| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم المطير

 

 

 

الأثنين 17/12/ 2007



الديمقراطية المعاصرة
وكيف تراها مجموعات المثقفين المعاصرين
2

جاسم المطير

3 - مظاهر الشمولية هي الطاغية على أنظمة العالم الثالث
ينبغي الحديث ، في البداية ، عن أزمة الأنظمة الشمولية العربية من مشهد الرأيين السائدين لدى كل من سيار الجميل وكاظم حبيب رغم أنهما يحاولان الانطلاق من نفس المجرى أي من مجرى العلمانية ( فصل الدين عن الدولة ) غير أن كل واحد منهما يحذر من الضوء المترجرج في العراق حول الديمقراطية التي تحتاج أكثر ما تحتاج إليه هو إعادة رسم الصورة الديمقراطية في العراق من خلال إطارات الاتفاق الفكري بينهما وبين معظم الديمقراطيين العراقيين أفرادا وأحزابا وجماعات لتجاوز الأزمة المحيطة بمستقبل الديمقراطية في العراق .

هذه الأزمة ناتجة من واقع أن تبدل الظروف الخارجية والداخلية يجعل من الصعب لهذه النظم أن تعيد إنتاج نفسها وبالتالي أن تستمر كما كانت ، لكن هذا لا يعني تلقائيا حتمية أو ضرورة ولادة نظم ديمقراطية بدلا منها .

منذ وقت غير بعيد وضح تماماً في إطار الفكر المنهجي ان ولادة مثل هذه الأنظمة هي في الوقت نفسه ثمرة تبدلات في موازين القوى السياسية الداخلية مرتبطة هي نفسها بتغيرات جيو سياسية إقليمية ودولية. بمقتضى هذا الرأي لا يمكن بالطبع أن نحكم بصواب هذه الولادة أو تشوهها رغم أنني سأحاول لاحقاً أيجاد مطابقات التجربة مع المناهج المطروحة.

بهذا التصور تنشا إمكانية القول أن التناقضات الصارخة التي وسمت نموذج النمو الاقتصادي قد لعبت الدور الرئيسي في إيصال الأنظمة الشمولية اليمينية إلى مأزق سياسي واجتماعي عبرت عنه عزلتها الكاملة وتزايد دائرة الطبقات المنفكة عنها أو الناقمة عليها. في هذا الصدد نأخذ النظام الماليزي نموذجاً مما يترسخ في ذهن رئيس وزرائها مهاتير محمد الذي قال ( الكثير من الديمقراطية يمكن ان يؤدي إلى العنف وعدم الاستقرار ).

وقال أيضاً: (ان المطالبين بالديمقراطية يعتبرون تطبيقها هو الهدف المرجو لكن لا يهمهم أن تؤدي الديمقراطية إلى مشكلات وفوضى تدمر المجتمعات المستقرة.)

وأضاف في مناسبة من مناسبات تصريحاته الصحفية عن الديمقراطية :
( سيكون مصير الديمقراطية مثل مصير النظام الإقطاعي والشيوعي ).
ولم يتورع من استخدام اسم الديمقراطية في سجن نائبه انور ابراهيم.

يمكن أن نناقش بصورة وافية أسباب التطبيقات التي يأتى منها تقنين تجارب النظم اليسارية ( الشمولية ) التي قيدتها بسلاسل الجمود وعدم التطور والتحديث.

( فقد تضافر انهيار الاتحاد السوفيتي أي القوة الحامية والحليفة الإستراتيجية الرئيسية والإخفاق المدوي للتجارب التنموية وللسياسات الاجتماعية معا ، ليعمل على تعريتها تماماً امام الجمهور الذي كان ينتظر منها خيرا ، أعني جمهورها ذاته ، وأمام نفسها ، بل في أعين المسئولين عنها الذين فقدوا الإيمان والثقة بمشروعهم ولم يبق لهم سوى الدفاع العلني والفاضح عن امتيازاتهم وكلا النموذجين يعاني بالقدر نفسه من تغير المناخات الإقليمية والدولية بعد انتهاء الحرب الباردة ودخول المنطقة الشرق الأوسطية في مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية إضافة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية.)

لم يقتصر الأمر على مجموعة الدول الاشتراكية بل اصبح العالم الثالث وتجاربه محفوفان بأخطار الممارسات الدكتاتورية ، كما ان الوضع السياسي كله في الأقطار العربية اصبح غير مأمون النتائج وخاصة بين الحكومة والمعارضة.

ان فهم الديمقراطية البسيطة في الحياة اليومية البسيطة ليس له وجود في اعماق الحياة العربية والاسلامية وهذا ما تبرهنه بوضوح تام حالة معلمة بريطانية تعلم اطفالا في السودان .

الأسلوب الذي تعاملت بها السلطات السودانية مع المدرسة البريطانية المتهمة بالإساءة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام تؤكد مرة أخري أن مجتمعاتنا الاسلامية لم تبلغ بعد سن الرشد وأن التقدير السيئ للأمور والسطحية لا تزال سمات غالبة تحكم تصرفاتنا‏.‏

المدرسة جليان جيبونز البالغة من العمر‏52‏ عاما كانت تعمل في مدرسة الاتحاد الابتدائية السودانية التي تطبق المنهج الدراسي البريطاني‏,‏ واستنادا لهذا المنهج طلبت من تلاميذ الصف الثاني الابتدائي اختيار اسم لدمية علي شكل دب في اطار واجب مدرسي يتضمن كتابة موضوع تخيلي عن الأنشطة التي يقوم بها الأطفال في منازلهم وهم يلعبون بالدمية‏.

واقترح الأطفال ‏8‏ من الأسماء المتداولة في السودان من بينها حسن وعبد الله ومحمد‏,‏ ولأن المدرسة تنتمي لثقافة ديمقراطية تحترم رأي الأغلبية فقد طلبت التصويت لاختيار الاسم فأختار‏20‏ من التلاميذ محمد مقابل ‏3‏ اختاروا أسماء أخري‏,‏ فأستقر الأمر علي الاسم الذي اختاره التلاميذ‏.‏ في اليوم التالي تقدم عدد من أولياء الأمور بشكاوي لوزارة التربية والتعليم ضد المدرسة التي أهانت الرسول عليه السلام بإطلاقها اسمه الكريم علي دمية‏,‏ فتم اعتقال المدرسة وانتهي الأمر بحكم قضائي بسجنها‏15‏ يوما ومغادرة البلاد‏,‏ تطبيقا للمادة‏125‏ من القانون الجنائي التي تمنع اهانة المعتقدات الدينية وكالعادة في مثل هذه الأمور تدخلت السلطات البريطانية على أعلى مستوي لصالح المدرسة فصدر قرار رئاسي بالعفو عن جيبوفيز لتغادر الخرطوم عائدة الي بلادها معززة مكرمة ولتصبح مادة خصبة لوسائل الإعلام التي تفننت في كتابة موضوعات تظهر مدي سطحية التفكير في المجتمعات الاسلامية‏..

