| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جميل محسن

 

 

 

الجمعة 16/9/ 2011

 


ربيع بغداد 16/9 .... جمعة الفرز بين السلطة والثورة

جميل محسن

كلما اقتربت نسائم ثم رياح ربيع العالم العربي من حدود إحدى دوله , واستشعر الحاكم بواسطة مجساته المخابراتية بالخطر , استدعى في الحال وسائل الإعلام الخاصة والعامة ليطلق تصريحاته مباشرة مدوية , قاطعة حاسمة , بان لا شأن لدولته السعيدة الهادئة المستقرة بهذا الحراك والاضطراب الشعبي الناتج عن القلق والفساد وسوء الإدارة في الدولة التي أصابها إعصار الربيع , والحاكم هناك غير شعبي ولا يتمتع بالتأييد الداخلي .

- العاصفة الربيعية تدور وترفع المستور شرقا وغربا , لأن الهم واحد , والعوائل الحاكمة متشابهه , رؤساء أو ملوك , منذ أن ابتدع جنرال جمهوري , فقرة التوريث وأضافها للأعراف و الدساتير المفصلة على مقاس الطبقات الحاكمة إلى الأبد , والفرق مع الدول ذات الأنظمة الملكية العربية إن هذه الأخيرة مستقرة أكثر ضمن هيكلياتها القديمة , وتتفهم شعوبها مسألة التوريث , ولا يصيبها الحسد أو الغيرة من جمهوريات القادة التاريخيين , وهي تشاهد التجهيز العائلي للأبناء ليأخذوا مكان الآباء الرؤساء القادة المنتخبين (ديمقراطيا) بعد عمر طويل .

- في العراق نحاول البحث عن طريقنا الخاص , الذي لايختلف في أهدافه الأساسية عما ناضل وسعى إليه الإنسان المتحضر في كل زمان ومكان , ودرجة الوصول نسبية وتختلف كثيرا بين دول العالم , قبل وبعد أن طرحت الثورة الفرنسية للإنسانية جمعاء برنامجها البسيط , حرية عدالة مساواة , وتمر السنين وتتفهم الشعوب معنى الاختيار الحر للحاكم , وامتلاك الحق في تغييره , مع تراجع صورة ونمط الخليفة والإمبراطور والملك المطلق الصلاحية , ظل الله في الأرض الذي لايحاسب ولا يتغير إلا بالموت والقتل , تغير العالم من حولنا , وبقينا مكانك راوح , الدول العربية والشرق الأوسط السعيد بالنفط والقادة العظام , وككل راكد لابد أن يصيبه يوما العفن والفساد , كالماء والزاد والبشر والأنظمة , طفح الكيل وانتشرت الرائحة النتنه , وإذا بالمجتمع الواحد صنفين لا ثالث لهما , أقلية فاحشة الثراء تحيط بالعائلة الحاكمة , وأغلبية معطلة مغيبة يائسة بائسة تزداد كما وتقل علما وأملا في مستقبل مضمون وحياة حرة كريمة .

- في العراق ثانية , يظن الحاكم الحالي ومن حوله بأنه محصن من هذه المعادلة الظالمة , فقد تلاشت العائلة الحاكمة والقائد التاريخي والأقلية المستفيدة وما كانت عليه من قهر للآخرين وفساد , وذلك بعد التدخل الأمريكي العسكري المباشر واحتلال العراق عام 2003, وتطبيق المبادئ الديمقراطية وتمكين الشعب من الانتخاب لأختيار حكامه ونوابه وقادته , كما قيل , وكتابة دستور جديد يحضى بثقة الشعب ويصون حقوقه وواجباته ,كما قيل ثانية , ولكن أين الخطأ والمصيبة التي أوصلتنا لتشكل أقلية طبقية فئوية فاسدة تحكم لتسرق وتخرب وتجعل البعض يترحم على ما فات ؟

- لست هنا في وارد تقديم دراسة يحتاجها تقييم مصير مظلم تراجعنا إليه , ولكن على الأقل هنالك ملاحظات من الواجب أن تقال , ونحن نشاهد الآخرين يستفيدون من أخطاء ماحصل في بلدنا كي لا يكرروا نكباتنا , وأولها ان الشعب العراقي الذي استيقض في نهار 9/4/2003 ليشاهد انهيار كامل لنظام شمولي دام 40 عاما احتوى الدولة ومؤسساتها ووزاراتها وجيشها وشرطتها ومجتمعها المدني وما تبقى من هياكل مزيفة لأحزابها واتحاداتها المهنية والعمالية , والمتبقي في البلد شعب , مجتمع , جسد , بلا رأس أو قيادة وطنية , سياسية , في المقام الأول , لان البقية تفاصيل ملحقة , وجاء الاحتلال , المحرر كما وصف نفسه , ليكمل التجربة المرة المأساة , وينصب نفسه حاكما فعليا اجنبيا لدولة وشعب قديم عمره 7000 سنة وتكر مسبحة الأخطاء والألم بمجلس الحكم الطائفي القومي , الذي حول دولتنا المنهارة إلى حقل تجارب حكم شهري لكل عضو في هذا المجلس الموقر , وبدأت الجماهير ثانية وكالعادة هي من يدفع الثمن للتخريب المستمر ولحد الوقت الراهن , وتواصل صعود متسلقين مغامرين كثرة من الخارج وقلة من الداخل , تجمعوا في المنطقة الخضراء تحميهم الأسوار القديمة للنظام السابق , وربما أفكاره , وما زادوه هم أيضا واقتنعوا بأنه الطريقة الأنجح للبقاء في السلطة والحكم بالعراق .

- باقي الشعب الغفير كالعادة هو في الخارج , خارج الأسوار , بدأ أهل الداخل الطائفي العنصري القومي , يصدرون إمراضهم الخبيثة وألوانهم المكتسبة , ليصبغوا بها الشعب العراقي , وأصروا بان علاج المجتمع هو في تفهم الفروقات العمودية بين أفراده وقراءتها وكأنها أساس صراعاته , فالشعب من وجهة نظرهم وبالأساس ليس واحد ذو توجه أنساني , بل هناك في الدين , المسلم والمسيحي والصابئي والايزيدي , كما هنالك الشيعي والسني وما يحتويان من جماعات فقهية ذات ولاء مختلف , وهناك العربي والكردي والتركماني وباقي القوميات الممثلة في مجلس نواب المنطقة الخضراء , والمشكلة أنهم نجحوا وللسنوات الماضية في فرض وجهة النظر المجتزئة هذه , وتحويل الثانوي إلى رئيسي , وتلقف التخلف والجهل المنتشر بين فئات الشعب هذه اللعبة , ليقدم خدمات جليلة للأقلية الحاكمة من وراء الأسوار , وغيب الشعب وخدر تماما إلا فيما ندر , بينما أكملت الأقلية الحاكمة لعبتها , وهي تعلم جيدا أن فروقات المجتمع هي أفقية حتما تتمثل في بلدان الأنظمة الفاسدة , بين أقلية متماسكة , لديها عناصر النفوذ , المال والسلطة والقوة المسلحة , وأغلبية متخلفة متحفزة للصراع بين مكوناتها وفئاتها ومناطقها وطوائفها وقومياتها , لاتمتلك فعليا وليس دعائيا , ادني مقومات المجتمع المدني من اتحادات ومجالس ونقابات مهنية حرفية عمالية , لاصناعة ولا زراعة ولا إنتاج ولا اقتصاد حر ومستقل لديها وتتلقى أوامرها , وسبل عيشها , وأرزاقها من فتات ما يلقى إليها كرواتب اومساعدات , منة ومنحة وتفضل , من تلك الأقلية الذكية الحاكمة .

- نجحت اللعبة تماما للسنوات الماضية , غيب الشعب وقواه الحية والشابة , أصبحت مسيرة ومنتقاة الشعارات حتى المظاهرات والمسيرات وحركات الاحتجاج القليلة , المبرمجة والخارجة كلها , عدا بعض النوادر غير المؤثرة , من معطف الأقلية الحاكمة وحسابات فئاتها , لأضهار القوة , عند تعداد المكاسب ومناطق النفوذ والسيطرة ونهب المال العام .

- اليوم وفي جمع الغضب القليلة والربيع البغدادي العراقي , رأيت ,نوع , أنساني ورغبة وإرادة , رأيت مخيرين لامسيرين , أفراد وجماعات , يرفعون شعاراتهم بعيدا عن السلطة ,فالسلطة لاتتضاهر بل تحكم , ويقرر الشعب فشلها او نجاحها , يشتبكون حتى مع بعضهم أحيانا , ولكنهم أهل حق ومعاناة , ووعي ضرورة طال انتظاره , لحالهم البائس .

- أهل الحكم وكالعادة في كل زمان اقرب أولا إلى مشاهدة الصورة الكاملة , واكتشاف العدو النقيض , لذا رأيت الشبيحة وازلام السلطة أول من يأتي إلى ساحة التحرير وآخر من يغادر , يراقبون , يهتفون , يتحرشون , ولكن العاصفة تبدو اقوى من تحركاتهم , الخوف اليوم هو من (الاحتياط المضموم ) للأقلية الحاكمة , وما سيستحضرونه من خزائن قواهم البشرية والدعائية لاحتواء أو حرف مطالب , هذه المجموعات والأفراد ذوي الوعي والإصرار , المستمرون في الحضور وإعلان الغضب في ساحة التحرير وكل مدينة عراقية من الشمال وحتى الجنوب  .
 

free web counter

 

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس