| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم المطير

 

 

 

الأحد 18/11/ 2007

 

عن مسلسل قضية رأي عام
مسعى ناجح لتكبير دور المرأة في المجتمع

جاسم المطير

يستحق مفهوم " رأي عام " أن يثير انتباه " الفرد العربي " إذا كانت قضية من قضاياه مأخوذة من صلب المجتمع ومعاناته كما حاول الكاتب محسن الجلاد ان يقدم للمشاهدين مسلسل ( قضية رأي عام ) بطولة : يسرا، سامي العدل، رياض إبراهيم الخولي، سمير صبري، راندا البحيري، إبراهيم يسري عمر زايد، عمرو محمد عبد الجليل، لقاء الخميسي، أشرف مصليحي، أحمد فاروق ، فلوكس، رجاء الجدّاوي وغيرهم .
كثير من حوادث وممارسات التحرش الجنسي أو اغتصاب المرأة العربية في زوايا الريف أو في وسط المدينة أصبحت رسما يوميا من وقائع عصرنا الراهن مثلما كانت في العصور السابقة . فهل استطاع مسلسل " قضية رأي عام " الذي قدمته فضائية دبي خلال شهر رمضان أن يحول فاجعة ثلاثة نساء إلى أزمة اجتماعية والى تأسيس نموذج فني قادر على جر أفراد المجتمع إلى طاولة حوار يشارك فيها الناس من مختلف الطبقات والمستويات بما فيهم البوليس والمسؤولين من مراتب قضاة ووزراء وأطباء رجالا ونساء ..؟
مثلما أوضح سقراط ذات مرة أن احد أهم إسهامات الكتـّاب والفلاسفة يتمثل في نقد ثقافات المجتمع بقوة وبمعايير تأملية . في الحقيقة يتمكن كل مشاهد أن يرى بوضوح تام الفكرة الرئيسية التي عالجها هذا المسلسل والمتعلقة بـ" الاغتصاب الجنسي " و هي فكرة قديمة عالجتها الدراما المصرية في السينما والمسلسلات أكثر من مرة . غير أن الشيء الجديد في مسلسل المخرج السوري محمد عزيزية انه اثبت قدرته الفنية المقنعة من تحويل قضية " فردية سرية " إلى قضية " رأي عام علني " ذات انثولوجيا اجتماعية لا يمكن تغطيتها ، مهما قد يحاط بها من أقاويل وادعاءات ، لأنها تناولت مشكلة اجتماعية كبرى ذات تعقيد شديد يصعب فهم تفصيلاتها ومردوداتها السيكولوجية السلبية على مجموعة غير قليلة من الناس الذين لهم علاقة بالقضية المطروحة ذاتها .
كان المسلسل قد صور حادثة اغتصاب أستاذة ورئيسة قسم طب الأطفال في جامعة القصر العيني التي تقوم بدورها الممثلة القديرة يسرا وتلميذتها الطبيبة "لقاء الخميسي" والممرضة "الفت عمر" وتنتمي كل واحدة منهن لشريحة اجتماعية مختلفة.
تمت عملية الاغتصاب من قبل ثلاثة شباب ينتمون لشرائح اجتماعية مختلفة فأحدهم ابن وزير قوي مرشح لرئاسة الوزراء ، والثاني ابن رجل مغترب يعمل في خارج وطنه على جمع الأموال لتأمين المستقبل ، والثالث ميكانيكي سيارات.
هنا استطاعت هذه الدراما عبر حلقاتها المتعاقبة أن تكمل تحليلا أخلاقيا وبالأخص في تشددها العميق من الأخلاقية النسوية الخائفة من المجتمع و المرتبطة بمواقف نزيهة ومتابعات بوليسية تسعى إلى إلتماس العدل وكشف الحقائق حتى بدت وكأنها تبتعد عن الحقيقة .
فمثلا بعض النقاد السينمائيين وجد في المسلسل تنظيرا معينا هدفه تبييض وتبرئة ممارسات رجال شرطة مصريين من قضايا الفساد الإداري والمالي وحتى من قضايا التعذيب وإلقاء المواطنين من النوافذ والشرفات التي تناولتها صحف مصرية خلال الشهور الستة الماضية .
حتى لو كان هذا التنظير الدرامي صحيحا فإن كادر مسلسل " قضية رأي عام " استطاع أن يلعب دوراً مهما ً في وضع الحوادث الإجرامية إزاء وجوب طريقة معالجتها . فطريقة معالجة هكذا موضوعات درامية تعتمد بالواقع على رجل بوليس شجاع ونزيه يتقن فن التفكير الدقيق لمواجهة جميع ممارسات محامي الدفاع عن المتهمين ، الذين تمرسوا في مجابهة جهود رجال بوليس نشيط من النوع الذكي والمخلص بعمله كالعميد محمود في المباحث الذي أعطاه مخرج هذا المسلسل دورا رئيسيا في كشف الحقائق القابعة وراء جريمة الاغتصاب ، من جهة ، ووراء ألاعيب محامي الدفاع من جهة ثانية .
قد يلاحظ المشاهد ان المسلسل يدين الجميع من سياسيين ( الوزير شكري جلال – مثلا ) ومن صحافيين ومثقفين ورجال علم ( عميد الكلية الطبية – مثلا ) و يصف بعض جوانب الواقع الاجتماعي بالفساد ، ولا ببريء من ذلك سوى الصورة المشرفة لرجال شرطة معدودين يتكاتفون من اجل تحقيق استقطاب سياسي أمام المشاهدين لكي يلتمسوا الوسائل البوليسية لتقديم المجرمين إلى سوح العدالة كي ينالوا جزاءهم العادل.
مما لا شك فيه أن " المعاناة الصامتة " للضحايا لا يمكنها أن تحقق رأيا عاما من دون موقف بوليسي نزيه . وكثير من أهم الأعمال السينمائية العالمية نراها تتضمن مواقف بوليسية حصيفة ومثيرة أثناء سعيها لكشف جرائم المجرمين . لا يعني مثل هذا الأمر النظر بأرتياب إلى منهجية المخرج أو كاتب السيناريو عندما تكون البيئة البوليسية في هذا العمل الدرامي متطابقة مع الأخلاق البيئية المفترض إشاعتها لتحويل " الرأي الخاص " الخائف والصامت إلى " رأي عام " شجاع وناطق لإحداث هزة ٍ اجتماعية ٍ مناسبة ، وهو ما فعله المخرج بمعايير وأدوات معقولة ومقبولة من البوليس المفترض فيه خلقيا وقانونيا أن يقف دائما إلى جانب الكائنات المظلومة والمغدورة . هنا نجد جهود عميد الشرطة سامي العدل للبحث في تفاصيل الجريمة بالضد من شرطة فاسدين موجود في واقع كل دولة وهو أمر موجود لا يمكن إنكاره طبعا . مثل هذا الموقف نجده لدى يسرا ( الدكتورة عبلة ) التي كانت ليس فقط ضحية تكافح من اجل فضح المجرمين بل تكافح ضد تخاذل زوجها ومواقفه السلبية أيضا وضد الصعاب والمخاطر التي يخلقها المجتمع ليصبح المجرم والمعتدى عليه هما الضحية الفعلية. فقد واجهت بطلة المسلسل يسرا تخلي زوجها وابنتها وشقيقتها عنها واختلفت نظرة زملائها بصفة عامة تجاهها في حين كادت تلميذتها أن تقتل على أيدي شقيقها الصعيدي بأعتبار ان ما حصل لها يعتبر عارا. ثم تطرأ متغيرات على المواقف باتجاه دعم السيدات الثلاث بسبب عناد بطلة المسلسل وإصرارها على متابعة القضية بما يحمله ذلك من تحريك النساء لعدم التنازل عن حقوقهن في قضايا مثل هذه أو غيرها .
كما ان بطلة المسلسل تصمد أمام المؤامرات التي يحيكها الوزير الذي انحطت هيبته بسبب هذه الحادثة فيسعى للترغيب والتهديد لإنهاء ذيول هذه القضية وتبرئة ابنه. وتفشل محاولات الوزير في الترغيب فيلجأ إلى التهديد ويرسل من يقوم بقتل الممرضة خلال وجودها في المستشفى وتفشل محاولة قتله للبطلة.
استطاعت فعلا أن تحرر الكثير من المندمجين مع مواقف المجرمين من المرتشين او الخاضعين لسطوة الفقارية الهيكلية في الدولة التي كان الوزير شكري جلال نموذجها الأخلاقي الرديء .
في الممارسات الاجتماعية غالبا ما تتداخل التيارات المتناقضة أو التيارات المتكاملة ولهذا السبب بالذات كان على المؤلف محسن الجلاد أن يوجه الفعل الفردي للضحايا الثلاث مع الفعل الجمعي للبوليس لتغيير قيم اجتماعية سلبية تجاه رجال البوليس وصياغة مثل ثقافية مقنعة ومقبولة داخل مجتمع نرى فيه ان منظومة اجتماعية تعاني من كثير من الانحرافات والأخلاق المرفوضة ومن أنواع الزواج الباطل والطلاق السريع والاختلافات البشرية في العادات والقيم .
ربما وجدنا العديد من المشاهد لا تمض بما يكفي الى العمق ( مشاهد المتهمين في داخل الحبس ) وربما يجد المشاهد ان هناك بعض المواقف تتعارض مع الواقع الإعلامي للدولة ( المقابلة التلفزيونية مع الوزير شكري جلال ) وربما هناك أخطاء واكبت قبول بعض الناس للرشاوى التي تصنع المواقف المغايرة للواقع أو المحرفة للحقيقة ، كما حصل مع بواب الفيلا العائدة للدكتورة عبلة وحارس مزرعة الوزير .
صفوة القول أن الجوانب الفنية في الحوار وتنويعات المشاهد استطاعت ان تغطي الكثير من نقاط ضعف السيناريو الذي افتقد صفات التأهيل العريضة لمسلسل من 30 حلقة كانت حلقاتها الأخيرة شريطا سريعا فيه شيء من التراجع الفني عن الحلقات الأولى .
في الختام أميل إلى القول إلى أنني أتوقع بان مشكلة الدكتورة عبلة عبد الرحمن وزميلتيها كانت قد غمرت البيوت العربية وأوقعتها في حوار ثقافي عويص ، وهذا هو ما أراده المسلسل في خلق الاستجابة الفعالة عند المشاهدين ، أي عند الرأي العام . بهذا حقق نجاحا مؤكدا .
 

لاهاي في اكتوبر-2007
 


 

Counters