‏المدرسة وصلت الي السودان في أغسطس الماضي وبالتالي فهي ليست علي علم بالحساسيات الدينية للمجتمع السوداني‏,‏ وهي لم تفرض الاسم علي التلاميذ وانما اختاروه بأنفسهم‏,‏ ولو رأي بعض أولياء الأمور في اختيار الاسم اهانة للرسول الكريم‏,‏ ولاأعتقد ذلك‏,‏ لكان من الأولي أن يلوموا أنفسهم لأنهم لم يربوا أولادهم علي احترام الرسول الكريم‏.‏

كان من الممكن أن تنتهي المشكلة بسلام اذا ما قرر أولياء الأمور التوجه لمقابلة المدرسة وشرح الأمر لها ومن الطبيعي أن تتفهم الأمر وتصلح الخطأ‏,‏ ولكن الأمور لا تعالج هكذا في مجتمعاتنا ولابد من اضافة بعض الدراما علي الأشياء واختلاق مواقف بطولية ـ لا تتعد الكلام غالبا ـ دفاعا عن المقدسات ولذلك كان لابد من تصعيد الأمر وصولا للمحكمة‏.‏
في المحكمة كان من المفترض أن يتنبه القاضي لملابسات الموضوع وعدم وجود نية للإساءة أو علي أقصي تقدير يقبل بإعتذار المدرسة عما قامت به دون قصد‏,‏ ولدينا في سنة رسول الرحمة ما يدعم هذا الاجراء حين بال شخص داخل المسجد فطلب من أصحابه عدم الفتك به والاكتفاء بسكب بعض الماء فوق بوله‏,‏ ولكن ذلك لم يحدث وصدر الحكم بالسجن‏,‏ ثم يأتي العفو الرئاسي ليبعث برسالة مفادها اننا نتراجع عن عقاب من نظن أنه أساء للرسول الكريم‏,‏ بعد أن ثبت ذلك بحكم المحكمة‏.‏

(( نحن شعوب نثور لأقل الأسباب ونصدر أحكاما لاتستند للمنطق ثم نتراجع عنها فور تعرضنا لضغوط دولية‏..‏ هذه هي صورتنا الآن في أذهان الغرب الذي نتهمه بعدم فهم الإسلام وسماحته‏..‏ أعتقد أننا في حاجة لفهم حقيقة الاسلام قبل أن نطالب الآخرين بذلك‏,‏ لقد أتي الرسول الكريم برسالة سماوية راقية ولكننا نصر علي التعامل مع القشور دون الجوهر‏,‏ وإذا كان الإسلام قد انتشر في جنوب شرق آسيا عبر الاحتكاك بالتجار المسلمين فما هو الانطباع الذي نتركه حاليا عند تعاملنا مع الآخر‏. )) ‏ (
انظر سامح عبد الله – جريدة الأهرام يوم 16 – 12 – 2007 ) ..

في منتصف أيار عام 2007 انعقد في عمان – الأردن مؤتمر المثقفين العراقيين ضم مجموعة من النخب الديمقراطية الثقافية تحت شكل تنظيمي جديد عنوانه ( المجلس العراقي للثقافة ) وقد ظن المثقفون العراقيون ان هذا المجلس سيحسم الكثير من الخلافات بين النخب الثقافية الديمقراطية وسوف يعاد ترتيب هذه النخب بحيث تؤمن تواثب الكفاءات الثقافية العراقية لتساهم في رسم اللوحة الديمقراطية داخل البلاد لكن المجلس كما يبدو سار منذ بدايته وفق تصميمات معقدة كما وجد في غالب الأحيان والقضايا طبعات لبصمات بعض أعضاء المجلس ممن لا يملكون أي مؤهلات ، لا ثقافية ولا ديمقراطية ، مما وضع الكثير من الكفاءات الثقافية الديمقراطية على هامش المجلس بقصد وضعهم في عزلة حقيقية عن الفعاليات الثقافية العراقية . مما دفع عددا من الأعضاء المؤسسين للمجلس يفشلون في محاجة البعض ممن يملكون سلطة المال والقرار والمحيطين بهم فما نتج عن هذا الفشل غير تقديم الاستقالة من قبل عدد غير قليل ، منهم رئيس المجلس الدكتور مهدي الحافظ ومستشار المجلس الدكتور سيار الجميل والدكتورة سلوى زكو وشوقي عبد الامير والدكتور عبد الامير العبود والدكتور كاظم حبيب وقاسم حول وجاسم المطير ، كما استقال ابراهيم الزبيدي من منصب الأمانة العامة ومن عضوية المجلس بصورة رئيسية مما عنى ويعني ان الديمقراطيين العراقيين خاصة النخب الثقافية ما زالت تعاني من قيود الكوابح ذات الأشكال المختلفة التي تعرقل سيرها الى أمام .

الديمقراطية في مؤسسات الدولة تعاني أزمة .
الديمقراطية في كثير من تجمعات الديمقراطية ، خارج أجهزة الدولة ، تواجه أزمة .

لا يوجد هناك حدس ولا تخمين ولا أدلة على قرب زوال هذه الأزمة لان المناخ السياسي السائد في زمن العملية السياسية المتصارعة بعنف والطائفية المصاحبة لها يساعد في تزمين الأزمة .

لا شك ان هناك حاجة فعلية لتوسع عمل الباحثين في قضايا الديمقراطية في العراق والغوص عميقا في ايقاع الحياة اليومية للناس في المدن والارياف واعني ان من مهام الباحثين الدكتور كاظم حبيب والدكتور سيار الجميل عدم الاكتفاء بالبحوث في المقولات والوقائع النظرية او في التجارب الفوقية المحدودة ..

واذا ما كان من أولى واجبات علماء الوراثة البحث في كثير من السلالات من اجل التعرف على السلف الطيب اللاحق للخلف السابق فان علم السياسة يفرض أيضا البحث في تفاصيل القيم الإنسانية للأفكار والممارسات الديمقراطية وتنمية مواقعها داخل المجتمع العراقي ولكن بعيدا عن تأثير المراتب الثقافية السطحية التي لا يمكن ان تنجو من ارتداء ملابس لا تبتعد عن طبقات الشوفينية والتعالي والشمولية سواء كانت تدري او لا تدري ..

إن دورا كبيرا ملقى على النخب الثقافية الديمقراطية العراقية أفرادا وأحزابا وتجمعات كي يوفروا البروتين الديمقراطي الضروري داخل المنظمات الثقافية العراقية وداخل العملية السياسية .

هذا الواقع يجعل العملية الديمقراطية متعثرة في جميع المؤسسات العراقية الحكومية والشعبية طالما يدير شئونها أناس ليسوا ديمقراطيين حقيقيين مهما كانت ادعاءاتهم منطلقة من زقورات وابراج ديمقراطية كما هو حال المشهد السياسي الواقعي الحالي في الحكومة العراقية ومجلس النواب حيث تعكس العملية السياسية الناتجة عنهما " شكلا " ديمقراطيا عنيفا وغريب الأطوار ..

كل واحد منهما ، كاظم حبيب وسيار الجميل ، يتحدث بلغة نابضة بالواقع العراقي لكن كل واحد منهما له رؤيته الخاصة عن أسباب بقاء الديمقراطية بعيدة عن التطبيق في العراق .

كاظم حبيب يظن ان السبب الرئيسي يعود في معظمه للسياسة الأمريكية في العراق ( أي وجود سبب خارجي ) ، بينما الدكتور سيار يرى ان ظاهرة التخلف الفكري والاجتماعي في العراق تتسع لتكون العائق الرئيسي ( أي أن السبب داخلي ) .

مع هذا وذاك فانهما يتفقان بكثير من الظواهر الموجعة الحابسة لكل أشعة الديمقراطية التي تمنع انعكاساتها على بلدان المنطقة ومنها العراق .

هناك خارج بلاد ما بين النهرين رؤية أخرى تقول بوجود عوائق رئيسية أخرى .

فقد قامت الدكتورة هالة مصطفى بتحديد بعض الظواهر المصاحبة للتطورات العالمية نحو الديمقراطية :

1 - ‏اجتاحت‏ ‏العالم‏ ‏ما‏ ‏تعرف‏ " ‏بالموجة‏ ‏الثالثة‏ " ‏للديمقراطية‏ ‏التي‏ ‏يؤرخ‏ ‏لها‏ ‏بسقوط‏ ‏النظام‏ ‏الاستبدادي‏ ‏في‏ ‏البرتغال‏ ‏في‏ 1974

2 - ‏ثم‏ ‏ما‏ ‏تلاه‏ ‏من‏ ‏تطورات‏ ‏ضخمة‏ ‏متلاحقة‏ ‏توجت‏ ‏بانهيار‏ ‏الاتحاد‏ ‏السوفيتي‏ ‏بمنظومته‏ ‏السياسية‏ ‏الشمولية‏ ‏في‏ ‏بداية‏ ‏التسعينيات‏ , ‏وتحول‏ ‏العشرات‏ ‏من‏ ‏أنظمة‏ ‏أوروبا‏ ‏الشرقية‏ , ‏التي‏ ‏كانت‏ ‏تابعة‏ ‏لتلك‏ ‏المنظومة‏ , ‏إلي‏ ‏النظام‏ ‏التعددي‏ ‏الديمقراطي‏ ‏وبالمثل‏ ‏في‏ ‏قارة‏ ‏أمريكا‏ ‏اللاتينية‏ .

3 - ‏انتعشت‏ ‏الآمال‏ ‏بقرب‏ ‏حدوث‏ ‏تغييرات‏ ‏مماثلة‏ ‏في‏ ‏منطقة‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط‏ , ‏لتلحق‏ ‏بمثيلاتها‏ ‏في‏ ‏المناطق‏ ‏السابقة‏ .

4 - أصبح‏ ‏النموذج‏ ‏الديمقراطي‏ ‏الليبرالي‏ ‏التعددي‏ ‏هو‏ ‏النموذج‏ ‏الأمثل‏ ‏والموحد‏ ‏لأنظمة‏ ‏وشعوب‏ ‏العالم‏ .‏

ما الذي يمكن ان يحدث في البلدان العربية ..؟
أي نموذج من النماذج الديمقراطية يمكن ان يجد قياسه في البلدان العربية ..؟
هل يمكن القول ان انتصار الديمقراطية سيتم خلال فترة وجيزة ..؟

لا يمكن لأحد ان يجيب على هذه الأسئلة بدقة وصواب ، ‏فعمليات‏ ‏التحول‏ ‏الديمقراطي‏ هي ‏من‏ ‏أعقد‏ ‏العمليات‏ ‏السياسية‏ ‏وأطولها‏ ‏والتي‏ ‏يختلف‏ ‏إيقاعها‏ ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏من‏ ‏قارة‏ ‏لاخري‏ ‏ولكن‏ ‏أيضا‏ ‏من‏ ‏بلد‏ ‏إلي‏ ‏آخر‏ ‏ضمن‏ ‏نفس‏ ‏المنظومة‏ ‏الجغرافية‏ . لا توجد بقعة واحدة في خارطة العالم العربي قادرة على توثيق مستوطنة بشرية ديمقراطية حقيقية في المدى المنظور لان معوقات بناء هذه المستوطنة موجودة حاليا في الاضطراب الأيديولوجي المسيطر على عقول شعوب المنطقة واعني أولا الاضطراب الإسلامي وهو الاضطراب الذي لا يخلو من رماح وأسنة وأشواك وأراض ملطخة بدماء الناس الأبرياء ..

التحولات الديمقراطية لم تكن بعيدة عن صراعات القوى السياسية فالظروف السياسية هي التي تسرع او تعجل تمهد او تعرقل العمل المتطور نحو الديمقراطية .كما جرى وفق نسب التغيرات في ظروف بعض نجاحات العمل الديمقراطي كما في بعض دوراته في التاريخ الحديث وفقا لما يلي :

1 - إن عمليات‏ ‏التحول‏ ‏الديمقراطي‏ ‏في‏ ‏أوروبا‏ ‏الشرقية‏ ‏وأمريكا‏ ‏اللاتينية‏ ‏بل‏ ‏وفي‏ ‏بعض‏ ‏بلدان‏ ‏أوروبا‏ ‏الغربية‏ ‏التي‏ ‏لحقت‏ ‏بهذا‏ ‏الركب‏ ‏متأخرة‏ ‏عن‏ ‏مثيلاتها‏ ‏في‏ ‏تلك‏ ‏المنطقة‏ ‏التي‏ ‏تعرف‏ ‏نظمها‏ ‏بالديمقراطيات‏ ‏المتقدمة‏ ‏مثل‏ ‏البرتغال‏ ‏وأسبانيا‏ , ‏ناهيك‏ ‏عن‏ ‏الاتحاد‏ ‏السوفيتي‏ ‏السابق‏ ‏أي‏ ‏روسيا‏ ‏الحالية‏ , ‏ثم‏ ‏في‏ ‏الدول‏ ‏الآسيوية‏ ‏مثل‏ ‏مجموعة‏ ‏جنوب‏ ‏شرق‏ ‏آسيا‏ , ‏إلي‏ ‏الصين‏ ‏وغيرها‏ , ‏لم‏ ‏تسر‏ ‏كلها‏ ‏بوتيرة‏ ‏واحدة‏ , ‏ولم‏ ‏تسجل‏ ‏كل‏ ‏الحالات‏ ‏نجاحا‏ ‏مماثلا‏ .

2 - ‏هناك‏ ‏بلدان ‏حققت‏ ‏قفزة‏ ‏في‏ ‏مجال‏ ‏التقدم‏ ‏الاقتصادي‏ ‏والتكنولوجي‏ ‏وتعثرت‏ ‏في‏ ‏نواح‏ ‏أخري‏ ‏سواء‏ ‏كانت‏ ‏سياسية‏ ‏أم‏ ‏في‏ ‏مجال‏ ‏الحريات‏ ‏واحترام‏ ‏حقوق‏ ‏الإنسان‏ ‏أو‏ ‏غيرها‏ .

3 - هناك‏ ‏نماذج‏ ‏عكس‏ ‏ذلك‏ ‏أي‏ ‏تحقق فيها ‏ ‏تقدما‏ ‏ملفتا‏ ‏في‏ ‏المجال‏ ‏السياسي‏ ‏والتحول‏ ‏الديمقراطي‏ ‏بأكثر‏ ‏مما‏ ‏تحققه‏ ‏في‏ ‏المجال‏ ‏الاقتصادي‏ ‏والتكنولوجي‏ ‏وهكذا‏ .. ‏

4 - لكن‏ ‏ظلت‏ ‏المعضلة‏ ‏الأكثر‏ ‏تعقيدا‏ ‏مرتبطة‏ ‏بمنطقة‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط‏ ‏بالتحديد‏ , ‏فالإنجازات‏ ‏علي‏ ‏الصعيدين‏ ‏سواء‏ ‏الاقتصادي‏ ‏التنموي‏ ‏والتكنولوجي‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏والسياسي‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏أخري‏ ‏ظلت‏ ‏متواضعة‏ ‏وفي‏ ‏افضل‏ ‏الأحوال‏ ‏غير‏ ‏ملفتة‏ ‏بشكل‏ ‏فارق‏ ‏مقارنة‏ ‏بمثيلاتها‏ ‏في‏ ‏المناطق‏ ‏الجغرافية‏ ‏الأخري‏ ‏السابق‏ ‏الإشارة‏ ‏إليها‏ , ‏فهي‏ ‏متعثرة‏ ‏علي‏ ‏الصعيدين‏ , ‏بل‏ ‏وغالبا‏ ‏ما‏ ‏تشهد‏ ‏موجات‏ ‏ردة‏ ‏إلي‏ ‏الوراء‏ ‏بأكثر‏ ‏مما‏ ‏تتقدم‏ ‏إلي‏ ‏الأمام‏ . ‏والسؤال‏ ‏الذي‏ ‏يتبادر‏ ‏بديهيا‏ ‏هو‏ ‏لماذا‏ ‏؟‏ ‏أو‏ ‏ماذا‏ ‏يجعل‏ ‏من‏ ‏تلك‏ ‏المنطقة‏ ‏تحديدا‏ ‏منطقة‏ ‏مختلفة‏ ‏لا‏ ‏تسري‏ ‏عليها‏ ‏نفس‏ ‏القواعد‏ ‏والمعايير‏ ‏الواضحة‏ ‏التي‏ ‏تنطبق‏ ‏علي‏ ‏الحالات‏ ‏المماثلة‏ ‏في‏ ‏القارات‏ ‏الأخرى حتى لو كانت وفقا للاجندة الاميركية ..؟

يقول روبرت ساتلوف مدير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى عن هذا الجانب كلاما صريحا :

(( لا أستطيع القول إن الأجندة الأميركية لنشر الديمقراطية بالشرق الأوسط قد ماتت، لكنها في مرحلة الإنعاش. وأعتقد أن الأجندة الديمقراطية لازالت تمثل توجها استراتيجيا للولايات المتحدة، لكن علينا إعادة التفكير في طريقة نشرها.

هناك الآن نقد من قبل البعض للطريقة الولايات المتحدة في نشر الديمقراطية. فقد تحركنا في البداية بسرعة لمساندة الانتخابات في المنطقة مثل الانتخابات في العراق وفلسطين ومصر، باعتبار أن الانتخابات عنصر مهم في إستراتجيتنا، ولكن الواقع أن الانتخابات، وإن كانت عنصرا مهما، إلا أنها ليست الخطوة الأولى في مسألة نشر الديمقراطية. فقبل الذهاب لصندوق الانتخابات علينا أن نظل نبني المؤسسات جيلا كاملا، وهو ما يستلزم بعض الوقت.

وعليه فإنني أعتقد أن الولايات المتحدة ينبغي أن تدعم التوجهات المعتدلة والقيم الديمقراطية، والمجموعات التي تشاركنا نفس القيم الليبرالية المنفتحة. .)) .

فهل يأخذ السياسيون الاميركان بهذا الرأي ..؟

الإجابة‏ ‏المتفق‏ ‏عليها‏ ‏تقريبا‏ ‏من‏ ‏جميع‏ ‏المحللين‏ , ‏علي‏ ‏اختلاف‏ ‏توجهاتهم‏ ‏وانتماءاتهم‏ ‏الفكرية‏ ‏والسياسية‏ , كما تقول هالة مصطفى ، ‏هي‏ ‏باختصار‏ ‏أن‏ ‏ ‏المنطقة‏ - ‏أي‏ ‏منطقة‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط‏ ‏تحديدا‏ - ‏لها‏ ‏خصوصية‏ ‏مختلفة‏ ‏تمنع‏ ‏مقارنتها‏ ‏بالحالات‏ ‏الأخري‏ ‏أو‏ ‏تطبيق‏ ‏نفس‏ ‏المعايير‏ ‏عليها‏ , ‏فهي‏ ‏لا‏ ‏تعرف‏ ‏نموذجا‏ ‏محددا‏ ‏يعد‏ ‏نموذجا‏ ‏للنجاح‏ , ‏كما‏ ‏ترفض‏ ‏أن‏ ‏يتم‏ ‏تصنيفها‏ ‏ضمن‏ ‏أي‏ ‏فئة‏ ‏من‏ ‏الفئات‏ ‏السابقة‏ ‏وقد‏ ‏يبدو‏ ‏ذلك‏ ‏منطقيا‏ ‏إلي‏ ‏حد‏ ‏ما‏ , ‏إذا‏ ‏اتخذنا‏ ‏النواحي‏ ‏الثقافية‏ ‏في‏ ‏الاعتبار‏ ‏وبشكل‏ ‏أساسي‏ , ‏فالمكون‏ ‏الثقافي‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏أوروبا‏ ‏الشرقية‏ ‏وأمريكا‏ ‏اللاتينية‏ ‏علي‏ ‏سبيل‏ ‏المثال‏ ‏لا‏ ‏يختلف‏ ‏جذريا‏ ‏عن‏ ‏مثيله‏ ‏في‏ ‏العالم‏ ‏الغربي‏ , ‏فالمكون‏ ‏الثقافي‏ ‏الغربي‏ ‏بمرتكزاته‏ ‏التاريخية‏ ‏والمسيحية‏ , ‏وبتراثه‏ ‏اليوناني‏ ‏الروماني‏ ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏القانوني‏ ‏والمؤسسي‏ ‏هو‏ ‏حاضر‏ ‏بقوة‏ ‏في‏ ‏تلك‏ ‏المجتمعات‏ , ‏أي‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يختلف‏ ‏جذريا‏ ‏فيما‏ ‏بين‏ ‏شرق‏ ‏وغرب‏ ‏أوروبا‏ ‏وحتي‏ ‏في‏ ‏أمريكا‏ ‏اللاتينية‏ ‏رغم‏ ‏اختلافه‏ ‏بل‏ ‏وتناقضه‏ ‏بينها‏ ‏من‏ ‏الناحية‏ ‏السياسية‏ ‏في‏ ‏كثير‏ ‏من‏ ‏الحالات‏ . ‏أما‏ ‏الصين‏ ‏ومناطق‏ ‏آسيا‏ ‏الأخري‏ ‏فلها‏ ‏ثقافتها‏ ‏الخاصة‏ ‏بها‏ ‏والتي‏ ‏يصعب‏ ‏سحبها‏ ‏أو‏ ‏تطبيق‏ ‏معاييرها‏ ‏علي‏ ‏المناطق‏ ‏الأخري‏ ‏في‏ ‏العالم‏.‏
‏بخلاف‏ ‏ذلك‏ ‏البعد‏ ‏الثقافي‏ ‏فان‏ ‏أهم‏ ‏ما‏ ‏يرد‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏تلك‏ ‏الخصوصية‏ ‏في‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط‏ ‏إنما‏ ‏يتعلق‏ ‏بوجود‏ ‏الصراع‏ ‏العربي‏ ‏الإسرائيلي‏ ‏وموقعه‏ ‏وأثره‏ ‏علي‏ ‏التطور‏ ‏السياسي‏ ‏والتنموي‏ ‏في‏ ‏تلك‏ ‏المنطقة‏ , ‏بالإضافة‏ ‏إلي‏ ‏انتشار‏ ‏جماعات‏ ‏العنف‏ ‏المسلح‏ ‏والتي‏ ‏تنتمي‏ ‏إلي‏ ‏ما‏ ‏يعرف‏ ‏بالتيارات‏ ‏الدينية‏ ‏والإسلامية‏ ‏المتطرفة‏ . ‏اذن‏ ‏هذه‏ ‏هي‏ ‏الخصوصية‏ ‏التي‏ ‏يتفق‏ ‏عليها‏ ‏الجميع‏ ‏حتي‏ ‏وإن‏ ‏اختلفوا‏ ‏حول‏ ‏تكييف‏ ‏آثارها‏ ‏وتداعياتها‏ ، فـ (( الصراع‏ ‏العربي‏ ‏الإسرائيلي‏ ‏وتحديدا‏ ‏الفلسطيني‏ ‏الإسرائيلي‏ ‏أدي‏ ‏ضمن‏ ‏ما‏ ‏أدي‏ ‏إليه‏ ‏من‏ ‏آثار‏ ‏مدمرة‏ ‏علي‏ ‏المنطقة‏ ‏بأسرها‏ ‏إلي‏ ‏استمرار‏ ‏تغذية‏ ‏شرعية‏ ‏سياسية‏ ‏تقوم‏ ‏علي‏ '‏المواجهة‏' ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏مع‏ ‏إسرائيل‏ , ‏وإنما‏ ‏مع‏ ‏العالم‏ ‏الغربي‏ ‏بصفة‏ ‏عامة‏ ‏باعتباره‏ ‏معترفا‏ ‏بها‏ ‏وداعما‏ ‏لها‏, ‏وتقوم‏ ‏تلك‏ ‏الشرعية‏ ‏علي‏ ‏الأفكار‏ ‏والتوجهات‏ ‏الشعبوية‏ ‏التي‏ ‏تعني‏ ‏في‏ ‏النهاية‏ ‏رفض‏ ‏التعددية‏ ‏والتنوع‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏المبدأ‏ ‏باعتبارها‏ ‏تقوم‏ ‏علي‏' ‏تفرقة‏' ‏الأمة‏ ‏في‏ ‏مواجهة‏ ‏أعدائها‏ ‏وليس‏ '‏توحيدها‏' ‏تحت‏ ‏سقف‏ ‏واحد‏ ‏هو‏ '‏سقف‏ ‏المواجهة‏ ' ‏كما‏ ‏أن‏ ‏الإعلام‏ ‏الحر‏ ‏والمتنوع‏ ‏يعد‏ ‏بدوره‏ ‏تحديا‏ ‏آخر‏ ‏دائما‏ ‏ما‏ ‏ينظر‏ ‏إليه‏ ‏بريبة‏ ‏وشك‏ ‏وفق‏ ‏نفس‏ ‏المنظور‏ ‏باعتباره‏ ‏يكسر‏ ‏ضمنا‏ ‏أو‏ ‏علنا‏ ‏حالة‏ ‏الإعلام‏ ‏الدعائي‏ ‏التعبوي‏ ‏الذي‏ ‏يكرس‏' ‏الصوت‏ ‏الواحد‏' ‏وهو‏ ‏الدعامة‏ ‏الأخري‏ ‏لتلك‏ ‏الشرعية‏ ‏ومنظومتها‏ ‏السياسية‏ ‏الشعبوية‏ ' ‏فلا‏ ‏صوت‏ ‏يعلو‏ ‏فوق‏ ‏صوت‏ ‏المعركة‏' ‏هكذا‏ ‏وضعت‏ ‏تلك‏ ‏المقولة‏ , ‏التي‏ ‏تبنتها‏ ‏الأنظمة‏ ‏السياسية‏ ‏وجعلتها‏ ‏شعارا‏ ‏لها‏ ‏علي‏ ‏مدي‏ ‏ما‏ ‏يقرب‏ ‏من‏ ‏الخمسين‏ ‏عاما‏ , ‏محددات‏ ‏العمل‏ ‏الإعلامي‏ ‏والسياسي‏ ‏أيضا‏ . ‏وأضحي‏ ‏الصراع‏ ‏العربي‏/ ‏الإسرائيلي‏, ‏والفلسطيني‏/ ‏الإسرائيلي‏ ‏يحتل‏ ‏أولوية‏ ‏أولي‏ ‏أو‏ ‏مطلقة‏ ‏داخليا‏ ‏وإقليميا‏ ‏ودوليا‏ ..))‏

