| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جميل روفائيل

 

 

 

 

السبت 7 /1/ 2006

 






المسـرحي " صـدام " و المخـادع " الجعـفري "

 

جميـل روفائيـل

هـذا الموضوع لا عـلاقة لـه بالسـياسـة ، على رغـم أن " مسـرحيات صـدام " في سـطوته وذلـّه هي جـزء متواصـل في حياته السـياسية . . وأن " خـداع الجعفـري " مسـتمد من مبادئ المكـر في حجب الحقـيقة التي يقـوم عليها تنظيمـه وما يتشـابه معـه من التنظيمـات الطائفية والدينيـة ، من أي طائفـة وأي ديـن ، والتي كل مسـاومة معـها لن تكـون نتائجـها إلا وفـق ما أفرزتـه المساومات التي أقـدم البعض عليها مع صدام وبعـثه من نقض وغـدر وطعـن . . والحكمـاء يؤكـدون " أتـق شـراك المسـرحيين " و " إحتـرس مـكروه المخادعيـن " .

أؤكـد لا عـلاقة لهـذا الموضوع بالسـياسـة لأنه يسـتند على مشـاهدات وملاحظات وآراء ذاتيـة ، على رغـم رأيـي القائـم على معارضتي بكل شـدة فسـح أي مجـال لتـرويج الطائفيـة ، لأن التجارب أثبتـت ، قديمـا وحديثا ، أن كـل إقحـام للـدين بالسـياسـة هـو رمـي للفضائـل الثابتـة في أتـون مسـاوئ الشـرور المتحركة ، وأن هيمنـة السـياسة على الدين تعـني منـع الخير لمصلحـة فسـاد المكـروه من مواصلة المضـي في الطريق القويـم . . وإزاء هـذا ينبغـي على رجـل الدين أن لا يتطرق إلى قناعـاته الطائفيـة والدينيـة عـندمـا يكون في مجـال سـياسي وإلا ّ أعـتبر مخـادعا ، وعلى السـياسي أن يتـرك جانبا إتجاهاتـه السـياسية حالما يصـبح داخـل فضـاء ديني وإلا ّ أعتـبر مخادعـا أيضـا .


المسـرحي . . .
صـدام خـرق هذه القاعـدة ، لأنـه تربـى على النقيض منها على يـد خالـه خيراللـه طلفاح الذي كان لصـا دعيـّا متميـزا في فسـاده ومجـونه وإدعاءاتـه وكتاباتـه الطائفية والعـرقية المنافقـة . . فسـلمه مسـدسـا وهو صغـير وطلب منـه أن يمارس مهنـة القتـل . . ودخـل صدام السـياسة وهو يعـتبرها مـن توابـع حكم السـلاح ، وحمـل لـواء الدين ليشـوهه بحسـب أهوائـه ويسـتغله لمطامعـه وتصفياتـه . . والتفاصـيل يدركهـا الكـل وليسـت في حاجـة إلى مـزيد من الأيـراد والإسـترسـال والتوضـيح .

رأيت خيراللـه طلفاح مرتين ، الأولى ، حين كنت موفدا من جريدة الثورة لتغطية إحتـفال أقامته جمعية المحاربين العراقيين القـدماء التي كان يرأسـها ، في قاعة الشـعب ببغداد بمناسـبة المولد النبوي وكانت الكلمة الرئيسـية له ، وكل ما قاله طائفي وعنصري وتحريف . . وعندما قدمت الموضوع للجريدة تناولت فيه إسـتعراضا عاما للإحتـفـال من دون كلمة طلفاح ، فسـألني مدير التحرير وكان ناجي الحديثي عن كلمته ، فقلت له : الأفضل أن تأخذوها من وكالة الأنباء العراقية .

والمرة الثانية ، كانت عام 1986 ، وكنت في إجازة في العراق ( حيث كنت مراسلا في يوغوسلافيا ) وأتصلت بوزير الحكم المحلي عدنان داود سليمان لزيارته والسلام عليه ، فقد كان صديقي ، وعندما ذهبت في الموعد طلب مني مدير مكتبـه أن أنتظر بعض الوقت عنـده ، وقال : عـند الوزير يوجد خيراللـه طلفاح وجاءه من دون موعد ومعه شخص من سـامراء يريد شراء حديقة عامة على جانب شـارع عام في سـامراء لبناء عمارة عليها ويطلب خيراللـه من الوزير إصدار قرار ببيع الأرض إلى هذا السـامرائي ، وأن الوزير لايسـتطيع الأمر ببيعها لأنها حديقة ضمن التصميم العام لمدينة سـامراء ، ولكنه يلح على الوزير الذي أصبح محرجا لا يدري ماذا يفعل ، وبالتأكيد أن خيراللـه يفعل هذا في مقابل الحصول على مبلغ كبير من مال هذا السـامرائي الغـني ، وبعدما خرج طلفاح ، دخلت على الوزير عدنـان وكان أول كلام قاله لي بعد السلام وهو غاضب جدا : إذا سـمعت أنني تركت الوزارة فأعرف إما أنني قدمت الإسـتقالة تخلصا من خيراللـه طلفاح أو أن نفوذه أدى إلى إصدار أمـر بإقالتي .

