| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جميل روفائيل

 

 

 

 

السبت 4 /8/ 2007

 

 


حقـائق وذكريات في أربعينية سـعود الناصري


جميـل روفـائيــل

تـوخيت في كتابة هـذا الموضـوع الـذي يتـناول أمـورا عـراقية ذات مجـالات متـنوعة وقـفت على تفاصيلـها ويمكـن اعتـبار جـوانب منـها تـأريخية ، أن أوضح مـن خلال حقائقـها الدور البـارز للشـخصية الوطنيـة والإعلامية سـعود الناصري .

سـمعت ، للمـرة الأولى ، بـاسم سـعود الناصـري في العـام 1964 ، حيث كانـت تـقدم لـه إذاعة موسـكو العربية أغنـيات وطنيـة عـراقية ، وأصـبح اسـمه مـألوفا لـديّ ، كـأي اسـم أشـعر بـالإعجاب تجاهـه مـن دون عـلاقة بيـننا .

ومـرت الأيـام ، وبـدأت أقـرأ اسـمه في جريـدة ( الجمهوريـة ) منـذ 1970 ، وأهتـم بكتابـاته ولكـن مـن دون أن يتـصادف بيـننا لقـاء على رغـم أنـني كنت بـدأت منـذ ذلـك الوقـت العمـل في جريـدة ( الثـورة ) ومجـالات إعـلامية أخـرى ، وحصـل لقـاؤنـا الأول عـام 1976 عـندما أصبحـت عضـوا في لجنـة العـلاقات الخارجية لنقـابة الصحافيـين العراقيـين ، التـي كـان عـدد أعضـائها بحـدود الخمسـة عشـر بـرئاسة الصحافية ( عضـوة مجلس النقـابة ) سـلوى زكـو ( جريدة الجمهوريـة ) وكـان مـن أعضـائها أيضـا سـعود الناصـري ( الجمهورية ) وفالـح عبدالجبـار ( طريـق الشـعب ) ( وكان الثـلاثة : سـلوى وسـعود وفالـح مـن المحسـوبين على الإنتمـاء الشـيوعي ، بينـما كان أعضاء اللجنة مـن وكالة الأنبـاء العراقية وألف بـاء وغيـري مـن الثورة يمثلون البعث وكنت أنا وأعضاء مـن صحف أخرى بيـنها العراق نشـكل المسـتـقلين ) .

إذ كانـت النقـابة في حينـه التي يرأسـها سـعد قاسم حمودي ( بعثـي ) ونائبـه فخـري كريـم ( شـيوعي ) وسـكرتيرها ضـياء حسـن ( مسـتـقل ) ومديـر إدارتها سـردار ( كردي مسـتـقل ) ، كـانت تضـم البعـثيين والشـيوعيين والمستـقلين ، ومنـذ ذلـك الوقـت توطـدت الصـداقة بيـني وبيـن سـعود وصرنا نلتـقي ( سـعود وأنـا وسـعيد القدسـي ـ جريدة العراق ـ وأحيـانا جهـاد زاير ـ العراق ) مـرة أسـبوعيا على الأقـل في أحـد مطاعـم شـارع السـعدون ، ونتـبادل الأحاديـث حيـث كـان سـعود ـ بحـق ـ بحـرا مـن المعـلومات وسـرد الأمـور الطريفـة .

وفـي أحـد اجتماعـات اتحـاد الصحافيـين العـرب في بغـداد عـام 1977 أقـامت نقـابة الصحافيـين العـراقيـين حفـلا سـاهرا للصحافيـين العرب المشـاركين في الإجتمـاع في أحـد نـوادي منطقـة الكرادة الشـرقية ، وكـان سـعود وأنـا مـن الحاضـرين لعضـويتـنا في لجنـة العـلاقات الخـارجية التـي كـانت تـتولى الإشـراف علـى زيـارة الوفـود الصحافية الأجنبـية للعـراق ، وكـان سـعود بجـدارة نجـم الحفـل اللامـع ( إلـى جانب فـؤاد سالم وسـعدي الحلي ) حيـث حمـل آلـة العـود وظـل يغـني الروائـع لأكثـر مـن سـاعة بيـن إعجـاب الحاضرين .