وبالتالي‏ ‏فإن‏ ‏أي‏ ‏مصدر‏ ‏آخر‏ ‏للشرعية‏ ‏السياسية‏ ‏مثل‏ ‏الديمقراطية‏ ‏أو‏ ‏التعددية‏ ‏أو‏ ‏الحزبية‏ ‏أو‏ ‏سيادة‏ ‏القانون‏ ‏بحكم‏ ‏تلك‏ ‏الشرعية‏ ‏القديمة‏ ‏مرفوضة‏ ‏بل‏ ‏ويتم‏ ‏التشكيك‏ ‏فيها‏ ‏باعتبارها‏ ‏مهددة‏ ‏لأولوية‏ ‏مواجهة‏ ‏الصراع‏ ‏الإقليمي‏ ‏ومن‏ ‏ينظر‏ ‏إليها‏ ‏وفق‏ ‏نفس‏ ‏المنظور‏ ‏كتهديد‏' ‏للمصلحة‏ ‏العامة‏' ‏و‏ ‏دعاة‏ ‏الحرية‏ ‏والديمقراطية‏ ‏هم‏ ‏بالتالي‏ ‏قد‏ ‏يصنفوا‏ ‏ضمن‏ ‏نفس‏ ‏الخانة‏ , ‏وربما‏ ‏يوصفوا‏ ‏أيضا‏ ' ‏بالعملاء‏ ‏للخارج‏' ‏إذ‏ ‏ليس‏ ‏لهم‏ ‏دور‏ ‏أو‏ ‏مكان‏ ‏في‏ ‏تلك‏ ‏المنظومة‏ ‏فهم‏ ‏يمثلون‏ ' ‏صوت‏ ‏آخر‏' ‏قد‏ ‏ينافس‏ ‏ولو‏ ‏بشكل‏ ‏محدود‏ ' ‏الصوت‏ ‏الواحد‏ ' ‏المعتاد‏ ‏عليه‏, ‏والمفروض‏ ‏من‏ ‏عقود‏ ‏طويلة‏ ‏او‏ ‏علي‏ ‏اقل‏ ‏تقدير‏ ‏قد‏ ‏يشكل‏ ‏استثناء‏ ‏غير‏ ‏مرغوب‏ ‏فيه‏ ‏ولا‏ ‏حل‏ ‏معه‏ ‏إلا‏ ‏بالإقصاء‏ ‏أو‏ ‏التشويه‏ ‏أو‏ ‏القهر‏ ‏والاضطهاد‏ . ‏وقد‏ ‏يمارس‏ ‏ذلك‏ ‏كله‏ ‏تحت‏ ‏دعاوي‏ ‏وشعارات‏ ‏وعناوين‏ ‏عريضة‏ ‏براقة‏ ‏تخفي‏ ‏وراءها‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏الممارسات‏ ‏الاستبدادية‏ ‏أو‏ ‏الاحتكارية‏ ‏أو‏ ‏القهرية‏ ‏ولكن‏ ‏لا‏ ‏بأس‏ , ‏فكل‏ ‏ذلك‏ ‏متوقع‏ ‏ومفهوم‏ ‏طالما‏ ‏استمر‏ ‏ذلك‏ ‏الصراع‏ ‏الإقليمي‏ . ‏