ومن ذكريات خيراللـه طلفاح ، أنه ذات مرة أرسل موضوعا إلى جريدة الثورة لنشـره في الصفحة الأخيرة في حقل ( يوميات الثورة ) وكان يدور حول فلسـفته ( كل مسـلم ليس عربيا فهو أقل إسـلاما ، وكل عربي ليس مسلما فهو أقل عروبة . . . ) ووجد عادل عبدالجبار ، وكان رئيسـا لقسم الصفحة الأخيرة الذي كنت أعمل فيه آنـئذ ، أن الموضوع ليس أكثر من هراء ، وكان عادل مثل غالبية العاملين في الجريدة يكره خيراللـه طلفاح ، فأخذ الموضوع إلى رئيس التحرير وكان طارق عزيز ، لأخذ رأيه ، فقال طارق لعادل : إحذف منه كل ماتراه غير مناسـب لينزعج ويتوقف عن إرسال المواضيع إلى الثورة ، فحذف عادل أكثر من نصف الموضوع عند نشـره ، وغضب طلفاح ولم يرسل بعد ذلك موضوعا إلى الثورة طيلة الفترة التي كان طارق عزيز فيها .

وأرسل طلفاح مواضيع لنشـرها في مجلة ( قالاسـريايا ـ الصوت السـرياني ) مملوءة بعبارات ( أهل الذمة . . ) وكان ذلك عام 1979 ورفضت غالبية أعضاء هيئة التحرير ـ وكنت بينهم ـ نشـر المواضيع ، وبقيت من دون نشـر ، لكنني وجدتها منشورة في عام 1981 بعدما إنتـقـلت إلى يوغوسـلافيا ، ولا أدري كيف تـم نشـرها في قالاسـريايـا .

وكان خيراللـه طلفاح قد جمع حوله مجموعة من الذين مارسـوا الكتابة والصحافة في مقابل الهبات التي يغـدقها عليهم من أموال الدولة ، أذكر منهم : محمود شـبيب وعـيد ضيف . . وكان يحركهم للإطراء عليه والترويج ( لمؤهلاته وأفكاره العظيمة . . ) .

والحديث عن ( غرائب وعجائب وطرائف طلفاح ) يطول ويطول . . وقد حدثني الصديق العزيز مدحت البازي عن الكثير ممـا رآه وسـمعه عنه وعن أهل العوجة ، فقـد عمل فترة في العوجة وخالطهم ، ليته يكتب تلك الذكريات فـفيها الكثير ممـا هو مفيـد معرفتـه .

كـان أميـر أسـكندر ( وهـو صحافي مصـري قبطـي ناصـري ، جـاء إلى العـراق مع عـدد من الصحافيين المعـارضين للسـادات ، منهم جلال السـيد وسـعد زغلول فؤاد ومحـمد حجازي وسـعد التايـه ، وعملوا في جريدة الثورة ) ثـم جـرى إنتدابـه لـتدوين ( حيـاة صـدام ) في كتاب ، كان الأول من بين الكتب في مجالـه ، وهو الكتاب الذي تضمن ، أن جذور صـدام تعـود إلى ( الأصل الشـريف ) وقد بلغ ما حصل عليه أمير أسـكندر من تأليف هذا الكتاب نحو نصـف مليون دولار ، وعـندما كان يأتي إلى جريدة الثورة وتوجه إليه الأسـئلة عن حقيقـة أصل صدام وما تضمنه الكتاب من أمجاد عـنه وعـن أسـرته ، كان يجاوب " أنـا كتبت عن شـجرته وغيـرها كما طلب مني خيراللـه طلفاح الذي أشـرف على تأليفي للكتـاب . . وكتبت مـا طلب منـي ، وناقـل الكذب ليس بكاذب " .

وفـي السـياق نفسـه ، كان يجاوب عـبدالأمير معـله ( وكان صديقا دائميا لـي منذ عملت في جريدة الثورة عام 1971 ، حيث كان رئيسـا للقسم الثـقافي في الجريدة وثم أصبح مديرا عاما لدائرة السـينما والمسـرح وثم وكيلا لوزارة الثقافـة والإعلام ) مؤلـف كتـاب ( الأيام الطويلة ) عـما ورد في هـذا الكتاب ، بأنـه لم يكن مع صدام في محاولة إغتـيال عبدالكريم قاسم وما حصل لصدام بعـد ذلك ، ولـذا فإنـه دوّن ما طلب منه كتابتـه وجعلـه بأسـلوب أدبي مقـروء ، وأن مافيـه من أكاذيب وإفتـراءات ليس هو مسـؤولا عـنها .

ولأن صـدام وجـد ضالـته ، وهو ذليـل ، في في المحكمة التي تقاضيـه على بعض من جرائمـه ، المحكمة المفروض عليها أن تكون على شـاكلة " فوضى الديموقراطية الأميركية " فأخـذ " يشـمر عن عضلاته وتدجيله " ويعرض مسـرحياته من إطلاق اللحيـة المشـذبة على نهج من هـم أمثالـه من ( أدعيـاء الدين والتـقوى ) المزايدين على الأمور الدينية والطائفيـة . . و من خلال الإتيـان بالمصحف الشـريف معـه ورفعـه لأظهاره أمام كاميرات النقل التلفزيوني وحشـر الجلسـات بتلاوتـه للآيـات الكريمة ( من دون وجود ما يسـتدعي ذلك ) وطلبـه قطع جلسـة المحكمة أثناء موعـد الصلاة . . ألخ وأن نظامـه كان إسـلاميا . .

وهنـا تجدر الإشـارة ، إذا كان نظام حكم صدام بعـثيا فإنـه لايمكن أن يكون إسـلاميا ، كما يدعـي ، لأن البعـث بحسـب دسـتوره هو حزب علمانـي يفصـل الدين عن الدولـة ، أما إذا كان نظامه إسـلاميا ، فهـذا يعنـي أنـه لم يكن نظاما بعثيا وإنـما ( صداميا ) مسـرحيا يحركـه دينـيا وغيـر ديني كما يحلـو لـه .

حدثـني سـعد قاسـم حمـودي ، وكانت تربطني بـه علاقـة صداقـة جيـدة ، أن شـقيقه جعفـر طرد من حزب البعث الذي كان عضوا في قيادتـه القطرية ، ليس كما تـم الترويـج حزبيـا بأمـر من صـدام بأنه كان يمارس الدروشـة ، وإنمـا الحقيقـة لأنه كان يتـردد للصلاة في مسـاجد للشـيعة .

ذات مـرة سـألت إحدى قريبـات طارق عزيز ، لماذا لا يذهب أسـتاذ طارق إلى الكنيسـة حتى في أعيـاد الميلاد والفصح ، علما أن والدته ( وهي من بخديدا ) وزوجتـه ( يعود أصلها إلى تلكيف ) متدينتـان ( وهو نزح والده مع جـده من منطقة جزيرة ابن عمر في تركيا أثناء الحرب العالمية الأولى وسـكن الموصل ) ، فكان جوابها : يخشـى أن يكتب المغرضون عـنه تقاريـر بأنه يلتـقي رجال الدين المسـيحيين فيغضب عليه صدام . . وحينئـذ عرفت سـبب عدم أسـتجابته للطلب الذي قدمه لـه البطريرك الراحل بولس شـيخو لمقابلته عنـدما أصبح وزيرا للأعلام لتهنـئته بنمصـبه ، وحتى عنـدما تزوجت ( أحتفظ باسـمها لأنني لم آخذ رأيها في نشـره على رغم الأحترام المتبادل بيننا ) شـقيقة زوجته فيوليت في كنيسـة القلب الأقدس ببغـداد ، وكنت حاضـرا ، وعلمت أنه لم يحضر إلى الكنيسـة للسـبب ذاتـه .

وقـد شـاهدنا جميعـا ، بعـد إطاحة النظام ، في قنـاة العـربية وغيـرها ، كيف كان صـدام خلال الإجتماعـات القياديـة الحزبية يدعـو إلى تجنب الممارسـات الدينيـة والإبتعـاد عن رجال الدين . . فشـتان ما كان يمارسـه في حكمه تجاه الدين ومـا يدعيـه في المحكمة في ذلـّه من إدعـاءات دينيـة . . والذنب كل الذنب يقـع عـلى المحكمة التي تسـمح لـه بأن يخرج عـن أصول المحاكمات إلى حـد إهانتها بإسـم ( ديموقراطية الفوضـى الأميركيـة ) .

وكمـا شـاهدنا ما عرضتـه الفضائيات من أفلام عـن مجون عـدي وقصي ولياليهم الحمـراء ، وأحاديث أصدقائهما عن الفسـاد الأخلاقي الذي كانا يعيشـانه وتعليـق المشـاهدين عليها ، فيمكن القـول بجـلاء ( فـرخ البـط عـوام ) أي أنهما على سـر والدهـم .

ولا حاجة لتكرار ما أصبح معـروفا ومتـداولا لدى المتابعين لصدام وعائلته والذين كانـوا يحيطون بـهم ، من فجـور وقلة حيـاء . . إذ أن ( الممثل المسـرحي ) في إمكانه تـقمص أنواع الأدوار ، وما يقـوم بـه صـدام من إدعاءات هي جزء من حياته المسـرحية التي قـلما ظاهـاه فيها أحـد من غـلاة الطغـاة والسـفاكين والفاسـدين ، في التاريـخ المعـروف .

فقـد أخـذ منذ حربـه على إيـران في المزايدات الدينيـة على إيـران والدول الإسـلامية الأخرى ، وصار في الداخل يسـتغل آلام العراقيين ولجوءهم إلى المؤسـسات الدينية ، بإحداث تغـييرات على المباني الدينية بذريعـة الإصلاح ، لكي يضع إسـمه عليها مع ألقابـه المائـة التي بـدا فيها كأنـه يريـد الإتصاف بصفات اللـه عـز وجل وأنبيائـه . . كما عبث بالتاريخ فجعـل من نفسـه صـنوا لأبطاله ، فمن منشورات وزارة الثـقافة والإعلام ، كراس ( من نبوخذ نصر . . إلى صدام حسـين بابل تنهض من جديد ) وجاء فيه : بابل من جديد . . تنهض عظيمة في زمن عظيم . . وها هو صدام حسين حفيد البابليين ابن هذه الأرض العظيمة يضع بصماته في كل مكان . . والسـؤال بعـد هذه الفقـرة من الكراس : إذا كان صدام من ( الأصل النبـوي الشـريف ) كما جاء في شـجرة طلفاح التي نشـرها أمير أسـكندر ، فكيف هو حفيـد البابلييـن ، يا أيـها الدجالون ؟

ولم يكتف صـدام بالعـراق ، بل إمتـدت مزايداته نحو الخارج ، فإذا أقامت دولة إسـلامية مـا مسـجدا في نيجيريا أو باكسـتان ( كما حصل ) فإذا بصدام يسـارع لأنشـاء مسـجد في تلك الدولـة أوسـع مسـاحة وأكثر زخرفة وفنـا وتكاليف ماليـة ليضع إسـمه على واجهته . . مع لقبـه ( القائد المناضل المؤمن التـقي المنصور باللـه عبد اللـه صـدام حسـين أدامه اللـه وحفظـه ورعـاه ) . . أما رشـاوى صدام فحدث عنها ولا حرج ، ومن أمثالها ، مليار دولار ( أجل مليار دولار فقط ) هدية إلى زامبيـا أثناء حرب صدام على إيران ، إحتراما للدعم الذي كان يتلقـاه من صديقه رئيسـها أنئـذ كاونـدا ، حتى كتب مرة صباح سـلمان ( وهو صديقي جدا فقـد كانت بدايته الإعلامية لسـنوات عدة في جريدة الثورة ، وكان فترة طويلة مديرا لمكتب صدام الإعلامي ) عن رشـاوى صدام فقال : إن لا أحد يعطي مثل صـدام حين يعطي ولا أحد يضرب مثـله حين يضـرب . .

وأليس من الهازل أن يعلن صدام بعـد وفاة ميشـيل عفلق ، أنه شـهر إسـلامه أمامه وطلب منه أن يجعل إسـمه ( أحمد ميشـيل عفلق ) . . فهل كان صعبا على عفلق أن يشـهر إسـلامه وهو حـي يرزق ؟ وهل كان يوجد ما يمنع عفلق عن ذلك إذا شـاءه بقـناعته ؟ . . إذن الأمر كله لا ينفصل عن مسرحيات صدام . .

حدثني رئيس قسـم المنوعات في التلفزيون العراقي في حينه ( وهو صديقي وأحتـفظ بإسـمه لأنه قد لايكون راغبا في ذكره إعلاميا ) بأنه تـم سـجن المخرج الذي أشـرف على تصوير جنازة ميشـيل عفلـق مدة سـنة ، لأنه عرض في التلفزيون صورة إبن عفلق ( نسيت إسمه ) الذي شارك التشـييع في بغداد ، وهو يرسـم إشـارة الصليب على وجهه وعلى جثمان والده حين كان يودعـــه إلى القـبر .

