| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جميل روفائيل

 

 

 

 

الجمعة 30 /12/2005

 

 

 

ما حقيقة إختلافات المسيحيين في تواريخ الأعياد ؟
 


جميـل روفائيــل

قد يتراءى للوهلة الأولى أن هذا الموضوع ليس في مجال إهتماماتي الوحدوية لشـعبنا ، ولكنه في الحقيقـة ليس منفصلا عنهـا ، نظرا للإختلافات الموجودة في مناسـبات الأعياد الدينية لطوائف شـعبنا ، والقصد منه هـو التأكيـد على أن هذه الإختلافات لا تشـكل تفرقة دينية أو طائفية أو مناطقية ، لأنها قائمة على تباينات في التـقاويم التي تسـتند عليها مواعيد المناسـبات الدينيـة ، بدليل وجود كنائس أرثوذكسـية رئيسـية عالمية ، منها البلغـارية واليونانية تـتـفق مع الكنائس الكاثوليكية والبروتسـتانتية في مواعيد تواريخ مناسـباتها الدينيـة إلى حـد كبيـر .

ولنأخذ مثالا لهذه الأختلافات مناسـبة رأس السـنة لأنها تشـكل الأسـاس الذي تبنى عليه مواعيد كل المناسـبات الدينيـة ، فإن قضيـة الأختلاف تحصل بسـبب تأخر رأس السـنة لبعض الكنائس بثلاثـة عشـر يوما عـن التـقويم الميلادي الشـمسي المتبـع عالميا في الوقت الراهـن .

من المعلوم تاريخيا وعلميا ، أن التـقويم الشـمسي يمثـل دورة كاملة للأرض حول الشمس ، وقد إبتكر البابليون والفراعنة هذا التـقويم أصلا ، وبعـد التطور الذي حصل على العلوم الفلكية في زمن الرومان ومعـرفة أن الأرض تـقطع مسـارها السـنوي بحوالي 365 يوما وربع اليوم ، قام الفلكيون في عهـد القيصـر الروماني يوليوس حوالي عام 45 قبل الميلاد بتصحيح التـقويم الذي وصلهم خصوصا ما يتعلق بربع اليوم ، وقرروا أن تكون كل ثلاث سـنوات متـتالية 365 يوما وسـميت بسـيطة بينما تكون الرابعة 366 يوما وسـميت كبـيسـة ، وأطلـقـوا على التـقويم بعـد التـصحيح تسـمية ( الرومي ) أو ( اليوليوسـي ) أو ( اليوليانـي ) نسـبة إلى يوليـوس قيصر ، وسـاد هذا التـقويم في معظم أنحاء العـالم وتبـنته المسـيحية وأعتـبرت بدايـته مع سـنة ميلاد السـيد المسـيح ( كما كان معروفا ) ، وأخذت به لتحديد مناسـباتها ، سـواء قبل الإنقسـامات المذهبية أو بعـدها .

لكنـه تبيـن في القـرن السـادس عشـر وجود خطـأ فلكي بسـيط مدته 13 يوما في التـقويم اليوليوسـي ، تراكم إعتبارا منذ العمل بالتاريخ الميلادي ، بسـبب فائض ثلاثـة دقائـق في كل سـنة لـم يكـن أدركـها الفلكـيون الذين وضعـوا التـقويم القديـم ( اليوليوسي ) بسبب عـدم الدقة الكافية في وسـائل القياسات التي كانت متوفرة في وقـتهم ، ويعـود سـببه إلى أن فتـرة 365 يوما وربع اليوم هي أكبر قليلا من الفترة الحقيقـية لدوران الأرض حول الشـمس وأنه ينبغـي معالجة ذلك بالحسـابات الفلكية الدقيقـة ، وتـقرر أن لا تعـد السـنوات القـرنية ، أي التي تنتهي ب 100 مثل 1600 و 1700 و1800 و1900 . . . ألخ كبيسـة ( بعدم جعل شهر شـباط ـ فبراير فيها 29 يوما وإنما 28 يوما كما هي حاله في السـنوات البسـيطة ) إلا ما يقبـبل منها القسـمة على 400 مثل 2000 فتعـد كبيسـة وذلك لتلافي الخطأ الزمني البسـيط .

وكانت الأعياد والمناسـبات الدينيـة المسـيحية حتى وقت إصلاح التـقويم ( أي حتى القرن السـادس عشـر ) في يوم وتاريخ واحد ، وذلك على رغـم عـنف الإنقـسـامات الطائفية ، ما يعـني أن مواعيد المناسـبات المسـيحية لـم تتـأثر بالصراعـات المذهبية وتفسـيرات الأمـور الدينيـة .