‏ولكن‏ ‏تلك‏ ‏الشرعية‏ ‏السياسية‏ ‏القديمة‏ ‏لم‏ ‏تولد‏ ‏علي‏ ‏مدي‏ ‏تلك‏ ‏عقود‏ ‏طويلة‏ ‏سوي‏ ‏نمط‏ ‏واحد‏ ‏صارخ‏ ‏للمعارضة‏ ‏اتخذ‏ ‏من‏ ‏الدين‏ ‏شعارا‏ ‏لانتزاع‏ ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏حق‏ ‏المعارضة‏ ‏السياسية‏ ‏وانما‏ ‏توليد‏ ‏شرعية‏ ‏سياسية‏ ‏خاصة‏ ‏به‏ ‏وصلت‏ ‏بدورها‏ ‏الي‏ ‏حد‏ ‏التطرف‏ ‏وربما‏ ‏الفاشية‏ ‏المسلحة‏ ‏في‏ ‏بعض‏ ‏الأحيان‏ . ‏وأصبحت‏ ‏الصورة‏ ‏أكثر‏ ‏قتامة‏ ‏وبؤسا‏ ‏في‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط‏ . ‏ولأن‏ ‏تلك‏ ‏التيارات‏ ‏في‏ ‏الترسيخ‏ ‏لشرعيتها‏ ‏المتطرفة‏ ‏اتخذت‏ ‏من‏ ‏نفس‏ ‏الصراع‏ ‏الإقليمي‏ ‏سببا‏ ‏آخر‏ ‏أو‏ ‏مكونا‏ ‏أساسيا‏ ‏في‏ ‏صراعها‏ ‏السياسي‏ ‏الحقيقي‏ ‏علي‏ ‏السلطة‏ ‏والحكم‏ , ‏فقد‏ ‏عاد‏ ‏بنا‏ ‏المشهد‏ ‏مرة‏ ‏أخري‏ ‏إلي‏ ‏أزمة‏ ‏منطقة‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط‏ ‏المزمنة‏ ‏والمتمثلة‏ ‏في‏ ‏استمرار‏ ‏الصراع‏ ‏العربي‏/ ‏الإسرائيلي‏ ‏بشكل‏ ‏عام‏ ‏والفلسطيني‏/ ‏الإسرائيلي‏ ‏بشكل‏ ‏خاص‏ , ‏وليس‏ ‏أدل‏ ‏علي‏ ‏ذلك‏ -‏أي‏ ‏اتخاذ‏ ‏ذلك‏ ‏الصراع‏ ‏مكونا‏ ‏أساسيا‏ ‏للشرعية‏ ‏السياسية‏ ‏في‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط‏ - ‏سوي‏ ‏المقارنة‏ ‏بين‏ ‏النظام‏ ‏البعثي‏ ‏العراقي‏ ‏القديم‏ ‏وبين‏ ‏النظام‏ ‏الإيراني‏ ‏اليوم‏ , ‏فالعداوة‏ ‏بينهما‏ ‏في‏ ‏السابق‏ ‏وصلت‏ ‏الي‏ ‏حد‏ ‏الحرب‏ ‏القاسية‏ ‏العنيفة‏ ‏التي‏ ‏امتدت‏ ‏علي‏ ‏مدي 8 ‏سنوات‏ ‏في‏ ‏الماضي‏. '‏فالبعثية‏' ‏المبنية‏ ‏علي‏' ‏القومية‏ ‏العربية‏' ‏تقاطعت‏ ‏مع‏ ‏خصمها‏ ‏صاحب‏' ‏القومية‏ ‏الفارسية‏' ‏في‏ ‏نفس‏ ‏تلك‏ ‏المنطقة‏ ‏أو‏ ‏المساحة‏ ‏تحديدا‏ ‏وهو‏ ‏نفس‏ ‏المبرر‏ ‏المعلن‏ ‏الآن‏ ‏للتقارب‏ ‏بين‏ ‏إيران‏ ‏وسوريا‏ ‏وحزب‏ ‏الله‏ ‏وحماس‏ ‏وغيرها‏ ‏من‏ ‏منظمات‏ ‏جهادية‏ ‏أخري‏ ‏بل‏ ‏إن‏ ‏تنظيم‏ ‏القاعدة‏ ‏بدوره‏ ‏بات‏ ‏يأخذ‏ ‏من‏ ‏تلك‏ ‏القضية‏ ‏مكونا‏ ‏رئيسيا‏ ‏لشرعيته‏ ‏ومبررا‏ ‏للممارسات‏ ‏الفاشية‏ ‏أو‏ ‏المسلحة‏ .‏

إذن‏ ‏التحول‏ ‏نحو‏ ‏الحرية‏ ‏والديمقراطية‏ ‏في‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط‏ ‏سيظل‏ ‏مرتهنا‏ ‏بحل‏ ‏ذلك‏ ‏الصراع‏ ‏والعكس‏ ‏صحيح‏ ‏أي‏ ‏ان‏ ‏انتهاء‏ ‏ذلك‏ ‏الصراع‏ ‏سيظل‏ ‏بدوره‏ ‏مرتهنا‏ ‏بتحقيق‏ ‏الحرية‏ ‏والديمقراطية‏ ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏توليد‏ ‏شرعية‏ ‏سياسية‏ ‏جديدة‏ ‏تقوم‏ ‏علي‏ ‏المصادر‏ ‏العقلانية‏ ‏في‏ ‏الإنجاز‏ ‏والأداء‏ ‏والتمثيل‏ ‏المتوازن‏ ‏والمتنوع‏. ‏

ولاشك‏ ‏أن‏ ‏حل‏ ‏الصراع‏ ‏لن‏ ‏يكون‏ ‏قاصرا‏ ‏علي‏ ‏المؤتمرات‏ ‏والاجتماعات‏ ‏والاتفاقيات‏ ‏وحدها‏ ‏وإنما‏ ‏علي‏ ‏مدي‏ ‏التغيير‏ ‏الفعلي‏ ‏علي‏ ‏أرض‏ ‏الواقع‏ ‏أي‏ ‏مرتبطا‏ ‏بالسياسات‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏وترسيخ‏ ‏ثقافة‏ ‏السلام‏ ‏والحرية‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏أخري‏ , ‏والأخيرة‏ ‏تحتاج‏ ‏إلي‏' ‏أصوات‏' ‏مختلفة‏ ‏سواء‏ ‏علي‏ ‏الساحة‏ ‏الإسرائيلية‏ ‏او‏ ‏العربية‏ ‏تساعد‏ ‏علي‏ ‏التحول‏ ‏من‏ ‏حالة‏ ‏عدم‏ ‏السلام‏ , ‏وعدم‏ ‏الاستقرار‏ , ‏وغياب‏ ‏الديمقراطية‏ ‏الي‏ ‏عكس‏ ‏ذلك‏. ‏فهل‏ ‏هذا‏ ‏ممكن‏ ‏؟‏ ‏أم‏ ‏سيظل‏ ‏طريق‏ ‏العبور‏ ‏من‏ ‏الماضي‏ ‏الي‏ ‏المستقبل‏ ‏مغلقا‏ ‏في‏ ‏تلك‏ ‏المنطقة‏ ‏الحيوية‏ ‏من‏ ‏العالم‏ , ‏أي‏ ‏منطقة‏ ‏الشرق‏ ‏الأوسط‏ ‏؟‏ ‏

بعد سلسلة من الأزمات في الوطن العربي في السبعينات والثمانينات عاشت الاحزاب السياسية عموما وأحزاب اليسار بشكل خاص أزمة عميقة وربما قاتلة جرت افكار ردة نتيجة تدهور الاوضاع المعيشية ، ثم اخذت الفكرة الديمقراطية تفرض نفسها من جديد على الرأي العام الرسمي والشعبي . ( نستطيع القول ان الديمقراطية هي العقيدة الرئيسية التي تكتسب مواقع جديدة في حجر الرأي العام العربي، على الرغم مما تتعرض له من حصار وعمليات مقاومة وإجهاض ليس من قبل الجمهور ولكن من قبل السلطات الرسمية والنخب الحاكمة.)
برهان غليون ورقة مقدمة امام المؤتمر العلمي الثالث لقسم اصول التربية _ جامعة الكويت.

هل هناك بلد عربي ديمقراطي..؟
هل توجد في طيات الملفات البرنامجية للحكومات العربية أي خطوة صادقة نحو الديمقراطية ..؟

نريد توضيحاً لهذين السؤالين . الشعوب العربية كلها تريد الجوابين. لا توجد حكومة عربية واحدة لا ( تدين) بشعارات الديمقراطية أو أنها تنكر أثرها النافع. ولا يوجد وزير عربي واحد لا يدّعي الديمقراطية. لكن في سبيل كشف هذه الغاية فلا يوجد رسمي عربي واحد قادر على تقديم أداة تفسيرية واحدة يمكن ان نستخلص بها الصفات الصحيحة في التجربة الديمقراطية . النقطة الوحيدة التي تكتنف بعض التجارب ( مصر ..سوريا.. لبنان .. الأردن .. الكويت ..) هي الانتخابات البرلمانية بغض النظر عن أختلاف أو تنوع تلك التجارب التي لم يكن لها أي دور فعال وحقيقي في الديمقراطية .

الشيء الوحيد الذي تجمع عليه غالبية الشعوب العربية هو أن الوطن العربي بحاجة إلى تغيير . ليس فقط لأن الشعوب العربية بحاجة إلى تغيير نمط الحياة السياسية ، بل أن ثمة غاية أعلى يجب ان تحكم سلوكنا في الحياة كي نواكب التحول العالمي السريع وكي تصبح شعوبنا قادرة على تقرير مستقبلها.

إذا أقررنا ما تقدم فأن تغيير الاوضاع القائمة حالياً يضع شعوبنا في مجرى التقدم العالمي الذي يحدث ، موضوعياً، وتحديداً عبر الاطلسي.. بمعنى ان التغيير في الوطن العربي هو جزء من حركة عالمية ليس للعرب أنفسهم سيطرة عليها. وهي تدخل ضمن إطار تحولات حضارية كبرى.

هبت منذ الثمانينات رياح جديدة غيرت جذرياً المناخ السائد . نستطيع القول إننا دخلنا في العالم منذ انهيار الشيوعية السوفياتية حقبة جديدة متناقضة في تصوراتها وأهدافها وحوافزها وغاياتها للحقبة الشمولية السابقة . تم التعارف على تسميتها بالليبرالية الجديدة . وهي جديدة بالفعل لأن محركها الرئيسي هو الانتقال من انساق الرأسمالية الوطنية ، وفي احسن الأحوال العابرة للقارات، إلى الرأسمالية العالمية ، أو إذا أردنا استخدام المفهوم الشائع اليوم (عولمة) تتحكم بها آليات تعمل على صعيد العالم أو القسم الفاعل فيه.

كان من نتائج الدخول في هذه المرحلة التي واكبها تطور استثنائي للثورة العلمية والمعلوماتية دور كبير في إظهار نقائص النموذج الشمولي السوفياتي. سواء كان ذلك على مستوى التقنية أو في ميدان تحسين الشروط المعيشية والسياسية للسكان.

* كان لأنتشار تكنولوجيا المعلومات والاعلام نصيب كبير في كشف الثمن الأنساني المرتفع للنمو المحدود الذي تحققه النظم الشمولية اليمينية.

* انكشفت مساويء هذه النماذج وتبيان عجزها فأدى ذلك إلى تصفية الدكتاتوريات الفاشية أو العسكرية في أوربا. وأميركا اللاتينية. ( ملاحة بعضها سقط بفعل الارادة الشعبية وبعضهالاسقط بمظاهرات وبضها سقط لوجود دور أجنبي مباشر وغير مباشر ). ثم تفككت الانظمة الشمولية اليسارية .

* فقد النظام الشمولي مشروعيته في نظر الرأي العام بما في ذلك في نظر المسؤولين عنها. لم يعد احد يفكر في الدفاع عن هذا النظام.

* الجميع يتحدثون عن الديمقراطية بما فيهم النظام العراقي.

· يجري الحديث عن التعددية وطبعاً عن التعددية الشكلية.

· خرجت الكثير من الانظمة من نظام الحزب الواحد ومن الدكتاتوريات العسكرية وما يرتبط بها من السيطرة المطلقة لطبقة كومبرادورية رأسمالية أو لبيروقراطية الدولة على كل مستويات النشاط الاجتماعي.

· ان الانظار تتجه نحو الصين فهذا النظام يحاول تكييف النظام البيروقراطي الشمولي مع حاجات نمو الرأسمالية الخاصة بل اخضاعه لخدمة هذا النمو

· كذلك فان نفس الانظار تراقب الوضع في اندنوسيا بعد ان توقع الكثير من المراقبين ان هناك اتجاهاً نحو التصفية التدريجية للطبقة البيروقراطية ورموزها، وألأتجاه نحو الديمقراطية.

في المغرب تجربة من نوع آخر تجلت في التفاهم بين الحكومة الملكية والمعارضة اليسارية في ايجاد مخرج لأزمة البلاد.عن طريق :
(1) توسيع دائرة المشاركة في السلطة
و(2) إقرار ديمقراطية تداولية جزئية .

· في اوربا الشرقية لم تنجح الديمقراطية إلا للأسباب التالية :

(1) أحتوائها من قبل اميركا واوربا الغربية وتقديم الدعم السياسي للحكومات التي جاءت إلى الحكم بعد سقوط الاشتراكية.

(2) تقديم الدعم المادي من البنوك والحكومات الغربية.

· لا تزال افريقيا تصارع من اجل استبدال النظم الشمولية بنظم ديمقراطية في اطار الهيمنة المباشرة للدول الغربية والتنافس في ما بينها على انتزاع موقع نفوذ أو الحفاظ على مواقع تاريخية.

· وهكذا فان عملية الانتقال نحو التعددية السياسية التي شهدتها دول عربية مثل مصر والأردن وتونس والجزائر واليمن وموريتانيا وغيرها . هذه العملية لم تؤد إلى حدوث تغيير جوهري في طبيعة السلطة وأساليب ممارسة الحكم حيث حرص الحكام على إحاطة تلك العملية بجملة من القيود والضوابط السياسية والقانونية والادارية والممارسات العملية ، التي أفرغتها من مضامينها الحقيقية ، بل جعلتها في بعض الحالات كآلية لتحديث الطبيعة التسلطية للنظم الحاكمة .

· وعلى الرغم من وجود تعددية حزبية في العديد من الدول العربية إلاّ ان النظام الحزبي في معظمها يفتقر إلى الفعالية ، مما يجعل دوره هامشياً في العملية السياسية ، وذلك بسبب كثرة القيود التي تفرضها النظم الحاكمة على أحزاب المعارضة من ناحية ، وهيمنة الحزب الذي يترأسه رئيس الدولة على مقاليد العمل السياسي ، كما هو الحال في مصر وتونس وموريتانيا واليمن من ناحية ثانية ، وضعف امكانيات التعاون والتنسيق بين احزاب المعالرضة من ناحية ثالثة بالأضافة إلى افتقار الكثير من الاحزاب العربية للقواعد الجماهيرية والأطر الفكرية الواضحة والديمقراطية الداخلية .

· توجد نظم عربية عديدة قامت بأجراء انتخابات برلمانية بصفة دورية في ظل التعددية ، إلاّ انه في معظم الحالات كانت العملية الانتخابية عرضة للتلاعب والتزوير والتدخل من جانب أجهزة الدولة ومؤسساتها مما أفقدها مصداقيتها وجديتها . كما أن النظم العربية التي تأخذ بالتعددية السياسية تضع كثيراً من القيود على تنظيمات المجتمع المدني مما يحد من استقلاليتها ، بل ويجعلها مجرد امتدادات لأجهزة الدولة في عديد من الحالات . كما ان هناك عدة مؤشرات تدل على تعثر عملية التحول الديمقراطي في الدول المعنية أبرزها : أستمرار هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية في كثير من الحالات وضعف استقلال السلطة القضائية ، وتعد مظاهر أنتهاك حقوق الانسان ..ألخ . تجري كل هذه الممارسات في ظل أطر قانونية تتضمن الكثير من القوانين الأستثنائية التي تفرض قيوداً على حقوق المواطنين وحرياتهم.

بهذا الصدد يعتقد بعض الباحثين ( أن الأنفتاح السياسي الجزئي أوجد هامشاً ديمقراطياً محدوداً ) كما أن باحثين آخرين وجدوا ( أن نظماً عربية عديدة أتجهت إلى تضييق هذا الهامش مع الوقت تحت دعاوى ومبررات مختلفة ، مما أصاب عملية التطور الديمقراطي بحالة من التعثر والجمود ن بل والتراجع في بعض الحالات) .
أنظر دراسة د. حسنين توفيق أبراهيم في مجلة السياسة الدولية أكتوبر 2000م.

أن عملية الأنتقال نحو التعدديةالسياسية ليست مجرد مصدر من مصادر الأجهزة الاعلامية ، بل هي ، في الجوهر رابطة حقيقية بين القوى السياسية مجتمعة بما في ذلك العلاقة بين القوى المختلفة والسلطة الحاكمة. ثمة ألتزام مؤكد تبرهنه الحكومة وفي حالة فشلها في الوفاء بهذا الألتزام فأنه لا يعتبر مجرد خطأ وإنما يعني ذلك ان الحكومة تتجه نحو الدكتاتورية والأستبداد إن لم تكن فعلاً حكومة دكتاتورية. فالتعددية السياسية لا تؤدِ إلى حدوث تغيير جوهري في طبيعة السلطة وأسلوب ممارسة الحكم .

أن مؤيدي الديمقراطية يعارضون مبالغات (الدولة) وصحافتها الرسمية حول مدى التطبيق الديمقراطي ، ففي الوقت الذي يظن فيه هؤلاء الرسميون (عادة في وزارات الأعلام وصحفها) أن الديمقراطية مطبقة بنسب عالية خاصة في تلك الدول التي تجري فيها انتخابات برلمانية ، بينما يرى غالبية الأكاديميين والسياسيين المستقلين والمعارضين أن عملية الانتقال نحو التعددية السياسية التي شهدتها دول عربية مثل مصر والأردن وتونس والجزائر واليمن وموريتانيا ، هذه العملية لم تؤدِ إلى حدوث تغيير جوهري في طبيعة السلطة وفي أساليب ممارسة الحكم ، حيث حرصت الطبقات الحاكمة على أحاطة الديمقراطية والدعوات القاعدية لتطبيقها إلى جملة من القيود (القانونية ) والى جملة من الضوابط الصادرة وفق أوامر فوقية أو وفق تصورات فردية وأدارية وفي الممارسات السلطوية اليومية. على نحو ما في التطبيقات البسيطة يتضح أن وضع الآمال في التجربة الديمقراطية في سياق تتابع الطبقات الحاكمة أمر بلا جدوى إن لم يكن أمراً ميؤوس منه. بل يمكن الاستنتاج اليقيني أن استخدام الأسانيد ( القانونية) في تقييد بيئة التطبيق الديمقراطي يجعلنا واثقين أن بعض الحكومات العربية وفي بعض الحالات يستخدمون مصطلحات الديمقراطية وتفرعاتها كآلية لـ(تحديث) الطبيعة التسلطية للنظم الحاكمة مستندين إلى الإدعاء بالديمقراطية لتفادي عداء الطبقات الشعبية ، أو لضمان أكبر جانب من الاحتمالات المؤاتية.

لا شك ان عملية تعثر التطور الديمقراطي في العالم العربي يؤكد على ان مبادرة بعض النظم العربية بالأخذ بالتعددية السياسية لم تأت كنتيجة لقناعة تلك الانظمة بالديمقراطية وأيمانها بأهميتها وجدواها كصيغة سياسية ملائمة تضمن المصالح المتنافسة في المجتمع بأساليب سلمية ومنظمة ، ولكنها جاءت نتيجة لأعتبارات وحسابات عديدة تتعلق بحرص النظم الحاكمة على ضمان أستمرارها وذلك من خلال اتخاذ التعددية السياسية كمصدر للشرعية السياسية بعد أن تآكلت مصادر الشرعية التي كانت تعتمد عليها هذه النظم في السابق وعجزها عن ترسيخ ما يعرف بشرعية الانجاز.

تثير عملية التطور الديمقراطي في الوطن العربي العديد من القضايا أهمها:

1) طبيعة الثقافة السياسية العربية وافتقارها إلى القيم الديمقراطية .
2) أزمة بناء الدولة الوطنية الحديثة في الوطن العربي .
3) تعقد العلاقة بين الإسلام والديمقراطية .
4) ضعف المردود الايجابي لسياسات التحرير الأقتصادي على قضية الديمقراطية .
5) تصاعد حدة الأزمة الأقتصادية والأجتماعية في معظم الدول العربية .

وإذا كانت هناك عوامل موضوعية ، داخلية وخارجية ، أسهمت وتسهم في تكريس ظواهر التسلطية والأستبداد في البيئة السياسية العربية ، فالمؤكد أن جمود الطبقة الحاكمة في معظم الاقطار العربية وتوقفها عن التجديد ، يمثل متغيراً هاماً في هذا الأطار .

فالطبقة الحاكمة تفتقر في معظمها إلى ما يلي :

1) نقصان التربية السياسية الديمقراطية فهي في أغلبها إما من العسكريين أو من المقربين العشائريين أو خليط منهما.
2) عدم القدرة على التخلي عن روح النظم والعلاقات التسلطية .
3) عدم وجود رغبة حقيقية في تجديد الدولة وأساليب عملها.
4) عدم الرغبة في تخلي العناصر التي يثبت فشلها الاداري عن قمة الهرم السياسي.

هذه النقاط وغيرها تجعل مفتاح الدولة ومغلاقها بيد شخص الحاكم في كثير من الحالات والدول . يتحول الحاكم الفرد بعد ذلك إلى الاتجاه نحو بناء الدولة على اسس الاجهزة الامنية الحديثة لزيادة قمع المؤسسات والاحزاب المعارضة والحفاظ على كرسي حكمه بكل وسيلة وثمن.

ان الدولة ( المخابراتية) المستندة إلى اجهزة الامن والمخابرات في علاقاتها مع السكان المدنيين انما تقوم على فرض الهيمنة والسيطرة على مختلف قوى وتنظيمات المجتمع المدني وعلى القوى والاحزاب المعارضة . لذلك نجد الطبقة الحاكمة تنظر إلى التعددية السياسية ليس كآلية من آليات العلاقة السياسية الديمقراطية بل كآلية من آليات أستمرارها بالسلطة . ذلك لأن الأقرار بالتعددية الصحيحة معناه الإقرار بجوهر الديمقراطية الصحيحة ومعناه بالتالي الأقرار بمبدأ تداول السلطة سلمياً .. وهذا معناه في الجانب العملي الأقرار بأمكانية تغيير السلطة عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة . هذا أمر لا تقبل به حتى الآن أية طبقة من الحكام العرب.

خلال السنوات الاخيرة من العقد التسعيني الماضي أزدادت التوقعات لدى الشعوب العربية بأمكانيات حدوث تغيير أساسي في الواقع العربي مع تولي السلطة قيادات شابة في عدد من البلدان العربية كما هو الحال في قطر والأردن والبحرين والمغرب وبعد ذلك في سوريا . وبدأت الكثير من الأحزاب بما فيها أحزاب معارضة ليس في تلك البلدان حسب بل في بلدان عربية أخرى تراهن على أمكانية أنجاز خطوات هامة على طريق التحول الديمقراطي في ظل القيادات الجديدة.، خاصة وان الحكام الجدد الذين تولوا السلطة في الأقطار المذكورة قد اتخذوا إجراءات إعلامية متفاوتة قيل إنها تمهيداً لزيادة مساحة الانفتاح السياسي. لكن الواقع الاستراتيجي لم يتغير ، ولم يثبت ان الإجراءات التي اتخذوها كانت قناعة حقيقية لنهج ديمقراطي إستراتيجي. بل ان الواضح تماماً أنها اتخذت كإجراءات تكتيكية لتحقيق ما يلي :

1) تخفيف حدة التوتر الداخلي .
2) البحث عن مصدر جديد لشرعية البقاء في السلطة.
3) الحصول على تأييد دولي من الغرب المطالب بـ(الديمقراطية ..!)
4) تأمين الحصول على قروض ومساعدات أقتصادية من بعض الدول الغربية ومن المؤسسات التمويلية الدولية التي تشترط الديمقراطية اساسا في التمويل ..!

لا بد من الإشارة أولاً إن الدول النامية (مثل المتخلفة) وخاصة العربية منها مملوءة بالتناقضات الاجتماعية ، وهي على العموم بلدان لم تستغل مواردها وموادها الأولية استغلالاً علمياً ناجحاً أو كاملاً. وتجد في هذه البلدان تناقضات بارزة لها علاقة بالغرب. فهي تصدر للغرب موادها الأولية والخام وتستورد منها التكنولوجيا والمواد الاستهلاكية. وبالتالي فإنها تتشبه بالغرب من جهة وتقف بوجهه في كثير من الحالات من جهة أخرى. ويبدو ان هذا التناقض لا يسير باتجاه الحل في المدى المنظور مما يضع الفجوة بين العالمين المتقدم والمتخلف على حاله إن لم تتواصل في اتساعها.
 
يتبع

¤ الديمقراطية المعاصرة وكيف تراها مجموعات المثقفين المعاصرين (1)
 


 

Counters

 

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس