نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جميل روفائيل

 

 

 

 

الخميس 30 /3/ 2006

 

 
 



أين نحـن وعهدنا وأيـن علتـنا ؟ ! !
 


جميـل روفائيـل

مـما لاشـك فيـه ، أن قـدرنا نحن ، مهما كانت تسـميتنا ( كلـدان آشـوريون سـريان ) أنـنا شـعب واحد ، وارث لكل حضارات وادي الرافديـن . . وضع التاريخ أيامنـا الراهنـة ضمن عهـود الحسـم . . نعـم ليس هـذا هـو الحسـم الأول ، فقـد مـرّ شـعبنا عـبر عصـوره الطويلة بظروف أليمـة تطلبت منـه أن يكـون بمسـتوى تحدياتـها . . وكان كذلـك بوحدتـه وإصراره على البقـاء في أرض مآثـر آبائـه وأجـداده ، حيث وضـع أمره في مجـال متطلبات الحسـم للمواجهة بالقـدر الذي تسـتوجبه ، وصمـد وظفـر . . وظل ينتصـر على تحدياتـه حتى أوصل الأمانـة إليـنا . . ونحن اليوم أمام عهـد جعلـنا في مواجهـة إمتحان عسـير ، فإمـا النجاح وما يمنحـه من الإكرام والإجـلال ، وإمـا الرسـوب وما يحملـه من مهانـة وخـذلان .

الهجـرة ومآسـيها

شـعبنا يقف اليوم بين أمرين ، الأول هو الهجـرة إلى أصقاع الدنـيا ، بلغـت أقصى مداهـا في السـنوات العشـرين الأخـيرة ، وبحيث لـم يشـهد تاريخنا عبر عصـوره مثـيلا لهـا ، والأنكى أن البعض من أبنـاء شـعبنا وخصوصا رجال الديـن خارج العراق يشـجعونها جهـارا غير آبهيـن بمآسـيها ، وإذا تواصلت هذه الهجرة وممارسـاتها وتداعياتـها فإنها سـتجعل شـعبنا يسـير حثـيثا نحـو فقـدان أرضـه ودياره وموطنـه وقوميتـه ولغـته ومآثـره ، مـا يعـني التـشـرد والفـناء والضياع في متاهـات الآخرين . . وصولا إلى إنقـراض ( الكلدان الآشوريين السـريان ) وإدراج إسـمهم ولغتهـم ومآثرهـم ضمـن لوائح ( الشـعوب البائـدة ) . .

وبالمناسـبة فقـد دعـت منظمـة ( اليونسـكو ) في الحادي و العشـرين من شـباط ( فبرايـر ) الماضي الأقليـات في أنحـاء العـالم للحفـاظ على لغـاتـها ومآثـرها محـذرة بـأن " لغـة واحـدة مـن اللغـات الأم التـي تمتـلكها شـعوب العـالم تختـفي وتـموت كـل أسـبوعيـن ، حيـث يعـاني نحـو ثلاثـة آلاف من لغـات الأقليـات حـالا مـن الإحتضـار وهـو مهـدد بالإنـقراض التدريجي " ووجـه المديـر العـام للمنظمـة ماتسـورا رسـالة ، جـاء فيـها ان " اللغـة أكثـر مـن مجـرد وسـيلة أو أداة ، فهي التي تشـكل بنيـة تفكيـرنا وتصـوغ علاقاتـنا الإجتماعيـة وترسـم صلتـنا بالواقـع ، وهي أيضـا بـُعـد جوهـري مـلازم للكائـن البشـري ، ورثـها عـن آبائـه الذيـن ورثـوها عـن الأسـلاف ، فاللغـة هـي الإنسـان نفسـه . . الإنسـان يحيـا فـي اللغـة وبـها " . .