أمـا ما نـراه في ( ما يسـمى بالعلم العراقي ) من كتابة ( اللـه أكبر ) فقـد أدخلها صدام ، ضمن مجال مزايداته وصرعاته مع أعلام الدول الإسـلامية التي تحتوي أعلامها وشـعاراتها على رموز دينيـة مثـل إيران والسـعودية وأفغانسـتان . . ، لكن اللافت أن الطائفيين ، بمـن فيهم الذين شـردهم صدام ، هـم يصـرون على إسـتمرار بقـاء هذا العلم الذي لا إرتبـاط لـه بالعراق والعراقيين ، وذلك فقـط لوجود فيه عبارة ( اللـه أكبر ) . . وشـخصيا أنا منسـجم كليـا مع رأي السـيد مسـعود البارزاني بـأن صدام إرتكب كل جرائمه وحماقاته رافعـا هـذا العلم ، ولـذا أصبح نشـازا لا يجوز الإعـتراف بـه أو العمل في ظلـه . . وأدعـو ـ على الأقـل ـ كل مسـيحي إلى تجنبه وإهماله ـ بقـدر الإمكان ـ مـع كل مـا أهمل من شـرور صـدام وعـدم الإنسـياق إلى مكـر الطائفيين .

رأيت صدام مرات عـدة ، لكن كان أبرزها أواخر عام 1979 حين كنت عضوا في لجنة العلاقات الخارجية لنقابة الصحافيين العراقيين ، وكنت مشـرفا على مؤتمر صحفيي دول عدم الإنحياز المنعـقد في بغـداد ورافـقت الصحافيين المشـتركين فيه خلال لقائهم بصدام ودعوة العشـاء التي أقامها لهم في القصر الجمهوري ، ولي صورة وهو يتحدث معي ، ونقل التلفزيون ضمن إستـقبال صدام للصحافيين حديثه معي وهو يكرر هل أنت بحاجة إلى شئ ما ، وكان جوابي ديبلوماسيا : سلامتـك سيدي ، فرد علي : متى أحتجت أكتب لي ، فأجبته : شـكرا سـيدي . . وعندما عـدت بعد أيام إلى عملي في جريدة الثورة قال لي زملائي : غريب أمرك هو يريد أن يعطيك وأنت ترفض . .

وعندما جاء صدام إلى بيتنا في تللسقف عام 1989 ( أنا كنت في يوغوسـلافيا ) فإن طائراته الهليوكبتر هبطت أمام دارنا ودخله مباشرة من دون أن يذهب إلى أي مكان آخر قبله أو بعد خروجه منـه ، ما يعني أنه جاء خصيصا إلى منزلنا ، وبقي يتحدث مع والدتي وأخي متي وبقية أفراد العائلة الموجودين نحو ثلاثة أرباع السـاعة ، وبـدا متجهـما ويبدو أن سـبب ذلك أمرين : الأول أنه لم تكن صورته موجودة في الغرفة التي دخلها وجلس فيها وكانت خاصة بوالدتي وهذا مالـم يكن يتصوره كما هو معلوم عنـه أن تكون غرفة واسـعة في بيت عراقي خاليـة من صورته . .

والسـبب الثاني أن أخي لطيف كان في حينه محكوما عليه بالسـجن المؤبد لأسـباب سـياسية ـ ويبدو أنه كان يعلم بذلك لأنه ليس معـقولا أن يدخل صدام بيتا ولا يعرف كل شـئ عنه مقـدما ، خصوصا أنه أشـر إلى صورتي المعلقة على الحائط وقال أنه يعرفني ـ ولذا كان المرجح أنه جاء لترجوه والدتي الأفراج عن لطيف ويأمر بالأفراج عنه فورا كما كان يفعل في كثير من زياراته لبيوت العراقيين لأسـتغلاله في الدعاية ( لإنسـانيته . . ) والحقيقة أن والدتي رحمها اللـه كانت بشـوق إلى الإفراج عن إبنها ، ولكن لطيف كان يحذرنا بحزم في كل مواجهاتنا معه في السـجن من تـقديم أي طلب إسـترحام للإفراج عنه وكان يقول إذا قدمتم طلبا سـأرفضه ، وهذا هو السـبب الذي جعل والدتي وأهلي لايذكرون أمامه إسـم لطيف ، على رغم تكراره لوالدته إذا كانت لديها مشـكلة مـا .
 


للموضـوع بقيـة و يتـناول ( المخـادع الجعفـري ) وسـيليه نشـره .