| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم المطير

 

 

 

السبت 8/12/ 2007



عن مسلسل الملك فاروق

جاسم المطير

هدف دراما مسلسل الملك فاروق الذي عرضت حلقاته في شهر رمضان الماضي وما بعده ، كان بالأساس هو محاولة إعادة الاعتبار إلى الملك فاروق الذي مالت كل أو اغلب الكتابات السياسية منذ إزاحته عن العرش بثورة يوليو عام 1952 وحتى الآن عن تصوير المجتمع الملكي الذي عاشه الملك فاروق في قصوره الملكية الفخمة على انه مجتمع تتخلله منظمة بيئية فاسقة لا علاقة لها بين الملوك والخيار الأخلاقي الإنساني بشيء يستحق الذكر الطيب .
هل كان الهدف من كتابة السيناريو هو إعادة الاعتبار للنظام الملكي المصري..؟ أم كانت الكاتبة مؤرخة محايدة..؟
مثلما الجدل حول حياة العائلة المصرية المالكة استمر بين الناس منذ مجيء الملك فاروق إلى العرش عام 1937 حيث تولي الحكم صبياً ، وهو في السابعة عشر تقريباً ، بلا خبرة حياتية أو تجربة سياسية.. وعلاقة أمه بأستاذه ومتعهده بالرعاية والتنشئة أحمد حسنين باشا الذي عرف دائماً من أين تؤكل الكتف وتعهده بالرعاية والتعليم واحد من دواهي السياسة في ذلك الزمن هو أحمد حسنين باشا الذي كان رئيساً للديوان الملكي ومعشوق الملكة الأم " نازلي " .
لقد استطاع المسلسل الدرامي الذي كتبته الدكتورة لميس جابر وأنتجته ( أم بي سي ) أن يثير خلال شهر رمضان غزوات وجيزة بين موائد المصريين وعموم المواطنين العرب من الذين واكبوا التاريخ السياسي في مصر خلال القرن العشرين وخاصة في نصفه الأول مع النظام الملكي فؤاد – فاروق وفي نصف القرن الثاني مع نظام عبد الناصر – السادات – محمد حسني مبارك .
أعاد المسلسل إلى أذهان المشاهدين مجموعة من الإشكاليات المطروحة في التاريخ السياسي العربي الحديث :
(1) إشكالية الأخلاق الملكية وإشكاليات العلاقات الإنسانية داخل العائلة المالكة الواحدة .
(2) إشكالية الصراع بين الفاشية والديمقراطية وحيرة الموقف المصري الرسمي والشعبي خلال الحرب العالمية الثانية .
(3) إشكالية النموذج السياسي لحكومات البورجوازية الوطنية والصراعات المتواصلة من اجل الفوز بالسلطة .
(4) إشكالية الفلسفات الكلاسيكية في العلاقة بين الأحزاب الوطنية وحركات الغضب الشعبي .
داخل نطاق وتفصيلات هذه الإشكاليات الحادة حاول سيناريو المسلسل الإجابة على مجموعة أسئلة كانت متداولة بين المصريين طيلة 50 عاما . وقد تركزت الأسئلة المذكورة حول أخلاق الملك فاروق والعائلة المالكة المصرية وحول الحاجة الفعلية إلى شرح سينمائي إضافي لطبيعة تأثير جانب محدود من جوانب التاريخ المصري المعاصر على الجيل المصري الذي واكب أحداث النظام الملكي وعلى الأجيال اللاحقة أيضا .
أول تلك الأسئلة : هل كان الملك فاروق فاسقا ومقامرا وزير نساء ..!
ثاني تلك الأسئلة : هل كان الملك خائنا لشعبه وعميلا للمحتلين الانكليز ..!
ثالث الأسئلة : هل كان فاروق ينظر لمصالحه الخاصة نظرة تجعلها فوق مصالح الشعب المصري ..!
رابع الأسئلة : هل كان الملك بعيدا عن فهم مبادئ السياسة المصرية المتولدة عن التعارض بين مصلحة الشعب المصري ومصلحة المحتلين ..!
خامسها : هل كان الملك منتميا للعلاقات السياسية الضيقة في نطاق القصر الملكي ومجتمع الديوان الملكي ..!
في الواقع أن هناك الكثير والكثير من الأسئلة الأخرى التي عمرت حوالي 15 عاما من عمر الملك فاروق في القصر الملكي الذي حكم مصر خلالها بمبادئ غير دستورية كما أكد معارضو النظام المالكي قبل سقوطه وبعده باعتباره حاكما بنمط حياة آذت الشعب المصري وقضت على محاولات بناء أسس الديمقراطية في الدولة المصرية مما مهد السبيل لاحقا لنشوء نظام المركزية الشمولية بعد قيام الثورة المصرية عام 1952 مع ظهور قراءات سياسية متعددة لتاريخ مصر نظر لها المؤرخون المصريون وغيرهم من زوايا مختلفة ومنهم مثلا الدكتور محمد أنيس الذي تناول في ما أرخه عن حادث 4 فبراير سنة 1942..
هذا الرجل مؤرخ. مشهود له بالنزاهة والاستقامة وحاله ليس مثل حال وتقديرات مؤرخين آخرين مازالوا يرون في موقف حزب الوفد تخاذلاً لا يليق بحزب شعبي عريق يدعو إلى الديمقراطية ويسعى من اجل رسوخها في البرلمان وفي المجتمع المصري .. بعض المؤرخين وصف النحاس باشا بالانتهازية السياسية لقبوله الوزارة علي " أسنة رماح الانجليز " كما جاء في حيثيات المسلسل التلفزيوني وأحداثه المتلاحقة ... وهو التوصيف الذي قال به خصوم حزب الوفد في الساحة السياسية المصرية .. أما الدكتور أنيس وغيره من المؤرخين فقد رأوا في قبول النحاس للوزارة إنقاذاً لمصر من فوضي مدمرة..
مثل حادث 4 فبراير توجد حوادث أخري في التاريخ المصري لا يمكن إصدار أحكام جامعة مانعة بشأنها برغم تلال الوثائق التي تراكمت عبر عقود ، هذا الواقع هو الذي جعل المسلسل عاجزا عن تقديم توصيفات مقنعة أيضا بشأن الكثير من الأحداث ووقائع الصراعات السياسية لذلك فأنا أتوقع أن جدلا كثيرا سيتجدد بين السياسيين والمؤرخين المصريين بعد ختام حلقات المسلسل في الصحافة المصرية حول العديد من المواقف التي قدمها المسلسل .
ربما سيثار جدل من قبل بعض أفراد من عائلة الملك فاروق حول قضايا خاصة جدا تتعلق بمواقف الملكة نازلي ( والدة الملك فاروق ) والمساحة الكبرى التي احتلتها في القصور الملكية وفي التأثير السلبي على سيكولوجية الملك فاروق وعلى أشكال تصرفاته وصفاته الشخصية وعلى علاقاته السياسية والعائلية . فالعلاقة بين الملكة الأم واحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي كان لها الأثر الكبير في الخلافات التي نشبت بين الأم الملكة والابن الملك ومدى تأثير ذلك في السياسة المصرية من خلال التعقيدات التي أحدثتها الخلافات على شخصية الملك نفسه .
اظهر المسلسل الملكة نازلي في وضع مأساوي شخصي فحياتها ، كما أوضح السيناريو ، كانت مليئة بالشقاء والحرمان النفسي والعاطفي وهي كثيرة الشكوى من فترة حياتها مع زوجها الملك فؤاد وراحت نتيجة لذلك تبحث عن بديل لهذا الحرمان ــ بعد وفاة زوجها الملك ــ لدى عمر طوسون أولاً الذي لم يستجب لها.. ثم لدى حسنين باشا الذي أبقاها دائماً في المسافة بين اليأس والرجاء.. فتلاعب بها لتحقيق مآربه حتى أن فاروق نفسه عرض عليه أن يتزوجها فأبى أولا ثم اضطر للزواج بدون إشهاره .. ومع ذلك استمر في إثارة غيرتها بعلاقته بمطربة سورية الأصل كانت تعيش حياة بوهيمية لاهية " أسمهان " حتى أنها كانت ترسل جواسيسها خلفه لمراقبة ومعرفة أسراره.