ويجـدر التوضيح ، مـن دون تملـق أو إسـترضـاء للذيـن يصـنعـون من الحبـة كبـة ويبـنون صـروحـا وكيانـات وتنظيمـات قوميـة خياليـة المجـد علـى رمـال التسـيب وكثبـان التشـتت والغـربة أشـبه مـا تكـون بلهـاث الجـري للحـاق بالسـراب المغـر الخـادع . . التوضـيح ، بـأن شـعبنـا مهـدد بالـزوال والفـناء و لغـته مهـددة بالإنقـراض والنسـيان ، إذا لـم نربـط كـل ذلـك بالتحديـات التي نواجهـها ونضـع مشـروعا مسـتـقبليا واضـح المعـالم يلـتزم التنـمية الإنسـانية لشـعبنا حيـث مناطـقه في ديـار الآبـاء والأجـداد .

الصـمود والبقـاء

والأمـر الثـاني ، هـو الصـمود والبقـاء ، وهـذا يتطلب تحديـد الأرض والإلتـزام بالحفـاظ عليـها ، حيث أنـها واضحـة بالنسـبة لشـعبنا وجليـة أمـام أنظار غيـره
مـن العـراقيين وخصوصـا الأخـوة الكـرد الـذين يجاورونهـا منـذ أجيـال ، ومعلـوم أن هـذه الأرض تـقع شـرقي الموصـل وشـمالها وغربـها ، وهـي محـددة
بحسـب الإحصـاء السـكاني العـراقي لعـام 1957 المعتـرف بـه رسـميا والملتـزم أيضـا مـن قبـل كـل الأطراف العراقيـة في تحديـد المكـان والهـوية لسـكان العـراق .

وتلفت الإنتبـاه ، فقـرة وردت بمـا نشـرته الوكالـة الوطنيـة العراقيـة للأنبـاء ( نيـنا ) بتاريـخ 27 / 3 / 2006 تحـت عنـوان ( النـص الكامل للبرنامـج الذي إتـفقت عليـه الكتـل السـياسية العـراقية ) التي نصت على ما يلـي :
واحـد وعشـرون ـ تلتـزم الحكومـة بتـنفيذ المـادة 140 مـن الدسـتور والمعتـمدة على المادة 58 مـن قانـون إدارة الدولـة بكـل فقراتـها والمتـمثـلة بتحديـد ثـلاث مراحـل : التطبيـع والإحصـاء والإسـتـفتاء في كركوك وغيـرها مـن المناطـق المتـنازع عليـها ، وتبـدأ الحكومـة إثـر تشـكيلها فـي إتخـاذ الخطـوات اللازمـة لإجـراءات التطبيـع بمـا فيهـا الأقضيـة والنواحـي التابعـة لكركـوك بالأصـل وتنتـهي هذه المرحلة في 29 / 3 / 2007م حيـث تبـدأ مرحلـة الإحصـاء فيها من 31 / 7 / 2007 م وتـتم المرحلـة الأخيـرة وهـي الإستـفتاء في 15 / 11 / 2007 م .

وبحسـب مـا أرى أن عبـارة " وغيـرها مـن المناطـق المتـنازع عليـها " تشـمل ( كل المناطـق التـي حصـل فيهـا تدميـر البـلدات والقـرى وتشـريد أهلـها أو تطهيـر عرقـي وهجـرة قسـرية ) نتيجـة الظـروف غيـر الطبيعيـة التـي مـرّ بـها العـراق وشـعبه ، مـا يعـني أن مـا يسـري على كركـوك ينسـحب طبيعيـا على كـل المناطـق العراقيـة التـي مـرت بأوضـاع متشـابهة ، وبالتأكيـد أن ضمنـها مناطـق شـعبنا التـي لاتـقل مآسـيها قسـاوة عـما حصـل في كركـوك . . وهـو أمـر نـنتظر مـن زعمـاء شـعبنا ( مهمـا كـان لونهـم وشـكلهم ومركزهـم وإنتمـاؤهم ) متابعـتها ، ونحـن الذيـن أرتضـينا أن يـكون لسـاننا وصوتـنا في حـروف أقـلامنا وعبـاراتها الناطقـة عمـا يختلـج في حدقـات عيـون الأوفيـاء مـن شـعبنا الكريـم الأبـي ، نـنتظر ونرقـب ونحاسـب ونكتـب ، بصـدق وجـلاء ، قائليـن للمحسـن إنـك وفـيّ وصانـع الخيـر والصـواب ، وقائليـن أيضـا لغيـر المبالـي ( مـن غشـنا ليس منـّا ) . . ومنـذ القـدم قـال الحكمـاء " نصـل القلـم أشـد طعـنا مـن سـنان الرمـح " .

مصاعـب وضغـوط

ومن المعلوم ، أن شـعبنا تعـرض إلى مصاعب حياتية وضغوط أمنيـة في بعض مناطقه منـذ عـام 1960 بسـبب الظروف غير الطبيعية لأندلاع القـتال بين الأخوة الكـرد والسـلطات الحكومية ، وزادت هذه الحال تـفاقما بصورة مسـتمرة مع إزدياد إعتـداءات السـلطات وإجراءاتها القمعيـة وممارسـاتها العنصرية ، وتوقع شـعبنا بعض الأمـل في عامـي 1972 و 1973 عندما صدر عـدد من القرارات التـعليمية والثـقافية والإجتماعيـة والإدارية والإنسـانية عن أعلى سـلطة عراقيـة آنئـذ التي كانت تسـمى ( مجلس قيادة الثورة ) وذلك على رغـم أن تلـك القرارات جردت كل صـفة قوميـة عن شـعبنا بتسـميته ب ( الناطقين بالسـريانية من الآشـوريين والكلـدان والسـريان ) .

لكـن ذلك النظـام البائـد ، الذي كان من عـادته إثـارة الذرائع للإنقـلاب على قراراتـه ووعـوده ، لـم ينـفذ أيـّا من القرارات الخاصة بشـعبنا بصورة سـليمة ودائـمة ، وهـذا معـروف لكل أبنـاء شـعبنا وغيـره الذيـن تابعـوا تلـك القـرارات ومـا حصـل لهـا مـن قضـم متواصل حتى تـم الإنصـراف عنـها نهائيـا ونسـيانها من قبـل السـلطة التي كانت تبجحـت بإصدارهـا مكـرا وخـداعا .

وعـمدت تلـك السـلطة الجائـرة إلـى عمليات تطهير عـرقية ضد شـعبنا ، بحسـب خطوات متـتالية ، إذ من المعـروف أن غالبيـة شـعبنا كانت تعيش في منطقـة إدارية واحدة تسـمى ( لـواء الموصل ) فقسـمت هذا اللـواء بيـن محافظتـي ( نيـنوى ) و ( دهـوك ) وتـقسّـم وجـود شـعبنا بينـهما ، ثـم جـرى تدمير المئـات من قـراه الرائعـة بذرائع أنهـا قريبـة من سـوريا وتركيـا أو ( لمتطلبات أمنيـة ! ) ، ثـم تواصلت الضـغوط على سـكان البلـدات والقـرى الأخـرى بالإعتـقالات وتوطيـن أزلامـه من غيـر أبـناء شـعبنا فيـها . . ولكـن مـن حسـن حـظ هـذه التجمعـات
وسـكانها وتاريخـها ومآثـرها ، أن ذلـك النظـام ذهـب إلى غيـر رجعـة قبـل أن ينهـي خططـه الخبيثـة بمحـو وجـود شـعبنا فيـها .

الواجب الراهـن

إن الواجـب الراهـن لكل وفـيّ لشـعبنا مـن أبنـائه ، هـو وضـع ، فوق كـل إعـتبار ، مهمـة رفـع الغبـن الـذي لحـق بأرضـه وديـاره وممتلكاتـه ، نتيجـة إجـراءات الأنظمـة المبـادة ، فقـد دلـت تجـربة السـنوات الثـلاث الماضية ، أن مقاعـد البرلمـان ومناصب الوزارات وحتـى تشـكيل الأحـزاب وإصدار الصحف وإطلاق القـنوات التلفزيونيـة والفضائيـة لـم تـفد قضـيتنا المصيرية في إعـادة الأرض الضائعـة ووضع أسـس إستـقرار شـعبنا ورسـوخه وبقـائه .

ومـن المؤكـد ، أن أسـسا قـد وضعـت ، بعـد زوال النظام المقيت ، لرفـع الغبـن الذي لحـق بالعراقيين الذين جـرى تهجيرهم قسـرا وإعـادة الوضع الطبيعي للأماكن الجغرافيـة التي تـم تـغيير وضـعها المتوارث ، وإن الأخوة الكـرد يسـعون بوحدتهم لتحقيق مـايخصـهم في هـذا المجـال ، ولا يمكن أن يرفضـوا ، هـم وغيـرهم ، مايخص شـعبنا أيضا مـن مبادئ العـدالة والإنسـانية التي يعملون مـن أجلهـا لأنفسـهم . . وسـمعت قبل فتـرة كلامـا رائعـا صائبـا صادقـا ومعـبرا عـن الحقيقة قالـه الزعيم الكردي الأسـتاذ مسـعود البارزانـي لفضائيـة عشـتار حين سـأله الأسـتاذ جورج منصور " يتطلع الكلـدان الآشـوريين السـريان إلى العيش مع إخوتـهم من الشـعب الكردي في كردسـتان والتمتع بالحقوق الثـقافية والإدارية المشـروعة في ظل إقليـم كردسـتان ، كيف ترون العلاقـات بين الشـعبين ؟ "

فأجـاب الأسـتاذ البارزاني كلامـا واقعيـا ، حين قـال " العلاقات هي علاقـات تاريخية . . هي علاقـات المواطنة . . وعلاقـات تاريـخ . . ونحن نؤيـد الأخـوة من أبنـاء الشـعب الكلداني الآشوري السرياني ، أرجو أن تكونـوا قـد إتـفقتم على هـذه التسـمية فيما بينكـم ! وأيضا نؤيـد أن يتـمتعوا بكامـل حقوقهـم وسـوف ندعـم حقوقهـم ، وأعتـقد عمليـا بأنهـم يتنتعـون بحقوقهـم في كردسـتان . وإذا كـان هنـاك أي خلـل فأنـا مسـتعد أن أسـاعدكم بكل مـالـديّ مـن إمكانيات " .

منطقة إدارية وكانتونات

إذن ، العلـة فيـنا ، وهي أسـاسـا في عـدم إتـفاقنا بينـنا ، فقـد أعـرب الأسـتاذ البارزاني عـن رجائـه أن نكون قـد إتـفقنا على تسـمية تجمـعنا ، التي هي إحدى المشـكلات الرئيسـية في معـانـاة إنـقسـاماتـنا الراهنـة ، والتي إن تجاوزنـاها فـإن
أبـواب وحـدة عملنا سـتكون سـهلة الإنـفتاح أمامنـا . . وهنـا بدايـة الحسـم الذي يوفـر ثـقة الآخريـن بكلمتـنا ومطاليبنا غيـر المشـتتة .

ولاشـك ، أن منطقة إدارية لشـعبنا مع الأخوة الإيزيدية والشـبك في سـهل نيـنوى ، إضافة إلـى شـمول تجمعات شعبـنا المتـفرقة في محافظتي دهوك وأربيل بنظام المناطق الجغرافية المحددة ( التي تسـمى عالميـا : كانتونـات ) وتلتزمها الكثيـر من الدول الأوروبيـة وغيـرها في حـل مشـاكلها القـومية ، هي أحـد الحلول الضامنـة لحقوق شـعبنا القومية والتراثيـة والثـقافية والجغرافيـة والمستـقبلية ، ولا بـد من وضـعها في أولويـات كـل أطراف شـعبنا ، والعمـل المشـترك في سـبيلها .

ويتجلـى الحسـم وحكـم التاريـخ هنـا . . فـلا مقاعـد البرلمـان ولا المناصب الوزارية ولا بـريق الأحـزاب . . ألـخ يمكـن أن تـشـفع مـن يتوانـى عـن بـذل مـا في مقـدوره مـن أجـل وحـدة أمتـه وحقـوقها المشـروعة في صيانـة مستـقبلهـا ، ولا نريـد أن نـنذر لأن هدفنـا هـو أن نذكـر ، وكفـى ذوي الألبـاب إشـارة .