وكـان سـعود مـن عائلـة شـهيرة في المجاليـن الوطنـي والصحافـي ، فـقد عـرض علـيّ الصديق محمد مبـارك ( رئيس القسـم الثـقافي لتلفزيون بغداد ، وهو أديـب ونـاقد جيـد ، وخـال الصحاف الذي عيـنه عندمـا كان رئيسـا لمؤسـسة الإذاعة والتلفـزيون ، وظـل في منصـبه على رغـم أنـه كـان مستـقلا ) ، أن نـزور سـوية الشـاعر الكبير محمد مهـدي الجواهري ( وكانـت العلاقـة بيـنهما وثيـقة ) الـذي كان في زيـارة لبغـداد ( عـام 1977 ) ووجـدتها فرصـة رائعـة للقـاء الجواهري ( خصوصـا كانت تربطنـي صداقـة جيـدة مـع ابنـه فـرات الذي كـان صحافيـا في جريدة الجمهورية )

واتصـل بـه محمد مبـارك وذهبـنا سـوية إلى داره ( أعـتقد كانت في محلـة القادسية ) واسـتمرت زيارتـنا أكثـر مـن ثـلاث سـاعات ، لـم يكـن احـد غيـرنا في زيارتـه ، واسـترسل الجواهـري في الحـديث عـن ذكريـاته الخاصـة مـع الملـك فيصـل الأول والشـاعر معـروف الرصافي وعبـدالكريم قاسم ، وتطرق أيضـا إلى عـلاقته مـع والـد سـعود ( عبدالرزاق الناصري ) الذي وصفـه بالوطني الشـهم والصحافي الجـرئ . . حتـى قـال : ومـن حـق سـعود أن يفتخر لأنـه سـلك نهـج أبيـه في كـل روائعـه ، وعـندما ذكرت لسـعود مـاقاله الجواهري بحـق أبيـه . . أجـاب سـعود : كـانا دائمـا متـفقان في القضـايا الوطنيـة ويلتـقيان بصـورة متـواصلة .

وكـان سـعود مشـرفا على قسـم المنـوعات ( الصفحـة الأخيـرة ) في جـريدة الجمهورية ( التي كان يرأس تحريرها في حينه سـعد قاسم حمودي ) ويبـدو أن وجـود شـيوعيين وديمقـراطيين في جـريدة الجمهورية كـان يثـير حفيظـة غـلاة البعـثيين ، على رغـم أن الجبهة كانت لاتـزال قائمـة ، فصـدر ذات يـوم مـن عـام 1978 قـرار مـن مكتـب الإعلام في القيادة القطرية لحزب البعث الذي كـان يرأسـه صدام بنقـل نحـو عشـرين صحافيا ( شـيوعيا وديمقراطيا كانوا مـن خيرة صحافيي جريدة الجمهورية ) مـن جريدة الجمهورية إلى وظائف عـادية في دوائر الدولة ، وكـان سعود الناصري الإسـم الأول في القائمة التي ضمـت أيضا سـهيل سامي نادر ومحمد خلـف ومظهر عارف ومحمد كامل عارف وآخرين.
ودارت الشـكوك حول عـدد مـن البعثيين فـي الجمهورية خصوصا حسـن العلوي ( الذي كان يرأس تحرير مجلة ألف بـاء التي كانت تصدر في حينه عـن دار الجمهورية ) وصادف صيف عام 1986 أن كان سـعد قاسم حمودي في زيارة لبلغراد ، وكانت علاقتي معه جيدة من خلال عضويتي في لجنة العلاقات الخارجية في نقابة الصحافيين العراقيين ، ومن ثـم رئاسته لتحرير جريدة الثورة حيث كان وافق على طلبي بالسفر إلى يوغوسلافيا للدراسة ومراسلة جريدة الثورة ، على رغم الإعتراض الشـديد من هـاني وهيب النداوي الـذي كان مديرا عـاما لجريدة الثورة في حينـه ، لأن العلاقة بيني وبين هاني كانت سـيئة .

ورأيت الفرصة سـانحة عندما كنت ذات مساء أتجول مع سـعد لوحدنا في بلغراد ، لأسـأله عن هذه القضية ، وطلبت منـه رأيه بسـعود الناصري ، فامتدحه كثيرا كإنسان وصحافي ، وقال سـعد : هـذه حقيقة على رغم اختلافي معه في الإنتماء الحزبي ، ثـم سـألته عن الشخص الذي تولى الدسيسة ضـد سعود وغيره من العاملين في الجمهورية ، فأجاب حسن العلوي ، فقلت لـه هل أنت متأكـد ؟ فقال : متـأكد لأنـني قرأت بواسطة طارق عزيز ( الذي كان نائبا لرئيس مكتب الإعلام القطري لحزب البعث ، وكانت علاقة سعد به وثيـقة منذ عام 1961 حيث كان طارق يعمل صحافيا في جريدة الحرية التي يملكها قاسم حمودي والـد سعد ) التـقرير السئ جدا الذي كتبه حسن العلوي وفيه طعن شديد بـي ( بسـعد ) على أساس أفسح المجال للشيوعيين لنشر أفكارهم من خلال الصحف الصادرة عن دار الجمهورية .

وسـألت أيضا ، لماذا ارتكب حسن العلوي هذا الجرم ؟ فأجاب سعد : كمـا أتصور كنت أنـا المقصود بدرجة رئيسية ، فقـد كان حسـن يطمح إلى ازاحتي من جريدة الجمهورية ، معتمدا على ابن خالته وشقيق زوجته عـدنان الحمداني ( عضو القيادة القطرية ووزير التخطيط في حينه الذي كان من بين الذيـن أعدموا إثر تولي صدام رئاسة الجمهورية ) ولكن فشل حسن العلوي في ذلـك على رغم نقلي بعد فترة الى رئاسة تحرير جريدة الثورة ، لأن طارق عزيز وقف ضد تعيينه ( ولـم يستطع عدنان الحمداني عمل أي شـئ لأنه لم يكن في مكتب الإعلام ) حيث تـم تعيين ( لا أتـذكر أيهما قال سعد ) سـامي مهدي أو حميد سعيد رئيسا لتحرير الجمهورية .

ورفـض سـعود العمل بوظيفة إدارية ، واحتـفظ بكرامته ، وغـادر إلى موسكو حيث عمل في وسـائل اعلامية سـوفيتية ، وانقطعت إتصالاتي معـه ، واسـتمرت معلوماتي عـنه معتـمدة على ماكنت أسمعـه عـن نشاطاتـه الإعلامية .

وبقـي في موسكو حتى إنهيار الإتحاد السوفيتي ، فانتـقل إلى لنـدن وأخذ يعمل في وسائل إعلامية متنوعة خبيرا في الشؤون الروسية ، كما عمل في مجلة ( رسالة العراق ) التي كان تصدر عـن إعلام الحزب الشيوعي العراقي في الخارج .

وفـي لندن لـم يحدث اتصال بيننا حتى عام 2000 حيث اتصـل بـي هاتـفيا وأنا في سكوبيا ، طالبا مسـاعدة ابنه عمار الذي كان وصل إلى بلغراد لبقـاء بعض الوقت حتى يهيئ سـعود أمـر انتـقاله إلى المجر ، واتصلت بأصدقاء لـي في بلغراد وقـدموا له المساعدات التي احتاجها حتى مغادرته إلى المجـر ، وكنـا خلال هـذه الفترة على إتصال دائـم .