وتـقرر في حينـه أن يتولى البابا غـريغوريوس الثالث عشـر في عام 1582 حذف الفرق ، وهو 13 يوما ، الذي حصل عن 1582 سـنة مضت منذ بدء التـقويم محسـوبا على ميلاد السيد المسـيح وإتخاذ الأول من كانون الثاني ( ينايـر ) رأسـا للسـنة ، ومواصلة إتباع قاعدة المعالجة المئوية الجديدة للسـنين مسـتـقبلا ، وألغيت تسـمية التـقويم التي كانت مسـتخدمة ، أي ( الرومي واليوليوسـي واليولياني ) وأطلق على التـقويم الناتج عن هذا التصحيح إسـم ( الغريغـوري ) نسـبة إلى البابا غريغـوريوس .

ونتيجـة لحذف هذا الخطأ الفلكـي ، صـار التـقويم الغريغـوري متـقدما على اليوليوسـي ثلاثـة عشـر يوما ، وبسـبب الأوضاع الدينيـة المسـيحية السـائدة آنئـذ وعـم إسـتشارة البابـا رؤسـاء الكنائس غير الكاثوليكية بأسـباب التغيـير ، فقـد رفضـت الكنائس الأرثوذكسـية والشرقية غير الكاثوليكية الأخذ بالتـقويم الغريغوري ، وظلت ملتـزمة بالتـقويم اليوليوسـي ، وصارت بداية السـنة الأرثوذكسـية ( الشرقية ) بسـبب ذلك متأخرة 13 يوما عن رأس السـنة الكاثوليكية ( الغربية ) وبذلك أصبحت كل المناسـبات الدينية الأرثوذكسـية ( للطوائف المتمسـكة بالتـقويم اليوليوسـي ) بمـا فـيها أعيـاد الميلاد والدنـح وغيرها ، متأخرة 13 يوما عـن مثيلاتها لدى الكاثوليك ، من دون أي إرتباط لذلك بالقـناعات المذهبيـة ، إذ أن المناسـبات الدينية لمختلف المذاهب هي نفسـها كما كانت عليه حين كانت موحدة الوقت والأيـام قبل العمل بالتـقويم الغريغوري ، على رغم ما يظهر وكأنه يوجد عيدان للميلاد وعيدان لرأس السـنة وعيـدان للدنح أو العماذ . .

وهكذا بالنسـبة للمناسـبات الدينية الأخرى ، وإن كان في الحقيقة أن التاريخ واحد ، ولكن مشكلة خطأ 13 يوما التي لا تزال لم تحذف من بعض الحسـابات الزمنية للكنائس الأرثوذكسية والشرقية ، هي السبب في ذلك ، إذ أن السـابع من كانون الثاني في التـقويم الجديد ( الغريغوري ) هو في التـقويم القديم ( اليوليوسي ) 25 كانون الأول ( ديسـمبر ) ، وهذا يعني أن العيد هو في التاريخ نفسـه ، وأن الإختلاف هو فقط في نوع التـقويم المسـتخدم .

مثـلا ، عيد الميلاد ، هو في التـقويمين في 25 كانون الأول ( ديسـمبر ) ولذا فإن الفرق الذي نراه الآن ليس في العيد وإنما في نوع التـقويم ، إذ أن 25 من هذا الشهر بحسـب اليوليوسي يصادف بعد 13 يوما من موعـده في الغريغـوري ، من دون أن يكون للأمر أي علاقة بالطقوس المذهبية ، بدليل أن كنائس أرثوذكسية في اليونان وبلغاريا ( يدين بها غالبية السـكان ) وغيرهما ، إنتـقلت لتطبيق المناسـبات الدينية بموجب الغريغوري وهي على أرثوذكسيتها الكاملة ، ولـم تلق إعتراضا على هذا الإنتـقال من باقي الكنائس الأرثوذكسية مثل الروسـية والأوكرانية والرومانية و الصربية والمقدونية والقبطية . . التي بقيت على التـقويم القديم ، إذ أن الكل مؤمن أن إختلاف التـقويم لا يسـبب إختلافا في وحدة المناسـبات الدينية بين كل المذاهب المسـيحية .

عيـد الفصـح

وتعـني كلمة الفصح ( النجـاة ) ولا يوجد تاريخ محدد لعيـد الفصح لدى أي من الأطراف والمذاهب المسـيحية ، لكن مناسـبته تكون عادة كل عام في أحد أيام الأحد الواقعة بين 22 آذار ( مارس ) و25 نيسـان ( أبريل ) ويرتبط بعيد الفصح العديد من المناسـبات والأعياد الأخرى ، منها : أنه يسـبق بالصوم الكبير الذي يدوم أربعين يوما ، لكن شـكل هذا الصيام وما هـو مطلوب منه للإلتزام بـه ، فإنـه ليس على نهج واحد لـدى كل الطوائف ، فبعضها يلتزم بكل الأيام بصورة متشـددة ، وبعضها خـفف قليلا أو كثيرا من هذا التـشـدد .

وموعد عيد الفصح لكل الطوائف المسيحية يكون دائما يوم الأحد ، وهو مرتبط بحصول القمر بدرا في الأسـبوع السـابق له ، من الإثنين إلى السـبت ، ويحل عيد الفصح ، في بعض السـنوات في يوم واحد لكل الطوائف ، كما حصل قبل سـنتين ، مهما كان نوع التـقويم المسـتخدم ، فإذا ظهر القمر بدرا بعد إنتهاء 13 يوما التي تشـكل الفرق في التـقويمين ، فإن هذا العيد يكون موحدا ، وتكون كل المناسـبات الدينية المرتبطة بموعده ، قبله وبعـده ، موحدة أيضا . وبشكل عام ، فإذا ظهر القمر بدرا خلال الفتـرة من 5 إلى 10 نيسـان بحسب التـقويم الجديد ، أي الفترة ما بين 22 و 27 آذار بحسب التـقويم القديم يكون العيد موحدا ، وهذا يعني أن موعد عيد الفصح يرتبط بأمرين : الظاهرة الفلكية والإختلاف بين التـقويمين القديم والجديد ، ولهذا فإنه قبل العمل بالتـقويم الجديد كان الإحتفال بعيد الفصح موحدا مهما كان الإنتماء الطائفي والمذهبي .

وبالنسبة للعام الحالـي ، فإن القمر سـيكون بدرا في 12 نيسـان ( بحسـب الغريغوري ) ما يجعل الأحد الذي يليه يوم 16 نيسـان وهو العيد بموجبه ، في حين سـيكون بالنسبة للطوائف التي تلتزم التـقويم القديم ( اليوليوسي ) بعـد ذلك بأسـبوع أي في 23 نيسـان .

و ترتبط بوقت حلول عيد الفصح ، الأوقـات التي تحدد لجمعة لعـازر وهي الجمعـة الثانية قبل العيد ، ولعـازر هو الشـخص الذي كان ميتا وأحياه السـيد المسـيح كما ذكر في الإنجيـل ، وأحد السـعانين وهو الأحد السـابق للعيد ، وكلمة السـعانين مأخـوذة مـن ( هوشيعـنا ) أي ( خلّـصنا ) ولهذا يشـتهر بكلمة ( الشـعانين ) وفي هذا الأسـبوع يوجد خميس الفصح ، وتليه جمعـة الآلام التي تسـمى أيضا الجمعة العظيمة ، ثـم سـبت النور التي تسـبق أحد الفصح .

ومن الأعياد والمناسبات التي ترتبط بوقت حلول عيد الفصح وتأتي بعده ، جمعة الشهداء المعترفين وهي الجمعة الأولى بعد العيد ، ثم الأحد الجديد وهو يوم الأحد الذي يلي الفصح ، وعيد الصعود الذي يصادف عادة يوم الخميس بعد 40 يوما من أحد الفصح ، وعيد العنصرة ومعناه ( الإجتماع والمحفل ) وهو تذكار حلول الروح القدس على تلاميذ السيد المسيح ويقع بعد عيد الفصح بخمسـين يوما .

ويبقى أمر توحيد عيد الفصح ، أسـوة بمتطلبات توحيد المناسـبات والأعياد المسيحية الأخرى ، مرتبطا بإلـتزام التـقويم الجديد الذي تم إستحداثه لتلافي الأخطاء المذهبية التي أثبت التطبيق وجودها ، والتي بمرور الزمن كان يمكن أن تؤثر على الشكل المناخي المرتبط بتلك المناسبات ، مثلا عيد ميلاد السيد المسيح المرتبط بوقت سقوط الثلج والبرد ، كان سيتحول إلى الربيع وحتى إلى الصيف بمرور الزمن لو إسـتمر العمل بالتـقويم القديم ، وهذا كان سـيتعارض مع ما هـو مذكور دينيا في الإنجيل بالنسـبة لحصول هذه المناسـبات في واقعها الأصلـي .