع مدني يكون جميع الناس بكل معتقداتهم ومذاهبهم ودياناتهم وأعراقهم على حد سواء، في حين أن الربيع العربي تحول الى خريف قاتم ومخيف، بهباته الأصولية المتطرفة والتي التف دعاتها على ما حققه الحراك الجماهيري في بدايته، وأسست لسلطات دينية صادرت حريات الناس وحجمت من حرية التعبير والمساوة من خلال سن دساتير تغاير روح العصر، ليحدث هذا التراجع الخطير الذي دفع الناس وخصوصا أولئك الذين كانوا يراهنون علي بناء مجتمعات مدنية تدخل عصر التكنولوجيا بثقة وقوة وترك الماضي خلفها بكل مآسيه، وتطبيق مبدأ الدين لله والوطن للجميع.

ما اسباب هذا التراجع الخطير الذي ساهم بتأخير مشروع كنا نأمل منه جميعا أن ينقلنا الى بر الأمان ليعيش الناس بكل أطيافهم في ألفة وتساكن وقبول بعضهم للبعض الآخر في نسيج مجتمعي لا شروخ فيه ولا مساحة حتى وإن كانت حسيرة لأفكار التطرف والسلفية وتغييب الآخر وصهر المعتقدات بالقوة في بوتقة التخلف الديني، مع احترامنا لكل المعتقدات والأديان.

هل علينا أن نبادر بحراك ربيعي جديد؟ ومن يضمن سلامتنا نحن الساعين لفتح منافذ خلاص جديدة، متحررين من اكراهات الانتماء لتلك الطائفة وذلك المذهب؟ ومن اجبارنا للانخراط بهذا الحزب وذلك التكتل؟

نحن نحتاج الي ثقافة ووعي حضاري مضافا الى قناعاتنا الدينية والمذهبية والفكرية لنزاوج بين ما هو مقدس وما هو عصري لبناء مجتمعات تنعم بالرخاء والسلم الاجتماعي بعيدا عن العنف والتسلط والغاء الحقوق المشروعة للإنسان الذي هو أثمن رأسمال في الكون. وهذا الهدف هو ما حققته وتعمل عليه دول العالم المتحضر.

فهل يعي من هم خارج هذه المساحة من التفكير المنطقي للاعتراف بآدميتهم لتكون جزءا من آدمية الآخرين ليعيش الجميع في حب ووئام؟

لعل المراحل القادمة كفيلة بالإجابات الشافية لهذه التساؤلات القلقة!!


* شاعر ومترجم وكاتب عراقي مقيم في المغرب




 

 

free web counter