وصادف خلال هذا الوقت أن نشرت مجلة ( رسالة العراق ) من دون أن تنتـبه إليـها ، دسيسـة لنظام صدام للإسـاءة إلى سـمعتي ، استكمـالا لإدراج اسـمي ضمن قائمة الأدباء الصحافيين الذين غادروا العراق والمرتدين التي نشرها عـدي عام 1996 ، ومنعـي من استمرار الإقامة في بلغراد منـذ صيـف 1993 بنـاء على طلب السـفارة العراقية مـن سـلطات ميلوشيفيتش بعدمـا رفضت محاولات السفارة لأكون عميلا لحزب البعث ، فحشـر إعلام صدام اسـمي رئيسـا لوفـد يوغوسلافيا إلى مؤتمر للمغتربين العراقيين في بغداد بين أسـماء رؤساء وفود المؤتمر ، وكانت الدسـيسة قـد انطـلت على ( رسالة العراق ) فنشرتها أسـوة بوسائل الإعلام الأخرى .

وذات يوم أبلغتني الصديقة فكتوريا ( أم عصام ) من الدانمارك بذلـك واستـغرابها بـها لعلمها بانـه لايمكنـني الذهاب إلى العراق ، وأرسلت لـي المنشور ، فكتبت إيضاحا حالا نافيـا ما نشـر وأرسلته إلى فكتوريا الذي سـلمته إلى منظمة الحزب الشيوعي العراقي في الدانمارك التي أرسـلته بدورهـا إلى مجلة ( رسـالة العراق ) .

واتصـلت بسـعود هاتفيا ، باعتـباره يعمل في ( رسالة العراق ) إضافة إلى الصديق الصحافي فائـق بطـي ، فـأكد لي عدم ملاحظته اسـمي ، إذ لـم ينتـبه لـه لأن الخبر كان يتضمن أسماء عديدة ولـم يركز عليها ، لأنه لـو لاحظه لحذف إسـمي بالتـأكيد لمعرفته بأنـني ملاحق من قبل مخابرات البعث ولا يمكـنني الذهاب إلى العراق وأيضا أنـا ممنوع من الإقامة والذهاب إلى يوغوسلافيا ، وانتـقلت إلى مقدونيا ، فكيف أتولى رئاسة وفد دولة أنا مطرود منها ؟

وفـي 2003 وبعـد إطاحة صدام ، التـقيت في العاصمة البلغارية صوفيا بالصديق الصحافي ابراهيم الأعسم المقيم في لندن ، فأبلغـني أن سعود أصيب منـذ فترة بعجز كلوي كامل ويبحث عـن كلية لزرعها ، وبعد عودتي إلى سكوبيا اتصلت بـه ، فذكر لـي أن وضعه الصحي متـعب ومزعج لمراجعـة المستـشفى مرتيـن أسبوعيا لغسـل الـدم ولكـن معنوياته عالية ويواصل العمل الصحافي بشكل جيـد . . وتواصلت اتصالاتنا بين فتـرة وأخرى . .

حتـى قـرأت نعـي المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي ( 26 / 6 / 2007 ) لـه ، الذي جـاء فيه " . . لقـد تـرك رحيل عزيزنـا أبو عمـار أثـرا عميقـا وغصة مؤلمة في قلوب رفاقـه وأصدقائه الذين عرفوا فيه إنسانا نادرا في طيبـته ونقـاء سريرتـه ، محبـا ومحبوبا مـن الجميع . . مثـالا ملهمـا في العطـاء الإنساني والمهني والإبداعـي ، كاتبـا صحافيا مرموقـا ، وإذاعيـا ، وفنـانا ، عـاش منغمـرا في هموم شـعبه ووطنـه ، وملتصقـا بحزبـه ، رغم مـاقاسى مـن مرارات الغربة . . وداعـا سعود الناصري . . فتحت دربا للعـلا ، وعيناك ظلتـا دائما تـتطلعان إلى غـد أفضل ، وخلفت رفاقـا بنهجك يهتـدون ، ولذكرك الطيب يحفظـون " .
فـكان خبـرا مؤلمـا وقاسـيا ، ، ورغـم ذلـك أعتـبرت سـعود الناصري حيـّا بـاعتباره مـن أبطال الحرية وصاحب ذكـر حسـن عنـد كـل مـن عـرفه . . وهـو أسـمى مـايجب أن يُـخلفـه الإنسـان .