د. جاسم محمد الحافظ
القطاع الزراعي ضحية لتدني كفاءة الأدارات السياسية في البلاد ..د. جاسم محمد الحافظ
ان مشكلة القطاع الزراعي كانت ولازالت من بين أكثر الموضوعات المقلقة للمهتمين بشؤنها من ناحية , ولعموم المواطنيين من ناحية ثانية , وذلك لأرتباطها الوثيق بأمكانيات تلبية حاجات الناس المتنامية للغذاء , الذي يعد توفيره من بين الحقوق الأساسية للأنسان , وفق ما نصت عليه معاهدات ومواثيق منظمات حقوق الأنسان الدولية , وعدم توفيره أو تسهيل الوصول أليه يُعتبر أنتهاكاً لهذا الحق الأساسي . وطبيعي بأن القطاع الزراعي الذي يشكل أحد الفروع الرئيسية في البنية الهيكلية للأقتصاد الوطني المتسم للاسف بالأحادية والتشويه في بلادنا , لم ينل نصيبة من نظم البيئة المحيطة به , لضمان خلق الظروف المناسبه لتنمية فروعه المختلفة نباتية كانت أم حيوانية , بل أن هذه النظم قد رَحَلَت مشاكلها الى هذا القطاع الهام من أنتاج الخيرات المادية , وعرقلت نموه وتطوره اللآحقين , لأن طبيعة العمليات التحويلية للنشاط الزراعي الهادفة أصلاً لأنتاج المحاصيل الزراعية , تجري على مدخلات – كالاسمدة والمبيدات واللقاحات والمكائن والآلآت الزراعية وانظمة الري الحديث - منشأها في الاساس مخرجات نظم أخرى من نظم البيئة المحيطة بالوحدات الأنتاجية الزراعية , تلك الوحدات التي أذا ما توفرت لديها الأدارة الفنية الكفؤة فأنها ستصل الى أفضل توليفة بين عناصر الأنتاج المتاحة , لضمان أعلى أنتاج بأقل تكلفة ممكنة – مع قناعتي بان غالبية الكوادر الفنية والأكاديمية في وزارة الزراعة ومديرياتها تتمتع بكفاءات جيدة رغم عدم راعاية الدولة لمصالحهم - , كما أن ملابسات وتعقيد العملية السياسية في العراق , وما ورثته من خراب ممنهج لأكثر من ثلاثين عاماً , ألقت بظلالها الثقيلة على مختلف مناحي الحياة الأقتصادية والأجتماعية , خاصة وأن بعض أطراف القواى النافذة في الحكم مصرة على دفع الناس الى الأصطفاف بناء على أنتماءاتهم العرقية والطائفية , وليس على اسس المصالح الأقتصادية للفئات والطبقات الأجتماعية والمصالح العليا للوطن المشترك , تلك الأسس التي تشكل بكل تأكيد ضمانة أكيدة ورافعة قوية لمشاعر التآخي والوحدة الوطنية , وتمهد لآفاق تطور أقتصادي وتنمية أجتماعية منشودة . ومن دواعي الحيرة والأحباط الكبيرين , أن تُقَدم الحكومة الموقرة مشروع الميزانية العامة لسنة (2012م ) الى ممثلي الشعب , بعد عشر سنوات عجاف من أنهيار النظام البائد , بهذه الرؤية الأقتصادية السطحية وغير الموفقة في أحداث نهضة تنموية متوازنة قطاعياً وجغرافياً , وفي ظل موشرات أقتصادية أوردها البنك الدولي ومفادها أن القطاع الزراعي قد وظف في عام 2009م 17% فقط , في وقت كانت نسبة العاطلين عن العمل في المناطق الريفية قد بلغت 22% . ومن الملاحظ أن قسوة البطالة قد طالت الشباب الذين تراوحت أعمارهم ما بين 15 – 17 سنة , الأمرالذي شكل تحدياً مستقبلياً كبيراً في مجتمع معدل النمو السكاني فية قد تجاوز ال3% , كما أن الميزانية قد قُدِمَت وبتخصيصات متواضعة للقطاع الزراعي , رغم أن أحصائيات وزارة التجارة العراقية تؤكد بأن العراق أستورد ما نسبته 75% من القمح و90% من الرز في عام 2011 لسد العجز في الطلب الكلي على هذين المادتين الغذائيتين اللتين أستنزفتا موارد طائلة من المال العام تقدر ب(5 بليون دلار أمريكي ) , مما يشير الى رغبة بعض أطراف الحكومة على أبقاء العراق سوق مفتوحة للسلع الغذائية المستوردة , لتلبية مصالح فئة التجار الكبار , اللذين تهدد التنمية الزراعية والصناعية الوطنية مصالحهم الأنانية الضيقة , واللذين سيسعون بأستمرار الى عرقلة سعي الدولة للنهوض بهذين القطاعين الحيويين , ولأبقاء الأوضاع على حالها البائس هذا , كما تؤكد ذلك الأتجاهات الرئيسية لميزانية 2012 م , التي سوف لن تلعب دوراً حاسماً في مكافحة الفقر والجهل المستشري , الذي ما فتأت تنبه عن مخاطره غالبية القوى الوطنية والديمقراطية وتحذر من مدياته التي بلغت حدوداً غير مسموح بانتشارها في بلد ثري مثل العراق , فنسبة العاطلين عن العمل , وفق أحصاءيات وزارة التخطيط العراقية بلغت في عام 2010 م حوالي 30% , في وقت تُبين فيه بيانات الأمم المتحدة بأن حوالي 25% من سكان العراق يعيشون تحت خط الفقر .
أنني أعتقد بأن الأزمات السياسية التي تخلقها قيادات الأحزاب المتصارعة على السلطة والمال , ليس ألا هروباً في بعض جوانبها من مواجهة الأزمات الأقتصادية والأجتماعية الطاحنة , وأستحقاقات التنمية والمشروع الديمقراطي , تلك التي تقتضي طاقما سياسياً قادراً على تحديد الأولويات من جانب , وكفء في حشد الموارد المادية والبشرية لتحقيق أهداف المجتمع من جانب آخر , أن العراق الغني بثرواته وموقعه الأستراتيجي يستحق أفضل من نظام المحاصصة هذا .
بغداد في 28-1- 2012