قيل الكثير وكتب الكثير عن علاقات الملك فاروق النسائية.. لكن المسلسل حمل نوعا من الجواب الصريح لكل الأسئلة المتعلقة بركض الملك فاروق وراء النساء حيث ظهر إن كل ما قيل سابقا هو محض افتراء.. فلم يكن للرجل علاقات نسائية كما أشيع.. أما الخمر فقد كان المسلسل بعيدا عن التطرق إلى انغماره فيه مما قد يشير إلى أن الملك فاروق لم يكن من محبي الخمر .
لقد استطاع الممثل السوري تيم حسن أن ينجح إلى حد كبير في تجسيد شخصية الملك فاروق مما منحه مكانة متميزة من خلال هذا المسلسل بالذات بين المشاهدين العرب جميعا .
بصورة عامة كان المسلسل موصوفا بقدر كبير من الموضوعية وبنزر يسير من المبالغة . لا شك ان غزارة مادته التاريخية قد جعلت كاتبة السيناريو امام مهمات غاية في الصعوبة والدقة و ما تتطلبه العدالة في المواقف العديدة لهذه الشخصية او تلك من شخصيات المسلسل .
الشيء الذي لا بد أن يكون موضع اهتمام المرخين المصريين والعرب هو الكيفية والمستوى اللذين قدم بهما المسلسل الزعيم الوطني المصري مصطفى النحاس «1876 - 1965» أي هل كان المسلسل منصفا لهذه الشخصية ام لا ..؟
إن تاريخ مصر السياسي في تلك الفترة لم يكن يخلو من تناقضات ومواقف غريبة ايضا . فالمعروف تماما ان شخصية مصطفى النحاس قد تعرضت في العهد الملكي للإساءة البالغة من أعدائه طيلة حياته كما تعرض للاغتيال مرتين، إحداهما بتفجير بيته في حي «جاردن سيتي» بمتفجرات ضخمة كادت تهدم البيت بمن فيه، ولكنه أنقذ وزوجته السيدة زينب الوكيل فقد خرجا من تحت أنقاض البيت سالمين. وتبين أن المدبر لهذه الجريمة والمشارك الأساسي فيها هو أنور السادات، فقد كان السادات في ذلك الوقت منضما إلي مجموعة سرية عسكرية أنشأها فاروق تحت اسم «الحرس الحديدي» وكان الهدف منها القيام باغتيال السياسيين والزعماء والضباط الذين يوصفون بأنهم أعداء الملك، وكان يشرف على الحرس الحديدي طبيب فاروق الخاص وهو الدكتور يوسف رشاد، وكان هذا الطبيب السياسي صديقا لأنور السادات، فاشترك السادات في «الحرس الحديدي» وكان له نصيب كبير في الاغتيالات التي تمت قبل ثورة يوليو لبعض السياسيين ومنهم أمين عثمان باشا، ومن ذلك أيضا محاولة اغتيال النحاس باشا. وقد يقال هنا كيف كان السادات يعمل لحساب الملك فاروق، وكان في الوقت نفسه عضوا في تنظيم الضباط الأحرار السري تحت قيادة عبد الناصر ..؟
على أية حال يبقى صواب ودقة المسلسل التاريخي مرهونان بمناقشة المؤرخين الذين ما زالوا مسئولين عن إجابة الكثير من الأسئلة الغامضة التي نتجت عن الصراع بين دعاة النظام الجمهوري العربي ودعاة النظام الملكي حيث يمكن اعتبار مسلسل الملك فاروق واحدا من الاضاءات المباشرة على فترة من أهم فترات السياسة المصرية والعربية .
 

بصرة لاهاي في 26 – 10 - 2007

 


 

Counters

 

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس