نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جميل روفائيل

 

 

 

 

الأربعاء 26 /7/ 2006

 



عِـبَـر الأحزان وإرادة الحيـاة
 


جميـل روفائيـل

كثيـرة هي أقـدار الحياة ، وهي تجمع بين أفراح وأتراح ، لكن المحزن والمؤلم منها هو الأكثر تأثيـرا في النفس ، والأوضح معالم ونتائـج وأيضا تجارب وعـبـر .

وأشـد المؤلم هو الذي يسـببه الموت ، وأعمقه جرحا ما أصاب عزيـزا ، وكانت مصيبتي بعزيزيـن ، بـدأت بابـن عمي ( ولا شقيق لأبي أنجب أولادا غير والده ) صبـري يونان ( 58 سـنة ) الذي كان يمثـل عندي شـقيقا رابعا ( كان يناديني أخـونـي ) بالدرجة نفسـها التي يشـكلها أشـقائي الثلاثة من أبي وأمي ، خصوصا أنه أصبح من دون شـقيق بعدما أعتـقل النظام المبـاد عام 1980 شـقيقه الوحيد ( أصغر منه وغير متزوج ) جلال بتهمة النضـال الشـيوعي وتـم الإعلام بإعدامه من خلال ورقة صغيرة سـلمها رجال الأمن إلى منزل صبري مع كلام مختصر أنه : تـم دفنه ولا يحق لكم طلب جثـته .

ولـم تـمر غيـر أسـابيع على فاجعتي بصـبري ، وقـبل أن يـبدأ الألم بالتخـفف ، فوجعـت بشريكة حياتـي ( 61 سـنة ) التي قاسـينا حلـو الحياة ومـرّها معـا على مـدى غالبيـة سـنوات العمـر .

لكـن للأحـزان والمآسـي أيضـا عِـبَـراً تسـتخلص منها ، فقـد أدركت أنها فوق الخلافات وأقوى من الفرقة ، وحتى أكثر إزالة لتراكمات الضغائن وأهم تأثيـرا في تحريك المشاعر التي كاد يخيـم النسـيان عليها بفعـل البعـاد وطول سـنينه .

ومـع أن لا مشـكلات شـخصية لـي مع أحـد ، كما أرى وأثـق ، وأن خلافاتي الخاصة إن وجدت فهي وقـتية وتنحصر في التباين بين آرائـي ومواقف من أختـلف معـه في الأمور القومية والوحدوية التي تخص شـعبنا ، فأنـا لا أجـد داخل شـعبنا ( الكلداني الآشوري السرياني ) أي فاصل ، ماضيا وحاضرا ومستـقبلا ، ما يتطلب التميـيز بين الإنقسـامات المذهبية التي سـببت طوائف دينيـة ، وبيـن السـمات القوميـة الجامعـة لشـعبنا مـن لغة وتاريخ وثـقافة وتـقاليد إجتماعية ومنطقة جغرافية ، والتي تـتناقض مع تعـدد التسـميات .

إلاّ أنّـني ألتـزم الحوار في التـعبير عن رأيي ، وأعتـمد على المصادر الآثارية والجغرافية ومراعاة الواقع في توضيح مـاأراه صوابا ومقبولا وكاشـفا للحقيقة التي نكون بصـددها ، وهو مـاأجـده يوفر إحتـراما متبادلا يجمعني مع الذين لسـت معهم على درب واحـد أو وفـاق كامـل . . . وأعتـرف أنـني تعلمت الكثير خلال محاوراتـي ، وأدركت القسـم الأكبر من الأخطاء التي كنت أقع فيـها ، والتي منها مايؤدي إلى إنحراف الحـوار عـن إطاره الصائب الذي ينبغـي أن لا يخرج عنـه ، وهو مـا صـرت أتحـذره وأتجنـبه .

وفـي أحزانـي ، رأيت المواسـاة والمودة تأتيني من فئـات قومية وسياسية متنوعة لشـعبنا ، سـواء التي يسـود الإتـفاق في الرأي بينـنا ، أو تـتراءى تباينـات المواقف ـ شـديدا كان أم خفيفـا ـ بينـنا ، وإنـني إذ أعتـز بهـذه الآراء جميعـا ، أجـد من الواجب أن أعبـر عن إمتـناني لأولئك الذين أتباين معهم ، وبتـقديري أن هـذا دليل على أنـنا ، بالرغـم من التباين في آرائـنا ومواقـفنا ، فإنـنا في درجـة من الوعي والتـفاهم ، توفر لنـا الإلتـقاء في السبيل المفـيد لأمتـنا وبحيث يكون الرابح شـعبنا بكامله بما يضمن بقـاءه ورسـوخ مستـقبله ، وهـو ما يعـني أن لا خاسـر في الرأي أو الموقف بينـنا ، فكلنا رابحـون ومنتصـرون ومسـتـفيدون .

وأسـفرت أحزاني عن زيادة في عـدد معارفي ، فإضافـة إلى الذين كتبوا مواسـاتهم من دون أن تكون معرفة مباشـرة بيننا ، فـإن كثيرين اتصـلوا بي هاتـفيـا للتـعبير عن مواساتهم على رغم أنه لم تكن لي مثـل هذه العلاقة سـابقا معهـم ، لابـل أن قسـما منهم كنت على علم بهم من خلال المواقع لا غيـر ، وهـذا جعلني أتأكـد بأن لـي معـارف كثيـرين من خلال كتاباتـي ، وأن مجال الرأي والكتابة والنشر هـو رابطة موصلة بين أقاصي الأرض ومختلف المسـاكن والأشـخاص ، كما كانت دائمـا سـبيل الربط بين الماضي والحاضر . . نعـم كل الماضي مفيـد ولكن الأكثـر فائدة فيـه ماكـان صادقـا ومرشـدا واختـياره معتـمدا على النقـاوة ، لا على نزعـة الإنتـقائية والإسـتحسان القائم على الملاءمـة الشـخصية .

والـذي جـذب إنتـباهي حقـا ، كتابات المواسـاة الصادرة من أصدقاء ومعـارف إنقطعت سـبل الإتصالات بينـنا منـذ ثلاثيـن سـنة أو أكثر ، حتى صـرت أجهل مـاالذي فعلتـه صروف الدهـر وعـواتي أحداث الزمـان بهـم ، ومنهـم على سـبيل المثـال والإشـارة في الإختـيار : ـ
سـيدا هرمز سـيدا ( الذي كان أول رئيس تحرير لمجلة قالا سوريايا وعملت معه عضوا في هيئة التحرير ، وغادر العراق إلى أبوظبي ، ثم انقطعت أخباره عني ) وجوني جورج يعـقوب ( الذي كان طفلا صغيرا عندما كنت أزور أهله الذين كانوا من أقرب أصدقائي في بغداد ، وكنت معجبـا بجـده يعقـوب الآشوري النازح من حرير وبيطاس الذي كان إنسـانا مجـدا في عمله من أجل أن يوفـر العيش لعائلته ، وطيبا إلى أبعد الحدود مع معارفـه ) وشـموئيل إرميـا ( الذي عملنا معـا في المجلة الثـقافية السريانية لتلفزيون كركوك ، حيث كنت أعـد مواد المجلة ويتولى هو تـقديمها ، وهو الآن أنشـأ مع زميله يعقوب هاويل الإذاعة الآشورية في ملبورن ـ أستراليا ) والصديقان العزيزان القديمان من قريتـي تللسقف الشماس خوشـابا يوسف شاطي و كبـارا أسـوفي كبـارا ) . .

وإزاء كـل هـذا ، ينبغـي أن تكون إرادة الحيـاة والعمـل هي الأقـوى على تجـاوز قسـوة الأحزان ، لا بـل تكون مشـجعا على مواصلة هذه الإرادة ، كمـا كانت قبل مصائب الأحزان ، وفي هـذا تأكيـد على إسـتمرار وجود الإنسـان وعطائه ما بقـي في القلب نبـض .