| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جميل روفائيل

 

 

 

الأحد 30/3/ 2008


 

شـيوعيو قـرانا قبـل نصـف قـرن *

جميـل روفائيـل

هـذا الموضـوع ليس دفاعا عـن الشـيوعيين ، لأني لسـت في كتاباتي مـن ممارسـي المـدح والـذم على الهويـة والمزاج ، وإنـما هـو شـهادة للأمور التي عشـتها عـن قـرب ، فـي تلـك السـنوات التـي كانت إحـدى الفتـرات البارزة في حيـاة الشيوعيين العراقيين ، وأعنـي مـا بين عـامي 1958 و 1960 حيث كنت أنـئذ في قيـادة المنظمة الرئيسية لتللسـقف ، وهـي الفتـرة السياسية الوحيدة في تللسـقف والقـرى المجاورة لهـا التـي أسـتطيع التحدث عنـها ، لأنـني لـم أكـن في أي مسـؤولية حزبية قبلها كما لـم أكـن على علاقة ذات شـأن بالأمور السياسية لتللسـقف بعدها . . وأنـا اليوم غير ملتزم إنتمـاء أو مؤازرا بالمطلق مع أي جهـة سـياسـية .

خطـر في بـالي أن أكتـب عـن حقيقة هـذه الحقبة في تللسـقف ، بعـدما وجدت أن البعض ، مـن الذي يمكن أن يقـال عنـه ضـامر الحقـد المتأصل في قلبه الأسـود ، يتحدث عـن تلك الفترة ، ومن نماذج ذلـك رسـائل وردت باللغة الإنكليزية مـن مرسلة أو مرسـل في أميركا إنتحل إسـم نسـائي لفتاة من تللسـقف لـم أتذكر بمعرفتي لهـا وحتى بالإسم المدون لوالدها ولقبها ، وبـدا لـي أن هذه الفتاة ـ إن كانت فتاة حقا ـ أنـها لم تكن مولودة في تلك الفترة وحتى بعدها بسنوات عـدة ، وربما أن أمها لم تكن أيضا مولودة أو كانت طفلة ، بدليل أنـها تكتب بالإنكليزية وليس بالعربية وأن مـا كررته في كل رسـائلها لـم يكن أكثر من عبارات فارغة من أي دليل ، مثل الإسـطوانة الشـائعة عنـد أمثالها : ضـد الدين ودعـاة الإلحاد والكفر والإعتـداء على الناس . . أمـا مـن هـم هؤلاء الناس المعتـدى عليهم فالمعنى في قلب الشـاعر كمـا يقـولون .

ومـن الذين كتبوا أيضا شـخص معروف ( يعيش حاليا في أميركا ) وهـو كبير ربما يقارب عمره حاليا 75 عاما ، ما يعني أنه كان في ذلك الوقت بعمر مـا بين 22 و 25 سـنة ، وأن جيل تللسـقف الذي أقل منـي عمرا بنحو عشـر سـنوات لايعرفه والأرجح أنه لـم يسمع بـه ، لأنـه ترك تللسقف نهائيا عام 1954 وسكن بغداد ( لأسباب أعرفها ولكن لست بحاجة إلى إيرادها ) ولـم يـزر تللسـقف إطلاقا بعدها حتى عند وفاة والده ووالدته وأقاربه ، وقطع كل صلة لـه بتللسـقف وأهلها في كل مكان ، وزوجته ليست من تللسـقف . . وهـذا يعني أنه ليس شـاهد عيان ليعتبر حديثه ثـقة عن وضع الشيوعيين في تللسقف بين 1958 و 1960 وحتى لو سـمع بعض الأمور من هـذا وذاك ، ولكن السماع لا يعتبر شـهادة في غالب الأحيان لأنه قـد لايكون الناقل أمينا ، ومـع هذا كتب هذا الشخص مواضيع عدة ينتقد ويهاجم فيها أشخاصا من تلك الفترة عارضا نفسه ـ بكلمات إفتـرائية ـ كمعايش للوضع ، بـما يمثل الحقد الواضح لهذا الشخص ، لمن يعـرف حقيقتـه .

ولا حاجة لذكر المزيد من الذين كتبوا أو تحدثوا ، لأنهم جميعا على شـاكلة هذين الشخصين . . ولهـذا سـأدون شـهادتي للتأريخ وبجلاء ، ومـن لـه ملاحظة عنها أو عـن غيرها من شهود العيـن لـتلك الأيام ، فعلى الرحب والسـعة ، شريطة أن يكتب اسـمه الصريح الواضح ، لأن قـادة أي حزب كائنا مـن كانوا يخطأون لأنهم بشـر ، وأن الأحزاب ذات الأسس الديمقراطية تراجع مسيرتها بين فترة وأخرى ، ويعتبر النقد والنقد الذاتي لممارساتها من مبادئها الأساسية ، وهـو حالة صحية لإختيار الأفضل ، والحزب الشيوعي العراقي كثيرا مـا انتـقد ممارساته وأعلن أخطاءه بجـرأة وشـجاعة .

وفـي 1958 وبعد ثورة 14 تموز ، تـمّ تشكيل قيادة جديدة لمنظمة الحزب الشيوعي في تللسـقف ، وكان الحزب الوحيد فيها ، حيث أن البعث وغيره لم تكن لهم قواعد في تللسقف ، أمـا أحزاب شـعبنا فلم تكن قد ظهرت بعـد ، وكنت في حينه متخرجا من دار المعلمين الإبتدائية وأنتظر التعيين ، وتـم إبلاغي باختياري ضمن قيادة المنظمة ، ونظرت إلى رفاقي خلال إجتماعنا الأول فوجدت إنـني الأصغر بينهم سـنا ، ولأن الشائعات راجت من الحاقدين بأن الشيوعيين كانوا من المعلمين لاغير ، أدون الآن تكوين المنظمة ذاكرا أسماء المتوفين ومتخليا عن ذكر أسماء الأحياء ـ باستثناء أعمالهم ـ لأنني لـم آخـذ موافقتهم . .

وكانـت أسـماء أعضاء المنظمة القيادية كمـا يلي : مسـؤولها كاسب بسـيط ( يعيش حاليا في أميركا ) وأنـا محسوب عند اختياري على الطلبة ، ورزوقي يوسـف ( معلم ) وأنطون نعمو ( فلاح ) ويوسف أبلحد الخوري ( فلاح ) وصادق عجمايا ( فراش مدرسة أي عامل ) وثلاثة معلمين ( يعيشون حاليا في خارج العراق ) . . علما أنـه لم يكن أي من أعضاء المنظمة يتقاضى أي إجـر بما فيه أجور السفر في المهمات ، كما كانوا يدفعون الإشتراكات بصورة إعتيادية . . ويـبدو واضحا من هـذه الأسـماء المعروفة أن الشيوعيين لم يكونوا جميعا من المعلمين كما ادعـى ولايـزال يدعي المغرضون .

كانـت التعليمات ، التـي تـفضـل النوعية على العدديـة ، تقضي بقـفل بـاب الإنتماء أمام الموظفين والطلاب ، باستـثناء حالات نادرة ، وذلك لكي لايطغوا على المنظمة باندفاع يفتـقر إلى ثـقافة حزبية مناسـبة ، وإبقـاء باب الإنتماء مفتوحا أمام العمال والفلاحين شريطة الإهتمام بتـثـقيفهم وإنتـماء الذين لايعرفون القراءة والكتابة إلى مراكز تعليم الأميـين ، وهـذا كان معمولا بـه طوال الفترة مـن 1958 إلى 1960 ، وقـد تـم إعتـبار كل الذين يقدمون طلبات الإنتماء من الطلاب والمعلمين ( إضافة إلى النسـاء اللائي لم يكن مطلوبا إنتماءهـن في ذلـك الوقت ) مؤيدين ، وشخصيا قدمت رسائل طلب إنتماء من عدد كبير مـن المعلمين ( بينهم مثلا المرحوم حميد كوركيس عـم بولص ) والطلاب ورفضت جميعها تقريبا ، مـا يؤكـد أن الضوابط كانت شديدة في تللسـقف للدخول إلى صفوف الحزب الشيوعي في ذلـك الوقت ولـم يكن البـاب مفتوحا لكل مـن هـبّ ودبّ كمـا يدعـي الذيـن لايدركون الحقائـق .

ونـنتقل إلى الديـن ، وأتحدى مـن يثـبت أن شـيوعيا واحدا في تللسـقف تهجم على الدين ، وأتحـدى أيضا مـن يثـبت أن شـيوعيا واحدا لـم يلتـزم أصول الدين المسيحي في الزواج والعماذ والتناول الأول وتأدية متطلبات كل ذلك بحسـب الطقوس الدينية ، هـذا إضافة إلى الإلتزامات المطلوبة في الأعياد وتقـديم التـهاني ، أمـا الذهاب إلى الكنيسـة أيام الأحـاد والأعياد كمـا هو الأصول المتبع في قـرانا ، فربمـا كان البعض مـن الشـيوعيين غيـر منتظم في ذلـك ، أسـوة بالنـاس الآخرين حيث لكل شـخص في مثـل هـذه الأمـور سـلوكه الذي يخضع لوضعه وظروفه ، ولكـن بالتأكيد أن الوضـع العام كمجموع بالنسبة للشيوعيين فقـد كانوا يحضـرون القداديس في أيام الأحاد والأعياد أكثر مـن غيرهم . . وهنـا أود أن أذكر أن عـددا مـن الشيوعيين الذين لديهم إمكانات كـانوا يشـاركون كشمامسـة في القداديس ومنهم في قيادة المنظمة المرحوم رزوقي يوسـف ومعلم يعيش حاليا خارج العراق . . إذن أيـن الشـيوعيون في تللسـقف والإدعاءات المغرضة بمواقـفهم ضـد الديـن ؟

وأود أن أذكـر بالمناسـبة ، أن علاقة الشـيوعيين بالقسّـين في تللسـقف في ذلك الوقت ، المرحوميـن جبرائيـل ويوسـف ، وكذلـك القس منصور ( من ديـر السـيدة ) الذي عمل في تللسـقف في تلك الفتـرة ، كانـت جيـدة جدا . . وأيضا بطالب السـينميـر ( لن أذكر اسمه لأنه حـي يرزق ، وقـد ترك السـينمير لأسباب لاعلاقة لنـا بـها ) الـذي كان يبث الدعاية علنا في القرية ضـد الشـيوعية ، وشـخصيا كنت أزوره باسـتمرار أثنـاء وجوده في الصيف خلال عطلة السـينمير ، وأناقشـه حيث كان يركز على أمـور من خارج تللسـقف ، فكنت أقـول لـه : أنـت تتحدث مـع أهالي تللسـقف ، فلماذا تخـرج عـن إطار القرية ، أذكـر كل مـا تراه خطـأ مـن الشيوعيـين في تللسـقف ونتـفاهم حوله ، فإذا نـرى أن مـا تراه ليس صحيحا نوضح لك الأمر ونتفاهم حولـه ، وإذا هـو صحيح نشـكرك على ملاحظتـك ونصحح الخطـأ . . أمـا أن تضع على منضدتك عـددا مـن الكتب وتقـرأ عبارة مـن هـذا الكتاب وأخرى مـن غيره ، فهـذا نهج خاطئ ، لأنه مـن يقـول إن المكتوب صحيح أو لايوجـد تأويل آخـر لـه إذا كان المكتوب رأيـا قديما لأكثر مـن مائـة سـنة ويخص ظـرفا حياتيا معيـنا ؟ وأيضـا أليس مـن الأفضل أن تتحـدث عمّـا تـراه بـدل الذي تقـرأه ؟ وإذا يوجد شـخص واحد تـم الإعتداء عليه من قبل شيوعي لأسباب سياسية أذكر ذلك جهارا .

ولكـن كان يعلم ـ كما يبـدو ـ أنه سـيفشل في هـذا الإمتحان ، لأنه ليس في مقـدوره توجيـه أي نقـد لشـيوعيي تللسـقف ، ولـذا فهـو يسـرح خارجها حيث يجد مـا يناسـبه . . ومـرت سـنوات وألتـقينا في بغـداد بعدما تـرك هـو السـينمير وسألته طالبا منـه الجواب بصراحة عـن الدعاية ضـد الشـيوعية التي كان ينشـرها ، فأجابني : الحقيقـة ، لاأريـد أن أقـول أكثر مـن أنه كان مطلوبا منـي أن أقـوم بذلـك . . وألتقينـا قبـل نحـو سـنة في تللسـقف وتسـالمنا بحرارة ومـودة وقيـل لـي عـنه إنـه طيـب جـدا .

هـذه نمـاذج مختصرة لـرد كيد الحاقـدين . . وبالمناسـبة أود التأكيـد أن في كل قـرى منطقتنا ، كـان الشيوعيون بالصفات نفسـها وأفضل خصوصا في ألقـوش التي كانت علاقاتنا بهم قوية جدا ، فقـد كانوا شـموعا نيّـرة في كل ألقوش بعلاقاتهم الرائعة مع رجال الدين ورهبان الدير وكل أهالي البلدة ، وكانت ألقوش مثـالا للوحدة والأخوة (ولسـت في حاجة لذكر الأسماء ، فالأخوة في ألقوش الذين في عمري لهـم إطلاع ومعرفة بذلك أفضل مني ) . . أمـا في باقوفا فالمنظمة كانت صغيرة وعلاقاتها مع الأهالي جيدة ، وكذلك الأمر في باطنايا فلم تكن المنظمة كبيرة ومؤثرة ، في حين أن في تلكيف كانت المنظمة غير فعالة وذلك لأن الخلافات التقليديـة المتوارثة بين عائلات تلكيف انعكست عليها ، ولهـذا لـم تكن ـ حسب علمي ـ بالمستوى المطلوب .


* الموضوع تمت كتابته لمجلة " بيرموس " الصادرة في ألقوش ونشـرته في عددها الحـالي بمناسبة الذكرى 74 لميلاد الحزب الشيوعي العراقي .
 




 

Counters